اشق طريقي كل صباح إلى وجهتي المعتادة. أسوار عالية وأبواب كبيرة وحراس وقضبان حديدية. المشهد موحش لولا زرقة السماء فوقي وشوق عصافيري. هما فرحتي وبلسم يومي وشيء من الحرية نتقاسمها في سويعات صباحية ككسرة خبز لا تغني من جوع، لكنها تبقينا قيد الحياة. بوسعي الهروب. انتابني الرغبة في الانسحاب في بداية المشوار. ترددت. شيء مني يتذمر، وأشياء حولي تنمو. لا تسأل كيف لهذا التناقض أن يحيى في كيان واحد؟ إنه أناي للأسف. لا عليك. أعود بك لبيت القصيد، أي يوم هزم النقيض نقيضه. كان أحد الصباحات الباردة بعد أن مررت ببروتوكول الدخول، وفتحت أبواب عصافيري لتقفل مباشرة بعد دخولي كما دوما. أقبلهم، عصفورا تلو الآخر. أفك طلاسم أجنحتهم لبعض الوقت. أهيئهم للطيران، فنقيضي المجنون يؤمن بالنهايات الجميلة. متفائل يصب جرعته في مناقيرهم ليرفرفوا، كما يرفرف قلبي أملا في غد لهم أفضل. نعم نعم.. أعرف أن المساحة ضيقة، ولا تكفي للطيران. لكن جدي كان قد أخبرني أن «قطرة بقطرة كيحمل الواد». لذا سأستمر.. جلست أرضا. أدنو منهم، أتأمل عيونهم الملائكية. أراقبهم. أتكلم معهم. نعم فتلك إحدى مهاراتي. أنا بارعة في لغة العصافير.. عصفوري المشاكس يحب اللعب والاكتشاف وذكي. يعرفني حين أخاصمه. كان كلما كسر لعبة، جاءني بخطوات متعثرة ورفع جناحيه الصغيرتين ليطلب مني أن ادغدغه حتى يضحك، ويضحك العصفور وأضحك أنا، وانسى مشاكسته. أتعلم لكل مهم قصة، ولكل منهم تعابير، لكنهم كلهم يملكون سرا حين ألقي في صدري أرغمني على البقاء. كان الخوف يعتريني بباب الدخول كلما ألقيت السلام. الآن، صار الحزن يلامس قلبي كلما دقت ساعة الرحيل، كأنني أترك فلذات كبدي وأغادر. أسمع صدى أصواتهم كأنها تغني: «عصفور طل من الشباك قللي يا نونو خبيني عندك خبيني دخلك يا نونو………»