البؤرة الساخنة من الشرق الأوسط إلى بحر الصين ووسط شرق أوروبا ترسم المستقبل منذ 7 أكتوبر 2023 وانطلاق ملحمة طوفان الأقصى حاولت إسرائيل والولايات المتحدة ومعهما حلفاؤهما في الغرب وخارجه، في نطاق الصراع المتوسع الدائر في الشرق الأوسط المركز وخاصة في الفترات التي رجحت فيه كفة أعدائهم، صنع متاهة متعددة المسارات من أجل أن يتخبط فيها خصومهم عسكريا وسياسيا واقتصادية ونفسيا لعل ذلك يقود لترجيح كفة تل أبيب وتحقيق هدفها لإقامة إسرائيل الكبرى ودورها المهيمن على كل المنطقة والضامن لمصالح الغرب وقدرته على مواصلة استنزاف ثرواتها، وكذلك لتكون جزء من الجدار العازل الذي يسعى الغرب لإقامته أولا لفرض حصار على روسيا من على جناحها الجنوبي الغربي ومنعها من الوصول إلى المياه الدافئة، وثانيا لإفشال المشروع الصيني العملاق "الحزام والطريق". ويهدف هذا المشروع، الذي أزيل عنه الستار للمرة الأولى في عام 2013، إلى تعزيز الأواصر التجارية بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا والقارات الأبعد، والذي ترى فيه واشنطن تهديد للأمن القومي الأمريكي لأنه يهدد استمرارها في الهيمنة على الثروات العالمية. أحد أفرع مخطط المتاهة يقوم بعد محاولة تشويه ملحمة طوفان الأقصى ونفي كونها جزء من معركة شعب ضد احتلال استيطاني، كانت خداع الرأي العالمي وفي داخل المعسكر الغربي كذلك، على أن ما تقوم به تل أبيب من عملية إبادة للسكان المدنيين ضرورة للقضاء على حماس. مسرحيات لا تنتهي قدمت وتصريحات خادعة. تارة يطلب قادة غربيون بتهجير سكان غزة خارج وطنهم حرصا على سلامتهم وتارة يطلب من الجيش الإسرائيلي الحرص على حياة المدنيين رغم الإدراك أن هذا الجيش لا يقتل في الغالب سوى المدنيين. ويتحدث قادة غربيون عن معاناة سكان غزة ويعتبرون أن تجويع الفلسطينيين يمكن أن يكون جريمة حرب، ولكنهم في نفس الوقت يستقبلون ساسة إسرائيل ولا يطبقون حتى أحكام الجنائية الدولية بشأن اعتقالهم كمجرمي حرب، ولا توقف دول الغرب وهي تتظاهر بالتعاطف مع غزة إرسال السلاح والذخيرة إلى تل أبيب ولا تمنع مواطنيها المتعطشين للدماء من الالتحاق بالقوات الإسرائيلية. وعندما يتصدى حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن لإسرائيل ويدعمون سكان غزة ينعتون بالإرهابيين وتجمع أجهزة المخابرات الغربية كل إمكانياتها لضربهم وإخراجهم من ساحة المواجهة. وعندما تنجح الصين في الوصول إلى قمة القوة الصناعية والاقتصادية عالميا وتمنح دول العالم الثالث فرصة الاستفادة من نظام تجارة متعادل وعادل وأسعار في متناول حتى الفقراء، يتجند الغرب في محاولة لحصارها ومنعها حتى من استعادة وحدتها الترابية واسترجاع جزيرة تايوان رغم أنه اعترف قبل أربعة عقود بصين واحدة. ويتراجع الغرب عن وعوده بوقف توسع حلف الناتو شرقا في أوروبا ويبني القدرة العسكرية والسياسية لتفتيت روسيا الاتحادية. الأمر بكل بساطة هو إعادة عملية للتطبيقات الفعلية للعقلية الاستعمارية الغربية منذ أن خرج الغرب من عهود التخلف ليتوسع في شرق وغرب المعمور. العالم يعيش الآن في الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين معركة ستحدد شكل المستقبل ربما لقرون، معركة على أرض فلسطين وبلاد الشام ووسط شرق أوروبا وعلى تخوم بحر الصين وشرق آسيا، فأما استمرار عهود الاستعمار القديم ولكن بصورة مستحدثة مغلفة بشعارات براقة ولكن كاذبة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وما جاورهما، أو نهاية حقبة النظام العالمي ذو القطب الواحد وسقوط إمبراطوريات جديدة.