قال الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، إن التحول الرقمي لمنظومة العدالة أصبح اختياراً لا محيد عنه، وضرورة تفرض نفسها وتتطلب انخراط كل الفاعلين في مجالها. وأكد الداكي ضمن كلمته خلال فعاليات افتتاح الندوة الدولية المنعقدة تحت شعار: "التحول الرقمي لمنظومة العدالة: رافعة لعدالة ناجعة وشمولية"، اليوم الخميس بطنجة، أن الثورة الرقمية والطفرات التكنولوجية قد ألقت بظلالها على مختلف مناحي الحياة دون استثناء بما في ذلك منظومة العدالة. وأضاف أصبحت هذه التطورات يوما بعد يوم محط اهتمام مختلف الفاعلين والمتدخلين في حقل العدالة باعتبارها مدخلا أساسيا للارتقاء بأداء المرفق القضائي وتطوير الإدارة القضائية وتيسير الولوج المستنير للعدالة والرفع من جودة أدائها ضمانا لتحقيق النجاعة القضائية. ودعا الداكي إلى استثمار ما توفره الوسائل التكنولوجية الحديثة من إمكانيات لنشر المعلومة القانونية والقضائية، وتبني خيار تعزيز وتعميم لامادية الإجراءات والمساطر القانونية والقضائية، والتقاضي عن بعد، باعتبارها وسائل فعالة تسهم في تحقيق السرعة والنجاعة، وذلك انسجاما مع متطلبات منازعات المال والأعمال، مع الحرص على تقعيدها قانونيا، وانخراط كل مكونات منظومة العدالة في ورش التحول الرقمي." انتهى النطق الملكي السامي. وأبرز المسؤول القضائي ذاته، أن التحول الرقمي الذي تشهده منظومة العدالة اليوم يُعد مؤشرا قويا على الإرادة الراسخة الرامية إلى الانخراط الفعلي والمتواصل في هذا الورش الإصلاحي الكبير الذي من شأنه الارتقاء بفعالية تدبير القضايا وتطوير جودة تدبير القضايا والبت فيها داخل آجال جد معقولة وترسيخ الثقافة الرقمية في مجال العدالة والرفع من منسوب الثقة في منظومتها لدى مختلف الفاعلين والمتدخلين في إنتاجها. وأوضح المتحدث ذاته، أن رقمنة المساطر والإجراءات القضائية تعتبر من المداخل الأساسية لتعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة المطلوبتين، بالنظر لما يوفره استثمار الوسائل الرقمية والتكنولوجية في العمل اليومي للإدارة وفي علاقاتها مع مرتفقيها من جودة وثقة من خلال الحصول على الخدمات المطلوبة بشكل ميسر وشفاف ودون إثقال كاهل العاملين بالمؤسسة القضائية بكثرة الاستقبالات ، كما أن التوظيف الرشيد لما تتيحه التكنولوجيا من مزايا من شأنه تعزيز القدرة التنافسية للإدارة القضائية بما يؤهلها للقيام بأدوارها الطلائعية في تحفيز وحماية الاستثمار من جهة وتكريس حكامة المرفق القضائي من جهة أخرى. وأشار إلى أن رقمنة العدالة يعتبر أحد المداخل الرئيسية لمواصلة تنزيل النموذج التنموي الجديد الذي تتطلع إليه بلادنا والذي يرتكز على مجموعة من المرتكزات من بينها الارتقاء بتجويد العدالة ونجاعتها ، ولتحقيق هذه الغاية فإننا موقنون أن جهود جميع الفاعلين في هذا المجال يقتضي تضافرها من أجل رفع التحديات التي تعترض تسريع وثيرة الرقمنة، في مقدمتها التحدي التشريعي الذي يتطلب جهودا خاصة في سبيل تذليل الصعاب من أجل إيجاد الإطار القانوني لاعتماد مخرجات الاستعمال المتزايد للوسائل التكنولوجية في أفق اعتمادها كليا في تدبير المساطر والإجراءات. هذا بالإضافة إلى التحدي الذي يفرضه رصد المساطر المتسمة بالتعقيد وتحديد السبل الكفيلة بتبسيطها وجعلها قابلة للرقمنة لفائدة المرتفقين. ولفت إلى أن إقامة نظام متين للرقمنة هو تحد قادرون على رفعه بعدما كانت لنا تجربة متميزة في ظل جائحة كوفيد بسبب الحجر الصحي الذي عرفته بلادنا على غرار سائر بلدان العالم، والتي شكلت فترة اختبار لقياس مدى قدرة وجاهزية العدالة المغربية لتبني خيار الرقمنة وجعلها واقعا ملموسا من خلال تجربة المحاكمة عن بعد وكذا تدبير العديد من الإجراءات رقميا حيث كان للتعاون المؤسساتي الدور الأساس في رفع كل التحديات التي كانت مطروحة كمعيقات وكسب رهان استمرار تصريف العمل القضائي بالمحاكم.