استئنافية الرشيدية ترفع عقوبة قاتل أستاذة أرفود إلى السجن المؤبد    فوز المجري لازلو كراسناهوركاي بجائزة نوبل للآداب    فرنسا تدعم استثمارات شركاتها في الصحراء المغربية    المطالب الشبابية بالمغرب: تطوّر الشكل وضرورة إعمال الديموقراطية التشاركية الرهانات الوطنية وتحديات العولمة (2)    المنتدى الاقتصادي المغربي الفرنسي : الأقاليم الجنوبية، قطب نمو جديد في صلب التعاون المغربي الفرنسي (زيدان)    المغرب يرحب بإعلان "ترامب" عن التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة    الملك محمد السادس يترأس غداً افتتاح السنة التشريعية الجديدة ويلقي خطاباً سامياً أمام البرلمان    إصدار القرار الرسمي لتحديد مؤسسات المجموعة الصحية الترابية بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة    طوفان الذاكرة    قصة قصيرة : الكتَابُ الذي رفضَتْه تسع وثلاثون دار نشر    إسرائيل تحتجز مغربيا ثالثا ضمن سفن كسر الحصار.. ومطالب متواصلة للدولة بحماية مواطنيها    منتجون مغاربة يتسلحون ب"الصمت" وتنويع الأسواق أمام غضب فلاحي أوروبا    الزاوية الناصرية تكشف تفاصيل منح "إسكوبار الصحراء" شهادة انتساب    حل بالمرتبة 47 عالميا.. تقرير يصنف المغرب ضمن فئة "الجوع المنخفض" ويوصي بدعم الفلاحين الصغار    وثيقة جديدة ل"جيل Z" تدعو لإصلاحات اجتماعية واقتصادية ومكافحة الفساد    جامعة الدول العربية ترحب بالتوصل إلى اتفاق لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة السلام في غزة    دراسة: الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تغير أعداد البكتيريا المعوية النافعة    نادي أنجيه الفرنسي يتعاقد مع أمين السباعي لمدة موسمين    جدل حول الملف المطلبي ل "GenZ 212".. بين طموح التعبير وانشقاق التنظيم وغموض المصدر    الأميرة للا حسناء في مؤتمر أبوظبي العالمي للحفاظ على الطبيعة    الأوقاف تحرر خمسة ملايين مغربي من الأمية وتقلص المعدل الوطني بأكثر من 29%    سيدي بوقنادل.. تفكيك شبكة خطيرة للاتجار غير المشروع في الأنواع المحمية    المغرب وبلجيكا يبحثان آفاق شراكة اقتصادية جديدة    أولى مراحل اتفاق غزة.. التنفيذ في 5 أيام وترامب يزور مصر وإسرائيل    اللجنة المنظمة تدعو الجماهير إلى الحضور المبكر لمباراة المغرب والبحرين وضمان الانضباط داخل المدرجات    حركية كروية بين الودي والرسمي.. أربع فئات لأسود الأطلس في الميدان اليوم    مونديال الشباب… المنتخب المغربي يواجه نظيره الكوري و عينه على انتزاع بطاقة العبور نحو الربع    محمد وهبي: مستعدون لمواجهة كوريا وسنحافظ على نفس النهج الجماعي والتركيز العالي    الأداء الإيجابي يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    سنة 2025 شهدت ثالث أكثر شهر شتنبر حرا على الإطلاق    سكت دهرا ونطق اتهاما    أمن طنجة يوقف فرنسياً من أصول جزائرية مبحوثاً عنه دولياً بتهم خطف واحتجاز وتهديد بالقتل    ناشطة سودانية تدعم سحب نوبل كرمان    إسرائيل: اتفاق غزة لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد مصادقة مجلس الوزراء    ترامب: العالم توحد حول "اتفاق غزة"    الأميرة للا حسناء تبرز جهود حماية البيئة في مؤتمر عالمي بأبوظبي    لأول مرة في العالم .. زراعة كبد خنزير في جسم إنسان    توقعات أحوال الطقس لنهار اليوم الخميس    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    الأرجنتين وكولومبيا والنرويج وفرنسا تواصل مسيرتها في مونديال الشباب    رابطة الدوري الإسباني تعلن إقامة مباراة برشلونة وفياريال بميامي كأول مواجهة أوروبية تقام خارج القارة        لوروا: المغرب نموذج للكرة الإفريقية    مفكرون يراجعون أثر الترجمة في تشكيل نظرة الغربيين إلى الذات الشرقية    تطوان تحتضن ملتقى الشعر العربي    سلاليون يحتجون على عامل مديونة    تداولات "البورصة" تنتهي بالانخفاض    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي        انطلاق الدورة الخامسة للمعرض المغاربي للكتاب "آداب مغاربية"        أردني من أصل فلسطيني وياباني وبريطاني يفوزون بنوبل الكيمياء    دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بسبب عوامل وراثية    الياسميني يترجم للفيلسوف "براندوم"    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في استعجالية عودة نخب الثقافة والفكر إلى الساحة
نشر في العمق المغربي يوم 09 - 12 - 2019

ليس عاديا و لا طبيعيا و لا معقولا أن يعرف مجتمعنا ما يعرفه من سجالات قوية، و من تدافع “تواصلي” فيه شيء كثير من الكلام في السياسة، و تعابير الاجتجاج والقلق من الأفق الذي يقال عنه أنه “غير واضح”، و من استمرار تمدد تيار غاضب يسفه كل شيء و يتحرك بدون تأصيل واضح، و رغم ذلك لا نسمع و لا نرى نخبنا الثقافية و الفكرية الوطنية حاضرة في وسائل الإعلام العمومي والخاص، في اليوم و الليلة، مرات و مرات، من زوايا مختلفة و متنوعة.
في بلدنا مفكرون و علماء اجتماع، و فلاسفة و أدباء، وعلماء دين، و متخصصون في الاقتصاد و التنمية و التهيئة المجالية و التدبير و السياسات العمومية، معترف لهم برسوخ حضورهم العلمي و المعرفي و النزاهة الأخلاقية، و لا مجال هنا لذكر أسماء معينة، كي لا أقترف جريرة نسيان أي منهم و كلهم يستحقون وقفة احترام. لعدد منهم إسهاماتهم وكتاباتهم التي قرأناها و نعود إليها لنفهم معاني الأشياء و نستوعب الظواهر المستجدة بعمق مفاهيمي رصين. و بالتالي، كيف يمكن أن يظل كل هؤلاء على ما هم عليه من تواجد خارج التداول اليومي لقضايا الناس، غير مستمع لرأيهم في نقاش ما يلهب تفكير المواطنين في الواقع وفي وسائل التواصل الاجتماعي، و التفاعل مع كل ذلك و تأطيره بالقدر الكافي من الموضوعية و الحكمة؟
كيف يمكن أن لا يكون هؤلاء، الآن و فورا، ضيوف إذاعاتنا و تلفزاتنا، في عدة برامج حوارية، و لا تخلق لهم محطات تواصلية متعددة بمدن وقرى المملكة، بالجامعات و المعاهد و دور الثقافة و القاعات الكبرى، ليحللوا و يشرحوا للناس دلالات هذا الصخب، و أسبابه و منطلقاته و آفاقه المحتملة، ويقدموا بدايات حلول معقولة و ممكنة، تعيد ترتيب الأفكار في ذهن كل مواطن، و كذا في ذهن الفاعل العمومي الذي له سلطة القرار؟
أهم غائبون إراديا، أم أريد لهم الغياب بشكل متعمد لسبب ما؟ أم أن هنالك، بحسب كل حالة، شيء من هذا و ذاك؟ أي شيء يا ترى يمكن أن نخسره لو أعدنا المثقف و المفكر المغربي إلى قلب دائرة النقاش العمومي ليؤطره و يضبطه؟ وعلى فرض أن هنالك احتمال لهذه “الخسارة”، و هو احتمال سوريالي لا يوجد سوى في أذهان من تعلو عندهم مصالحهم على مصالح الوطن، هل سنخسر بعودة المثقف و المفكر المغربي أكثر مما نحن الآن نخسره بأثر استراتيجي خطير تضعف معه، بشكل متسارع، حظوظ إبقاء التماسك الاجتماعي و النهضة الوطنية و الحق في التقدم و التنمية؟ هل هنالك خطر أكبر من استمرار وضعية الارتباك، و تمدد “الوشوشات الجانبية”، و ترك المجال مفتوحا أمام “فوضى الكلام”، و “الأشكال الجديدة للتعبير عن الاحتجاج” التي تتجدد و تتمدد بشكل غير مضبوط مؤسساتيا، و لا منضبط لأي معيار سوى “الحق في الغضب و التعبير عن الاحتقان”، فلا تحقق غاية و لا تنفع أهلها و لا تخدم الوطن ؟
أعلم أن سلبية مجتمعنا أصبحت طاغية، بل تبدو هيكلية في أذهان بعض من لا تعوزهم الحكمة و الكفاءة، و من بإمكانهم فعل الكثير و تقديم النصح و الرأي السديد، لكن أمام هذا المعطى هل علينا أن نظل هكذا ننتظر تفاعل النار بالهشيم يوما ما، في مكان ما، بسبب جزئية ما؟ أليس من المسؤولية الأخلاقية و السياسية و المجتمعية، بكل أبعادها، أن نمكن العقلاء من العودة إلى ساحة النقاش العمومي، بما يليق بهم و بقيمتهم، ليتحدثوا في وسائل الإعلام الكبرى و الأكثر وقعا، و يحدثوا الناس و يطمئنوهم و ينيروا لهم الطريق، و يحفظوا في وجدان العموم الأمل و التفاؤل، كي لا تختل الرؤية على الكثيرين فيسلكوا سبلا، لا يتصورون أبعادها وحجم الشر الذي توصل إليه، و ربما في الأصل هم لا يريدونها لولا ما بهم من ألم التهميش الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي، و ضغطه النفسي و المادي الرهيب؟
من العقل و الواجب أن نعيد فورا الاعتبار لكل المفكرين و المثقفين و كل العقول المغربية الأصيلة و المتعددة الروافد، و نجعل أصحاب الرأي الحقيقيين، و حملة العلم بكل فروعه، يتكلمون و يحتلون المشهد الإعلامي، لعلها تتوارى شيئا ما إلى الوراء، كل هاته “الكراكيز” التي خلقناها منذ مدة، باسم “الإبداع” تارة، و باسم “التجديد و مواكبة العصر” تارة أخرى. كما على من حاولوا أن “يخلقوا” لتلك “الرموز” أثرا في المجتمع، أن يعترفوا اليوم بحقيقة أن هؤلاء لا يؤثرون بشكل هادف و بناء، و أن “الكراكيز” لا يمكنها أبدا أن تحمي المجتمع في “زمن الفتنة”، ولا أن تعوض في وجدان الناس ما يحدثه خطاب الصدق وإبداع التميز و الفكر الأصيل و الكلمة الهادفة.
لذلك رأيي أنه من الممكن جدا، بشرط إسراع الخطى على طريق العودة بالمفكر و المثقف المغربي إلى مكانه الطبيعي في قلب دينامية مجتمعنا، و باستثمار الرصيد الثقافي و الفكري الوطني، أن ننجح في استرداد زمام المبادرة على درب تحصين الذات المجتمعية ضد كل الجراثيم الخطيرة التي تستهدفها من تسفيه و عدمية و تطرف وانحراف و فساد و تخلف و تحلل قيمي و من استهتار بالمسؤولية.
بما سبق و بإعادة الهيبة للقانون ليعلو على الجميع، و بربط المسؤولية بالمحاسبة، سيكون بإمكاننا تدبير المرحلة بكل تحدياتها الضاغطة، و السير بشكل عقلاني يحفظ المكتسبات و يعززها، و يتيح تصحيح الاختلالات، و يبني مساحات التوافق حول التأهيل الضروري لتدبير شأننا العام الوطني كي تستمر السفينة في إبحارها بهدوء و سكينة، و يستمر الافتخار بالإنتماء لهذا الوطن، و يظل الأمل غالبا على أصوات التشاؤم، و تبقى العزيمة قوية لمواجهة الصعوبات، و تبقى الهمة عالية لتحقيق الحضور التاريخي الذي نأمله و نتطلع إليه، و الذي تستحقه بلادنا بكل ما في مغربيتها من مجد و عراقة.
هي هكذا الأمور، لا تحتاج جهدا كبيرا لفهمها، و لا داعي للعناد في عدم الاعتراف بالحقائق كما هي: ما ينفع الناس يبقى والزبد إلى زوال مهما علا في مراحل معينة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.