الدكالي: مفهوم الحكم الذاتي قابل للتأويل.. والمغرب انتقل إلى "الجهاد الأكبر"    عشرات القتلى في هجوم للدعم السريع    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    حملة لتحرير الملك العمومي داخل ''مارشي للازهرة'' تقودها الملحقة الإدارية الخامسة    تجديد مكتب هيئة المهندسين التجمعيين بالجديدة وانتخاب قيادة جديدة للمرحلة المقبلة    مئات التونسيين يتظاهرون ضد السلطة تحت شعار "المعارضة ليست جريمة"    المنتخب المصري يتعادل مع الإمارات    بوصوف يناقش تنزيل الحكم الذاتي    "حقوق المؤلف" يوضح "تغريم مقهى"    ارتفاع حصيلة ضحايا "حادثة الفنيدق"    النجمة الذهبية تزين "سماء بلا أرض" في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش    أخنوش من الرشيدية: "الأحرار حزب الإنصات والقرب... ومهمتنا خدمة كل جهة بالوتيرة نفسها"    ميسي يقود إنتر ميامي لحصد الدوري الأمريكي    سبتة المحتلة .. متابعة إسبانية في قضية اعتداء جنسي على قاصرين مغاربة        وزارة بنسعيد تغرم المقاهي بسبب الموسيقى    حزب الحركة الشعبية يعقد الدورة السادسة لمجلسه الوطني بالحسيمة (صور)    طنجة.. توقيف سائق الشاحنة المتورط في دهس عاملة نظافة وفراره بالعوامة    المنتخب العراقي يعبر إلى دور الربع    11 قتيلا في هجوم مسلح داخل فندق بجنوب إفريقيا    جمال السلامي: الأهم هو أننا تفادينا مواجهة المغرب في كأس العالم    فتاح تؤكد البعد الاستراتيجي للشراكة الاقتصادية المغربية-الإسبانية    الوالي التازي يضع طنجة على درب المدن الذكية استعداداً لمونديال 2030    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد        بايتاس يهاجم صنّاع الفرجة السياسية ويستعرض حصيلة الحكومة    توقيع ثلاث اتفاقيات لتطوير البنيات التحتية اللوجستية والتجارية بجهة الداخلة–وادي الذهب    القصر الكبير : الإعلامي "إبراهيم بنطالب" يُوَجِّهُ رسالة مستعجلة الى السيد باشا المدينة بتدخل بشأن وضعية دار الثقافة    جمعيات حماية المستهلك تثمن تحرك مجلس المنافسة ضد التلاعب بالأعلاف    لقجع يستقبل دياغنا نداي بالمعمورة        ستون صورة ومغرب واحد نابض بالعاطفة.. افتتاح استثنائي يكرّس المغرب في ذاكرة الصورة    ريتشارد يحتفي بإطلاق نيالا ويستعد لتمثيل سوريا في الدوحة    لجنة تحكيم ثلاثية دولية لاختيار أفضل عرض سيرك لسنة 2025 بالدورة 7 للمهرجان الدولي لفنون السيرك بخريبكة    الجزائر تستعمل لغة غير لائقة في مراسلاتها الدولية وتكشف تدهور خطابها السياسي    المكتب الشريف للفوسفاط يستثمر 13 مليار دولار في برنامجه الطاقي الأخضر ويفتتح مزرعته الشمسية بخريبكة    الركراكي: حكيمي يبذل جهداً كبيراً للحاق بالمباراة الأولى في "كان 2025"    وزير الصحة يجدد في طوكيو التزام المغرب بالتغطية الصحية الشاملة    أخنوش من الرشيدية: من يروج أننا لا ننصت للناس لا يبحث إلا عن السلطة    أنشيلوتي: مواجهة المغرب هي الأصعب في مجموعتنا في كأس العالم 2026    مشعل: نرفض الوصاية على فلسطين    ملاحقات في إيران إثر مشاركة نساء بلا حجاب في ماراثون    سطات .. انطلاق فعاليات الدورة 18 للملتقى الوطني للفنون التشكيلية نوافذ    تزنيت : دار إيليغ تستعد لاحتضان ندوة علمية حول موضوع " إسمكان إيليغ بين الامتداد الإفريقي وتشكل الهوية المحلية "    سوس ماسة تطلق برنامجاً ب10 ملايين درهم لدعم الإيواء القروي بمنح تصل إلى 400 ألف درهم لكل منشأة    تحذير من "أجهزة للسكري" بالمغرب    الكلاب الضالة تهدد المواطنين .. أكثر من 100 ألف إصابة و33 وفاة بالسعار        قبل انطلاق كان 2025 .. الصحة تعتمد آلية وطنية لتعزيز التغطية الصحية    الاجتماع رفيع المستوى المغرب–إسبانيا.. تجسيد جديد لمتانة الشراكة الثنائية (منتدى)    "أمريكا أولا"… ترامب يعلن استراتيجية تركز على تعزيز الهيمنة في أمريكا اللاتينية وتحول عن التركيز عن آسيا    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    مونديال 2026.. أنظار العالم تتجه نحو واشنطن لمتابعة عملية سحب القرعة    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المثقف في زمن ( لحريك) الثقافي
نشر في طنجة الأدبية يوم 19 - 01 - 2013

صعب جدا أن نعرف الحالة الثقافية بالمغرب، وأن نقاربها مقاربة علمية حقيقية شاملة، خصوصا في هذا الظرف التاريخي الملتبس، وتأتي الصعوبة من كون أن هذه الحالة الثقافة اليوم هي نبت بري ووحشي وهلامي وشبحي وزئبقي، وبأنها عالم بدون خرائط، وبأنها نشاط اجتماعي ومعرفي هامشي وغير منظم وغير مهيكل وغير مقنن، وبأنها ممارسة عشوائية لا تحتكم إلى سياسة ثقافية واضحة ومحددة وصريحة، فهي نشاط يتكرر بآلية، وبدون برامج مسطرة، وبدون مناهج عامية مضبوطة، وبدون آفاق مرسومة، آفاق واضحة يمكن أن تتحرك باتجاهها هذه الثقافة، وأن يمشي باتجاهها المثقف المغربي.
كل شيء في مغرب اليوم تنقصه الثقافة الحالمة، وتنقصه الرؤية العالمة، وينقصه شيء من الحس الجمالي، وينقصه شيء من الموقف المبدئي، وينقصه شيء من روح المسؤولية، وإذا حضرت هذه الثقافة على المستوى الرسمي، فإنها لا تحضر إلا في مستواها الفلكلوري المائع، وفي مستواها الفطري والبدائي، وهناك استقالة جماعية لكثير من المثقفين اليوم، وهناك هروب إلى السهل وإلى المريح إلى المفيد وإلى الغامض والملتبس أيضا، والذي يمكن أن يتحدث في كل شيء، من غير أن يقول أي شيء له معنى.
هناك فوضى عارمة في المشهد المغربي العام، فالدولة تفرط في الأغنية المغربية لصالح الغناء المستورد، وهناك هجرة المغنين المغاربة إلى القنوات الغنية في المشرق العربي، وتفرط في الإبداع الخلاق لفائدة الإتباع ( السراق) وتفرط في المادي المحسوس لفائدة المجرد الوهمي والشبحي والهلامي، وتفرط في العبقرية المغربية، بكل تاريخها، وبكل محمولاتها المعرفية والجمالية والأخلاقية، وذلك في مقابل استيراد الجاهز من الأفكار والجاهز من الأسماء والجاهز من التقليعات الموضوية العابرة والطائرة، الشيء الذي يجعل الثقافة المغربية في جزء كبير منها ثقافة بلا هوية، وبلا توجه، وبلا موقف، وبلا أفق نظري.
في هذا المشهد الكارثي بامتياز تطالعنا نماذج كثيرة ومتنوعة لأسماء محسوبة على جسد هذه الثقافة ومحسوبة على عالمها، فهناك اليوم مثقف انتهت مدة صلاحيته، ولكنه مازال مصرا على الحضور الغائب، أو على الغياب الحاضر، لست أدري، وهناك مثقف آخر، آمن بالتفسير والتغيير في زمن من الأزمان، وهو اليوم يصر على أن النضال لا يمكن أن يرتبط إلا بالماضي، أي بسنوات الرصاص وليس بسنوات الذهب المفيدة والسعيدة أو بسنوات البترو دولار الجديدة، وهو يؤكد على أن الماضي قد مات موتا ماديا ومعنويا، وبأنه قد دفن في المقابر المنسية، تماما كما قال الأستاذ عبد الكريم غلاب في ذات رواية، وعليه، فإنه لا معنى اليوم، لوجود المثقف العضوي، أو لوجود المثقف الملتزم، أو لوجود المثقف المناضل، وذلك مادام أننا قد وصلنا بسلامة الله إلى نهاية التاريخ؛ تاريخ النضال طبعا، وتاريخ الكتابة، وتاريخ الإبداع، وتاريخ المطالبة بتحرير الإنسان، والمطالبة بتغيير شرطه الاجتماعي، وتغيير المؤسسات في وطنه.
مما لاشك فيه أن المغرب يعيش مرحلة مخاض عسيرة، سواء على مستوى التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويبقى السؤال الإشكالي التالي يتحدى :
أي دور يمكن أن يضطلع به المثقف المغربي في ظل هذه الوضعية الجديدة؟
قبل أن نتحدث عن الدور الذي يمكن أن يضطلع به المثقف المغربي في ظل هذه الوضعية، فإنه من اللازم أن نسأل أولا، أين هو هذا المثقف المغربي؟
هناك فئة من المثقفين فضلت الصمت، وآمنت بأن الصمت في مثل هذا الزمن الصعب حكمة، وقد تكون لهم في هذا الصمت مآرب أخرى كثيرة
وهناك فئة أخرى، باعت أفكارها ومبادئها وأحلامها القديمة في بازارات التحف العتيقة، وفي مقابل ذلك، نالت مناصب في دواوين وزارية، أو في سفارة إلى الربع الخالي، أو في جمعيات حكومية متنكرة..
إن ذلك المثقف العضوي الذي كان، أصبح اليوم مثقفا عمليا وبراغماتيا وواقعيا ومصلحيا وانتفاعيا.. لا تهمه الكلمات بقدر ما تهمه الأرقام، ولا تهمه الأوراق المسودة بالحبر، ولكن تهمه الأوراق البنكية الملونة.. ثم إن حروبه لم تعد حروب مواقف، ولكنها حروب مواقع.. مواقع وهمية في عالم وهمي، وأصبح الكل في هذه الحرب الخاسرة يبحث عن .. موقع قدم، بدل أن يبحث له عن موقع قلم أو عن موقع أفكار في عالم الأفكار ..
يمكن أم نؤكد بأن فهم هذه التحولات شيء ممكن، وسهل أيضا.. يكفي أن يكون لك حس جميل، وأن تكون لك عين مبصرة، وأن ترى الناس والأشياء بوعي نقدي، وأن تتمثلها في حركيتها وتغيراتها، وأن تستعين بشيء من الحدس الصوفي، وأن تتجرد من الخوف ومن الطمع، وأن تقارن كل الشعارات النظرية بالواقع اليومي الملموس والمحسوس، ابتداء من شعار الانتقال الديمقراطي ومن شعار العهد الجديد ومن شعار الحداثة، وانتهاء بكل الشعارات التي هي اليوم مجرد مفرقعات إعلامية.. شعارات يرددها الإعلام الرسمي ولكن الواقع اليومي لا يعرفها..
هناك أحزاب مغربية، ومعها نخبها المثقفة، آمنوا جميعهم بالتقدم والاشتراكية وبالحرية والحداثة، وبالمواطنة الحقيقة، ولكنهم اليوم أصبحوا رمزا للتخلف والرجعية، وتحول التأميم الاشتراكي لديهم إلى خوصصة، وتحولت الاشتراكية إلى ليبرالية بدائية ومتوحشة.. لقد بشروا بالأفكار المثالية، وخدعوا بها كثيرا من أهل هذا الوطن، وابتزوا بها الدولة عقودا طويلة، وهم اليوم لا يجدون الشجاعة الكافية لإعلان الكفر بها، ولا يجدون اللسان الذي به يعتذرون لهذا الشعب ولهذا الوطن، وذلك عن كل الأوهام التي سوقوها لعقود طويلة..
هناك اليوم شيوعيون مرتدون، وهناك يساريون مرتدون، وهناك مثقفون مرتدون، وتلك هي أهم سمات وملامح العمل السياسي والثقافي في المغرب. إن المبادئ لم يعد لها مكان في الأخلاق.. والأخلاق لم يعد لها مكان في العمل الحزبي، المصلحة أولا، والمصلحة أخيرا، ويمكن أن تتوقع من السياسي أن يتحالف حتى مع الشيطان، ويمكن أن تتوقع من المثقف أن تجده في كل موضع، وأن تسمع منه أي كلام.. وأن يكون هذا الكلام كلاما رماديا بطبيعة الحال، فلا هو أبيض ولا هو أسود..
الأمر يحتاج إذن إلى شيء من الوضوح، وأين هو الوضوح في عالم يمارس فيه الإعلام أكبر وأخطر أنواع التعتيم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.