الدبلوماسي الأمريكي السابق كريستوفر روس: قرار مجلس الأمن بشأن الصحراء "تراجع إلى الوراء"    الأحزاب المغربية تشيد بالمقاربة التشاركية للملك محمد السادس لتحيين مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء    أجواء غائمة مع ارتفاع طفيف لدرجات الحرارة في توقعات طقس الثلاثاء    فضيحة في وزارة الصحة: تراخيص لمراكز الأشعة تُمنح في ظل شكاوى نصب واحتيال    الفاعل المدني خالد مصلوحي ينال شهادة الدكتوراه في موضوع "السلطة التنظيمية لرئيس الحكومة في ضوء دستور 2011"    تغير المناخ أدى لنزوح ملايين الأشخاص حول العالم وفقا لتقرير أممي    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    "أسود الأطلس" يتمرنون في المعمورة    الأحزاب السياسية تشيد بالمقاربة التشاركية للملك محمد السادس من أجل تفصيل وتحيين مبادرة الحكم الذاتي    مباحثات تجمع العلمي ونياغ في الرباط    تنصيب عمر حنيش عميداً جديدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    تلاميذ ثانوية الرواضي يحتجون ضد تدهور الأوضاع داخل المؤسسة والداخلية    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القطاع الثقافي بالمغرب الراهن ما موقعه في السياسات الحكومية؟ بقلم // محمد أديب السلاوي
نشر في العلم يوم 23 - 07 - 2020

القطاع الثقافي بالمغرب الراهن ما موقعه في السياسات الحكومية؟
بقلم // محمد أديب السلاوي
-1-
ربما يكون من الضروري في هذه الورقة التي نخصها للثقافة في السياسات الحكومية، أن نتوقف قليلا عند المفاهيم المتطورة للثقافة، وعند الأسباب التي جعلت منها الدول النامية، آلية تندمج في السياسات والبرامج والاستراتيجيات البعيدة المدى للدفع بالتنمية في مختلف المجالات والميادين المتصلة بالإنسان/ الهوية/ التاريخ/ الجغرافية، وذلك قبل أن نتطرق إلى موقع هذه الثقافة في السياسات والبرامج الحكومية بمغرب اليوم/ مغرب الألفية الثالثة، حيث أوكلت هذه السياسات القطاع الثقافي موقعا لافتا في المشهد الحكومي، باعتباره أولا يشمل العلم والتربية المعرفة والآداب والفنون والسلوك، وفق رغبات الفرد الشرعية وحقوق المجتمع القانونية حتى يتمكن كل أفراد المجتمع من نظرة متوازنة للتقدم والحضارة، من جهة، وحتى تتم الملائمة بين مصالح الأفراد، ضمن ترقى المجتمعات، من جهة ثانية.
واعتبارا للدور الهام الذي تلعبه الثقافة في الأمن المجتمعي، وفي التنمية الشاملة للمجتمعات كان الأمل وما يزال معقودا على هذا القطاع، العناية بالإنسان صانع التنمية، من خلال عنايته بتراثه الماضي وتراثه الحاضر، وعنايته بهويته، بفكره وإبداعه وقيمه الراهنة والمستقبلية. ذلك لأن الثقافة في مفهومها الجامع، وفي مدلولها الشامل، هي الوعاء الحضاري الذي يحفظ للأمة هويتها، ويضمن تماسكها، ويكسبها السمات الفكرية المميزة، التي تتحول إلى ركيزة وجودها، وإلى جماع فكرها وخلاصة إبداعها، والتي تستودع عبقريتها، كمصدر لقوتها ومنبع تميزها بين الأمم والشعوب.
-2-
ليس غريبا إذن، على الثقافة أن تلعب مثل هذه لأدوار جميعا، فهي تمتد على مساحة واسعة من الفكر والإبداع والخلق/ تمتد على مساحة واسعة من التاريخ والجغرافيا البشرية/ تؤدي أدوارا ومهاما في الأمن الحضاري/ الأمن القومي/ الأمن السياسي، لا يقوم بها غيرها من القطاعات.
1/ الثقافة في معاجم اللغة العربية القديمة، ترتبط بالفطنة والحذق وسرعة الفهم والبديهة، قال محمد بن منظور في "لسان العرب المحيط": رجل تقف أي فطن/ فهم/ حاذق، والمراد هنا أي ثابت المعرفة بما يحتاج إليه.
وبالرغم من هذا المدلول الواسع الذي أعطته اللغة العربية لمصطلح الثقافة/ المثقف، فإن صيغته لم تكن شائعة في الكتابات العربية، لدى العرب الأقدمين، فكان المثقف عندهم هو العالم/ الأديب/ المحدث/ المشارك/ الحافظ/ الفقيه، إلى غير ذلك من الأوصاف.
وانطلاقا من هذه التعريفات، كانت نماذج المثقف العربي في العصر الذهبي للثقافة العربية، تتمثل في كتاب وفقهاء وعلماء وفلاسفة ومؤرخين، من أمثال: الجاحظ وابن قتيبة وابن حزم وابن خلدون وعياض الحصبي والقزويني والسيوطي، وغيرهم من الموسوعيين الذين اغنوا المكتبة العربية بنتاجهم الفكري، المتعدد الاهتمامات.
بمثل هذه النماذج يمكن الباحث المتبصر أن يدرك حيوية الثقافة العربية ككلمة ومفهوم، وأن يلامس أبعادها الفكرية والوجدانية ومراميها الإنسانية، فهي صفة من صفات العقل والنفس/نمط للتفكير والسلوك الوجداني استنارة للذهن/ تهذيب الذوق/ تنمية لملكة النقد والحكم لدى الأفراد والمجتمعات/ منهاج لتقويم المزايا الروحية والعقلية والحسية، وهي أبعد من ذلك، مؤسسة أوجدها العقل الإنساني المبدع، تعهدتها الأجيال المتعاقبة بالشدب والتكميل، حتى أصبحت عنوانا بارز لعبقرية الإنسان([1]). وإحدى السمات المميزة لتقدمه العلمي والحضاري([2]).
2/ والثقافة في القواميس والموسوعات الغربية والحديثة، لا تختلف مفاهيمها عن العربية، هي ما يتصف به الحادق المتعلم من ذوق وحس انتقادي وأحكام صحيحة، بل هي التربية التي تؤدي إلى اكتساب هذه الصفات([3]) وهي أبعد من ذلك، تنمية ملكات العقل وإثرائها بالتمارين الفكرية، وإنها حالة العقل الذي يتم إثرائه على هذا النحو([4]) وإنها منهاج الحياة الذي تسلكه جماعة بشرية ما، ويدخل في ذلك أنماط السلوك التي تكتب بالتعليم أو تقوم على قواعد ثابتة ينهجها فرد ويعاينها ويقرها فرد آخر ينتمي إلى نفس المجموعة، وهي بذلك تشمل أغراض الشعر والنثر البياني والتعبير عن الفكر الراقي عن طريق الفلسفة والعلوم والآداب والنحت والتصوير والفن المعماري والحرف التقليدية والموسيقى التراثية والإبداع بكل أصنافه، وبمعنى أعم، تهتم الثقافة بأنماط الحياة التي يتميز بها الإنسان عن الحيوان الأعجم([5]).
-3-
انطلاقا من هذا التعريف الموسع والشامل لمفهوم الثقافة، في الثقافة العربية والأوروبية ووعيا بوزنها في تحديد مسارات الأمم والشعوب وفعلها فيما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي، كانت الثقافة فيما مضى، وحتى اليوم أكبر موضوع للتخطيط المستقبلي الذي يراعي الأولويات والتوازنات، ويرمي إلى تحقيق أهداف معينة لها علاقة بحفظ النسيج الاجتماعي وضمان حضور وإشعاع هذه الدولة أو تلك على المستوى العالمي، والانفلات من الهيمنة التي تحاول ممارستها الثقافات التي تقف خلفها دول قوية. وهنا تطرح السياسية الثقافية التي تتبناها الدول النامية والصناعية في عالم اليوم، بوصفها نموذجا للتنمية والرقي، إذ تقوم على خطط واستراتيجيات متكاملة متمثلة في تشجيع تطوير صناعة سمعية بصرية خاصة بها، وبناء تكتلات لغوية قوية وتنمية المعارف اللغوية والتركيز على الهوية التاريخية/ الثقافية…
هكذا نجد الثقافة في عصرنا الحاضر، عصر التكنولوجيا والحضارة الرقمية قد تحولت إلى فضاء شامل للإبداع والإبتكار، ولتأسيس وعي نقدي تسنده قيم الحرية والمواطنة وحقوق الإنسان، بل تحولت إلى سلطة رمزية ومعرفية فردية وجمعية متوزعة الروافد في التاريخ والحضارة، واعية بما تعلنه من مواقف بخصوص الدولة والسياسة والمجتمع([6]) بل تحولت أكثر من ذلك إلى مساحة واسعة لانتاج الأفكار وترسيخ قيم المواطنة وتجديد أسئلة التعقيل، والإسهام في حل معضلات المجتمع ، وخاصة ما يتعلق منها بمرجعيات القيم التي يحتاجها إنسان هذا العصر، وأبرزها الحفاظ على المكتسبات الرمزية لما يشكل هويته (إعادة كتابة تاريخه/ المسؤولة اللغوية) الاستمرار في تشييد قيم وطنية في الدول المتخلفة تساهم في حل معضلة الاجتماعي المختل بسبب تنامي حالات الفقر والأمية والبطالة وتدني مستوى التعليم في مختلف أسلاكه وبرامجه([7])، وهو ما يعني بوضوح، تشجيع المبادرات الثقافية وتعميم المنشآت/ منشآت الطباعة والنشر/ المنشآت السينمائية/ المنشآت التشكيلية والموسيقية والمسرحية) وإعادة هيكلة المكتبات العمومية وقاعات العرض والمتاحف في المدن والقرى ودعم كل ذلك سواء في السياسة الحكومية، أو في مبادرات القطاع الخاص.
-4-
في ورقة لقطاع الثقافة بالكنفدرالية الديمقراطية للشغل (سنة 2011)، إن تناول هذه الإشكالية بمغرب عهد الاستقلال، طرح/ يطرح نقاشا محوريا حول مراميها ومساحاتها، خاصة أنها تخضع لتركيب مجتمعي معقد لإطار تتداخل فيه عوامل تمس الرقعة الجغرافية والتطور الكرونولوجي لإحداث ووقائع تنتج سلوكات ومفاهيم تؤطر المجتمع معرفيا، لغويا، عمرانيا، وبالتالي فإن التمظهرات على مستوى العراقة والحداثة، هو تحصيل حاصل لبنية المجتمع وتموجاته التاريخية وموقعه الجغرافي، ومن هنا يصعب في نظر الباحثين والمهتمين والخبراء المغاربة تحديد مجال الفعل الثقافي وحدود مساحته، لأنه سلوك ونمط عيش ولغة تواصل، وبنية تدبير العلاقة داخل المجتمع أفقيا وعموديا([8]). ما لاحظته الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن مختلف التنظيمات الحزبية غيبت السؤال الثقافي، عن تصوراتها الإستراتيجية ومقرراتها التنظيمية والسياسية، وهو ما غيب هذا السؤال عن السياسات الحكومية، ويعود ذلك بالأساس في نظرها، إما إلى ضغط الأولويات والحاجيات المجتمعية الملحة، أو إلى اختياراتها المرجعية والإيديولوجية، وهو ما جعل الفعل الثقافي في مغرب اليوم محدود الفاعلية والتأثير على الرأي العام، وعلى مراكز القرار، في حين أن إعادة الوعي الثقافي، كان وما زال يقتضي إدماجه في المشاريع والبرامج والإستراتيجيات والمقررات التنظيمية والسياسية، لمختلف تنظيمات المجتمع المدني أحزابا وجمعيات ونقابات وغيرها، ليتبلور ذلك في توجيهات السياسيات الحكومية، خاصة منها: التربية/ التكوين/ الإعلام/ العمران وغيرها من مظاهر الحياة في ظل المنظومة الثقافية التي جعلت/ تجعل المواطن كمصدر للتنمية والفكر والإبداع([9]).
وخارج هذا التوجه ستظل الأزمة الثقافية في نظر هؤلاء الباحثين قائمة تتعايش وتنمو في ظل أزمات التربية والتعليم والشغل والصحة والخبز والأمية والفقر على أكثر من صعيد، إلى أن يتم فتح أوراش فاعلة حول الثقافة، على غرار الأوراش التنموية الكبرى التي بدأنا نشهد بعضها في جهات البلاد، حينا بعد آخر، للانخراط الفعلي في قيم الحداثة والتحديث، والقطع مع مظاهر التقليد والتراجع.
هكذا، يمكن قياس "السياسة الثقافية" بمغرب الألفية الثانية، أي بعد ستة عقود من حصول المغرب على استقلاله، بما تحمله التقارير الدولية الرسمية عن القراءة والكتابة والنشر كما عن الصناعة الثقافية/ التنمية الثقافية عموما، وعن الأدوات الأكثر تعبيرا عن الثقافة والفكر، هنا وفي أنحاء الدنيا.
تقول إحصائيات "اليونسكو" وإحصائيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم/ إيسيسكو، أن معدل القراءة في مغرب الألفية الثالثة لا يتجاوز 6 دقائق في السنة للفرد الواحد، وأن معدل نشر الكتب، لا يصل إلى كتاب واحد لكل ربع مليون مواطن.
وتقول هذه التقارير أيضا، أن الوزارة المعنية بالقطاع الثقافي، لا تقدم أي خدمات ثقافية من شأنها بلورة الوعي الوطني بالتراث والإبداع، ولا تساهم في دعم الكتاب أو المسرح أو الموسيقى أو التشكيل وفق منظور قريب أو متوسط أو بعيد المدى، من شأنه تبني خطط تنموية ثقافية قادرة على الاستجابة إلى تطلعات الشعب المغربي، ونخبته الثقافية. وهو ما يجعل السؤال ملحا: ما هو الدور الذي تلعبه وزارة الثقافة؟ وما علاقتها بالأمن الثقافي المغربي؟
من هذه الزاوية، يمكننا أن نلاحظ، أن ما تقوم به الوزارة الوصية عن الثقافة، في كل تمظهراته/ في كل برامجه إن كانت هنالك برامج، لا ينتمي الجزء الأكبر منه إلى الشأن الثقافي، ولا يشكل في كلياته إلا الجزء اليسير من مضامين الفعل الثقافي.
-5-
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في مغرب اليوم: ليس فقط، ما هو الدور الذي لعبته/ تلعبه وزارة الثقافة في الحياة المغربية وهي تحتل مساحة من الميزانية العاملة لدولتنا الفقيرة، ومن الخطاب السياسي، بل السؤال ربما قد يكون أبعد من ذلك: هل جعلتنا هذه الوزارة، نقوم بإنتاج ثقافة مبدعة، تخصب حاضرنا، وتلون أحلامنا وتمنحنا جدارة المعاناة في التاريخ/ هل استطاعت رسم بعض الخطوط لما يسمى في عالم اليوم بالأمن الثقافي/ بالتنمية الثقافية..؟ إن هذه الوزارة ظلت قائمة في المشهد الحكومي المغربي، منذ عدة عقود ولكن دون أن تضيف للواقع الثقافي، ما يبرر وجودها، واستهلاكها لجزء من الميزانية العامة. إننا مازلنا في الثقافة نستهلك أضعاف أضعاف ما ننتج/ ما نزال بدون مؤسسات ثقافية فعليه ترعى الثقافة والمثقفين/ ما زلنا بدون مؤسسات ترعى الفعل الثقافي، وتؤهله في البنيات المجتمعية. وعلى الجانب الآخر، ما زالت أروقة هذه الوزارة/ وزارة الثقافة، تساكن الأموات، وتبلور أفكارهم ورؤاهم على منشوراتها ومجلاتها وإصداراتها العجيبة، دون أن تنتبه إلى الإنتاج الثقافي الحي، انتاج الأجيال الجديدة/ الصاعدة، الذي من شأنه تغذية التطلعات المغربية، أو يرسم أمامها لوحة الثقافة التي يحلم المغاربة بها، وهو ما يرسخ سيادة مناخ الجمود الفكري والتأخر الثقافي.
والحقيقة المؤلمة، أن موضوع الثقافة، ظل غائبا بمفاهيمه/ بفاعليته/ بمؤسساته عن التفكير، وعن السياسات الحكومية منذ حصول المغرب على استقلاله (سنة 1955)، فكل ما تم تحقيقه على أرض الواقع، أنشطة متواضعة، فقيرة معدمة، وهشة، تمت بمجهود الأفراد والباحثين والكتاب والفنانين، وبعض جمعيات المجتمع المدني، حسب إمكاناتهم الذاتية، وتضحياتهم الخاصة، وهم بذلك حافظوا على بعض ملامح الثقافة المغربية، وعلى بعض ملامح تراثها ومكوناتها.
وأكيد، أن غياب سياسة ثقافية بالمشهد الحكومي، طيلة العقود الماضية، لم يكن غيابا عشوائيا، بل حكمته طوال هذا التاريخ، خليفة إيديولوجية تعادي الثقافة، وتجعل منها عدوا للسلطة.
-6-
سؤال أخير، ويبدو أكثر إلحاحا في المشهد الحكومي اليوم: ما هو منظور الحكومة الجديدة/ القديمة للأمن الثقافي؟
الأمن الثقافي، هو الحفاظ على الهوية الوطنية بشتى الوسائل الثقافية والعلمية والتربوية والسياسية/ هو تحسيس المواطنين بهويتهم/ باستقلالهم، وتحصين شخصيتهم من الاغتراب والاستلاب والتفكك والتمزق.
فهل يمكن التفكير في الأمن الثقافي، دون التفكير في صياغة إستراتيجية متكاملة لنشر الكتاب، وإشاعة اللوحة التشكيلية والقطعة النحتية والقطعة الموسيقية والشريط السينمائي، هل يمكن التفكير في هذه الإستراتيجية دون صياغة سياسة تعليمية متوازنة/ صياغة فلسفة متوازنة للتعليم من الروض إلى الجامعة..؟ دون صياغة إستراتيجية واسعة للبحث العلمي؟ وهل يمكن تحقيق الأمن الثقافي خارج الأمن السياسي/ الاجتماعي/ الاقتصادي؟ أي خارج شروطه الموضوعية؟
في الضفة المقابلة، نجد أمامنا العديد من الأمم الواعية/ الراقية، أوكلت/ توكل لهذه الوزارة (وزارة الثقافة) مسؤوليات جسام، تتمثل في إعطاء الثقافة الوطنية، موقعها الريادي للدفاع عن هويتها، بالاستثمار المتواصل في الصناعة الثقافية والاقتصاد الثقافي والتنمية الثقافية، وبكل الوسائل والإمكانيات التي من شأنها بلورة مفاهيم الأمن الثقافي/ إعطاء "الهوية" الثقافية موقعها على الخريطة البشرية.
من موقعنا الحزين، نلاحظ كما يلاحظ العالم، أننا نضع استراتيجيات انقلابية ضد الثقافة والمثقفين، نضع للثقافة ولأدواتها مسميات غريبة، في خطابنا السياسي، وهو ما يعني جهلنا المركب بحقيقة الثقافة المغربية وأوضاعها المريضة.
أفلا تنظرون.
هوامش:
[1] محمد العربي الخطابي/ الثقافة لغة وفكرا وتنظيما الملحق الأسبوعي لجريدة الأنباء 18 فبراير 1985.
[2] مجدي وهبة/معجم مصطلحات الأدب القاهرة 1963.
[3] الدكتور جميل صليبا/المعجم الفلسفي (طبعة بيروت 1980)
[4] معجم لاروس (بارس 1980)
[5] المستر روبنسن/ الثقافة والحضارة (الموسوعة البريطانية/ طبعة 1969)
[6] عبد الفتاح الحجمري/ الفعل الثقافي في مغرب اليوم
[7] عبد الفتاح الحجمري/ المرجع السابق
[8] حسن الأكحل/الإشكالية الثقافية في المغرب رهانات الفرص الضائعة، جريدة المساء 3 نونبر 2011.
[9] حسن الاكحل/ المرجع السابق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.