موجة حر تصل إلى 45 درجة تضرب عدداً من أقاليم المملكة مطلع الأسبوع    طنجة.. حجز أزيد من 3 كلغ من الكوكايين وضبط مشتبه به بمبلغ مالي ضخم    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع بأداء سلبي    الملك يعزي الهند في ضحايا الطائرة    "البارادوكس المغربي".. عندما ترتدي السلطوية قناع الديمقراطية    هبة بناني: لم أتوقع المرتبة الأولى وطنيا .. وهدفي ولوج كلية الطب    كأس العالم للأندية.. صيغة جديدة تعد بمتعة أكبر وتنافسية أعلى    جمعية: "بيجيدي" يسيء للجالية اليهودية    برقية تهنئة من الملك محمد السادس إلى عاهل المملكة المتحدة بمناسبة عيد ميلاده    تامر حسني يكشف تطورات الحالة الصحية لنجله    التلميذ ايمن المالكي يتوج باعلى معدل باكالوريا باقليم الحسيمة        "صفعة للاستثمار وضربة لصورة المغرب".. نخرجو ليها ديريكت يكشف كواليس توقيف مشروع فندقي ضخم في قلب الدار البيضاء    الحكومة تصادق على مشروع مرسوم يهم تحسين وضعية مهندسي العدل    الحسنية توقع رسميا عقودها مع المدرب الرئيسي والمدير الرياضي للحسنية    مواهب كروية تستحق اهتمام الأندية الكبرى: زياد الإدريسي الجناح الكروي الطائر    حركات استعراضية ومنافسة عالمية.. موتوكروس فري ستايل يعود إلى الرباط -فيديو-    الوكالة المغربية للدم ومشتقاته تطلق حملات وطنية للتبرع بالدم بمختلف جهات المملكة    نادي أروروبي جديد يبدي رغبته في التعاقد مع أمرابط    تكريم الفنانين أحمد حلمي ويونس ميكري في حفل افتتاح مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي    إيران تقرر إغلاق الأجواء حتى إشعار آخر    مونديال الأندية.. ميسي "متحمس" وماسكيرانو يشيد بقوة الأهلي    حصيلة وفيات تحطم طائرة هندية ترتفع إلى 270 شخصا    إيران تعلن مقتل 3 علماء نوويين و 2 قادة عسكريين جدد    "غوغل" تطلق ميزة جديدة لتحويل نتائج البحث إلى بودكاست بواسطة الذكاء الاصطناعي    اجتماع وزاري لتفعيل التوجيهات الملكية حول إعادة تكوين القطيع الوطني للماشية    مطالب للحكومة باتخاذ إجراءات ملموسة تحفز اندماج القطاع غير المهيكل بالاقتصاد الرسمي    إسناد تسيير ضريبة السكن وضريبة الخدمات الجماعية إلى المديرية العامة للضرائب        إسرائيل تضرب منصات صواريخ إيران    الطالبي العلمي يستقبل وفد المنتدى البرلماني الإفريقي لبحث قضايا الدفاع والخارجية    لامين يامال يفجر "ضجة كبيرة" بشأن صفقة نيكو ويليامز    ريال مدريد يضم اللاعب الأرجنتيني ماستانتوونو    أفتاتي: من الواجب التضامن مع الشعب الإيراني في مواجهة إجرام كيان صهيوني مارق    "العدل والإحسان": الاعتداء على إيران يؤكد نهج الكيان الصهيوني القائم على العنف والإجرام    أجواء حارة في توقعات طقس السبت    واشنطن.. عرض عسكري غير مسبوق احتفالا بالذكرى ال250 لتأسيس الجيش الأمريكي    بعد رد إيران... سعر النفط يرتفع إلى 74.23 دولار للبرميل    مهنيو و فعاليات الصيد البحري بالجديدة يعترضون على مقترحات كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري    حملة ميدانية واسعة لمحاربة احتلال الملك العمومي بسوق للازهرة بالجديدة    تراجع ملحوظ في كميات وقيمة الأسماك بميناء الناظور خلال الأشهر الأخيرة    اجتماع عمل لبحث إجراءات إعادة تكوين قطيع الماشية على مستوى جهة طنجة-تطوان-الحسيمة    " التحول " معرض فردي للفنانة حياة قادري حسني برواق باب الرواح بالرباط    نج وكي بلاك يجمعان صوتهما لأول مرة في عمل غنائي مشترك        السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    مهرجان حب الملوك بمدينة صفرو يتوج ملكة جمال حب الملوك    أسماء غنائية عربية تعتلي خشبة موازين في دورته العشرين    ما أحوجنا إلى أسمائنا الحقيقية، لا إلى الألقاب!    مُحَمَّدُ الشُّوبِي... ظِلُّكَ الْبَاقِي فِينَا    شهادات مرضى وأسرهم..    مشاكل الكبد .. أعراض حاضرة وعلاجات ممكنة    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب    تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    متحور ‬كورونا ‬الجديد ‬"NB.1.8.‬شديد ‬العدوى ‬والصحة ‬العالمية ‬تحذر    السعودية تحظر العمل تحت الشمس لمدة 3 أشهر    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أشهر في جميع منشآت القطاع الخاص    









اللوح المحفوظ
نشر في طنجة الأدبية يوم 16 - 04 - 2008

ابتسامة... تعود صاحبنا إرسالها كل صباح على حارس العمارة. بسرعة يمتطي سيارته واضعا الحقيبة بجانبه، تسابقت أنامله نحو المقود يديره شمالا ويمينا تارة أخرى، الطريق مكتظة، حركة سير غير عادية، سيارات وشاحنات وحافلات وباعة متجولون يعبرون الطريق بعرباتهم المملوءة إما خضرا أو فواكه أو ما يشبه ذلك من السلع المنقولة إلى السوق في مثل هذا اليوم من الأسبوع، إشارة واحدة قادت صاحبنا للوقوف في انتظار إشارة أخرى تسمح له بالمرور، أرسل صاحبنا نظرة غير عادية في اتجاه مجموعة من الأولاد يقطعون الطريق مسرعين نحو الضفة الأخرى يلبسون جلابيب صوفية وقبعات متشابهة، كل واحد منهم يحمل لوحا خطت عليه بعض من الآيات الكريمة، عادت به ذاكرته إلى أيام الصبا التي قضاها في الكتاب، يتذكر النصوص في الصباح الباكر ويتذكر عصا الفقيه الطويلة وكل ما له علاقة بفترة الصبا ومغامراتها، لقد تعود في صباه الاتجاه مبكرا نحو الكتاب برفقة عصبة من جيرانه يحذوهم هدف واحد، كانوا كلما أقبلوا إلى الكتاب بجلابيبهم الصوفية التي يتوارثونها واحد تلو الآخر، أسرعوا إلى ألواحهم متوجهين نحو السقاية ليمسحوا ما تمت كتابته البارحة بالماء والصلصال، كانت هذه العملية أحب عملية لديهم لأنها كانت تشكل لهم المتنفس الوحيد، كانت تلك اللحظات التي يقضونها أمام السقاية عبارة عن استراحة صباحية، استراحة قبل الأوان، بعضهم يقوم بعمله بإخلاص وبعضهم يراوغ الفقيه في تلك اللحظات، يعتقد هؤلاء أن الفقيه لا يدري بحيلهم فقد نسوا أنه بدوره قد مر في مثل أحوالهم. لم يكن صاحبنا من هذه الجماعة، لأن رغبته في التعلم كانت أعمق، يقوم بواجبه بأسرع ما يمكن فقد كان هاجس الزمان يشكل له نقطة سوداء يرغب في التغلب عليها، وبعد عملية غسل الألواح ينتظر كل صبي من هؤلاء الجماعة حتى يجف لوحه ليتسنى له الكتابة عليه، كانت عملية الكتابة من أصعب ما يمر منه صاحبنا بسبب خطه الرذيل والذي كان مصدر عقوبة يومية يتعرض لها مجموعة من الصبيان ذوي الخطوط الرذيلة، أثناء عملية الكتابة كانت المنافسة تشتد بين أصحاب الخطوط الرفيعة رغبة منهم في كسب رضا الفقيه، غير أنها لم تكن المنافسة الوحيدة هناك، فقد كانت هناك منافسة أكبر وأعظم منها، إنها المنافسة على حفظ ما في اللوح في أسرع وقت ممكن، يتذكر صاحبنا أنه لم يعتد المشاركة في أي منافسة من هذه المنافسات لأن منافسة كبرى كانت تلقي بظلالها عليه، التي تمكنه من العلم وبلوغ المبتغى والحلم المنشود، غير أن عين الفقيه ورضاه كانت تشمل صاحبنا دون التنافس مع زملائه، لقد شكل ذكائه الخارق ورغبته الملحة في التعلم وقوة استيعابه مصدر إعجاب الفقيه به، كان حديثه مع الطلبة الكبار يتناول مواضيع تعلو سنه بكثير، حديث حول الفقه والسنة والعقائد والعبادات ناهيك عن الآداب والجغرافيا وعلوم أخرى كانت تدرس هناك، مما جعل من صاحبنا عالما قبل الأوان.
يتذكر صاحبنا قدومه إلى المنزل مساءا منهك القوى والتعب سيد حاله، كانت أمه تعده بمكافأة قيمة فور إتمامه لحفظ القرآن الكريم، وما أشد فرحة الأم بعد سنتين من الكتاب حفظ خلالها صاحبنا كتاب الله العظيم، الآن سيتمكن والده من السير في طريق مضاءة. قنديل ينير طريقه من الآن فصاعدا، فعلم ابنه سيرفع رأسه داخل القرية وسيضمن للأم ما تتباهى به مع قريناتها من النساء وسيفتح للصبي طريق الهجرة نحو المدينة لاستكمال تعليمه.
والآن بعد ما قضى طفولته بين المنزل والكتاب باستثناء بعض الحالات التي يكون فيها في موضع شرود، ها هو قد تحول إلى رجل أعمال تطغى على لغته لهجة المال والبورصات، يقف وقفة تأملية في الماضي ليقارن بين ما مضى وولى وبين ما هو عليه حاليا، أي الموضعين أفضل، هل ما سلف وعشته أو ما أعيشه الآن؟ هل اللوح المحفوظ والصلصال والسقاية أم ربطة العنق ودفتر الشيكات؟ أسئلة بلا إجابة تضعه في معادلة يعجز عن فك مجاهلها، ربما يكون الماضي أحسن، أو ربما يكون الموضع الحالي أحسن، يستمر في التساؤل والمقارنة إلى أن يشتعل الضوء الأخضر ليوقظه من الغوص في الذاكرة والماضي ويجيبه عن السؤال المحير بأن لا يجعل من الماضي شبحا يقيده وأن يقبل صيرورة الحياة وتماشي الدهر.
يتحرك صاحبنا بسيارته مستغربا مما أعادته إليه ذاكرته من أيام الصبا واللوح المحفوظ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.