كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    نشرة إنذارية: طقس حار وزخات رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح يومي الخميس والجمعة بعدد من مناطق المملكة    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    وسيط المملكة: مؤسسات الوساطة تواجه تحديات التحول الرقمي وتأمين المساواة في ولوج المرافق العمومية    ضد علال الفاسي... ضد عبد الرحيم بوعبيد    الذهب يصعد وسط التوتر في الشرق الأوسط    التصعيد بين إسرائيل وإيران يعيد للواجهة مطالب إحياء مصفاة "سامير" لتعزيز الأمن الطاقي    مجموعة "فيسين" تطلق طرحا عاما أوليا في بورصة الدار البيضاء    بنعلي وقيوح يبحثان التعاون العملي    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    "مجزرة جديدة"… إسرائيل تقتل 40 فلسطينيا بينهم 16 من منتظري المساعدات    رائحة دخان تجبر طائرة على الهبوط في ميونخ    جوفنتوس يكتسح العين الإماراتي بخماسية    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    ميداليات تحفز "بارا ألعاب القوى"    دلالات ‬تجديد ‬مجلس ‬حقوق ‬الإنسان ‬دعمه ‬لمغربية ‬الصحراء    العيون ‬تحتضن ‬منتدى ‬إفريقيا ‬لبحث ‬الآفاق ‬الاقتصادية ‬والتجارية ‬بالقارة    حرائق الواحات بالمغرب… تهديد للبيئة وخسائر اقتصادية    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    لقجع: المغرب ملتزم بجعل كأس العالم 2030 نموذجا للاندماج والاستدامة البيئية    رحيمي وحركاس وبنعبيد ضمن قائمة أغلى اللاعبين العرب في مونديال الأندية    فرحات مهني يكتب: الجزائر الإيرانية    اجتماع تنسيقي لأغلبية مجلس النواب يثمن "الانتصارات" الدبلوماسية ويؤكد "أولوية" الحق في الصحة    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    ندوة علمية تناقش موضوع النخبة المغربية في زمن التغيير    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    كيوسك الخميس | إسبانيا تشيد ب"التنسيق النموذجي" مع المغرب في إطار عملية مرحبا    عمال أوزون يحتجون بالفقيه بن صالح بسبب تأخر صرف الأجور ومنحة العيد    بيب غوارديولا في تصريح أعقب مواجهة الوداد الرياضي المغربي، إن "المباراة الأولى في دور المجموعات دائما ما تكون صعبة    مجموعة العمل من أجل فلسطين تعقد ندوة صحفية تحضيرا لمسيرة وطنية الأحد بالرباط    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    اصابة دركي اصابات بلغية في عملية لاحباط عملية للتهجير السري وتوقيف 30 حراكا    برلمان أمريكا الوسطى يجدد دعمه للوحدة الترابية للمغرب ردا على المناورات    مربو الدجاج يثمنون توجه الحكومة لإعفاء الفلاحين الصغار ويدعون لإدماجهم الفعلي في برامج الدعم    ياسين بونو يهدي الهلال تعادلا ثمينا أمام ريال مدريد رياضة    كارثة صامتة .. ملايين الهكتارات العربية على وشك الضياع    طنجة.. سيارة تدهس "مقدّم" بعدما دفعه متشرد نحو الطريق    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    السيّد يُهندس مسلسل شارع الأعشى في كتاب    أفلام قصيرة تتبارى على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    مسرح رياض السلطان يحتضن أمسيات شعرية موسيقية من الضفتين وقراءة ممسرحة لرواية طنجيرينا وأغاني عربية بإيقاعات الفلامينغو والجاز والروك    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفهوم الدستوري للاستقلال الوطني
في الذكرى 66 لتقديم وثيقة 11 يناير 1944 :
نشر في العلم يوم 11 - 01 - 2010

يتجدد الحديث عن الاستقلال الوطني، كلما حلت الذكرى السنوية لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في اليوم الحادي عشر من شهر يناير سنة 1944، إلى الأطراف الثلاثة : جلالة السلطان محمد بن يوسف (محمد الخامس)، الإقامة العامة الفرنسية، ممثلو دول الحلفاء المعتمدون في الرباط. لأن هذه الوثيقة التي هي من الإنجازات الوطنية العظيمة لحزب الاستقلال المنبثق من الحزب الوطني الذي تأسس سنة 1937، قامت على أساس المطالبة بالاستقلال الوطني الناجز والكامل الذي لا تشوبه شائبة، الذي يبدأ من إلغاء معاهدة الحماية (30 مايو 1912)، وينتهي بجلاء قوات الاحتلال الفرنسي والإسباني والإدارة الدولية في طنجة، مما يعني استرجاع السيادة الوطنية الكاملة غير المنقوصة على الأرض، وعلى المواطن، وعلى الإدارة، وعلى الجيش والأمن، وعلى الاقتصاد، وعلى التشريع.
لقد كان إبرام عقد الحماية بين المغرب وفرنسا عدواناً على السيادة المغربية، وغبناً وظلماً وقمعاً للإرادة الوطنية، وإلزاماً للمغرب بالرضوخ للسياسة الفرنسية الرامية إلى احتلال المغرب بصورة نهائية، بعد أن احتلت احتلالاً عسكرياً دامياً، مناطق عديدة منه في الشرق والغرب، قبل ذلك بسنوات قليلة. وكان الضغط الذي مارسته فرنسا على السلطان مولاي عبد الحفيظ بن السلطان مولاي الحسن الأول، ليوقع على عريضة فاس، عملاً من أعمال القرصنة، وجريمة من الجرائم الاستعمارية التي كانت ترتكب في تلك الفترة في حق الشعوب العربية الإسلامية.
كان قد مضى ثلث قرن (1912-1944) على احتلال المغرب تحت غطاء الحماية، عندما تحرك حزب الاستقلال في مبادرة تاريخية مشهودة وموقف وطني شجاع، بإعداد الوثيقة والتوقيع عليها من طرف ست وستين شخصية وطنية مناضلة كان من بينها السيدة مليكة الفاسي رحمها الله، وتقديمها إلى الجهات الثلاث التي قدمت إليها. وكانت الوثيقة ثمرة للتعاون الوثيق والتنسيق الكامل والتجاوب العميق بين قادة الحزب الوطني وجلالة السلطان محمد بن يوسف، في سرية تامة فاجأت سلطات الحماية، وأكدت نجاعة الوسائل التي كان يستخدمها الحزب الوطني المحظور من السلطات الاستعمارية منذ شهر أكتوبر سنة 1937، أي بعد شهور من تأسيسه.
ومنذ أن تأسست الحركة الوطنية في أواخر العشرينيات من القرن العشرين، قبل أن تتبلور في كتلة العمل الوطني التي تأسست سنة 1934، والهدف الاستراتيجي الذي صممت على تحقيقه على مراحل، هو الاستقلال التام. وكان من علامات النضج التي طبعت عمل الحركة الوطنية، أنها اختارت أسلوب التدرج في المواجهة مع الاستعمار، وفي وضع الخطط المرحلية، خطة بعد خطة، للوصول إلى الهدف النهائي. ومن هنا (كانت مطالب الشعب المغربي) التي قدمها الوطنيون سنة 1934، ثم (المطالب المستعجلة) سنة 1936، وخلال الفترة الفاصلة بين سنة 1937 وسنة 1944، والتي تخللتها الحرب العالمية الثانية، كان الوطنيون المغاربة ينهجون سياسة حكيمة كانوا يجتنبون بها المواجهة العنيفة والصدام المباشر مع الاستعمار على الرغم من أجواء القمع التي كانت تسود البلاد بين الفينة والأخرى. وبهذا المنطق النضالي والوعي الوطني الرشيد، تطورت المطالب الوطنية من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال من أجل أن يتولى المغاربة الإصلاح بأنفسهم في إطار الدولة المغربية المستقلة.
وثيقة الحادي عشر من يناير 1944، هي ثمرة من ثمرات حزب الاستقلال، عبرت عن ضمير الشعب المغربي، وطالبت بستة مطالب رئيسة، هي : الاستقلال، ووحدة الأراضي المغربية، وسعي الملك لاعتراف دول العالم بالاستقلال، وانضمام المغرب للدول الموقعة على ميثاق الأطلسي، ومشاركة المغرب في مؤتمر الصلح، وإحداث نظام سياسي ديمقراطي.
ونحن نقرأ في هذه الوثيقة، التي نحتفل اليوم بذكراها، أنه فيما يرجع للسياسة العامة، فإن حزب الاستقلال يقرر أمرين اثنين :
أولهما : أن يطالب باستقلال المغرب ووحدة ترابه، تحت ظل صاحب الجلالة ملك البلاد المفدى سيدنا محمد بن مولانا يوسف نصره الله وأيده.
ثانيهما : أن يلتمس من جلالته السعيَ لدى الدول التي يهمها الأمر، للاعتراف بهذا الاستقلال وضمانه، ولتوقيع اتفاقيات تحدد ضمن السيادة المغربية، ما للأجانب من مصالح مشروعة.
أما فيما يتعلق بالسياسة الداخلية، فإننا نقرأ في هذه الوثيقة أيضاً، أن حزب الاستقلال (يلتمس من جلالته أن يشمل برعايته حركة الإصلاح التي يتوقف عليها المغرب في داخله، ويكل لنظره السديد إحداثَ نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية الإسلامية في الشرق، تحفظ فيه حقوق سائر عناصر الشعب وسائر طبقاته، وتحدد فيه واجبات الجميع).
وهكذا تكون الوثيقة قد عبرت في صياغة واضحة مناسبة ورصينة معاً، عن مطالب الشعب المغربي في المرحلة الجديدة، وهي : الاستقلال التام، والوحدة الترابية، والنظام الديمقراطي، ودعم حركة الإصلاح، وكفالة حقوق الإنسان، والتعلق بالنظام الملكي، والالتماس من جلالة الملك أن يرعى هذه المطالب، وأن يكون ضامناً لها، وذلك إيماناً من قادة حزب الاستقلال الذين وقعوا على الوثيقة، بأنه لا إصلاح إلا بقيادة ملك البلاد، ولا حريات عامة ولا كفالة لحقوق الإنسان، إلا برعاية جلالة الملك.
وتلك هي المبادئ الدستورية للنظام المغربي، بل تلك هي القواعد الثابتة للاستقلال الوطني بالمفهوم العام الشامل.
ومما يلاحظ في هذا السياق ويسجل بكثير من التقدير، أن حزب الاستقلال كان مدركاً عميق الإدراك في تلك المرحلة الفاصلة، لحقائق العصر ولمتغيراته، قبل إنشاء الأمم المتحدة، وقبل صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد ذلك بأربع سنوات (دجنبر 1948)، حيث ركز الحزب صانع الوثيقة التاريخية، على أربعة مطالب وطنية تترابط وتتكامل ولا يمكن الفصل بينها، هي : الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والإصلاح، كما ركز الحزب على الارتباط بالنظام الدولي الجديد المنبثق من الحرب العالمية الثانية. وتلك كانت رؤية شمولية من الحزب المناصل، ومنهجية رائدة اعتمدها في العمل الوطني، وسياسة وطنية نابعة من ضمير الشعب سار على منهجها.
ومما يجدر بنا أن نعيه جيداً ونستلهمه في هذه المرحلة التي يعيشها الوطن، أن الدعوة إلى الإصلاح وتجديد البناء وإقامة النظام الديمقراطي الذي تكفل فيه الحريات العامة وتصان حقوق الإنسان، ليست من الأفكار الجديدة التي يبشرنا بها اليوم من يقودون العالم ويضغطون بها علينا، ولكنها دعوة وطنية خالصة، تبنتها الحركة الوطنية المغربية بقيادة حزب الاستقلال، وكانت مؤمنة بها، ولا تزال، وكافحت الكفاح المرير من أجل تطبيقها، وعبرت عنها أوفى ما يكون التعبير وأبلغه، في وثيقة المطالبة بالاستقلال. وبذلك ارتبطت هذه المبادئ بالاستقلال ارتباطاً دائماً لا انفصال له.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.