في كلمة حول جبر الأضرار الناجمة عن مآسي العبودية والاتجار في البشر والاستعمار والاستغلال بإفريقيا: آمنة بوعياش تترافع حول «عدالة تعويضية» شاملة ومستدامة    إدريس لشكر : الديمقراطية في خطر وسط تزايد الاستبداد والمخاطر العالمية    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني النسوي المتوج بكأس إفريقيا داخل القاعة    «غزة على الصليب: أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها»    "اليونيسف": أطفال غزة يواجهون خطرا متزايدا من الجوع والمرض والموت    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    تقرير: أخنوش يستخدم أمواله للسيطرة على الإعلام والصحافيون المستقلون يتعرضون لضغوط مستمرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    إجهاض محاولة لتهريب أزيد من 51 ألف قرص مخدر بميناء طنجة المتوسط    العرائش تسجل أعلى نسبة تملك.. وطنجة تتصدر الكراء بجهة الشمال    مقاطعة مديري مؤسسات الريادة للعمليات المصيرية يربك مشروع الوزارة في الإصلاح التربوي    سوريا: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي "تصعيد خطير"    المغرب يودّع أحد رموزه الفنية.. محمد الشوبي يترجل بعد مسار طويل من الإبداع    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    بعد صراع مع المرض... وفاة الفنان محمد الشوبي عن عمر 62 عاما    نجاح "خامس مهمة نسائية" خارج المحطة الفضائية الدولية    هل ينجو قمح المغرب من الجفاف ؟ توقعات جديدة تعيد الأمل للفلاحين    مجلس الدفاع في لبنان يحذر "حماس"    في ساحة مسجد بدر بطراسة… رجل يقبّل طفلًا والأب يتصل بالشرطة    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    البكوري يقيم مأدبة غذاء على شرف جنود خفاء جماعة تطوان قبيل انطلاق الموسم الصيفي    العلاقات التجارية بين المغرب ومصر.. وفد اقتصادي مغربي يزور القاهرة    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    تفاؤل تجاري ينعش أسعار النفط في الأسواق العالمية    "الكورفاتشي" تستعد للتنقل إلى مدينة الدار البيضاء لحضور "الكلاسيكو" أمام الوداد    إيقاف سيموني إنزاغي و هاكان بسبب علاقتهما بمشجعين مرتبطين ب"المافيا"    لماذا لا تحتفل هولندا بعيد العمال (فاتح ماي) رغم عالميته؟    الأمن يوقف مروجي كوكايين وكحول    العثور على جثة شخص داخل منزل بشارع الزرقطوني بعد اختفائه لثلاثة أيام .    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    الحوار الاجتماعي بالمغرب بين الشكلية والفعالية    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    تفاصيل إحداث قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء يوفر أزيد من 20 ألف منصب شغل    عيد العمال.. الكونفدرالية ببني ملال "تحتج" في مسيرة حاشدة    لجنة الأخلاقيات توقف العديد من المسؤولين عن كرة القدم بين سنة وثلاث سنوات بسبب اختلالات في التسيير    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    اللاعب المغربي الذي أبهر العالم بأدائه المجنون … !    الصين تدرس دعوات أمريكية لاستئناف الحوار بشأن الرسوم الجمركية    حين يتحول الانفعال إلى مشروع سياسي: في تفكيك خطاب بنكيران حول "القضية" و"الحمار"    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    فوائد القهوة لكبار السن.. دراسة تكشف علاقتها بصحة العضلات والوقاية من السقوط    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل: ملفات حسّاسة تُغرق علاقات فرنسا والمغرب في مستنقع
نشر في كشـ24 يوم 17 - 08 - 2022

الزيارة الرسمية الأولى التي يقوم بها عادة رؤساء فرنسا بعد انتخابهم إلى المنطقة المغاربية، تتنافس عليها الرباط والجزائر. ولأن علاقات الجارين المغاربيَين تتسم في معظم الأحيان منذ استقلالهما بالتوتر، فإن العلاقة مع مستعمرهما الفرنسي تظل مؤشرا مهما لقياس حرارة الأجواء في علاقات باريس بكل منهما على حدة.
ويختار بعض الرؤساء الفرنسيين تونس كأول وجهة مغاربية عندما يشتد الاستقطاب بين الجزائر والمغرب.
بعد توليه الرئاسة سنة 2017 كانت الرباط أول وجهة مغاربية للرئيس إيمانويل ماكرون في منتصف يونيو، ووصفت ب"زيارة صداقة خاصة". ثم قام بزيارة رسمية إلى الجزائر في بداية ديسمبر 2018.
وتقليديا يدير قصر الإليزيه لعبة توازن دقيقة بين الشقيقين اللدودين، بيد أن الإعلان في باريس عن توجه الرئيس ماكرون بعد اعادة انتخابه في أول زيارة له إلى الجزائر يومي 25 و26 غشت، في ظل برود تشهده العلاقات مع الرباط، وتتحدث بعض الأوساط القريبة من دوائر القرار في الرباط عن "أزمة صامتة" بين البلدين، يثير تساؤلات لدى المراقبين حول مدى حدة الخلافات بين الشريكين التقليديين في غرب حوض البحر الأبيض المتوسط، وسيناريوهات تطورها.
مؤشرات برود في العلاقات
منذ اعادة انتخابه في مايو الماضي لم يجر بين الرئيس ماكرون والعاهل المغربي الملك محمد السادس أي لقاء رسمي أو خاص معلن، حتى أثناء زيارة خاصة قام بها الملك محمد السادس إلى فرنسا في يونيو الماضي، ودامت أسابيع وذُكر بأنها "لأسباب خاصة" يرجح أن تكون لمتابعة الحالة الصحية لأحد أفراد الأسرة الملكية.
وقبل بضعة أسابيع وجه نواب في البرلمان المغربي سؤالا إلى وزير الخارجية ناصر بوريطة حول ما وصفت ب"أزمة التأشيرات". وتفيد تقارير بأن 70 في المائة من طلبات التأشيرات التي يتقدم بها مغاربة يتم رفضها من طرف القنصليات الفرنسية في المغرب.
ويثير هذا الموضوع قلقا لدى شرائح واسعة من المغاربة تشكل فرنسا مقصدا أساسيا في الخارج بالنسبة إليهم، إذ يقدر سنويا عدد المغاربة الذين يحصلون على تأشيرات (سياحة أو عمل) بحوالي 300 ألف شخص.
وفي تعليقها على هذا الموضوع تكتفي الجهات الرسمية الفرنسية بالإشارة إلى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية منذ سبتمبر من العام الماضي بتشديد حصول مواطني المغرب والجزائر ( تقليص بنسبة 50 في المائة) وتونس (30 في المائة) على تأشيرات الدخول إلى فرنسا، وتبرر ذلك ب"رفض هذه الدول إصدار تصاريح قنصلية لاستعادة مواطنيها الذين يوجدون في فرنسا بشكل غير قانوني".
بيد أن الموضوع بات يأخذ طابعا أكثر حساسية مع المغرب، حيث يتحدث برلمانيون وإعلاميون عن رسوم تأخذها القنصليات من مقدمي طلبات تأشيرة مرفوضة، واتساع رفض طلبات التأشيرات ليشمل فئات من أصحاب الأعمال والوفود التي تشارك في مؤتمرات مهنية مثل الأطباء.
وضمن الفئات الأكثر تذمرا من إجراءات القنصليات الفرنسية، وزراء ونواب سابقون، يوجهون انتقادات لحكومتهم الحالية بسبب صمتها على ما يرون بأنها إجراءات تنطوي على "إهانة للمغاربة".
وثمة ملف آخر يكتسي حساسية خاصة وقد طفى منذ أكثر من سنتين على السطح في العلاقات الفرنسية المغربية، ويتعلق بتقارير نشرت حول استخدام برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي للتجسس على شخصيات فرنسية تشمل الرئيس ماكرون نفسه وأعضاء في حكومته، لحساب الاستخبارات المغربية، في حين تنفي الرباط هذه المزاعم.
ورفع المغرب دعاوى ضد وسائل إعلام أوروبية اتهمته ومنها صحيفة "لوموند" الفرنسية المرموقة، ومن جهتها طالبت النيابة العامة في باريس برفض الدعوى لأن الدول لا يمكنها اللجوء إلى القضاء الفرنسي بتهمة التشهير.
ويبدو أن الملف ما يزال يلقي بظلال ثقيلة على علاقات المسؤولين في باريس والرباط، ليس فقط باعتبارها ضربة لدرجة الثقة العالية بين دولتين تربطهما علاقات شراكة وثيقة، بل أيضا لما يمكن أن يُفهم من المنظور الفرنسي على أنه مؤشر في تراجع مكانة فرنسا الاستراتيجية بالنسبة للمغرب.
فهل تشهد علاقات البلدين بالفعل تغيرات جوهرية وفي أي اتجاه يمكن أن تكون تطوراتها على الصعيدين الثنائي والإقليمي؟
خلفيات توتر "صامت"
بحكم رصيدها التاريخي والبشري وكثافة مجالاتها باتت علاقات الشراكة بين فرنسا والمغرب تتجاوز الأبعاد التقليدية في علاقات الدول، إذ يعتبر المغرب حليفا تقليديا ثابتا بالنسبة لفرنسا في القارة الأفريقية، ويوجد به أكبر جالية فرنسية في الخارج، وتحظى الشركات الفرنسية (أكثر من ألف شركة) بأفضلية كبيرة في السوق المغربية ولاسيما في القطاعات الأكثر حيوية في الاقتصاد المغربي، ويأتي المغرب ضمن أفضل وجهات سياحية لدى الفرنسيين، بعد إسبانيا واليونان وجزر موريس (المحيط الهندي).
كما يحظى المغرب في فرنسا بمكانة خاصة، ففضلا عن كونها تستقبل أكبر جالية مغربية في الخارج (1,5 مليون شخص) وهي ثاني أكبر جالية أجنبية بفرنسا بعد الجزائريين.
ولدى باريس والرباط، مداخل كبيرة في التأثير المتبادل على القرار السياسي، فكما لدى فرنسا شبكات نفوذ تقليدية واسعة داخل النخب السياسية والفكرية المغربية، طوّر المغرب عبر التاريخ مراكز نفوذ وجماعات ضغط مؤثرة في السياسة الفرنسية. كما تشكل العلاقات الخاصة والكيمياء بين ملك المغرب وساكن قصر الإليزيه عاملا أساسيا في استقرار علاقات البلدين أو اضطرابها.
بيد أن عمق وكثافة العلاقات المغربية الفرنسية، لم يمنع من تعرضها تاريخيا إلى أزمات وكان معظمها في عهد الحكومات الإشتراكية بفرنسا (فرانسوا ميتران مثلا) ومن أهم العناصر المؤثرة في مراحل الاضطراب التي شهدتها العلاقات، ملفات الصحراء المغربية والمصالح الاقتصادية والأمنية.
ورغم حساسية ملفي التأشيرات والتجسس، فإن تجاوزها لا يبدو مستعصيا على آليات احتواء المشاكل بين الرباط وباريس، مما يرجح برأي مراقبين وجود عناصر خلافية أخرى أكثر عمقا في بنية العلاقات.
ومنذ وصول الرئيس ماكرون للحكم (سنة 2017) شهدت العلاقات حالة تذبذب وتراجع خصوصا بالقياس لفترات نموها في عهد الرئيسين المحافظين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، ويمكن رصد ملامحها في المعطيات التالية:
أولا، تراجع مكانة فرنسا كشريك للمغرب: بدأت في السنوات الأولى بوتيرة قوية ظهرت في تطور العلاقات الاقتصادية وضخ استثمارات فرنسية كبيرة في قطاعات أساسية كالصناعة والنقل والسياحة والخدمات. لكن مكانة فرنسا كشريك تجاري واقتصادي تراجعت إلى المركز الثاني، لحساب إسبانيا.
ثانيا: تزامن وصول الرئيس ماكرون إلى قصر الإليزيه مع عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الأفريقي بعد قطيعة دامت ثلاثين عاما، وخلال سنوات قليلة قفز المغرب إلى مراكز متقدمة في لائحة الدول المستثمرة في القارة الأفريقية.
وما قد يثير فرنسا، كما يقول بعض الخبراء الفرنسيين، ليس تزايد النفوذ المغربي لأن فرنسا نفسها تستفيد منه عندما تعتمد على المغرب كقاعدة نحو السوق الأفريقية، بل أن يتم النشاط المغربي في مناطق نفوذ تقليدي لفرنسا، مثل غرب أفريقيا حيث تتنامى في عدد من دولها نزعات مناوئة لمستعمرها الفرنسي السابق.
وثانيا أن يكون جانب من ذلك النشاط ضمن شراكات مع قوى أخرى منافسة لفرنسا في القارة الأفريقية، مثل الدول الخليجية والولايات المتحدة وتركيا. إضافة لمحاور تعاون اقتصادي مغربي أيضا مع كل من الصين وروسيا، أشرس منافسي فرنسا في مناطق نفوذها التقليدي بالقارة السمراء.
ثالثا: يميل عدد من المراقبين إلى رصد مظاهر برود فرنسي إزاء خطوة المغرب بتوقيع الاتفاق الثلاثي مع إسرائيل والولايات المتحدة في اغسطس 2020، وهو برود لا يمكن تصوره كرد فعل إزاء إقدام المغرب على تطبيع علاقاته مع إسرائيل، بل يمكن فهمه في سياق ملفين حسّاسين بالنسبة لفرنسا وللمغرب في نفس الوقت.
الملف الأول يرتبط بتداعيات اعتراف الولايات المتحدة (في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب) بسيادة المغرب على الصحراء المغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو. وخصوصا تداعيات هذا الاعتراف على الصعيد الأوروبي، إذ كانت الرباط تنتظر من حليفتها التاريخية دعما في إحداث تحول مشابه في الموقف الأوروبي من ملف الصحراء.
ولم تبد باريس أي إشارات تجاوب مع الانتظارات المغربية، في الوقت الذي ظهرت فيه تطورات في مواقف شركاء أوروبيين (ألمانيا وإسبانيا) لهم ثقلهم في سياسة الإتحاد الأوروبي إزاء هذا الملف.
وفي بداية السنة الحالية، خصص البرلمان الفرنسي جلسة مناقشة لموضوع "حصيلة تحركات فرنسا من أجل احترام القانون الدولي: حالة الصحراء المغربية"، الجلسة تمت بدعوة من الفريق النيابي لليسار وجرت بحضور ممثلين عن جبهة البوليساريو.
وخلال الجلسة أكد جون بابتيست لموين، كاتب الدولة الفرنسي في السياحة والفرنسيين وراء البحار والفرنكفونية، أن بلاده تدعو إلى حل سياسي توافقي بين أطراف النزاع، يستند إلى مقررات الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي.
وشدد المسؤول الفرنسي، على تقيد السياسة الأوروبية (ترأست فرنسا الاتحاد الأوروبي خلال الستة أشهر الأولى من هذا العام) بمقررات محكمة الدول الأوروبية فيما يتصل بعدم سريان اتفاقيات الشراكة المغربية الأوروبية على الصحراء. ولم يتطرق المسؤول الفرنسي عن دعم بلاده التقليدي في مجلس الأمن الدولي لمقترح المغرب بإقامة حكم ذاتي موسع في الصحراء المغربية.
وتتسم النبرة الفرنسية الرسمية إزاء ملف الصحراء في الآونة الأخيرة ببرودة ملحوظة، مقارنة بمواقف فرنسا الداعمة تاريخيا للمغرب عسكريا ودبلوماسيا. وهي مواقف طالما تلقت بسببها باريس انتقادات من جبهة البوليساريو والجزائر.
وثمة ملف ثان على صلة بتداعيات الاتفاق الثلاثي المغربي الإسرائيلي الأمريكي، فمنذ توقيعه تعمقت الشراكة الاستراتيجية والأمنية بين المغرب وكل من إسرائيل والولايات المتحدة، عبر اتفاقيات استراتيجية ومناورات عسكرية مشتركة واقتناء المغرب لمنتوجات السلاح الأمريكي والإسرائيلي، وصولا إلى تطوير صناعات عسكرية مشتركة إسرائيلية مغربية.
وهو اتجاه يصب في بناء تحالف أمني واستراتيجي جديد، في غياب فرنسا، وبمنطقة تعتبرها منطقة نفوذ تقليدي.
خلافات مغربية فرنسية في زمن صعب
الخلافات بين باريس والرباط، سواء كانت معلنة أو صامتة، تطال ملفات حسّاسة بالنسبة للجانبين، وتأتي في فترة صعبة ومتغيرات دراماتيكية في الأوضاع الإقليمية والعالمية. ففي أوجّ حرب أوكرانيا ارتفعت حدة الاستقطاب أيضا في منطقة شمال أفريقيا، ليس فقط بسبب نزاع الجارين المغرب والجزائر وتزايد شراسة المنافسة بين القوى الغربية من جهة والصين وروسيا من جهة ثانية، بل أيضا بسبب تضارب سياسات الثلاثي: فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
ارتفعت حدة التوتر بين المغرب والجزائر وتداعياته على ملف الصحراء المغربية؛ ورغم تزايد مخاطره المحتملة على أوروبا، اتسمت سياسات العواصم الأوروبية إزاءها بتضارب ملحوظ. وظهرت مؤشرات على عجز أوروبا سواء كتكتّل أو كدول رئيسية مثل فرنسا أو ألمانيا، على القيام بدور مؤثر في تسوية أزمات حسّاسة بجوارها الجنوبي، تكاد تتحول إلى حرب مدمرة على الإقليم وبمثابة قنبلة موقوتة على أمن أوروبا.
وقد حذر تقرير للبرلمان الفرنسي صدر في فيبراير شباط الماضي، من احتمال حدوث مواجهة محدودة بين المغرب والجزائر.
ففي الوقت الذي تحتاج فيه الدول الأوروبية إلى سياسة مشتركة وخصوصا إزاء القضايا الاستراتيجية الكبرى وملف أمن الطاقة، وهي في أشد الحاجة إليها تحت وطأة الضغوط الروسية، تبدو مواقف فرنسا وإسبانيا أبعد ما يكون عن التوافق أو التنسيق إزاء ملف الخلاف المغربي الجزائري وتداعياته على نزاع الصحراء. كما تتباين سياسات فرنسا وإيطاليا إزاء تطورات الأزمة الليبية.
وقد لاحظ الصحفي السويسري الخبير في العلاقات المتوسطية، أندريس ويسلينغ في مقال له بصحيفة "نوير تسوريشه تسايتونغ" في عددها ليوم 27 يوليو 2022، التضارب الشديد في سياسات الثلاثي: فرنسا وإيطاليا وإسبانيا في قضايا حساسة كالأمن والطاقة بشمال أفريقيا.
وفي مقاله بعنوان :"Mare nostrum ماري نوستروم – كما كان ذات يوم، يجد الأوروبيون صعوبة في تأكيد مصالحهم في شمال أفريقيا"، الذي ضمنه التسمية الرومانية القديمة لحوض البحر الأبيض المتوسط، معتبرا أن هذه البلدان الأوروبية تنتهج سياسة "المنافسة فيما بينها بدل مفهوم السياسة المشتركة". وأشار إلى تضارب التحالفات والتحركات الفرنسية والإيطالية في الملف الليبي، وإلى تضارب السياستين الفرنسية والإسبانية إزاء نزاع الصحراء.
ويرى ويسلينغ بأن الدول الأوروبية الثلاث طالما ألقت باللوم على الشركاء الأوروبيين في الشمال بأنهم لا يقدمون الدعم الكافي لها في مواجهة التحديات الأمنية ومشاكل الهجرة بالبحر الأبيض المتوسط، إلا أن المسؤولية الأكبر في فشل السياسة المتوسطية الأوروبية تقع على الدول الثلاث بسبب نهجها سياسات تقوم على المنافسة إلى حد التضارب.
وهو رأي يؤكده الواقع نسبيا، خصوصا في السنوات الأخيرة، بينما كانت دول الشمال الأوروبي، في عقد التسعينيات وبداية الألفين، تضع أولوياتها في شرق أوروبا، قبل أن توجه ألمانيا مثلا بوصلتها نحو القارة الأفريقية.
وبرأي محللين فإن تضارب السياسات الأوروبية ساهم في فتح ثغرات استراتيجية في جنوب البحر الأبيض المتوسط، من جهة لقوى منافسة للأوروبيين، كالحلفاء الأمريكيين والإسرائيليين والأتراك، أو المنافسين اللدودين: الصين وروسيا، لإحداث تقدم ملحوظ في شراكاتهم مع دول المنطقة، عبر اتفاقيات عسكرية وأمنية أو عبر صفقات وحضور عسكري، يمتد من شمال أفريقيا إلى جنوب الصحراء الأفريقية.
ويشكل الملفان الليبي والمالي، المثالين الأبرز على الاختراق الأمني الذي حققه مرتزقة شركة فاغنر الروسية هناك، وكيف بات يشكل تحديا أمنيا يؤرّق العواصم الأوروبية وتزايدت مؤشرات الضغوط عليها بإعلان فرنسا سحب قواتها وقواعدها في شمال مالي وإنهاء عملية"برخان" لحفظ السلام ومكافحة الجهاديين في منطقة الساحل الأفريقي. كما أعلنت ألمانيا الأسبوع الماضي تعليق عمليات قواتها العسكرية هناك.
ومن جهة ثانية، تزايد نزعات دول مثل المغرب والجزائر، لإظهار إستقلاليتها أكثر عن حلفائها التقليديين في أوروبا وعلى رأسهم فرنسا.
ووسط سعيها عن كثب للحفاظ على مكانتها في المنطقة أو على الأقل تقليل خسائرها الاستراتيجية، تبدو فرنسا تحت وطأة مزيد من الضغوط، ولاسيما إذا سارت منفردة في غياب سياسة أوروبية منسقة، وقد تحتاج إلى معجزة للحفاظ على لعبة التوازن المعقدة في علاقاتها مع الرباط والجزائر.
فالرئيس ماكرون وهو في طريقه نحو الجزائر يواجه تراكمات التاريخ ويحاول فكّ عُقد الحاضر وكسب مصالح جديدة في الطاقة والصناعة وصفقات السلاح، يدرك أن علاقات بلاده الوثيقة تاريخيا مع المغرب تبدو قابلة للإهتزاز في أي وقت تحت وطأة الخلافات حول ملفات حسّاسة هي أشبه بقنابل موقوتة قابلة للانفجار.
المصدر: dw


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.