«باب الحكمة» بتطوان تصدر «حكاية مشاء» للكاتب محمد لغويبي    ريال مدريد تخدم مصالح نصير مزراوي    السعوية.. أمطار غزيرة وسيول تتسبب في إغلاق المدارس بأنحاء المملكة    بركة يحصي مكاسب الاتفاق الاجتماعي ويقدم روايته حول "أزمة اللجنة التنفيذية"    آثار جانبية مميتة للقاح "أسترازينيكا".. فما هي أعراض الإصابة؟    عبد اللطيف حموشي يستقبل سفير جمهورية باكستان الإسلامية بالرباط    أشهر عازف كمان بالمغرب.. المايسترو أحمد هبيشة يغادر إلى دار البقاء    السفير محمد لخصاصي، القيادي الاتحادي وقيدوم المناضلين الاتحاديين .. أنوه بالمكتسبات ذات الطابع الاستراتيجي التي يسير حزبنا على هديها    لقجع "مطلوب" في مصر بسبب الشيبي    اختتام الوحدة الثالثة للدورة التكوينية للمدربين لنيل دبلوم "كاف برو"    الوداد يغلق باب الانخراط ببلوغه لرقم قياسي    ال"كاف" يقر بهزيمة اتحاد العاصمة الجزائري إيابا بثلاثية وتأهل نهضة بركان إلى النهائي لمواجهة الزمالك    نور الدين مفتاح يكتب: فن العيش بجوار الانتحاريين    إسطنبول.. وفد برلماني يؤكد موقف المغرب الراسخ من عدالة القضية الفلسطينية    صحف أمريكية تقاضي "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" بتهمة انتهاك حقوق الملكية    ميارة يثني على مخرجات الاتفاق الاجتماعي ويرفض اتهام الحكومة ب"شراء النقابات "    مسيرات نقابية في مختلف المدن المغربية لإحياء يوم العمال العالمي    الداخلة .. قطب تجاري ولوجستي لا محيد عنه في القارة الإفريقية    الإعلامي حميد سعدني يحل ضيفا على كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك    توافد 3,3 مليون سائح برسم الفصل الأول من سنة 2024    صفعة جديدة لتونس قيس سعيّد.. عقوبات ثقيلة من الوكالة العالمية للمنشطات على تونس    حكيمي يواجه فريقه السابق بروسيا دورتموند في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    دراسات مرتقبة لربط تطوان وطنجة بخط سككي لتعزيز المواصلات بالشمال    إدارة السجن المحلي بالناظور تنفي مزاعم تسبب التعنيف والإهمال في وفاة سجينين    حريق بمحل لبيع المفروشات بسوق كاسبراطا بطنجة يثير هلع التجار    تفاصيل البحث في تصوير تلميذة عارية بوزان    طائرة مغربية بطنجة تتعرض لحادث تصادم مع سرب طيور        الحكومة تعلن عن مشروع لصناعة أول طائرة مغربية بالكامل    منيب: "لا مانع من إلغاء عيد الأضحى بسبب الأوضاع الاقتصادية للمواطنين    بنسعيد: اختيار طنجة لإقامة اليوم العالمي للجاز يجسد قدرة وجودة المغرب على تنظيم التظاهرات الدولية الكبرى    فوزي الصقلي : المغرب بلد منفتح على العالمية    ارتفاع الحصيلة في قطاع غزة إلى 34568 قتيلا منذ اندلاع الحرب    فاتح ماي فكازا. بركان حاضرة بتونيها عند موخاريق وفلسطين جامعاهم مع نقابة الاموي والريسوني والراضي ما غابوش وضربة اخنوش ما خلاتش العمال يخرجو    مجلس المنافسة يرصد احتمال وجود تواطؤ في تحديد أسعار السردين ويحقق في الموضوع    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع وسط ترقب قرار للمركزي الأمريكي    النفط يتراجع ليوم ثالث بضغط من تزايد آمال التوصل لتهدئة في الشرق الأوسط    إسطنبول تشهد توقيفات في "عيد العمال"    "داعش" تتبنى مهاجمة مسجد بأفغانستان    وفاة بول أوستر مؤلف "ثلاثية نيويورك" عن 77 عاما    "الاتحاد المغربي للشغل": مكاسب الاتفاق الاجتماعي مقبولة ولن نقبل "الثالوث الملعون"    هل تستطيع فئران التجارب التلاعب بنتائج الاختبارات العلمية؟    جمعية طبية تنبه إلى التهاب قناة الأذن .. الأسباب والحلول    تطورات جديدة في مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا    في مواجهة الحتمية الجيوسياسية.. الاتحاد الأوروبي يختار التوسع    المنتخب المغربي يتوج بلقب البطولة العربية لكرة اليد للشباب    بعد 24 عاما على طرحها.. أغنية لعمرو دياب تفوز بجائزة "الأفضل" في القرن ال21    الشرطة تعتقل عشرات المحتجين المؤيدين لفلسطين في مداهمة لجامعة كولومبيا بنيويورك    رئيس جامعة عبد المالك السعدي يشارك بروما في فعاليات المنتدى الأكاديمي والعلمي    تساقطات مطرية في العديد من مناطق المملكة اليوم الأربعاء    حارة نجيب محفوظ .. معرض أبوظبي للكتاب يحتفي ب"عميد الرواية العربية"    بماذا اعترفت أسترازينيكا بشأن لقاحها المضاد لكورونا؟    الأمثال العامية بتطوان... (586)    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القطاع الثقافي بالمغرب الراهن ما موقعه في السياسات الحكومية؟ بقلم // محمد أديب السلاوي
نشر في العلم يوم 23 - 07 - 2020

القطاع الثقافي بالمغرب الراهن ما موقعه في السياسات الحكومية؟
بقلم // محمد أديب السلاوي
-1-
ربما يكون من الضروري في هذه الورقة التي نخصها للثقافة في السياسات الحكومية، أن نتوقف قليلا عند المفاهيم المتطورة للثقافة، وعند الأسباب التي جعلت منها الدول النامية، آلية تندمج في السياسات والبرامج والاستراتيجيات البعيدة المدى للدفع بالتنمية في مختلف المجالات والميادين المتصلة بالإنسان/ الهوية/ التاريخ/ الجغرافية، وذلك قبل أن نتطرق إلى موقع هذه الثقافة في السياسات والبرامج الحكومية بمغرب اليوم/ مغرب الألفية الثالثة، حيث أوكلت هذه السياسات القطاع الثقافي موقعا لافتا في المشهد الحكومي، باعتباره أولا يشمل العلم والتربية المعرفة والآداب والفنون والسلوك، وفق رغبات الفرد الشرعية وحقوق المجتمع القانونية حتى يتمكن كل أفراد المجتمع من نظرة متوازنة للتقدم والحضارة، من جهة، وحتى تتم الملائمة بين مصالح الأفراد، ضمن ترقى المجتمعات، من جهة ثانية.
واعتبارا للدور الهام الذي تلعبه الثقافة في الأمن المجتمعي، وفي التنمية الشاملة للمجتمعات كان الأمل وما يزال معقودا على هذا القطاع، العناية بالإنسان صانع التنمية، من خلال عنايته بتراثه الماضي وتراثه الحاضر، وعنايته بهويته، بفكره وإبداعه وقيمه الراهنة والمستقبلية. ذلك لأن الثقافة في مفهومها الجامع، وفي مدلولها الشامل، هي الوعاء الحضاري الذي يحفظ للأمة هويتها، ويضمن تماسكها، ويكسبها السمات الفكرية المميزة، التي تتحول إلى ركيزة وجودها، وإلى جماع فكرها وخلاصة إبداعها، والتي تستودع عبقريتها، كمصدر لقوتها ومنبع تميزها بين الأمم والشعوب.
-2-
ليس غريبا إذن، على الثقافة أن تلعب مثل هذه لأدوار جميعا، فهي تمتد على مساحة واسعة من الفكر والإبداع والخلق/ تمتد على مساحة واسعة من التاريخ والجغرافيا البشرية/ تؤدي أدوارا ومهاما في الأمن الحضاري/ الأمن القومي/ الأمن السياسي، لا يقوم بها غيرها من القطاعات.
1/ الثقافة في معاجم اللغة العربية القديمة، ترتبط بالفطنة والحذق وسرعة الفهم والبديهة، قال محمد بن منظور في "لسان العرب المحيط": رجل تقف أي فطن/ فهم/ حاذق، والمراد هنا أي ثابت المعرفة بما يحتاج إليه.
وبالرغم من هذا المدلول الواسع الذي أعطته اللغة العربية لمصطلح الثقافة/ المثقف، فإن صيغته لم تكن شائعة في الكتابات العربية، لدى العرب الأقدمين، فكان المثقف عندهم هو العالم/ الأديب/ المحدث/ المشارك/ الحافظ/ الفقيه، إلى غير ذلك من الأوصاف.
وانطلاقا من هذه التعريفات، كانت نماذج المثقف العربي في العصر الذهبي للثقافة العربية، تتمثل في كتاب وفقهاء وعلماء وفلاسفة ومؤرخين، من أمثال: الجاحظ وابن قتيبة وابن حزم وابن خلدون وعياض الحصبي والقزويني والسيوطي، وغيرهم من الموسوعيين الذين اغنوا المكتبة العربية بنتاجهم الفكري، المتعدد الاهتمامات.
بمثل هذه النماذج يمكن الباحث المتبصر أن يدرك حيوية الثقافة العربية ككلمة ومفهوم، وأن يلامس أبعادها الفكرية والوجدانية ومراميها الإنسانية، فهي صفة من صفات العقل والنفس/نمط للتفكير والسلوك الوجداني استنارة للذهن/ تهذيب الذوق/ تنمية لملكة النقد والحكم لدى الأفراد والمجتمعات/ منهاج لتقويم المزايا الروحية والعقلية والحسية، وهي أبعد من ذلك، مؤسسة أوجدها العقل الإنساني المبدع، تعهدتها الأجيال المتعاقبة بالشدب والتكميل، حتى أصبحت عنوانا بارز لعبقرية الإنسان([1]). وإحدى السمات المميزة لتقدمه العلمي والحضاري([2]).
2/ والثقافة في القواميس والموسوعات الغربية والحديثة، لا تختلف مفاهيمها عن العربية، هي ما يتصف به الحادق المتعلم من ذوق وحس انتقادي وأحكام صحيحة، بل هي التربية التي تؤدي إلى اكتساب هذه الصفات([3]) وهي أبعد من ذلك، تنمية ملكات العقل وإثرائها بالتمارين الفكرية، وإنها حالة العقل الذي يتم إثرائه على هذا النحو([4]) وإنها منهاج الحياة الذي تسلكه جماعة بشرية ما، ويدخل في ذلك أنماط السلوك التي تكتب بالتعليم أو تقوم على قواعد ثابتة ينهجها فرد ويعاينها ويقرها فرد آخر ينتمي إلى نفس المجموعة، وهي بذلك تشمل أغراض الشعر والنثر البياني والتعبير عن الفكر الراقي عن طريق الفلسفة والعلوم والآداب والنحت والتصوير والفن المعماري والحرف التقليدية والموسيقى التراثية والإبداع بكل أصنافه، وبمعنى أعم، تهتم الثقافة بأنماط الحياة التي يتميز بها الإنسان عن الحيوان الأعجم([5]).
-3-
انطلاقا من هذا التعريف الموسع والشامل لمفهوم الثقافة، في الثقافة العربية والأوروبية ووعيا بوزنها في تحديد مسارات الأمم والشعوب وفعلها فيما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي، كانت الثقافة فيما مضى، وحتى اليوم أكبر موضوع للتخطيط المستقبلي الذي يراعي الأولويات والتوازنات، ويرمي إلى تحقيق أهداف معينة لها علاقة بحفظ النسيج الاجتماعي وضمان حضور وإشعاع هذه الدولة أو تلك على المستوى العالمي، والانفلات من الهيمنة التي تحاول ممارستها الثقافات التي تقف خلفها دول قوية. وهنا تطرح السياسية الثقافية التي تتبناها الدول النامية والصناعية في عالم اليوم، بوصفها نموذجا للتنمية والرقي، إذ تقوم على خطط واستراتيجيات متكاملة متمثلة في تشجيع تطوير صناعة سمعية بصرية خاصة بها، وبناء تكتلات لغوية قوية وتنمية المعارف اللغوية والتركيز على الهوية التاريخية/ الثقافية…
هكذا نجد الثقافة في عصرنا الحاضر، عصر التكنولوجيا والحضارة الرقمية قد تحولت إلى فضاء شامل للإبداع والإبتكار، ولتأسيس وعي نقدي تسنده قيم الحرية والمواطنة وحقوق الإنسان، بل تحولت إلى سلطة رمزية ومعرفية فردية وجمعية متوزعة الروافد في التاريخ والحضارة، واعية بما تعلنه من مواقف بخصوص الدولة والسياسة والمجتمع([6]) بل تحولت أكثر من ذلك إلى مساحة واسعة لانتاج الأفكار وترسيخ قيم المواطنة وتجديد أسئلة التعقيل، والإسهام في حل معضلات المجتمع ، وخاصة ما يتعلق منها بمرجعيات القيم التي يحتاجها إنسان هذا العصر، وأبرزها الحفاظ على المكتسبات الرمزية لما يشكل هويته (إعادة كتابة تاريخه/ المسؤولة اللغوية) الاستمرار في تشييد قيم وطنية في الدول المتخلفة تساهم في حل معضلة الاجتماعي المختل بسبب تنامي حالات الفقر والأمية والبطالة وتدني مستوى التعليم في مختلف أسلاكه وبرامجه([7])، وهو ما يعني بوضوح، تشجيع المبادرات الثقافية وتعميم المنشآت/ منشآت الطباعة والنشر/ المنشآت السينمائية/ المنشآت التشكيلية والموسيقية والمسرحية) وإعادة هيكلة المكتبات العمومية وقاعات العرض والمتاحف في المدن والقرى ودعم كل ذلك سواء في السياسة الحكومية، أو في مبادرات القطاع الخاص.
-4-
في ورقة لقطاع الثقافة بالكنفدرالية الديمقراطية للشغل (سنة 2011)، إن تناول هذه الإشكالية بمغرب عهد الاستقلال، طرح/ يطرح نقاشا محوريا حول مراميها ومساحاتها، خاصة أنها تخضع لتركيب مجتمعي معقد لإطار تتداخل فيه عوامل تمس الرقعة الجغرافية والتطور الكرونولوجي لإحداث ووقائع تنتج سلوكات ومفاهيم تؤطر المجتمع معرفيا، لغويا، عمرانيا، وبالتالي فإن التمظهرات على مستوى العراقة والحداثة، هو تحصيل حاصل لبنية المجتمع وتموجاته التاريخية وموقعه الجغرافي، ومن هنا يصعب في نظر الباحثين والمهتمين والخبراء المغاربة تحديد مجال الفعل الثقافي وحدود مساحته، لأنه سلوك ونمط عيش ولغة تواصل، وبنية تدبير العلاقة داخل المجتمع أفقيا وعموديا([8]). ما لاحظته الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن مختلف التنظيمات الحزبية غيبت السؤال الثقافي، عن تصوراتها الإستراتيجية ومقرراتها التنظيمية والسياسية، وهو ما غيب هذا السؤال عن السياسات الحكومية، ويعود ذلك بالأساس في نظرها، إما إلى ضغط الأولويات والحاجيات المجتمعية الملحة، أو إلى اختياراتها المرجعية والإيديولوجية، وهو ما جعل الفعل الثقافي في مغرب اليوم محدود الفاعلية والتأثير على الرأي العام، وعلى مراكز القرار، في حين أن إعادة الوعي الثقافي، كان وما زال يقتضي إدماجه في المشاريع والبرامج والإستراتيجيات والمقررات التنظيمية والسياسية، لمختلف تنظيمات المجتمع المدني أحزابا وجمعيات ونقابات وغيرها، ليتبلور ذلك في توجيهات السياسيات الحكومية، خاصة منها: التربية/ التكوين/ الإعلام/ العمران وغيرها من مظاهر الحياة في ظل المنظومة الثقافية التي جعلت/ تجعل المواطن كمصدر للتنمية والفكر والإبداع([9]).
وخارج هذا التوجه ستظل الأزمة الثقافية في نظر هؤلاء الباحثين قائمة تتعايش وتنمو في ظل أزمات التربية والتعليم والشغل والصحة والخبز والأمية والفقر على أكثر من صعيد، إلى أن يتم فتح أوراش فاعلة حول الثقافة، على غرار الأوراش التنموية الكبرى التي بدأنا نشهد بعضها في جهات البلاد، حينا بعد آخر، للانخراط الفعلي في قيم الحداثة والتحديث، والقطع مع مظاهر التقليد والتراجع.
هكذا، يمكن قياس "السياسة الثقافية" بمغرب الألفية الثانية، أي بعد ستة عقود من حصول المغرب على استقلاله، بما تحمله التقارير الدولية الرسمية عن القراءة والكتابة والنشر كما عن الصناعة الثقافية/ التنمية الثقافية عموما، وعن الأدوات الأكثر تعبيرا عن الثقافة والفكر، هنا وفي أنحاء الدنيا.
تقول إحصائيات "اليونسكو" وإحصائيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم/ إيسيسكو، أن معدل القراءة في مغرب الألفية الثالثة لا يتجاوز 6 دقائق في السنة للفرد الواحد، وأن معدل نشر الكتب، لا يصل إلى كتاب واحد لكل ربع مليون مواطن.
وتقول هذه التقارير أيضا، أن الوزارة المعنية بالقطاع الثقافي، لا تقدم أي خدمات ثقافية من شأنها بلورة الوعي الوطني بالتراث والإبداع، ولا تساهم في دعم الكتاب أو المسرح أو الموسيقى أو التشكيل وفق منظور قريب أو متوسط أو بعيد المدى، من شأنه تبني خطط تنموية ثقافية قادرة على الاستجابة إلى تطلعات الشعب المغربي، ونخبته الثقافية. وهو ما يجعل السؤال ملحا: ما هو الدور الذي تلعبه وزارة الثقافة؟ وما علاقتها بالأمن الثقافي المغربي؟
من هذه الزاوية، يمكننا أن نلاحظ، أن ما تقوم به الوزارة الوصية عن الثقافة، في كل تمظهراته/ في كل برامجه إن كانت هنالك برامج، لا ينتمي الجزء الأكبر منه إلى الشأن الثقافي، ولا يشكل في كلياته إلا الجزء اليسير من مضامين الفعل الثقافي.
-5-
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في مغرب اليوم: ليس فقط، ما هو الدور الذي لعبته/ تلعبه وزارة الثقافة في الحياة المغربية وهي تحتل مساحة من الميزانية العاملة لدولتنا الفقيرة، ومن الخطاب السياسي، بل السؤال ربما قد يكون أبعد من ذلك: هل جعلتنا هذه الوزارة، نقوم بإنتاج ثقافة مبدعة، تخصب حاضرنا، وتلون أحلامنا وتمنحنا جدارة المعاناة في التاريخ/ هل استطاعت رسم بعض الخطوط لما يسمى في عالم اليوم بالأمن الثقافي/ بالتنمية الثقافية..؟ إن هذه الوزارة ظلت قائمة في المشهد الحكومي المغربي، منذ عدة عقود ولكن دون أن تضيف للواقع الثقافي، ما يبرر وجودها، واستهلاكها لجزء من الميزانية العامة. إننا مازلنا في الثقافة نستهلك أضعاف أضعاف ما ننتج/ ما نزال بدون مؤسسات ثقافية فعليه ترعى الثقافة والمثقفين/ ما زلنا بدون مؤسسات ترعى الفعل الثقافي، وتؤهله في البنيات المجتمعية. وعلى الجانب الآخر، ما زالت أروقة هذه الوزارة/ وزارة الثقافة، تساكن الأموات، وتبلور أفكارهم ورؤاهم على منشوراتها ومجلاتها وإصداراتها العجيبة، دون أن تنتبه إلى الإنتاج الثقافي الحي، انتاج الأجيال الجديدة/ الصاعدة، الذي من شأنه تغذية التطلعات المغربية، أو يرسم أمامها لوحة الثقافة التي يحلم المغاربة بها، وهو ما يرسخ سيادة مناخ الجمود الفكري والتأخر الثقافي.
والحقيقة المؤلمة، أن موضوع الثقافة، ظل غائبا بمفاهيمه/ بفاعليته/ بمؤسساته عن التفكير، وعن السياسات الحكومية منذ حصول المغرب على استقلاله (سنة 1955)، فكل ما تم تحقيقه على أرض الواقع، أنشطة متواضعة، فقيرة معدمة، وهشة، تمت بمجهود الأفراد والباحثين والكتاب والفنانين، وبعض جمعيات المجتمع المدني، حسب إمكاناتهم الذاتية، وتضحياتهم الخاصة، وهم بذلك حافظوا على بعض ملامح الثقافة المغربية، وعلى بعض ملامح تراثها ومكوناتها.
وأكيد، أن غياب سياسة ثقافية بالمشهد الحكومي، طيلة العقود الماضية، لم يكن غيابا عشوائيا، بل حكمته طوال هذا التاريخ، خليفة إيديولوجية تعادي الثقافة، وتجعل منها عدوا للسلطة.
-6-
سؤال أخير، ويبدو أكثر إلحاحا في المشهد الحكومي اليوم: ما هو منظور الحكومة الجديدة/ القديمة للأمن الثقافي؟
الأمن الثقافي، هو الحفاظ على الهوية الوطنية بشتى الوسائل الثقافية والعلمية والتربوية والسياسية/ هو تحسيس المواطنين بهويتهم/ باستقلالهم، وتحصين شخصيتهم من الاغتراب والاستلاب والتفكك والتمزق.
فهل يمكن التفكير في الأمن الثقافي، دون التفكير في صياغة إستراتيجية متكاملة لنشر الكتاب، وإشاعة اللوحة التشكيلية والقطعة النحتية والقطعة الموسيقية والشريط السينمائي، هل يمكن التفكير في هذه الإستراتيجية دون صياغة سياسة تعليمية متوازنة/ صياغة فلسفة متوازنة للتعليم من الروض إلى الجامعة..؟ دون صياغة إستراتيجية واسعة للبحث العلمي؟ وهل يمكن تحقيق الأمن الثقافي خارج الأمن السياسي/ الاجتماعي/ الاقتصادي؟ أي خارج شروطه الموضوعية؟
في الضفة المقابلة، نجد أمامنا العديد من الأمم الواعية/ الراقية، أوكلت/ توكل لهذه الوزارة (وزارة الثقافة) مسؤوليات جسام، تتمثل في إعطاء الثقافة الوطنية، موقعها الريادي للدفاع عن هويتها، بالاستثمار المتواصل في الصناعة الثقافية والاقتصاد الثقافي والتنمية الثقافية، وبكل الوسائل والإمكانيات التي من شأنها بلورة مفاهيم الأمن الثقافي/ إعطاء "الهوية" الثقافية موقعها على الخريطة البشرية.
من موقعنا الحزين، نلاحظ كما يلاحظ العالم، أننا نضع استراتيجيات انقلابية ضد الثقافة والمثقفين، نضع للثقافة ولأدواتها مسميات غريبة، في خطابنا السياسي، وهو ما يعني جهلنا المركب بحقيقة الثقافة المغربية وأوضاعها المريضة.
أفلا تنظرون.
هوامش:
[1] محمد العربي الخطابي/ الثقافة لغة وفكرا وتنظيما الملحق الأسبوعي لجريدة الأنباء 18 فبراير 1985.
[2] مجدي وهبة/معجم مصطلحات الأدب القاهرة 1963.
[3] الدكتور جميل صليبا/المعجم الفلسفي (طبعة بيروت 1980)
[4] معجم لاروس (بارس 1980)
[5] المستر روبنسن/ الثقافة والحضارة (الموسوعة البريطانية/ طبعة 1969)
[6] عبد الفتاح الحجمري/ الفعل الثقافي في مغرب اليوم
[7] عبد الفتاح الحجمري/ المرجع السابق
[8] حسن الأكحل/الإشكالية الثقافية في المغرب رهانات الفرص الضائعة، جريدة المساء 3 نونبر 2011.
[9] حسن الاكحل/ المرجع السابق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.