بناء على مؤشر الجوع العالمي لعام 2025، الصادر في 9 أكتوبر الحالي، احتل المغرب المرتبة السابعة والأربعين عالميا من بين 123 دولة شملها التصنيف، محققا درجة 9.3 على مقياس من 100 نقطة، وهو ما يضعه ضمن فئة "الجوع المنخفض"، وفقا للتقرير الصادر عن منظمتي "ويلت هنغهر هيلفه" الألمانية و"كونسرن وورلدوايد" الإيرلندية. وأشار التقرير إلى أن المغرب سجل درجة 15.6 عام 2000 و11.5 عام 2008 ثم 8.6 عام 2016، مسجلا بذلك تحسنا تدريجيا في مكافحة الجوع وسوء التغذية خلال العقدين الماضيين، غير أن وتيرة التقدم تباطأت في السنوات الأخيرة. ويعزو الخبراء ذلك إلى استمرار التحديات الهيكلية في الأمن الغذائي والتغذية، ولا سيما في المناطق القروية وشبه القاحلة، حيث تتأثر سبل العيش بالظروف المناخية المتقلبة وندرة المياه.
وبحسب مؤشر الجوع العالمي 2025، يعتمد التقييم العام على أربعة مؤشرات فرعية أساسية، تشمل نسبة السكان الذين يعانون من نقص التغذية، ونسبة التقزم لدى الأطفال دون سن الخامسة، ونسبة الهزال، ومعدل وفيات الأطفال دون الخامسة. وقد أظهر التقرير أن المغرب يحقق نتائج متقدمة نسبيا في جميع هذه المؤشرات مقارنة بمتوسط بلدان إفريقيا الشمالية، إذ بلغت نسبة نقص التغذية نحو 6.5 في المائة من السكان، في حين تقدر نسبة تقزم الأطفال بنحو 12.8 في المائة، ونسبة الهزال ب 2.6 في المائة، أما معدل وفيات الأطفال دون الخامسة فقد انخفض إلى 1.6 في المائة، وهي نسب تضع البلاد في مستوى "منخفض" من الجوع وفق التصنيف الدولي. وأوضح التقرير أن المغرب يحتل المرتبة الخامسة عربيا بعد كل من الإمارات العربية المتحدة والكويت وتونس والجزائر، متقدما على مصر والأردن وليبيا والعراق. كما أكد أن تحسين مؤشرات التغذية في المغرب يعود إلى برامج الحماية الاجتماعية، مثل "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، واستراتيجيات الحد من الفقر، وتوسيع شبكات المياه الصالحة للشرب، فضلا عن الاستثمار في الصحة الأولية وتعزيز الأمن الغذائي القروي. ورغم ما حققه المغرب من تقدم ملحوظ في تقليص معدلات الجوع، إلا أن التقرير يلفت إلى تباطؤ واضح في وتيرة التحسن خلال الفترة ما بين 2016 و2025، إذ لم يتراجع المؤشر سوى بنحو 0.7 نقطة فقط خلال تسع سنوات. ويُرجع التقرير هذا التباطؤ إلى تأثيرات متداخلة للأزمات الاقتصادية العالمية، وتكرار موجات الجفاف، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهي عوامل مجتمعة أثرت في استقرار الأمن الغذائي الوطني. كما كشف أن نحو 2.4 مليون مغربي ما زالوا يعانون من نقص غذائي مزمن، فيما تسجل المناطق القروية معدلات فقر غذائي تفوق نظيرتها الحضرية بثلاثة أضعاف تقريبا، مما يعكس استمرار الفجوة بين المجالين الحضري والقروي في فرص الحصول على غذاء كافٍ ومتوازن. وفي سياق المقارنة الإقليمية، ذكر التقرير أن منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط حققت مؤشر جوع متوسطا يبلغ 12.5 نقطة، وهو ما يعني أن المغرب أداؤه أفضل من المتوسط الإقليمي. غير أن التقرير يحذر من أن التقلبات المناخية في المنطقة، وتراجع إنتاج الحبوب في بعض الدول، واستمرار الاعتماد على الاستيراد، كلها عوامل قد تهدد استدامة التقدم المحرز في العقدين الماضيين. وفي المقابل، أورد التقرير أن أعلى المراتب عالميا شغلتها دول مثل فنلندا، النرويج، أيرلندا، سويسرا، واليابان، التي جاءت جميعها ضمن مجموعة الدول الخمس والعشرين التي سجلت مؤشرات أقل من 5 نقاط، أي في مستوى "انعدام الجوع". وتتميز هذه البلدان، بحسب التقرير، بوجود نظم غذائية متكاملة، وسياسات اجتماعية وصحية فعالة، واستثمارات كبيرة في التعليم والتغذية. أما الدول التي جاءت في ذيل الترتيب العالمي، فتشمل الصومال التي سجلت مؤشرا قدره 42.6 نقطة محتلة المرتبة الأخيرة (123)، تليها جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومدغشقر وهايتي، وجميعها تقع ضمن فئة "الجوع المقلق للغاية" أو "شديد القلق" وأشار التقرير إلى أن هذه البلدان تعاني من مزيج كارثي من الصراعات المسلحة والانهيار الاقتصادي والتغير المناخي، ما أدى إلى تفشي الجوع وسوء التغذية على نطاق واسع، حيث يواجه أكثر من نصف السكان في الصومال وهايتي نقصا حادا في الغذاء. ويخلص التقرير إلى أن معدل الجوع العالمي في عام 2025 بلغ 18.3 نقطة، وهو تحسن طفيف فقط عن عام 2016 (19.0 نقطة)، مما يعني أن التقدم في القضاء على الجوع عالميا شبه متوقف. وأكد أن الهدف الدولي "صفر جوع بحلول 2030" أصبح خارج المتناول إذا لم تُتخذ إجراءات جذرية، كما نبه إلى أن 56 دولة لن تحقق مستويات "جوع منخفض" حتى بحلول منتصف القرن الحالي. وفي إطار التحليل الإقليمي، تضمن التقرير فصلا خاصا بإفريقيا جنوب الصحراء، التي ما زالت تسجل أعلى مستويات الجوع في العالم، بمتوسط 24.9 نقطة. وأوضح أن سبع دول إفريقية، منها الكونغو الديمقراطية والصومالوجنوب السودان وتشاد والنيجر، تعاني من مستويات "مقلقة للغاية". كما أكد أن الحروب والنزاعات والظواهر المناخية المتطرفة تمثل العوامل الأكثر تأثيرا في انتشار الجوع، إذ شهد عام 2024 أكثر من 200 ألف حادث عنف مسلح أثرت مباشرة في سلاسل الإمداد الغذائي. وأشار التقرير إلى أن منطقة جنوب آسيا تحتل المرتبة الثانية في معدلات الجوع، حيث بلغ متوسط مؤشرها 24.7 نقطة، مع تدهور ملحوظ في أفغانستان (29.0) وباكستان (26.0)، مقابل تحسن واضح في نيبال (14.8) وبنغلاديش (19.2). أما في أمريكا اللاتينية والكاريبي فقد بلغ المؤشر 7.9، وهو من أدنى المعدلات عالميا، غير أن هايتي شكلت استثناء حادا. وشدد معدو التقرير على أن التراجع في تمويل المساعدات الإنسانية وانحسار الاستثمارات الزراعية يسهمان في تفاقم أزمة الأمن الغذائي العالمي. فبحسب بيانات الأممالمتحدة، انخفضت المساعدات الإنسانية بنسبة 9.6 في المائة عام 2024، بينما ارتفعت النفقات العسكرية العالمية إلى 2.7 تريليون دولار، أي ما يعادل مئة ضعف ميزانية الإغاثة الإنسانية. أما فيما يخص مستقبل المغرب الغذائي، فقد اعتبر التقرير أن البلاد بحاجة إلى تسريع التحول نحو الزراعة المستدامة ومواصلة تطوير شبكات الحماية الاجتماعية وبرامج دعم الفلاحين الصغار، مع تعزيز القدرة على مواجهة الصدمات المناخية. كما دعا إلى تحسين جودة التغذية عبر التعليم الغذائي، ومكافحة السمنة وسوء النظام الغذائي الحضري المتزايد، الذي بدأ يشكل تحديا موازيا لسوء التغذية التقليدي.