تمر العلاقات المغربية الفرنسية منذ أزيد من سنتين من « مرحلة برود كبير » زاد جمودها اتهام المملكة باستخدام برنامج « بيغاسوس » للتجسس على هواتف شخصيات فرنسية بارزة في مقدمتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، زد على ذلك إقدام فرنسا على خفض التأشيرات الممنوحة للمغاربة. ويبدو الجمود الذي يسم العلاقات بين باريسوالرباط واضحا للعيان، ويعززه تراجع الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين البلدين منذ شهور، حيث تعود آخر زيارة لمسؤول فرنسي إلى نونبر 2021 ويتعلق الأمر بالوزير المنتدب المكلف بشؤون التجارة الخارجية « فرانك رياستر ». معركة « بيغاسوس » ويرى محللون أن ما زاد من حدة التوتر بين المغرب وفرنسا، هو رفض القضاء الفرنسي للدعاوى التي تقدمت بها الرباط من أجل التشهير ضد منظمات غير حكومية ووسائل إعلام فرنسية اتهمت المملكة بالتجسس عليها وعلى مسؤولين في البلاد من بينهم "ماكرون" عبر برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي. واستند القضاء الفرنسي لحرمان المغرب من حقه في معاقبة المشهرين به، على القانون الشهير الصادر في العام 1881 حول حرية الصحافة الذي ينص على أن الدول لا تمتلك صفة رفع دعاوى تشهير. خفض التأشيرات في خطوة يبدو وكأنها تصعيد من الجانب الفرنسي، أقدمت باريس على خفض التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف شهر شتنبر من العام الماضي، مبررة ذلك بعدم التعاون الأمني لمحاربة الهجرة غير الشرعية. وقال الناطق باسم الحكومة الفرنسية "غابريل أتال"، إن تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس، جاء ردا على "رفض" هذه الدول إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها. ولم يتأخر الرد المغرب كثيرا على هذه الخطوة، حيث أكد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية، أن قرار فرنسا تشديد منح التأشيرات للمغاربة وخفض عددها، غير مبرر ويعكس مشكلا فرنسيا فرنسيا. لا حل قريب ويرى خالد يايموت، أستاذ العلاقات الدولية، أن الأزمة المغربية الفرنسية التي دخلت في سنتها الثانية، لا حل لها على المستوى القريب، مضيفا أن المغرب غير بطريقة سريعة خلال الجائحة كورونا، وجهة نظره في بعض القضايا سواء على المستوى الافريقي وحتى الدولي. يايموت في حديث مع "العمق"، أشار إلى أن التغيير الذي قام به المغرب كان مبنيا على رؤية سابقة لعلاقاته مع فرنسا في بعض القضايا المهمة خصوصا ما يتعلق بالجانب الافريقي وكذلك طبيعة الشراكة المغربية الفرنسية في بعض المجالات المهمة، خصوصا الاقتصادية والأمنية. السبب الرئيسي واعتبر المحلل السياسي، أن السبب الرئيسي للأزمة، هو أن المغرب منذ 2017 اتخذ منحى استقلاليا عن السياسة الفرنسية التقليدية في غرب ووسط افريقيا وفي الساحل، وسرّع بشكل كبير جدا من استثماراته وتطبيق سياسة معزولة بشكل كلي عن فرنسا. وزاد المتحدث، أن المغرب استطاع في وقت قياسي أن يطيح بالسيادة الفرنسية في بعض المجالات ببعض المناطق خصوصا في غرب افريقيا، فيما يتعلق بالقطاع البنكي والبنية التحتية وغيرها. وبحسب يايموت، فإن هذا التغيير، شكّل نوعا من التصادم مع السياسة الفرنسية، مشيرا إلى عامل مركزي آخر هو أن السياسة الأمنية للمغرب والتي تغيرت في الساحل وغرب أفريقيا وحتى في أوروبا بداية من سنتي 2015 و2016، أصبحت لها استقلالية كبيرة، وباتت منفصلة عن العمل والسياسة الأمنية الفرنسية. وهذا ما أفقد فرنسا، بحسب الأستاذ في العلاقات الدولية، بعضا من القوة خصوصا في الجانب المتعلق بالمعلومات حيث إن المغرب أخذ يبني سياسة أخرى مع شركاء آخرين ووجدت فرنسا صعوبة في هذا المجال أو في الخدمة الأمنية التي كانت تقدمها لها المملكة. واعتبر يايموت، أن السياسة والاستراتيجية والأهداف المغربية وصلت إلى نوع من التناقض في كثير من القضايا بإفريقيا مع نظيرتها الفرنسية في 2020، وهو ما دفع ببعض الأوساط الفرنسية إلى اتهام المغرب بالتنصت على بعض الشخصيات باستخدام برنامج "بيغاسوس". منافس كبير ويتجلى هذا التناقض في الجانب الاقتصادي، حيث قال يايموت، إن المغرب يعد شريكا تعتمد عليه فرنسا، بالرغم من كونه الشريك الخاسر من هذه الشراكة، مضيفا أنه بعد جهد كبير وتحولات 2017، تحوّل إلى منافس لفرنسا، بل استطاع أن يتجاوزها في بعض القضايا الاقتصادية وهنا اصطدم ببعض النخب الاقتصادية الفرنسية. وبحسب المتحدث، فإن فرنسا تتراجع بشكل مستمر اقتصاديا، رغم أنها كانت ومازالت على مستوى الاستثمارات، هي الدولة القوية في المغرب، ولكن كل هذا سيتيغير مستقبلا لأن هذه الاستراتيجية الجديدة التي قادها الملك محمد الساس ليس لها من منظور سياسي مغربي خيار الا الاستمرار فيما بناه من النظرة الشاملة لسنة 2017 والتي انطلقت جوانبها الأمنية في 2015. ومن الناحية الأمنية، أشار يايموت إلى أن المغرب كان مجرد متعاون مع فرنسا إلى أن بنى استقلالية كبيرة وأصبح منافسا لها بل وتجاوزها وأصبحت المملكة دولة لها صيت كبير جدا ولها شركاء دوليين كبار. وقال الخبير المغربي في العلاقات الدولية، إن "كل هذا أزعج فرنسا، لأنه حتى على المستوى الأمني المغرب له شراكات مع دول تعتبرها فرنسا منافسة جدا لها على المستوى الدولي، كالولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا والى حد ما مع روسيا". تحالفات جديدة أوضح أستاذ العلاقات الدولية، خالد يايموت، أن الاستراتجية الجديدة للمغرب، ترى بأنه حان الوقت لبناء شراكات وتحالفات دولية تقليدية جديدة، لا تعتمد بالدرجة الأولى على صوت فرنسا وتحركاتها على المستوى الدولي، ولكن تعتمد على "المحور الأنجلوساكسوني" الجديد وهي الولاياتالمتحدةالامريكية وبريطانيا بالاضافة الى اسرائيل، وكذا خلق شراكات استراتيجية أخرى متشابكة مع كل من الصينوروسيا. وزاد قائلا: "هذه إذن هي النظرة الجديدة للمغرب، والتي بناها بشكل نظري وعمل بها من 2017 إلى 2020′′، مبرزا أن "المغرب وجد نفسه في 2020 أن النظرة التي كان يتصورها وبناها كتصور في السياسة الدولية وفي التحالفات كانت صحيحة وأنه عليه أن يبذل المزيد من الجهد لتطبقيها". وبالتالي فإن العلاقات مع فرنسا حتى لو رجعت بشكل من الأشكال وخرجت من دائرة البرود فليس من المحتمل، بحسب الخبير المغربي، على المدى المتوسط والبعيد المدى أن يبقى المغرب في التحالفات القديمة، وأن تكون فرنسا هي السند الرئيسي للمملكة على المستوى الدولي، حتى ولو كانت تلعب دورا مهما من الناحية التقليدية فيما يتعلق بقضية الصحراء، مضيفا أن "كل ذلك أصبح يعالجه المغرب انطلاقا من تحركات أخرى وحلفاء آخرين أضافهم الى جانب فرنسا".