عناصر القوة والضعف في الصراع العالمي شمال جنوب.. هناك أسلوب شبه موحد يتبعه الانسان العادي والسياسي والعسكري والمؤسسات والشركات وحتى الدول والإمبراطوريات عندما تظهر عليها مؤشرات الضعف والانحدار، إنه أسلوب التمرد على الواقع بالقفزة الأخيرة أو ما يسميها البعض رقصة الموت. قليلة جدا الأمثلة التي أثمر فيها هذا الأسلوب في التعامل مع ما هو تطور حتمي. عندما نستعمل كلمة إمبراطورية فنحن لا نقصد معناها الحرفي القديم حيث كانت الإمبراطورية محكومة من قبل إمبراطور فرد يتمتع بقدسية وبتفرد في الحكم ويسعى الى توسيع إمبراطوريته بقوة نفوذه وجدارة إمكانياته، وإنما هي الإمبراطورية العصرية، وهي نظام حكم قوي لدرجة انه يستطيع ان يتوسع بلا منازع حقيقي، فينتشر فيصبح ذا نفوذ كبير فيغنى فَيَصِل قمة مجده ثم يبدأ بالضعف والاضمحلال، مفرِغاً الساحة لقوة أخرى تأتي مكانه. هذا النوع من المنظومات الحكمية ثبت عبر التاريخ انه لم يستطع ان يكرر نفسه، بل بدا وكأنما هو عبارة عن دورة بالمناوبة، ولم يحدث أن استعادت هذه المنظومات مجدها مرتين. وها هي الصين تستعد لكي تأخذ دورها مكان الولاياتالمتحدةالأمريكية. جاء في كتاب الإمبريالية المفرطة: مرحلة جديدة وخطرة، الذي صدر في سنة 2024 من طرف Global South Insights: ابتداء من أكتوبر 2023، بدأت إسرائيل معركة تهجير وتطهير عرقي وعقاب جماعي وإبادة للفلسطينيين، بدعم كامل من حكومة الولاياتالمتحدة. التطورات في أوكرانيا والتى تبعتها التصعيدات في غزة هي مؤشرات هامة تعكس أن هنالك تغيير كيفي داخل النظام الإمبريالي. أتمت الولاياتالمتحدة الآن إخضاعها الاقتصادي والسياسي والعسكري للدول الإمبريالية الأخرى. نتج عن هذا كتلة إمبريالية متكاملة ومركزة عسكريا. تهدف للمحافظة على سيطرتها على عالم الجنوب ككل، وحولت انتباهها تجاه إخضاع أوراسيا، آخر منطقة أفلتت من سيطرتها في العالم. الأمر ليس مبالغة إذا قلنا إن عالم الشمال قد أعلن حالة العداء والحرب المفتوحة على أي قطاع من عالم الجنوب لا يمتثل لسياساته. نرى هذا من خلال الإعلان المشترك للتعاون بين الاتحاد الأوروبي والناتو الذي تم نشره في 9 يناير 2023: "نحن سوف نزيد من تعبئة مجموعة الأدوات التي تحت تصرفنا سواء أكانت سياسية، او اقتصادية، او عسكرية لخدمة أهدافنا المشتركة لصالح مواطنينا الواحد مليار". الفلسطينيون في غزة يشعرون بالتأكيد بالهمجية الفجة والجبرية للناتو و"التوافق الجماهيري" القسري الذي يستطيع الشمال العالمي القيام به. وكما قالت قائدة التحرير الفلسطينية ليلى خالد مؤخرا: "نحن نعلم أنهم يتحدثون عن الإرهاب، لكنهم هم أبطال الإرهاب. القوات الإمبريالية في كل مكان في العالم، في العراق، في سوريا، في بلاد مختلفة.. يعدون للهجوم على الصين. كل ما يقولونه عن الإرهاب تحول ليصبح عنهم. لدى الناس الحق في المقاومة بكل الوسائل الممكنة، بما فيها النضالات المسلحة. هذا موجود في ميثاق الأممالمتحدة. إذًا هم ينتهكون حق الناس في المقاومة لأنها حقهم في إسترداد حريتهم. وهذا هو الأمر، هذا ما أقوله دائما أنه قانون مؤسس: حيثما يوجد القمع، توجد المقاومة. لن يعيش الناس تحت الاستعمار والقمع. علمنا التاريخ انه عندما يقاوم الناس يمكنهم الحفاظ على كرامتهم وأرضهم".