انطلقت بمدينة العيون، مساء أمس الأربعاء، فعاليات الدورة الثالثة من ملتقى العيون للصحافة، الذي ينظمه نادي الصحراء للصحافة والتواصل، بمشاركة إعلاميين وخبراء وأكاديميين من العالم العربي وإفريقيا، لمناقشة موضوع "الصحافة في خدمة القضية الوطنية.. رؤية مشتركة". وعرف الموعد، الذي قدم فقراته الفاعل المدني الحبيب عيديد، تنظيم ندوة وطنية بمشاركة إعلاميين وأكاديميين من العالم العربي وإفريقيا وخبراء في قضايا الصحراء وأعضاء في المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، إلى جانب حضور واسع لطلبة وإعلاميين وأطر حقوقية ومدنية من الأقاليم الجنوبية. وأجمع مجمل المتدخلين خلال الجلسة الأولى للملتقى، وفق ما رصدته هسبريس، على الدور المحوري للإعلام الوطني في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، وعلى ضرورة تنسيق الجهود بين المؤسسات الوطنية ووسائل الإعلام لتعزيز التأييد الداخلي والدولي لمبادرة الحكم الذاتي، فضلا عن التشديد على أهمية توعية الرأي العام بمسؤولياته في دعم المسار السياسي والدبلوماسي المغربي تجاه قضية الصحراء. واستهل عبد الله البقالي، نائب رئيس اتحاد الصحافيين العرب، عرضه بتقديم قراءة شاملة لدور الإعلام الوطني في الدفاع عن قضية الصحراء المغربية والترافع على أجرأة الحكم الذاتي، وأوضح أن الإعلام الوطني يشكل جزءا من منظومة متكاملة للدفاع عن جميع المصالح الوطنية الكبرى، ويجب أن يكون متشبّعًا بقيم المواطنة والوطنية، مشيرا إلى أن "وسائل الإعلام حامل للقيم والمبادئ، ومساهِمة فاعلة في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإستراتيجية". وأكد مدير صحيفة العلم أن المغرب بصدد التحول إلى قوة إقليمية وجهوية صاعدة، ذات قوة اقتصادية وصناعية وجيو-إستراتيجية معتبرة، وأن هذا الصعود يواجه مقاومة من بعض القوى الإقليمية والعالمية التي لا تقبل بتنمية البلد ونفوذه، ما يجعل النزاع المفتعل في الصحراء المغربية جزءا من هذا السياق الإقليمي والدولي، ومن هذا المنطلق يجب على الإعلام الوطني إدراجه في صلب قضية السيادة الوطنية واستكمال الاستقلال الوطني، وتابع: "إن الإعلام الوطني لعب أدوارا محورية في التعريف بعدالة القضية الوطنية، وتوعية الرأي العام الوطني والدولي، ومواجهة البروباغاندا المعادية، والتصدي للأخبار الزائفة التي سعت إلى افتعال الأحداث وترويج الأكاذيب، كما ساهم في تكريس وتعزيز الانتماء للوطن وفتح مساحات واسعة للنقاش وتبادل الآراء والأفكار". وشدد البقالي على أن الإعلام الوطني كان ومازال جزءا هاما من منظومة متكاملة للدفاع عن مغربية الصحراء، منسجما مع الدبلوماسية ومؤسسات السيادة الوطنية بطريقة دستورية وسياسية ومهنية متناسقة، لافتا إلى أن "التطورات الأخيرة تطرح تحديات كبرى أمام وسائل الإعلام الوطنية في ما يتعلق بقدرتها على مواجهة الاستهداف المتجدد الذي تتعرض له المملكة، الذي يتم في شكل منظومة عداء متكاملة ومعززة بالإمكانات والوسائل المتنوعة". كما نبه المتحدث إلى أن مرحلة تنزيل مشروع الحكم الذاتي تكتسي أهمية بالغة، موردا أن الإعلام الوطني اكتسب خبرات ومهارات كبيرة في مراحل الدفاع عن هذا المشروع، لكنه بحاجة إلى ملاءمة جهوده مع ما تتطلبه المرحلة الجديدة من تكريس الثقة في المؤسسات وقدرتها على إدارة هذه المرحلة، مع التفهم العميق للتضحيات الكبيرة التي يقدمها الإعلاميون في الأقاليم الجنوبية. وخلص عبد الله البقالي إلى أن تعزيز أدوار الإعلام الوطني رهين بالقدرة على مواجهة التحديات الراهنة بقوة واحترافية، بما يضمن كسب الرهان الوطني والدفاع عن مصالح المملكة العليا، والحفاظ على وحدة ترابها ومكانتها الإقليمية والدولية. من جهته استعرض إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، التحولات الأساسية التي شهدها مسار القضية الوطنية في ظل صدور القرار الأممي رقم 2797، مؤكدا أن هذا القرار يشكل منعطفا حاسما في العملية السياسية التي أطلقها المنتظم الدولي منذ تقديم المغرب مقترح الحكم الذاتي سنة 2007. وأوضح اسويح أن المبادرة المغربية كانت نقطة مفصلية دفعت الأممالمتحدة إلى التخلي عن خطة التسوية السابقة التي أثبتت فشلها، وأن القرار الأخير يرسّخ المرجعية المغربية كأساس لأي عملية تفاوض مستقبلية، مشددا على أن "السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية خط أحمر لا يمكن تجاوزه". كما استعرض المتحدث الزخم الدولي المصاحب للقرار، مشيرا إلى أن المواقف المتحفظة لبعض الدول الكبرى، وعلى رأسها روسيا والصين، لا تُعد معارضة، بل تُحسب للمغرب كحياد إيجابي يعزز الموقف المغربي، إلى جانب الدور المساند للولايات المتحدةالأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب في الدفع نحو حلول واقعية، ومضيفا أن المغرب اليوم يوجد في موقع تفاوضي مريح، إذ أصبح القرار الأممي الأخير يعكس المبادرة المغربية بوصفها واقعية وذات مصداقية، ويؤسس لقاعدة لأي تسوية سياسية محتملة ودائمة. وأردف عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية بأن "مقاربة الحكم الذاتي منذ إعلان جلالة الملك محمد السادس عزمه تقديم المقترح عام 2006 شملت كل المكونات الحية في البلاد، بما فيها المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، وأفضت إلى تقديم المبادرة للأمم المتحدة في أبريل 2007، ما ساهم في تثبيت ثوابت العملية السياسية إلى صدور القرار الأخير". وبخصوص تنزيل الحكم الذاتي أبرز اسويح أن المرحلة الحالية تتطلب ملاءمة المقترح المغربي مع التحولات المؤسساتية والتنموية التي عرفها المغرب خلال العقدين الماضيين، بما في ذلك الجهوية المتقدمة والنموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، مؤكدا أن "الصيغة المحينة ستراعي الفصول الثلاثة الأساسية: الالتزام بالتسوية التوافقية، العلاقة بين المركز والجهة، ومسار التفاوض ومراحل التنفيذ". وفي تحليله لمسار القرار الأخير أورد المتحدث ذاته أن منطوق القرار الأممي يدعو الأطراف إلى التعاون مع الوسيط الأممي لإطلاق مفاوضات جديدة على أساس المقترح المغربي، وأن قوة هذا المقترح تكمن في الإجماع الوطني والدعم الدولي المتنامي، لافتا إلى أن "النسخة المحينة من المبادرة ستُعرض على الأممالمتحدة بما يعكس الإصلاحات الجوهرية والإنجازات التنموية التي حققها المغرب في الأقاليم الجنوبية". ووصف المحلل السياسي ذاته القرار بأنه "يمثل نقلة نوعية في فهم المجتمع الدولي لمبدأ تقرير المصير؛ إذ لم يعد مرادفا للانفصال، بقدر ما بات مرتبطا بصيغ سياسية مرنة تتماشى مع السيادة الوطنية"، وأشار إلى أن "المغرب يدير المراحل المقبلة من العملية التفاوضية من موقع مريح سياسيا وتفاوضيا، فيما وجود دعم أمريكي واضح يعزز دفعة المسار الأممي نحو حل سياسي واقعي"، وختم بأن "مجموع هذه التطورات يؤكد أن المغرب يسير بثقة في المرحلة المقبلة، مستندا إلى شرعية دولية متصاعدة ورؤية إستراتيجية راسخة حدّد معالمها الملك محمد السادس منذ سنوات". ولم تخل منصة الندوة من مداخلات فاعلة من إعلاميي المملكة ومن ضيوفها الأجانب، كان من بينهم الصحافي أنس مزور، الذي لفت إلى تأخر الإعلام العمومي في تناول القضايا التي تمس المواطن المغربي وانشغالاته اليومية، معتبرا أنه لا يرقى إلى أن يكون إعلاما عموميا بالمعنى الحقيقي، كونه إعلاما رسميا فحسب. وحمل مزور المسؤولية لكل العاملين في الحقل الإعلامي، سواء في القطاع الخاص أو العام، في ظل هذا الوضع الذي يحد من قدرة الإعلام على الوفاء بدوره المجتمعي والسياسي. وانتقل المتحدث ذاته إلى الحديث عن موضوع العدالة الانتقالية بالمغرب وطي الصفحات الموجعة ضمن برنامج الإنصاف والمصالحة، مسجلا أهمية هذا المسار في تقوية مؤسسات الدولة وتعزيز الثقة بين المواطن ومختلف مكونات المجتمع، وموضحا أن هذه التجربة الوطنية الفريدة توفر دروسا مهمة في التعامل مستقبلا مع قضايا حقوق الإنسان وحماية الضحايا القابعين بمخيمات تندوف، خصوصا عند مواجهة الإكراهات الاجتماعية المحتملة في حال تنزيل الحكم الذاتي بالصحراء المغربية. وضمن استشرافه آفاق المرحلة المقبلة دعا الإعلامي نفسه إلى تعزيز المهنية الإعلامية والالتزام بالموضوعية في نقل الأحداث والمستجدات الوطنية، مع التركيز على دور الإعلام في تثقيف الرأي العام وتعزيز السيادة الوطنية، مؤكدا أن الإعلام الوطني ينبغي أن يكون شريكا فاعلا في عملية البناء الديمقراطي والمساهمة في إنجاح المشاريع الكبرى للمملكة.