سفير باريس بالرباط: فرنسا تدعم استثمارات شركاتها في الصحراء    بعد فترة توقف.. "جيل زد" يعود للشارع مطالبا بإسقاط الحكومة    المناظرة الوطنية الأولى حول الإشهار.. الدعوة إلى وضع إطار قانوني موحد لتحديث القطاع وتقوية تنافسيته    نتائج ضعيفة لدعم السكن.. أزيد من 198 ألف طلب وعدد المستفيدين أقل من 67 ألفا    فدوى طوقان : القصيدة الفلسطينية المقاوِمة        تفكيك شبكة للاتجار غير المشروع في الأنواع الحيوانية المحمية بسيدي بوقنادل    استئنافية الرشيدية ترفع عقوبة قاتل أستاذة أرفود إلى السجن المؤبد    فوز المجري لازلو كراسناهوركاي بجائزة نوبل للآداب    الملك محمد السادس يترأس غداً افتتاح السنة التشريعية الجديدة ويلقي خطاباً سامياً أمام البرلمان    المنتدى الاقتصادي المغربي الفرنسي : الأقاليم الجنوبية، قطب نمو جديد في صلب التعاون المغربي الفرنسي (زيدان)    المغرب يرحب بإعلان "ترامب" عن التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في غزة    إصدار القرار الرسمي لتحديد مؤسسات المجموعة الصحية الترابية بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة    طوفان الذاكرة    قصة قصيرة : الكتَابُ الذي رفضَتْه تسع وثلاثون دار نشر    وثيقة جديدة ل"جيل Z" تدعو لإصلاحات اجتماعية واقتصادية ومكافحة الفساد    الزاوية الناصرية تكشف تفاصيل منح "إسكوبار الصحراء" شهادة انتساب    جامعة الدول العربية ترحب بالتوصل إلى اتفاق لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة السلام في غزة    إسرائيل تحتجز مغربيا ثالثا ضمن سفن كسر الحصار.. ومطالب متواصلة للدولة بحماية مواطنيها    منتجون مغاربة يتسلحون ب"الصمت" وتنويع الأسواق أمام غضب فلاحي أوروبا    حل بالمرتبة 47 عالميا.. تقرير يصنف المغرب ضمن فئة "الجوع المنخفض" ويوصي بدعم الفلاحين الصغار    دراسة: الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تغير أعداد البكتيريا المعوية النافعة    المغرب وبلجيكا يبحثان آفاق شراكة اقتصادية جديدة    الأوقاف تحرر خمسة ملايين مغربي من الأمية وتقلص المعدل الوطني بأكثر من 29%    اللجنة المنظمة تدعو الجماهير إلى الحضور المبكر لمباراة المغرب والبحرين وضمان الانضباط داخل المدرجات    حركية كروية بين الودي والرسمي.. أربع فئات لأسود الأطلس في الميدان اليوم    نادي أنجيه الفرنسي يتعاقد مع أمين السباعي لمدة موسمين    الأميرة للا حسناء في مؤتمر أبوظبي العالمي للحفاظ على الطبيعة    أولى مراحل اتفاق غزة.. التنفيذ في 5 أيام وترامب يزور مصر وإسرائيل    سكت دهرا ونطق اتهاما    الأداء الإيجابي يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    محمد وهبي: مستعدون لمواجهة كوريا وسنحافظ على نفس النهج الجماعي والتركيز العالي    سنة 2025 شهدت ثالث أكثر شهر شتنبر حرا على الإطلاق    أمن طنجة يوقف فرنسياً من أصول جزائرية مبحوثاً عنه دولياً بتهم خطف واحتجاز وتهديد بالقتل    إسرائيل: اتفاق غزة لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد مصادقة مجلس الوزراء    ترامب: العالم توحد حول "اتفاق غزة"    الأميرة للا حسناء تبرز جهود حماية البيئة في مؤتمر عالمي بأبوظبي    ناشطة سودانية تدعم سحب نوبل كرمان    لأول مرة في العالم .. زراعة كبد خنزير في جسم إنسان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    توقعات أحوال الطقس لنهار اليوم الخميس    رابطة الدوري الإسباني تعلن إقامة مباراة برشلونة وفياريال بميامي كأول مواجهة أوروبية تقام خارج القارة    الأرجنتين وكولومبيا والنرويج وفرنسا تواصل مسيرتها في مونديال الشباب        لوروا: المغرب نموذج للكرة الإفريقية    تطوان تحتضن ملتقى الشعر العربي    سلاليون يحتجون على عامل مديونة    مفكرون يراجعون أثر الترجمة في تشكيل نظرة الغربيين إلى الذات الشرقية    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي            أردني من أصل فلسطيني وياباني وبريطاني يفوزون بنوبل الكيمياء    دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بسبب عوامل وراثية    الياسميني يترجم للفيلسوف "براندوم"    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المطالب الشبابية بالمغرب: تطوّر الشكل وضرورة إعمال الديموقراطية التشاركية الرهانات الوطنية وتحديات العولمة (2)

بعد أن تناولنا في العنوان-السؤال الأول مسألة الخدمات الأساسية، وحاولنا أن نبين هل كانت الشرارة؟ سنتناول في هذا العنوان-السؤال الثاني حول السياسات وممارساتها في استقراء للأوضاع الحالية على ضوء سيرورة المغرب المستقل للوقوف على التراكمات أو ما يمكن اعتباره عوائق بنيوية وسوسيوسياسية أمام التغيير والقطائع التي تبعث على الأمل الذي ما أن يخبو حتى يلمع في الأفق، لدرجة أن هناك مقولة رددها عدد من السياسيين المغاربة وتداولتها الكتابات « المغرب بلد الفرص المهدورة ».
2- السياسات العمومية والممارسات السياسية: الإرث والتحديث؟
لابد من الإشارة إلى أن دستور 2011 شكل قفزة نوعية في التاريخ الدستوري المغربي بعد تجارب ظلت القوى السياسية المعارضة تنعتها بالدساتير الممنوحة أو التوافقية. وهو ما يدفعنا وفق المنهجية التي أثرناها في الجزء الأول إلى اعتماد دستور 2011 في تشخيصنا، مع محاولة مقارنات للوقوف على ما أشرنا إليه في الفقرة الاستهلالية لهذا الجزء الثاني والجزئين اللذين سيليان.
بادئ ذي بدء لا بد من التمييز بين السياسة العامة والسياسة العمومية. فلئن كان من الصعب كتابة الأولى جمعا لأنها نوعية وتختلف جوهريا عن الثانية؛ إذ أن الدستور المغربي ميَّز بين السياسة العامة، والسياسات العمومية، والسياسات القطاعية. فالأولى، وإن كانت تقع ضمن دائرة اختصاصات رئيس الحكومة ويساهم فيها عدد من الفاعلين حددهم الدستور، فإنها لا تصبح سارية المفعول إلا بعد التداول فيها داخل المجلس الوزاري الذي « ينعقد برئاسة الملك، بمبادرة منه، أو بطلب من رئيس الحكومة، الذي يشارك في أشغاله بحضور الوزراء فقط. وللملك أن يفوض رئاسته، على أساس جدول أعمال محدد، لرئيس الحكومة … » (الخطاب الملكي، بتاريخ 17/06/2011 + الفصل 92/1). هكذا نفهم من منطوق بنود الدستور أن السياسة العامة تعني « التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة » وما يرتبط بها (الفصل 49 من الدستور). بينما السياسات العمومية والقطاعية فتستعمل بصيغتي المفرد والجمع عند الحديث عنهما، ويتم وضعهما على مستوى الحكومة والوزارة … لأن الحكومة تدبر قطاعات وملفات متعددة بشكل متضامن بين مكوناتها تحت إشراف رئيسها. هكذا، يتضح لنا أن هناك تقدما مقارنة مع التجارب عاشها المغرب منذ الاستقلال.
والخلاصة، تبقى السياسة العامة هي مجموعة المبادئ التوجيهية العامة والتنظيمية، في حين أن السياسات العمومية ومعها السياسات القطاعية هي الإجراءات الملموسة والمنسقة التي تتخذها الحكومة لمعالجة المشاكل المجتمعية. ويمكن القول بأن السياسة العامة تحدد المسار والتوجهات تحت إشراف الملك، والسياسات العمومية هي التفعيل والأجرأة التي يتم تنفيذها لتحقيق الأهداف التي يحددها هذا المسار أو ذاك التوجيه /التوجُّه، وذلك في إطار حكومة يديرها رئيس معين وفق نتائج صناديق الاقتراع وبعد ترسيم حكومته. وهكذا، نجد أن الدستور المغربي لسنة 2011 الجاري به العمل أسند للملكية دور الضامن لاستمرارية الدولة والمؤسسات، في حين يضطلع رئيس الحكومة بوضع البرنامج الحكومي الذي يتضمن السياسات العمومية التي تؤطر السياسات القطاعية.
وهذا يدفعنا أيضا لتحديد الفوارق بين السياسات العمومية وبين السياسات القطاعية (حتى في المفرد)، فالأولى هي مجموعة الإجراءات والقرارات التي تخطط لها الحكومة للإجابة عن الانتظارات وفق التعاقدات التي حملتها إلى هذا المنصب عبر الانتخابات وبالنظر للوعود التي سطرتها في برنامجها الانتخابي والمكونات المشاركة فيها، لكن في إطار السياسة العامة القائمة أو المحددة. أما السياسات القطاعية فتهدف إلى تنظيم عمل قطاع معين، مثل الزراعة أو الصناعة أو الخدمات المصرفية … من أجل تدبير الخدمات أو معالجة قضايا اجتماعية، مثل تحسين التعليم أو الصحة أو سوق الشغل، الخ.؛ هكذا، نفهم أن السياسة القطاعية هي نوع محدد من السياسة العمومية التي تركز على تنظيم وتطوير قطاع اقتصادي معين أو غيره، مع مراعاة خصوصياته … وبعبارة أخرى، فإن جميع السياسات القطاعية هي سياسات عمومية.
في حين، يغطي مفهوم الممارسة السياسية كلا من الإجراءات والأساليب التي يستخدمها الفاعلون في المجال السياسي أو المواقف والتعبيرات السياسية لمختلف مكونات الحقل السياسي في علاقة فيما بينها أو مع مختلف مكونات المجتمع ومؤسساته بالإضافة إلى الوسائل والأدوات والخدمات التي قد يستفردون بها دون باقي الفرقاء مثل الإعلام أو غض الطرف إلى جانب الانحياز للبعض دون البعض الآخر من خلال عدم مساواة الفاعلين أمام القانون أو تحريك مساطر تجاه البعض دون البعض الآخر. وتشير الممارسة السياسية إلى تلك الإجراءات الملموسة أو الرمزية التي يقوم بها الفاعلون السياسيون وصراعات القوة التي تجري في بلورة وممارسة الخدمة العمومية، وتحديد موضوعاتها وكيفية تدبيرها من أجل تحقيق الأهداف المنتظرة. كما أنها تتجلى في أشكال الصراع وتجلياته سواء بين مكونات القوى الحاكمة أو بين مكونات المعارضة أو بين الفريقين وحتى في محيط الحقل السياسي وخاصة المجتمع المدني.
وهكذا يتجلى أن الممارسات السياسية هي سيرورة دينامية ومعقدة لصناعة القرار والتي من خلالها تقوم الحكومة والمسؤولون بوضع السياسات وتنفيذها وتقييمها. وتتجاوز هذه الممارسة النموذج البسيط والعقلاني، وتتأثر بشدة بالأحداث الواقعية، والدوافع السياسية، وتأثير أصحاب المصلحة المختلفين. وتتعلق بمختلف سيرورات إعداد السياسات واتخاذ القرارات وتدبيرها.
عطفا على ما أشرنا إليه سابقا حول الخدمات الأساسية بشكل عام (انظر الجزء الأول)، سنحاول هنا أن نتطرق بنوع من التبسيط والتعميم إلى ما ارتبط بالخدمات الأساسية التي كانت موضوع الاحتجاجات الأخيرة (الصحة، التعليم، الفساد) ضد الحكومة الحالية وسياساتها العمومية والقطاعية، وممارساتها السياسية مع الإشارة إلى التطورات التي حصلت منذ الاستقلال في إطار مقاربات مقارنة عبر هذا التاريخ المغربي.
إن الحكومة الحالية التي يرأسها السيد أخنوش تتميز بأنها مكونة من أغلبية متجانسة سياسيا إلى حد كبير على عكس الحكومات السابقة (حتى تلك التي كان يقودها وزير أول)، والتي كانت خليطا وإن كان ينعت بأنه أغلبية؛ فإنه كان أقرب إلى تحالف وفاق وطني. وكانت تنعت هذه الأغلبية بأنها « مخدومة »، لدرجة أن أحد الفاعلين السياسيين نعتها بأنها « مرقعة مثل دربالة الهدّاوي ». إضافة إلى هذا كان هناك فكرة تلوكها ألسن العديد من الفاعلين والمحللين « بلقنة المشهد السياسي ». كما أنه لأول مرة، نجد أن هذه الأغلبية البرلمانية في الغرفتين (المستشارين والنواب) لها امتداد في المجالس الجهوية والمحلية، والتي بدا فيها هذا الامتداد، خاصة مع انطلاق هذه الاحتجاجات، كما لو أن هؤلاء المنتخبين ممثلون للحكومة محليا وإقليميا وجهويا؛ إذ أن هؤلاء المنتخبون لم يكلفوا أنفسهم عناء الخروج داخل دوائرهم لتهدئة الأوضاع أو الوساطة أو تقبل الملفات المطلبية لأنهم المؤهلون لعلاقتهم بالمباشرة مع الساكنة بمختلف فئاتها. وهو ما يفيد بأن هذه « الكائنات الانتخابية » كما يصفها البعض، لا تربط علاقة مع الساكنة إلا عند كل دورة انتخابية؛ إذ لا نجد مكاتب اتصال لهؤلاء على اختلاف مستوياتهم لاستقبال الساكنة وإخبارها بالمستجدات. كانت هناك تجربة فريدة لأحد المنتخبين الشباب الذي كان يتواصل عبر وسائط الاتصال الجماهيري مع ساكنة دائرته، لكن لم يستفد منها أخريات وآخرون.
وقد ساد لمرحلة طويلة إقرار بأن الأغلبيات تصل إلى الحكم عبر برنامجها الانتخابي، لكنها عند ممارسة الحكم تؤاخذها المعارضة بأنها « تحتمي وراء ما تسميه برنامج الملك » بل وصل الأمر بعد رفع « حالة الاستثناء » عند بداية السبعينيات إلى أن فريقا من المعارضة صرّح بأن وراء ما كان يوصف بصناعة الأحزاب وتفريخها منذ انطلاق مرحلة المسلسل الديموقراطي هي أن يقتنع المواطن بأن « كاع أولاد عبد الواحد واحد »، وهناك من رأى فيه استنساخ لتجربة الفديك (ترجمة لمسمى « جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية » التي تم استنباتها خلال أول انتخابات شهدتها البلاد بعد الحماية) التي دفعت القوى الوطنية التي ناضلت من أجل الاستقلال وتنصيب الشرعية (عودة الملك المرحوم محمد الخامس من المنفى المقرونة باستقلال المغرب) نحو المعارضة. وهي حالة فريدة في تاريخ الاستقلالات بكل من إفريقيا والعالم العربي والتجارب المماثلة عالميا. ومؤدّى تجربة الاستنبات والتفريخ، أنه كان يراد للمغاربة بأن يرووا أن أحزاب المعارضة التي كانت آنذاك منحدرة من الحركة الوطنية هي نفسها الأحزاب التي كان يطلق عليها « أحزاب الكوكوط مينوت ».
هذه الممارسة السياسية وما رافقها عطلت الانتقال الديموقراطي؛ حيث يمكن اعتبار ذلك فرصة لاختبار نوايا القوى السياسية التي دُفعت إلى المعارضة دفعا بعد مشاركة قصيرة في الحكم. غير أنه خلال مرحلة الانتقال بين العهدين تمّ إعلان ميثاق الأخلاقيات بين كل الأحزاب المغربية، والذي كان الأمل فيه الخروج إلى تقاطب سياسي يمكِّن المواطن من التمييز بين العروض السياسية بما يجعله منخرطا اعتمادا على الأفكار والخطابات السياسية لا وفق ما ساد من زبونية وروابط غير سياسية … وما إلى ذلك من أعراض تلك المرحلة. فوي خضم هذه التجربة بمختلف مستوياتها لم يكن للنساء ولا للشباب حضور وازن وإشراك فاعل. صحيح أن النساء منحن حق التصويت منذ الاستقلال، لكن حضورهن السياسي في مجتمع ذكوري كان منعدما لدرجة أنهن استعملن آلية من آليات التصويت ليس إلاّ. فقد كان هؤلاء أصواتا انتخابية أكثر منهم فاعلين سياسيين ومساهمين في القرار. وهو وضع تم تجاوزه؛ حيث بدأ فيه إدماجهم في الفعل السياسي مع مراجعة سن « الرشد السياسي » بالنسبة للشباب (الانتخاب والترشّح)، وإعلان اللائحة الوطنية والمناصفة بالنسبة للنساء. غير أن لائحة الشباب المعلنة سرعان ما تم التخلي عنها.
في هذا السياق السوسيوتاريخي العام، لم يتم القطع نهائيا وبشكل عام مع عدد من الممارسات السياسية في مختلف مراحل فرز الأغلبية، وولوجها إلى الحكم، وتعاملها مع المعارضة، وحتى مع انتظارات المواطنين. كما أن العديد من الوثائق السياسية (المواثيق) والوطنية (التقارير) التي تم إنجازها في مختلف الفترات السياسية لم يتم اعتمادها بالكامل بل كان يتم تجاهلها في وضع السياسات العمومية والقطاعية، وكأن الهدف من كل الفعاليات التي كانت تصاحب إخراجها هي غاية في حد ذاتها. لقد كان الانتقال من تجربة إلى أخرى أو ورش وغيره يتم دون تقييم لما سبق، ودون استخلاص الدروس والعبر بل أحيانا كان يعاد تدوير التجربة أو الورش نفسه عبر تجديد تعليبه السياسي دون مراجعة جذرية لأطره النظرية وحتى حكامته أو أهدافه.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، ونحن نتحدث عن مطالب الشباب، من يتذكر تجربة المجلس الوطني للشباب والمستقبل؟ ما العبر والدروس التي يمكن استخلاصها في إخفاقها أو حتى بعض إنجازاتها؟ وكانت هناك اجتماعات وطنية حول التربية والتعليم أفرزت لجنة وطنية ضمت كل ألوان الطيف السياسي والسوسيوتربوي، وانتجت ميثاقا وطنيا، عرف لقاءات حول إعماله. نُسِي الميثاق الوطني للتربية والتكوين، واستمرت الأزمة. وفي الماضي القريب، كان هناك حوار وطني لإعداد التراب وتلته جلسات سياسة المدينة، وظهر برنامج مدن دون صفيح … ولا زالت إلى يومنا هذا أزمة التعمير وإعداد التراب وتهيئه قائمة. وعرف الماضي القريب أوراشا حول التشغيل ورغم أنه تم الإقرار بعدم نجاعتها، لم يتم البحث في أسباب ذلك.
هذه الممارسات السياسية، ظلت في عمومها مستمرة … وهي التي أفقدت للسياسة بريقها، ودفعت الشباب إلى العزوف عنها وليس « العزوف السياسي »، لأن الشباب ظلوا مهتمين بالسياسة، لكن بأشكال وطرق لم يكن الجسم السياسي يلتقطها بل في كل هبة شبابية كان الفرقاء السياسيون يجتهدون في استقطاب من يقبل قواعد اللعبة السياسية … ورغم تحديث القوانين التنظيمية سواء تعلق الأمر بالأهلية السياسية أو التمثيل والتمثيلية داخل الأحزاب السياسية، لم يجد الشباب مكانة تذكر إلا ما ندر. وغالبا في سياق يتسم بالغلو في الإنجاز النادر والاستثنائي.
ووضع النقابات لا يختلف كثيرا عن وضع الأحزاب السياسية مع حضور شبابي في القطاع المدني. فالنقابات عموما ليس لها إلا استقلالية شكلية تجاه الأحزاب السياسية التي كانت وراء تأسيسها، وهو المحاولة التي عرف المغرب معها جمعيات الأعيان والتي اشتهرت تحت مسمى نقدي « جمعيات الوديان والسهول »، والتي وُلدت وفي فمها ملاعق من ذهب، لحد أنها أصبحت تدبر سياسات قطاعية في عدد من المناطق، واحتلت الحقل المدني مضايقة بذلك العمل المدني وقتذاك. وما فتئت العديد من هذه الجمعيات أن خبا وهجها بل واندثرت دون محاسبة أو حتى إعلان عن حلها. ولعل التذكير بهكذا ممارسات كفيل بتذكيرنا بحجم التراكمات وطبيعتها التي خلقت وضعا مأزوما، لا زال مطلوبا العمل على معالجة أعراضه بمزيد من الصرامة وتكاثف الجهود، وبنوع من الصبر والأناة والإيثار لدعم الثقة التي ما تندلع شرارتها حتى تحاول بعض الممارسات إطفاءها.
وعودة إلى الحكومة الحالية التي جاءت في هذا السياق السوسيوسياسي، وبعد المائة يوم من تنصيبها، تضمنت التقارير تثمينا لبعض إنجازاتها والتي لوحظ عليها أنها كانت غير متوازنة مع العديد من الإخفاقات خاصة تلك المرتبطة بالقضايا موضوع الاحتجاج، ألا وهي الصحة التي سجلت تذبذبا في تعيين المسؤول عنها، إلى جانب التدبير الصدامي لملف التعليم، والسحب المفاجئ وغير المفهوم لمشروع قانون المسطرة الجنائية من البرلمان آنذاك؛ والذي تمت المصادقة عليه مؤخرا أمام غضب عارم واستهجان من طرف مكونات المجتمع المدني، ورغم الملاحظات المقدمة حوله من طرف هيئات الحكامة الدستورية بأكملها. وقد اعتبر العديد من الفاعلين ذلك التفافا على المقاربة التشاركية في محاربة الفساد مشيرا إلى تعثر صدور قانون الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح.
فقد انفجرت خلال ولاية هذه الحكومة العديد من القضايا التي يتابع فيها أطر وأعضاء أحزاب مكونة لهذه الأغلبية الحكومية متابعون في ملفات مختلفة على ذمة التحقيق أو تروج في المحاكم، والتي أثارت اهتمام الرأي العام الوطني والدولي. فمنها ما هو مرتبط بممارسة المهام في المناصب التي كانوا يتولونها أو المسؤوليات التي آلت إليهم أو بممارسات غير مشروعة، ناهيك عن تقارير الافتحاص التي قام بها المجلس الأعلى للحسابات دون أن تتحرك النيابة العامة بشكل تلقائي وحسنا ما تم القيام به أخيرا من حذف للمفتشيات العامة التي لم تكن تقوم بأدوارها. وقد كان من الحري، إعادة هيكلها والاستلهام من ممارسات فضلى في بعض البلدان والدول. وقد سجلت بعض الجهات أن عددا من المتابعين أو الذين صدرت في حقهم أحكام تم ترشيحهم دون اهتمام بحماية العمل السياسي من العبث، حتى أن البعض رأى في أن ذلك يهدف فقط إلى حمايتهم باسم حصانة لا حق لهم فيها. وقد سجل عدد من المتابعين أن حمى الحصول على أغلبية مريحة أو ضمان تشكيل فريق نيابي بإحدى الغرف كان هاجس العديد من الأحزاب، لدرجة أن مقولة « مول الشكارة » أو صفة « الأعيان » كانت العلامة المميزة للمرشح المرغوب. ونسجل في هذا الصدد، تصريح أحد الأطر الحزبية بأن « الحزب مستعد ليعطي الأولوية لمرشح سيضمن كسب مقعد في دائرة ما » أو إنزال مرشح أو استنباته في دائرة انتخابية للحصول مقعد بها. وهذا النوع من ن الممارسات السياسية شكل عائقا حتى أمام مناضلي الحزب وأطره. وهو ما شكل رسالة سلبية لمن كان يدافع عن نبل العمل السياسي ومصداقيته دافعا إياه ليهجر السياسة بل وليكفر بها بالمرة. ناهيك عمّا سجله الإعلام من أن عددا مما ينعتها « الكائنات السياسية »، ولجت الحقل السياسي دون إعداد أو تأطير، وأوكلت لها ممارسة مهام ليست لها خبرة بها ولم تكتسب مهارات من خلال التدرج في العمل السياسي، وهو ما خلق تردي في العمل السياسي، وخلق تصحرا حزبيا ساهم في جعل حقل السياسة قاحلا لدرجة أن هذه الكائنات أصبحت موضوع فكاهة ونوادر من طرف الرأي العام. وهذه القحولة كان لها امتدادها في الفضاءات الأخرى من عمل مدني، وفعل ثقافي. ويظهر ذلك في العلاقات العائلية والزبونية بين الفاعلين في الحقل السياسي من بين المنتخبين في مختلف المناصب الجماعية والبرلمانية (لأول مرة في تاريخ المغربي، بدأت تظهر عائلات برلمانية مشكلة من أفراد الأسرة الواحدة)، ناهيك عن التدني الملحوظ في المستويات التعليمية بين ممثلي الأمة والمسؤولين على تدبير مؤسساتها في الجماعات الترابية. كما أن تمثيلية فئات الشباب وتمثيلها ضعيفين بشكل لا يعكس مكانتها في الهرم السكاني، وتوعها السوسيوديموغرافي والسوسيومهني. هذا دون الحديث عن التعامل مع اللائحة الوطنية التي جاءت في إطار الميز الانتخابي لفائدة النساء، ثم تحولت إلى ريع سياسي، وكذا عرقلة المبادرات السياسية داخل البرلمان (حالت ملتمس الرقابة الأخير)، وكذا الالتفاف عن مطالب المعارضة التي بدورها مبلقنة، ولا تشتغل بمقاربة تشاركية لأداء الدور الموكول إليها (حالة استبدال لجنة تقصي الحقائق فيما يتعلق بملف ما أصبح يعرف جماهيريا تحت مسمى « الفراقشية » واستبداله بلجنة صورية.
هذه التشوهات التي يتداولها الحقل الإعلامي والرأي العام والتي رصدناها بعجالة، طالما كان لها صداها في الخطب الملكية في عدد من المحطات، لكن على ما يبدو أن الطبع كان دائما يغلب التطبع، بالرغم من التطور الملحوظ سواء في تنظيم العمليات الانتخابية واحترام مساطرها المعلنة بشكل رسمي رغم ما يمكن قوله حول هذه المساطر وكيفية اعتمادها (حالة القاسم الانتخابي المعتمد في الانتخابات التي أفرزت هذه الأغلبية كمثال). لقد ساد لدى الرأي العام، أن القوانين التي تم وضعها لإعمال بنود الدستور لم تكن في مستوى انتظارات المغاربة بمختلف فئاتهم وشرائحهم الاجتماعية (المجالس المنصوص عليها في الدستور، قانون الإضراب، الخ.) بل إن هناك بنودا من الدستور لا زالت معطلة منذ صدوره، كما أن بعض الأوراش الإصلاحية التي تهم الهندسة المجتمعية مثل مدونة الأسرة، فلا زالت تراوح مكانها مثل قوانين مهمة أخرى.
في هذا السياق العام المتسم بهكذا خصائص، وكان وقتها المغرب خارجا لتوه من أزمة كوفيد في محيط عالمي غير مستقر ولكن مع هبة وطنية تضامنية، لم تنكب الحكومة الحالية على وضع برامج تصالح المواطن وبالأحرى الشباب مع السياسة بل اختارت الاعتماد على السوق في سياساتها العمومية مهتمة بالعرض بدل تأهيل الطلب وتأطيره ومرافقته في سياق « الدولة الاجتماعية » التي تم الإعلان عن اعتمادها. وبدا كما لو أن شعار المرحلة هو « إطفاء شعلة الديموقراطية »، وذلك سواء عبر صمّ الآذان والاعتداد بالقانون ضد حرية الرأي والتعبير، حتى أن رئيس الحكومة خرج مصرحا للإعلام الرسمي أن « المغاربة فرحون بما تقوم به الحكومة »، ليستيقظ على احتجاجات مفاجئة، وكأن الحكومة لا تتوفر على لوحة قيادة … ربما لأنها لم تكن تحس بما يعتمل داخل المجتمع جراء سياساتها، والمعارضة في غالبيتها، كانت تخوض صراعات مواقع ليس إلاّ.
فقد استمر ارتفاع الأسعار، وبدأت معدلات البطالة في الارتفاع. وقبل أزمة كوفيد، كانت هناك احتجاجات في مواقع الاتصال الجماهيري، لكن آذان أصحاب القرار ظلت صماء بل إن مجلس المنافسة أقر بالتفاف حول قانون المنافسة، كما أن تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها (أكتوبر 2024) وقف عند حجم الفساد … لكن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة تجاه هذه التقارير كانت محبطة سياسية؛ حيث أسفرت على لملمت الموضوع عبر إجراءات مسطرية شكلية لم تكن في مستوى عمل هاتين المؤسستين الدستوريتين كمثال. ونختم بالإشارة إلى أن تقرير الخمسينية (2005) كان قد حدّد أفق سنة 2025 للإجابة عن الدعامات الأساسية للتنمية البشرية المستدامة عبر سيناريوهات لتحقيق « المغرب الممكن » والذي كان من بين رافعاته الشباب. وهذه الدعامات هي اليوم موضوع الاحتجاجات (الصحة، التعليم، الاقتصاد، إطار الحياة، الحكامة). وكذلك جاء تقرير اللجنة الملكية الخاصة بالنموذج التنموي الجديد (2021) ليعيد التأكيد على الإجابة عنها من خلال الاستثمار في الشباب-الرافعة، ومنبها إلى الاهتمام بها، لكن لا حياة لمن تنادي.
إن المطالب موضوعية، ذلك أنه وفق التقرير العالمي للتنمية البشرية لسنة 2025 ظل المغرب محتلا للمرتبة 120 من بين 193 دولة رغم أن مؤشر التنمية البشرية في المغرب شهد زخما مستداما للنمو على المدى الطويل. فبين عامي 1990 و2023، ارتفعت قيمة مؤشر التنمية البشرية من 0.456 إلى 0.710، أي بزيادة قدرها 55.7% على مدى 35 عاما. ويعكس هذا التحسن تقدماً كبيراً في الأبعاد الأساسية للتنمية البشرية: الصحة والتعليم ومستوى المعيشة. ولا تزال وتيرة النمو قوية، مما يشير إلى تحول هيكلي تدريجي للظروف المعيشية في المغرب. غير أن أداء المغرب سنة 2023 فيما يتعلق بمؤشر المعايير الاجتماعية للنوع كمثال، فقد سجل رصيد 93.67 نقطة، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى تدخلات مستهدفة لإحداث تغيير عميق في المعتقدات الاجتماعية التي تعمل على استدامة عدم المساواة بين الجنسين. هذا النوع من اللاتوازن وغيره، لم يمكن فئات المجتمع الهشة والتي تعيش أوضاع صعبة، وكذا الهوامش الترابية من الاستفادة من هذا التقدم الحاصل.
ولن نعيد اجترار المعطيات حول الخدمات الصحية (حوالي 8،69 طبيباً لكل 10.000 نسمة في سنة 2025. وهو ما يدل على عدم كفاية الموارد فهذه النسبة المعتمدة من طرف المنظمة العالمية للصحة أقل بكثير من الحد الحرج البالغ 25 من مقدمي الرعاية لكل 10.000 نسمة)، وسوء تدبير الموارد البشرية في هذا القطاع (700 طبيب يهاجر سنوياً خاصة نحو أوروبا، كمثال)، وما جاء به تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (2023) تحت عنوان « شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين "NEET": أي آفاق للإدماج الاقتصادي والاجتماعي؟ » والذي أوضح أن فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، يوجدون خارج نطاق منظومة التعليم (331.000 تلميذ يغادرون المدرسة سنويا)، والتكوين وسوق الشغل (6 من أصل 10 شباب عاطلين). وتشكل الشابات لعدة عوامل النسبة الأكبر ضمن فئة NEET (أي شباب دون تعليم، دون تشغيل، دون تكوين مهني)؛ حيث تصل إلى 72،8 %. ووفق تقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها لمطلع سنة 2024، أوضح أنه على ضوء تحليل نتائج مؤشر إدراك الفساد والذي يتعلق بقضايا الحكامة ومحاربة الفساد، أن المغرب، سنة 2023، سجل ركودًا في ترتيبه بحصوله على 38/100 مع انخفاض في هذا الترتيب بثلاث درجات (97/180 مقابل 94/100 سنة 2022). وبهذا، واصل تراجعه في الترتيب للعام السادس على التوالي؛ حيث تراجع 24 رتبة.
وكخلاصة لهذا التشخيص العام، يبدو أن المغرب كما أورد ذلك الخطاب الملكي يسير بسرعتين، ويحتاج لجيل جديد من المقاربات والإصلاحات مع اهتمام بالرأسمال اللامادي. فهناك مجهودات تبذل، لكنها لا تؤتي أكلها ولا تحقق المأمول لعدة أسباب. لعل أهمها ما يلي، ونبوبها دون تراتبية لترابطها وتفاعلها:
ممارسات سياسية تنم عن فجوة كبيرة بين القول والفعل. وهو ما أفقد الثقة ليس فقط في السياسي وأفسد صورته لدى المواطن؛ الأمر الذي شكل أرضية خصبة لمختلف السلوكات المنافية لنبل العمل السياسي، وجعلت المواطن يرى في الأحزاب « دكاكين سياسية »، وأن المنصب السياسي ريع واستثمار للربح السريع على حساب الوطن والمجتمع. وهو ما اشتكى منه مختلف الفرقاء السياسيين، لكن ولا فريق عمل على إصلاح سلوك أعضائه أو طرد من يسيئون إلى سمعته أو إلى العمل السياسي. وقد رأينا كيف أن من تم إيقافه بقرار ملكي وعاد من النافذة بعد هنيهة.
انتقال بين الأوراش والتجارب دون تقييم أو استخلاص للدروس والعبر ليس فقط على مستوى الحكومات المتعاقبة بل وحتى على مستوى الفاعلين السياسيين (أحزاب ومؤسسات). وهو ما شكل هدرا ليس فقط للموارد، وإنما أيضا للفرص. فقد كانت هناك مقارنات تاريخية بين المغرب ودول أخرى كانت متخلفة مقارنة مع المغرب ذو التاريخ العريق، وهي اليوم تحتل مراتب متقدة في مؤشر التنمية البشرية.
صحيح أن تركة الحماية السياسية كانت مكلفة أمام تشرذم القوى الوطنية؛ حيث أنه بدل أن يسير المغرب بخطى ثابتة محولا مكاسب الاستقلال السياسي إلى مكاسب اقتصادية واجتماعية تتفيأ ظلالها مختلف مكونات المجتمع، وتساعده على استعادة حدوده الحقة ليعود إلى سكته التاريخية التي أخرجته منها حوادث الحماية وأعراضها والتي فككت أوصاله، وبذرت بذور الانشقاق، وأججت الفتن؛ لا زال سوء معالجتها مكلفا وعائقا إلى يومنا هذا. فرغم ورش هيئة الإنصاف والمصالحة، لم نستطع استخلاص العبر والدروس، فالماضي يبدو وكأنه لا يمضي، ولا زال حاضرا بيننا مؤثرا سواء في التنشئة السياسية أو الممارسات السياسية التي تحملها وتتغذى منها. فشعب لا يخاف عودة ماضيه لا يتقدم، ولا يقطع معه.
لا يمكن نكران التحولات المجالية وعلى مستوى البنيات والخدمات التي عرفها المغرب. فقد بدأنا نخرج من التنظيم المجالي الذي ورثناه عن مرحلة الحماية؛ حيث أن الهيكلة الترابية آخذة في التغير. كما تم إدماج التراب البحري الذي لم يكن مفكرا فيه. ذلك أن مدننا انتقلت من مدن على الساحل إلى مدن ساحلية من خلال انفتاحها على البحر. كما أن المغرب المتوسطي عرف انتعاشة، وأصبح فاعلا ترابيا ليس فقط وطنيا وإنما حتى دوليا. ولا ننسى هنا المبادرة الإفريقية الأطلسية وإدماج منطقة الساحل … كلها أوراش يجب أن يكون لها وقعها السوسيواقتصادي على مختلف شرائح المجتمع المغربي عبر تدبير للسيولات الهجروية التي لها عائد سوسيواقتصادي على المغرب حتى نحول هجرة الأدمغة إلى بؤر استثمار وطني في الخارج، ولا نترك الهجرة ردة فعل ضد العيش بالوطن بل حضورا مزدوجا هنا وهناك. وهذا يتطلب كذلك الحرص على توازن سوسيوديموغرافي وطني عبر عدالة مجالية بين المغرب الساحلي ومغرب الجبال وداخله عبر التوزيع العادل والوظيفي للموارد والخيرات والاستثمارات من خلال إعمال الجهوية المتقدمة بما يساعد على التمازج المجتمعي والاختلاط السكاني تثمينا للتعدية في بوتقة الوحدة المغربية.
هذا الاستعراض، يدفعنا إلى طرح السؤال التالي:
لقد كان الحديث قبل أحداث 20 فبراير على الخصوص، أن المغرب يقوم على شرعيتين: الشرعية التاريخية متمثلة في الملكية، والشرعية الوطنية متمثلة في الحركة الوطنية التي شكلتها أحزاب ناضلت من أجل استقلال المغرب وعودة الملك الشرعي. وهذه الأحزاب عرفت بدورها انشقاقات تفرقت في أرض المغرب كما انضافت إلى أحزاب أخرى بطرق مختلفة والتي ضجّ بها المجتمع. ألا يمكننا اليوم، أمام هذه الهبة الشبابية، أن نعتبر بأن هذه الشرعية الوطنية أصبحت متجاوزة، وفقدت قوتها التعبوية. وأن مكوناتها التي لا زالت قائمة (لم تعد كما كانت على الأقل بفعل تعاقب الأجيال) بالنظر لما تفرع عنها أو حتى من نشأ خارجها وخلال مرحلة الاستقلال؟ ألا يمكننا أن نطالب كل الأحزاب دون استثناء بإعادة هيكلة الحقل السياسي المغربي ومحورته حول « الشرعية المجتمعية؟
هو سؤال نطرحه ليساهم كل في الإجابة عنه حرصا على الوطن وعلى سلامة وأمن المجتمع، ومن أجل إعادة القيمة للعمل السياسي … فطالما تعالت الأصوات حول ربط المسؤولية بالمحاسبة، وحرية الرأي والتعبير والاختيار …
وسنحاول في الجزء المقبل أن نتناول الشباب كفئة احتجاجية لنرى الثابت والمتحول في المطالب المرفوعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.