يغامر العديد من المغاربة، سواء كانوا راشدين أو قاصرين، على سلك طريق البلقان في محاولة للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، أملا في تحقيق أحلام لطالما راودتهم، وظنوا أن أوروبا هي الملاذ الوحيد لتحويلها إلى حقيقة. شباب في ربيع حياتهم لم تنصفهم الحياة في بلدانهم، اضطروا للهجرة من أجل البحث عن أنفسهم في الضفة الأخرى، وهربا من جحيم البطالة والفقر. تاركين وراءهم عائلاتهم في ورعب، وخوف من أن يلقى أبناؤهم حتفهم في غابات البلقان. هذه الفئة سلكت طريقا لا تقل خطورة عن البحر، هي عبارة عن غابات كثيفة، موحشة، في الشتاء تكسوها ثلوج كثيفة، وتتدنى درجات الحرارة إلى حضيض السلم، هذا البرد يجمد العظام ويشل الحركة ويخدر العقول. وفي وسط هذه المعمعة يسبر المهاجرون، بتهور منقطع النظير، أغوار ممرات مرسومة سلفا بأقدام المهاجرين السابقين. سالكين هذه الأدغال وهم يمنون النفس بألا يلقوا حتفهم جراء البرد أو رصاص الجنود الذين يتربصون بهم في كل وقت وحين. عبد الله، شاب مغربي قاسى ويلات طريق البلقان، وفي حديثه لجريدة العلم قال: "خرجنا ليلة يوم السبت من إسطنبول في سيارة شخص سوري، كنا 15 شخصا، بعد ساعات من السير وصلنا إلى "إدرا"، وهي منطقة حدودية، رمت بنا شبكة الهجرة في غرفة تكاد تكون زريبة الحيوانات أحسن منها، بقينا هناك حتى الصباح". وتابع:"في المساء ذهبنا إلى قرب نهر إيفروس الحدودي لنعبره، فتم القبض علينا من طرف الجنود الأتراك وجردونا من كل ما نملك، بل قاموا بتصويرنا، بعد حلول الظلام أخلوا سبيلنا". واردف:"عبرنا الحدود اليونانية وكانت المنطقة الحدودية بين تركيا و اليونان تعج بالقوات والجنود في الليل يستعملون كاميرا ت حرارية لرصد المهاجرين غير الشرعيين. بعد وصولنا إلى تلك المنطقة أخذنا قسطا من الراحة، وفي وقت المناوبة بين جنود الحراسة انتهزنا الفرصة وبدأنا في السير حتى وصلنا إلى طريق سيار في سهل منبسط، رصدنا الجنود، أمرونا بالوقوف و أطلقوا رصاصات تحذيرية، لكن مع ذلك عبرنا ذلك المنبسط و بدأنا في صعود الجبل، كنا نجري لأن الجنود من ورائنا يطلقون الرصاص، لاحظت في ذلك الجبل ملابس ومحافظ و أكياس تعود لمهاجرين آخرين ربما تخلوا عنها للنجاة من بطش هؤلاء الجنود، كنا نرتجف من شدة الخوف و الجوع، فحسب ما سمعت؛ إن أمسك بك الجنود فإنهم يبرحونك ضربا بدون رحمة حتى تتورم عظامك و تنكسر رقبتك، وينسلخ جلدك. بعد اجتيازنا تلك المنطقة، واصلنا السير وسط الغابة في الليل ونقتات على بعض المؤونة التي بقيت لدينا من سردين معلب وتمر. قطعنا مابين "كوكومنتوني" إلى اليونان في سلام. وفي طريقنا صادفنا نساء وأزواجهن وأطفالهم، وشباب وشابات وقاصرين من افغانستان وسوريا والجزائر وغيرها من الدول، الكل هرب من جحيم البطالة في بلاده". واستطرد عبد الله: "تابعنا المسير، لكن أنا كنت مريضا لم أقدر على تلك المشقة، فالجو بارد، لم أستطع تحمل ويلات السير في تلك الغابات الكثيفة الموحشة، أجبرت على إنهاء مغامرتي للوصول إلى أروبا، ودعت زملائي في السفر ونزلت الجبل إلى "كومونتني" لكي أسلم نفسي للشرطة، لكن عندما وصلت إلى تلك المدينة، لم أجد من يقلني و أنا كنت مريضا جدا، لم أجد حلا سوى الاستلقاء في الطريق لعل شخصا يغيثني، نجحت خطتي وأقلتني سيارة الإسعاف إلى المشفى".