في الوقت الذي استخدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية حق النقض ( الفيتو) ضد مشروع قرار من مجلس الأمن الدولي يطالب بالوقف الفوري و الدائم وغير المشروط لإطلاق النار في غزة ، كان المفاوضون الأمريكيون يحاولون التوصل إلى اتفاق حقيقي لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية . وهذا المشهد ربما يبدو متناقضاً و متعارضاً مع الحقائق على الأرض ، إن لم يكن باعثاً على اليأس من نجاح العملية السلمية ، أو التشكيك في جدواها على أقل تقدير . لقد كان العالم يتوقع أن يوافق مجلس الأمن الدولي خلال الأسبوع الماضي ، على مشروع قرار قدمته الدول العشر غير دائمة العضوية بالمجلس ، يطالب بالوقف الفوري والدائم وغير المشروط لإطلاق النار في غزةالفلسطينية ، إلا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية استخدمت حق النقض ، فخاب أمل المجتمع الدولي ، حينما صوت لصالح المشروع 14 عضواً في المجلس المكون من 15 عضواً ، فلم يعتمد ، بسبب استخدام الفيتو الأمريكي ، مع العلم أن الولاياتالمتحدة هي واحدة من 5 أعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن . وكان مشروع القرار الذي انتظره العالم بأسره ، قد طالب بالإفراج فوراً و بدون شروط ، وبشكل كريم ، عن جميع الرهائن المحتجزين من قبَل حماس وغيرها من الجماعات الأخرى ، كما طالب بالرفع الفوري ، وبدون شروط ، لجميع القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة و توزيعها بصورة آمنة وبدون عوائق على نطاق واسع ، بما في ذلك من قبَل الأممالمتحدة والشركاء في المجال الإنساني عبر أنحاء قطاع غزة . ولكن القائمة بأعمال المندوبة الأمريكية لدى الأممالمتحدة ، دوروثي شيا ، قالت قبل التصويت على مشروع القرار ، إن رفض بلادها لمشروع القرار يجب ألا يكون مفاجأة ، مضيفة ( الولاياتالمتحدة كانت واضحة ، لن ندعم أي إجراء لا يدين حماس ) ، ثم استطردت قائلة ( أي قرار يقوض أمن حليفتنا الوثيقة إسرائيل ، هو قرار مرفوض تماماً ) . وانتهت المسؤولة الأمريكية إلى القول ( يحاول مفاوضونا على الأرض التوصل إلى اتفاق حقيقي لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية ) . والسؤال الذي يرد في هذا السياق ، هو ألم يكن الأعضاء العشرة غير دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي ، يعرفون أن الولاياتالمتحدة لن توافق على مشروع القرار الذي كتبوه وقدموه ؟. أفلم يعلم الأعضاء العشرة أن الفيتو الأمريكي بالمرصاد لأي مشروع قرار لا يخدم مصالح إسرائيل ؟. ولربما سيكون لإجهاض هذا المشروع في مجلس الأمن ، صلة بالمؤتمر رفيع المستوى الذي سيعقد في مقر الأممالمتحدة خلال الأسبوع القادم ، لحشد الدعم و الزخم لحل الدولتين عبر التسوية السلمية للقضية الفلسطينية ، من حيث احتمالات معارضة الولاياتالمتحدة لمخرجات هذا المؤتمر الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية و الجمهورية الفرنسية ، ويعقد بالرئاسة المشتركة بينهما . هذا الاحتمال وارد ولا يمكن استبعاده ، ما دامت النتائج التي سيسفر عنها المؤتمر ، لن تكون ذات جدوى إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي يكسبها المشروعية ، ويجعلها قابلة للتنفيذ . وليس من شك أن الرئاسة المشتركة للمؤتمر قد بنت خطتها على أساس هذا الاحتمال . وهو الأمر الذي يؤكد أن أفق العملية السياسية لا يزال مفتوحاً ، على الرغم من كثافة الضباب الذي يلف المشهد الإقليمي ، كما هو الشأن بالمشهد الدولي ، إن استمرار العملية التفاوضية ، عبر الوسطاء ، للتوصل إلى اتفاق حقيقي لوقف إطلاق النار في غزة ، على الرغم من استخدام الولاياتالمتحدةالأمريكية لحق النقض ، يفتح المجال الواسع للمساعي السلمية الرامية إلى تسريع التسوية النهائية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، والدخول في الترتيبات العملية لحل الدولتين ، على أساس الشرعية الدولية ، دولة فلسطين المستقلة القابلة للحياة ، على خطوط الرابع من يونيو سنة 1967، عاصمتها القدس الشرقية ، إلى جانب دولة إسرائيل، في أجواء الأمن و السلم ، وبرعاية الأممالمتحدة . هي عملية معقدة ، ولكن لا بديل عنها ، قرر المجتمع الدولي أن ينخرط فيها ، وتتضافر الجهود الدولية لإنضاجها و بلورتها و تيسير السبل أمامها لتطبيقها على أرض الواقع .