بوريطة يدعو إلى إصلاح عميق للشراكة الأورو -متوسطية لجعلها فضاء لتحقيق نتائج ملموسة    التقدم والاشتراكية يطالب وزير الداخلية بالتصدي الحازم لاستعمال المال في الانتخابات    72 في المائة من تجار الجملة يتوقعون استقرار المبيعات خلال الفصل الثالث من 2025 (مندوبية)    ناشط مؤيد لإسرائيل يقتل في جامعة أمريكية    بوريطة: التصريحات بشأن احتلال قطاع غزة وترحيل الفلسطينيين منه خطيرة ومرفوضة ويجب التعامل معها بحزم وبالصرامة الضرورية    بوريطة: "المغرب يؤيد عقد قمة استثنائية عربية إسلامية لمناقشة الاعتداء الإسرائيلي على قطر"    البطولة.. الكوكب المراكشي يستقبل نهضة بركان بالملعب الكبير عوض الحارثي    إدريس الروخ يحذر جمهوره من شخص ينتحل اسمه وصورته    جولة فنية مرتقبة لدنيا بطمة بعدة مدن مغربية    القاعات السينمائية المغربية تستقبل فيلم "كازا كيرا" ابتداءً من 17 شتنبر    «حسام أمير».. من الإطار البنكي إلى نجم صاعد في سماء العيطة والأغنية الشعبية    دعوة إلى الكنوبس لمراجعة إجراءاته الخاصة بمرضى السرطان    أمن أصيلة يوقف مروجاً للمخدرات القوية متلبساً وبحوزته كميات معدة للترويج    أخنوش رسم حصيلة "إيجابية" لحكومته.. لكن أرقام المؤسسات الدولية والمعارضة تقدم صورة مختلفة    في أكادير.. سوق الكتب المستعملة متنفس للأسر أمام غلاء مستلزمات الدخول المدرسي    أخنوش: الفلاحة التصديرية تستهلك مياها أقل بأربع مرات من حجم المياه المستوردة عبر القمح    توقيف بارون مخدرات مطلوب لدى المغرب في مليلية    الكتابة والاستضافة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    توقيع اتفاقية شراكة لتطوير منصة وطنية للذكاء الاصطناعي المسؤول    أخنوش: أسسنا لحوار اجتماعي "جاد ومعقول" والمكاسب المحققة شملت الموظفين والأجراء والمتقاعدين    بسبب غزة.. إسبانيا تقترح معاملة الرياضيين الإسرائيليين مثل الروسيين    بوريطة ولافروف يبحثان سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية التي تجمع المغرب بروسيا        تحذير لقضاة الأسرة من شبكة إجرامية تزور وثائق خاصة بتعدد الزوجات    سلا: مصرع جانح بالرصاص بعد اعتدائه على شرطي    محكمة فرنسية تفرج عن مهاجرة مغربية رفضت الترحيل رغم وضعها غير القانوني    منسقة أممية تتفقد المينورسو بتندوف    900 مليون يورو من الفواكه والخضر المغربية تصدر نحو أسواق إسبانيا    تقرير: وضع الديمقراطية في العالم مقلق وحرية الصحافة في أدنى مستوى لها منذ 50 عاما    لماذا يتفادى الركراكي مواجهة المنتخبات القوية..؟    افتتاح مرحلة ما قبل البيع لتذاكر مونديال 2026 (فيفا)    دي ميستورا يعري عورة الجزائر و ينسف مزاعم الحياد التي يجترها وزير خارجيتها عطاف    لامين يامال: "أحلم بالفوز بعدة كرات ذهبية"    رونالدو يثير الجدل بمتابعته مؤثر مسلم يقدم محتوى تعريفي عن الإسلام    لقجع يصدم خصوم الحاج أبرون ويحفظ مصداقيته أمام حملة تشكيك في طريق عودته لرئاسة المغرب التطواني    وزراء يؤكدون أن مشروع "AYA" خطوة للمغرب نحو تفعيل استراتيجيته الصناعية وتعزيز سيادته الغذائية        استغلال سيارات أجرة بطنجة لوثيقة تسعيرة مزورة تجرهم للمساءلة القانونية    طيارون يقرون بميلهم المتزايد إلى أخذ قيلولة أثناء الرحلات الجوية    الصين تفرض عقوبات على "ريد نوت" بسبب محتويات "تافهة" و"سلبية"    مقتل طفل وإصابة آخرين جراء اقتحام سيارة حضانة قرب تورونتو بكندا    ارتفاع طفيف للذهب وسط توقعات بخفض الفائدة الأمريكية        معرض الصين الدولي لتجارة الخدمات (CIFTIS) هذا العام.. القطاع السياحي والثقافي في قلب اهتماماته    الصين تكشف عن مخطط لتسريع تكامل الذكاء الاصطناعي مع قطاع الطاقة    بطولة انجلترا: الاصابة تبعد الدولي المصري مرموش عن ديربي مانشستر    الزاوية الكركرية تحتفي بإصدارات الشيخ محمد فوزي الكركري    حسام أمير يعيد إحياء "حكّام الرجال" بأسلوب معاصر        بعد جدل طلاقها .. سكينة بنجلون تطلق نداء عاجلا لحسن الفذ    188 مليون طفل ومراهق يعانون السمنة .. والأمم المتحدة تحذر    دراسة: أسماك الناظور ملوثة وتهدد صحة الأطفال    دراسة: أسماك الناظور ملوثة بعناصر سامة تهدد صحة الأطفال    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النهوض بأوضاع ذوي الإعاقة.. مسؤولية وطنية وأخلاقية وضرورة تنموية
نشر في العمق المغربي يوم 27 - 06 - 2019

كثيرا ما نتحدث، بإسهاب و بحسن نية، في أمور نحسبها مهمة، و نركز في تفاصيل قضايا نظنها تعني الناس جميعا، و ننتقد سياسات عمومية في التعليم و الصحة و التجهيزات و الشباب و محاربة الفقر…إلخ، و نحن نعتقد بمحورية تلك القضايا و بيقين تام بأن لا شيء يعلو عليها. نقوم بكل ذلك، و نحن نوجه تفكيرنا صوب مواطنينا الذين يعانون من الأثر السيء للنواقص المسجلة في تلك القطاعات والمجالات، ونتعاطى مع المطروح من مطالب نترافع بشأنها، باعتبارها أقصى ما ينتظره الناس.
ولكننا في كثير من الأحيان، ننسى أو نغفل عن احتياجات أخرى كثيرة، و ربما بسيطة في تكلفتها و قيمتها مقارنة مع التجهيزات و المشاريع الكبيرة التي تشغل بالنا، و هي تلك الاحتياجات التي تطالب بها فئة “مغيبة” من أبناء بلدنا، أظن أنها تتجاوز، حسب إحصائيات رسمية، ثلاثة ملايين مواطن مغربي، ممن يعانون من نوع من أنواع الإعاقة ولهم احتياجات خاصة (إعاقات بدنية أو إعاقات ذهنية / إعاقات خلقية أو إعاقات مكتسبة بعد الولادة، أو نتيجة حوادث و أمراض…).
هي فئة تعيش بيننا، مع أسرها، في عتمة الصمت و المعاناة، وفي مجموعة من الحالات، تعيش بين فكي ضيق الحالة المادية و الظروف المعيشية الضاغطة، و العجز عن توفير مستلزمات الاستشفاء و الرعاية، من دواء و تحهيزات للتحرك و التنقل. بل هنالك عدد كبير من الحالات، تعاني فيها الأسر، إضافة إلى ذلك، من ضغط معنوي و حالة من “الخجل” غير المبرر موضوعيا، لكنه مفروض بسبب النظرات القاسية و السلوكات الاستعلائية و التحقيرية المشينة التي لا زالت للأسف تصدر عن البعض، في محيط اجتماعي ظالم و مستفز لا يحمل قيم الإنسانية أحيانا. حيث أن بعض الناس لا يفهمون طبيعة بعض الإعاقات أو الأمراض، يتصرفون مع أصحابها، ربما بدون شعور و بدون استحضار للعواقب النفسية لمثل تلك السلوكات، بشكل بعيد عن قيمة الاحترام والتقدير الواجب لكل مخلوقات الله سبحانه، كيفما كان وضعها و حالتها الصحية.
وتدل بعض الأبحاث التي أنجز بعضها طلبة الجامعات المغربية، وهي للأسف قليلة بالنظر إلى واقع معقد يحتاج مئات البحوث الاجتماعية و السوسيولوجية، على أن مجموعة من الأسر تستسلم لواقع اجتماعي بئيس، ليصير المعاق وكأنه سجين في بيته، من جهة لعدم توفر ولوجيات و ظروف تنقل، ولا وسائل و تجهيزات طبية ملائمة لنقله، و من جهة أخرى، كي لا يراه الجيران و لا تستفز رؤيته “شر و سوء أخلاق” بعض النماذج المتخلفة.
يضاف إلى ذلك أن ألاف المعاقين حركيا، و القادرين على التواصل و اكتساب مهارات، لا يستطيعون فعل ذلك لأن أزقة “الحومة” لا تتوفر على ولوجيات، كما أن حافلة النقل العمومي، إن وجدت، غير مجهزة بولوجيات للصعود إليها و النزول منها، كما هو الحال في المدرسة و الثانوية و مدرج الجامعة و السينما. و هي نفس الحالة التي نجدها في عدد كبير من المستشفيات، وفي عدد من دور الشباب، و عدد من الفضاءات الاجتماعية و المهنية. بل حتى عدد كبير من مساجدنا لا تبنى بشكل ييسر على المعاق حركيا، الوضوء أو الولوج لتأدية صلواته متى شاء.
و للأسف، رغم تنصيص دستور المملكة لسنة 2011 على منع التمييز على أساس الإعاقة، و رغم دسترة جميع الحقوق السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية للأشخاص في وضعية إعاقة، ورغم ما يظهر من حين لآخر من اهتمام يبديه بعض الفاعلين الحكوميين، لا زال العقل التدبيري في مواقع مختلفة بوطننا، يتصرف و كأن هذه الفئة من المواطنين مغيبة، و لا يتم، بالسرعة اللازمة و الإمكانات الضرورية و بالهندسة الاجتماعية الملائمة، القيام بما من شأنه التهوين على ذوي الإعاقة ما هم فيه من واقع، و تشجيع اندماجهم في محيطهم، و تقليص أسباب العزلة التي ترهقهم و تقهرهم، خصوصا الفقراء منهم.
ولأنني أعرف جيدا حالات أسر، لها أبناء أو أباء يحيون بإعاقات مختلفة، أعلم كم هي مضنية معاناتهم، و كم هي صعبة حياتهم، و كم هم مستعدون للتنازل عن كل ما يكسبون، عن أعضاء من أجسادهم، عن جزء من أعمارهم لو أمكن، ليستبدلوها بلحظة يستمتعون فيها بمنظر طفل مقعد أصبح فجأة يمشي، أو بفرحة أم أو أب، أو زوجة أو زوج، كان أعمى و أصبح يبصر، أو بفرحة مريض مزمن مسلتق على فراش منذ سنوات، قام من موضعه و خرج إلى شرفة البيت يطل على الشارع و هو يشرب كأس قهوة و يداعب ابنته الصغيرة أو أخته أو يبتسم أمام أشعة الشمس.
تحية مني، هنا، لمريم، و حياة، و عمي علي، الذين هم مني و أنا منهم. و تحية إكبار أشد لكل من ابتلي بإعاقة، كيفما كان نوعها، من مواطني وطني ممن لا أعرفهم شخصيا، لكنني أعلم أنهم موجودون بيننا في كل مدينة مغربية، بأعداد تستدعي وقفة تضامن و مؤازرة لهم و لعائلاتهم الكريمة الفاضلة، و تستدعي أن تتغير عقليات الناس و سلوكهم تجاههم. ولكن، يبقى الأهم من أي مؤازرة عفوية و إنسانية، هو التعجيل باعتماد بلادنا لسياسة عمومية ناجعة و متجددة و إرادية خاصة بهذه الفئة، بإمكانيات مادية كافية، و حكامة نموذجية تقطع مع أي ممارسات مشينة، و تمكن من فرض الاحترام لخصوصية المعنيين، و توفر لهم الولوجيات اللازمة، و المواكبة و العناية و الرعاية الصحية، و حتى تميزهم تمييزا إيجابيا يحترم كرامتهم وكرامة أسرهم، و يوفر لهم حقوقهم الإنسانية كاملة غير منقوصة، لأنهم مواطنون كاملي المواطنة، لا أقل من غير المعاقين و لا أكثر منهم.
كما يتعين التفكير في هذه الفئة الصامتة، بل أكاد أقول المغيبة والمغلوبة على أمرها و المستسلمة لقضاء الله و قدره، و استحضارها من طرف كل الفئات الاجتماعية و المهنية ببلادنا، و أقصد أساسا، هنا، المسؤولون بكل القطاعات العمومية، وطنيا و جهويا و إقليميا، و المنتخبون بكل الهيئات الترابية و المؤسسات المنتخبة. على كل هؤلاء أن يستحضروا هذه الفئة من مواطنينا، عندما يدبرون أمور الناس، و عندما يشرعون القوانين، و عندما يصرفون الميزانيات، و عندما يبرمجون مشاريع الطرقات والمستشفيات و المراكز الصحية و المدارس والمؤسسات التعليمية والاجتماعية و الاقتصادية، و خصوصا عندما يشرفون على فتح أظرفة الصفقات و المناقصات. على كل هؤلاء أن يعلموا أن ما هم فيه أمر جلل، و أن مواطنا معاقا سيحتاج، يوما ما، قضاء أمر ما، و قد يتعذر عليه الاستفادة منه لأن شيئا من “الفساد”، أو الكسل، أو انعدام روح المسؤولية، قد حصل يوما ما، في مكان ما، في مكتب ما، من طرف مسؤول ما.
كما لا يفوتني أن أذكر بأهمية استحضار فئة الأشخاص الذين يعانون من إعاقات، أو احتياجات خاصة، من طرف أرباب المقاولات و الشركات، في مناسبتين على الأقل:
– مناسبة عمليات التشغيل، و التي يقتضي مقام المسؤولية الاجتماعية للمقاولات، أن تفتح الباب أمام شباب معاقين، لكنهم نجباء و بإمكانهم تأدية عدة وظائف لا تتعارض الكفاءات المطلوبة لشغلها مع إعاقاتهم، ومنحهم فرصة ليتنافسوا و يتم تشغيل عدد منهم.
– مناسبة التصريح بالأرباح و تسديد الضرائب عنها، والتي يقتضي القانون و روح المسؤولية و الالتزام المواطن، المبادرة التلقائية و الإرادية بتأدية ما هو حق للمجتمع و للدولة. لأن ما قد يضيع من مداخيل مستحقة، أكيد سيضيع على فتاة معاقة أو طفل معاق، في مكان ما، فرصة الدخول إلى المدرسة أو تلقي الرعاية الصحية، و غير ذلك مما لا يرضى أحد منا أن يرى أبناءه محرومين منه. والأصل هو أن كل أبناء المغرب أبناءنا، كيفما كانوا، و حيثما كانوا. تلك هي أول الشروط الأخلاقية و القيمية لإطلاق دينامية تجديد الوطنية المغربية و صناعة المستقبل.
ويبقى بدون شك، أن الحياة تجربة عظيمة، و بها مواقف غريبة و مثقلة بالمعاني. لو تأملناها باستحضار أمور كثيرة لا نركز معها بالقدر الكافي، لأنها تبدو لنا صغيرة، لانتبهنا إلى عظمة مجموعة من المكتسبات و النعم الممنوحة بكرم إلاهي “بدون مقابل، و بدون ترافع، و بدون وساطة، و بدون سياسات عمومية”، و الحمد لله. حينها سنقف على حقيقة أن في حياتنا، و من حولنا، ألاف الناس يئنون في صمت، و سيتبين لنا كم نكون بؤساء و نستحق كامل الإدانة الأخلاقية، عندما نغرق في الحديث و السجال في أمور تعد ترفا بالنسبة للعديدين، و نتنازع بشأن قضايا لا علاقة لها بالمعيش اليومي لأبناء وطننا، و نضيع ذكاءنا و جهدنا في “حروب بئيسة” ليس فيها ما ينفع الناس، ولا علاقة لها بما ينتظره منا بسطاء قومنا ممن لا صوت لهم، و لا طريق لإيصال شكواهم إلا أن يقولو “يا رب فرج علينا!”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.