الشباب موزع ما بين بيع الخضر والفواكه والمنتوجات التقليدية كالمحفظات والحقائب اليدوية قامت شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية بتنفيذ مشروع دراسة أثر الثقافة في التنمية ولدى الشباب ودورها في عملية التحول المجتمعي نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان في عدد من البلدان . ففي ظل الواقع المتخبط في المنطقة العربية من نزاعات وثورات وتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وضيق مساحات الحريات الرئيسية، تلعب الثقافة من جهة دوراً أساسيا في فهم أسباب وعمق هذه األزمات، وتساهم من جهة أخرى في إرساء الديمقراطية ومبادئها في بلدان ا لمنطقة . وأنجزت هذه المنظمات دراسة تقترح تحليلا لمشاريع منظمات المجتمع المدني وحاضني وقادة المشاريع من الشباب. وبالتالي، وتشكل مخرجات هذه الدراسة وتوصياتها مادة توجيهية أساسية لهذه الأطراف المشاركة في مشروع "سفير" وفي هذا الإطار شدد الناشطون في المجالين المدني والثقافي في المغرب على الترابط الوثيق بين التطورات في هذين المجالين وأشكال التعبير والعمل والأنشطة فيهما، وبين مسار التطورات العامة في البلاد. فهم يرون أن هناك تطورات حديثة لها أهمية من منظور التحول الديمقراطي في ءالمغرب. واعتبرت هذه الدراسة المغرب بلدا متنوع التكوين السكاني بما في ذلك تعايش المكونين العربي والأمازيغي وما يرافقه من تعدد لغوي؛ كما يجمع بين الإنتماء العربي إلى جامعة الدول العربية، والإفريقي؛ وحصل فيه تمازج طبيعي بين مختلف مكونات الهوية المغربية، لاسيما بعد الإعتراف الرسمي بالحقوق الثقافية للمكون الأمازيغي واعتبار الأمازيغية لغة رسمية وأشار التقرير إلى قرب المغرب الجغرافي من أوروبا، وتاريخ علاقاته معها في مراحل الإستعمار والحماية وما بعدها، بما في ذلك الإنتشار الواسع للغة الفرنسية في الإدارات الرسمية وبين الناس، الشيء الذي يجعل المغرب متأثرا بالثقافة الأوروبية سواء في تجليها الحداثي والمقصود بذلك قيم التنوير والمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، أو في تجليات العولمة المهيمنة حاليا وخياراتها الإقتصادية وثقافة السوق والإستهالك والمنفعة الفردية. كما أن تاريخ العلاقات السابقة في مرحلة الإستعمار والحماية تبقى إرثا كامنا قابلا للاستغلال السياسي والثقافي من قبل بعض الأطراف، وللمغرب أيضا تاريخ موغل في القدم وتنوع ثقافي تاريخي موروث شديد الغنى. وشكل هذا المكون الثقافي التقليدي تراثا ونمط حياة وقواعد سلوك لفئات عريضة جدا من السكان، لاسيما في الأرياف والأحياء الشعبية. ويوجد من جهة أخرى تنويعات للتدين والجماعات الصوفية والأولياء وغيرها من تجليات الدين الشعبي في المعتقدات والممارسات التي تمتزج مع التقاليد والعادات. وتحدث هذا التقرير عن المدينة القديمة في الدارالبيضاء والمعطيات التاريخية للمدينة القديمة ودورها الرمزي الهام لكونها تمثل ما يمكن اعتباره جانبا هاما من هوية المدينة، وتاريخها ومخزونها العمراني والثقافي والإجتماعي في آن. كما أن طريقة التعامل معها والتحولات التي تطرأ على موقعها في النسيج المديني العام وعلاقتها بالفصل الحديث، تظهر جوانب هامة من التعامل الحكومي والشعبي مع الثقافة بحكم ما تمثله المدينة القديمة من تجسيد حي للثقافة التاريخية، وما طرأ عليها من تحولات في ظل التغيرات المعاصرة. ووقف التقرير ذاته عند ظروف الحياة في المدينة القديمة للدار البيضاء، موضحا أنه في سنة 2020 أكثر من 170 ألف نسمة يتخذون المدينة القديمة مستقرا لهم، وتعيش حوالي %31 من الأسر داخل مساكن من غرفة واحدة، دون التوفر على مرحاض أو تستعمل مرحاضا مشتركا. كما ويمثل سكان "المدينة القديمة" الذين لا يتوفرون على أي مستوى دراسي ما نسبته 25 ٍ في المائة، بينما لا يتوفر على تعليم عال سوى 5 في المائة . وتفسر هذه المعطيات وضع الهشاشة التي يعيش عليها سكان أحياء "المدينة القديمة"، إذ ظل معظم شبابها يمارسون أنشطة موسمية أو مرتبطة بفضاء المنطقة باعتبارها سوقا تجتمع فيه تجارة متنوعة، ويتوزع الشباب ما بين ممارسة أنشطة بيع الخضر والفواكه والمنتوجات التقليدية أو بعض المنتوجات المحلية، مثل المحفظات والحقائب اليدوية. أو المستوردة مثل النظارات ومستلزمات الهواتف المحمولة... وغيرها، وهي الأنشطة التي تمارس في أزقة وساحات "المدينة القديمة"، ومعظمها أنشطة هامشية غير مهيكلة "المدينة القديمة" كانت سابقا مدينة مكتملة العناصر بحسب خصائص الزمن الذي نشأت فيه، فيما هي اليوم أحد أحيائها وقد توسعت الدارالبيضاء إلى أضعاف حجمها السابق. تبدلت النظرة إلى المدينة القديمة ووظيفتها وقيمتها وفق مرحلتين كبيرتين، المرحلة الأولى تميزت بتعظيم فهم معين للحداثة والعصرنة، وتراجع الإهتمام بما تمثله المدينة القديمة كقيمة ثقافية وتراثية وكدور اقتصادي أيضا، لاسيما مع توسع التجارة والأنشطة الإقتصادية الحديثة وخصوصا الخدماتية والصناعية، مقابل الطابع الحرفي والأنشطة التقليدية التي كانت تمثلها المدينة القديمة. في هذه المرحلة تراجع الاهتمام بالمدينة القديمة، وتدهورت البنى التحتية ونوعية الحياة فيها، وأهملت معالمها العمرانية أو دمرت واستبدلت حيث أمكن، بما يخدم الأنشطة التجارية والإقتصادية الجديدة. والمرحلة الثانية تميزت بعودة الاهتمام بالمدينة القديمة لسببين رئيسيين، أولهما تلافيا لعدم استقرار اجتماعي وسياسي ناجم عن تدهور الأوضاع والتهميش والتفاوت الحاد في المدينة. وتنفيذا للتوجهات الاجتماعية للسياسات الرسمية في مجال مكافحة الفقر ومدن الصفيح والسكن غير اللائق وما إلى ذلك. والسبب الثاني هو إعادة اكتشاف أهمية التراث والثقافة كنشاط اقتصادي وكعامل جذب سياحي هام جدا، حيث إن المدن القديمة في كل مناطق المغرب تشكل مقصدا سياحيا بالغ الأهمية، ما حفز الاهتمام بهذه الفضاءات وإعادة تأهيلها بحيث تستطيع القيام بدروها الجديد.