سيام 2024.. فتح سوق الاتحاد الأوروبي أمام واردات العسل المغربي    المالية العمومية: النشرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة في خمس نقاط رئيسية    الوكالة الوطنية للمياه والغابات: "القط الأنمر" الذي رصد في إحدى الغابات بطنجة من الأصناف المهددة بالانقراض    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    رسميا.. الجزائر تنسحب من البطولة العربية لكرة اليد المقامة بالمغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    مكناس .. تتويج 12 زيت زيتون من أربع جهات برسم النسخة 14 للمباراة الوطنية    المغرب يصدر 2905 تراخيص لزراعة وإنتاج القنب الهندي إلى غاية أبريل الجاري    بحر طنجة يلفظ جثة شاب غرق خلال محاولته التسلل إلى عبارة مسافرين نحو أوروبا    غدا تنطلق أشغال المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال    الفروع ترفع رقم معاملات "اتصالات المغرب"    مطار مراكش المنارة الدولي .. ارتفاع حركة النقل الجوي خلال الربع الأول    ارتفاع أرباح اتصالات المغرب إلى 1.52 مليار درهم (+0.5%) بنهاية الربع الأول 2024    تظاهرات تدعم غزة تغزو جامعات أمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    المعرض المحلي للكتاب يجذب جمهور العرائش    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    14 ألف مواطن إسباني يقيمون بالمغرب    تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد    بسبب تعديلات مدونة الأسرة.. البرلمانية اليسارية التامني تتعرض لحملة "ممنهجة للارهاب الفكري"وحزبها يحشد محاميه للذهاب إلى القضاء    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    نجم مغربي يضع الزمالك المصري في أزمة حقيقية    بوغطاط المغربي | محمد حاجب يهدد بالعودة إلى درب الإرهاب ويتوّعد بتفجير رأس كل من "يهاجمه".. وما السر وراء تحالفه مع "البوليساريو"؟؟    الدراجات النارية وحوادث السير بالمدن المغربية    عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش الاسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر من نتانياهو    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمين العام لحزب الاستقلال الأستاذ عباس الفاسي في الذكرى السادسة والثلاثين لرحيل زعيم التحرير علال الفاسي
الممارسة السياسية لا تكون مأمونة العواقب في غياب ضوابط الأخلاق والقيم
نشر في العلم يوم 17 - 05 - 2010

احتضنت القاعة المغطاة 11 يناير بمدينة فاس يوم الجمعة 14 ماي 2010 فعاليات إحياء الذكرى السادسة والثلاثين لرحيل زعيم التحرير علال الفاسي والتي تتصادف هذه السنة مع الذكرى المائوية لميلاده.
وشكل شعار هذه الذكرى صلة وصل بين الأمس واليوم والغد لحمولته ودلالته المختزلة في ثلاث كلمات »السياسة أخلاق وقيم« التقت معها اللافتات التي أثثت جنبات القاعة التي حج إليها مناضلو حزب الاستقلال من كل الربوع، هكذا نطقت إحدى اللافتات »السياسة تعني إصلاح أحوال الناس«، لتؤكد أن استحضار حياة الزعيم علال الفاسي هو استحضار لفكر ورؤية ومنهج في تدبير الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
هذا الفكر العلالي توسعت في تفاصيله كلمة الأستاذ عباس الفاسي الأمين العام لحزب الاستقلال الذي ألقاها بالنيابة شيبة ماء العينين عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال وأكد فيما أن علال الفاسي حمل مشروعا مجتمعيا برؤية متبصرة واعية بخصوصيات المجتمع المغربي، والداعية إلى تحصين الذات والقيم وإقرار المفهوم النبيل للممارسة السياسية والابتعاد عن الممارسات التي تجر المجتمع المغربي إلى الوراء، مضيفا أن هذه الممارسة ارتكزت على إرساء ثوابت التشاور وفضيلة الحوار والثقة في المناخ السياسي التي تسد الطريق أمام العزوف والتيئيس.
وكما دلت على ذلك إحدى اللافتات التي تضمنت عبارات مقتطفة من فكر علال الفاسي »التراث الإسلامي سلاحنا دائما لمواجهة التحديات العصرية« قال حميد شباط عمدة مدينة فاس إن علال فاس وعلال الأمة طاف العالم طولا وعرضا لينشر تعاليم الدين الحنيف الغض الطري المنافي للتعصب والجحود، مؤكدا ضرورة العودة إلى النبع الصافي والعبقرية العلالية التي ظلت تنادي بنبل الرسالة السياسية والتنبيه من اختلاطها بالشوائب، مضيفا أن مدينة فاس تشرفت باحتضان هذه الذكرى وأثبتت أنها مجندة بكل إصرار لإشاعة التراث الاسلامي والنهضة الثقافية والعلمية والصمود في وجه كل الممارسات التي تحاول المساس بالقيم والمقومات التي تتوارثها أجيال الأخلاق.
هذه المبادئ والثوابت صدحت بها أفواه المناضلين والمناضلات داخل القاعة الذين هتفوا بشعارات داعية إلى حفظ قيم المجتمع المغربي، مؤكدين بصوت واحد مغزى تقلد المسؤولية السياسية وأبعاد تمثيل المواطنين.
وكانت تلك إحدى الصور التي تطرق إليها نورالدين مضيان عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال في كلمته حين تحدث عن المقاييس المتعددة والعلاقة الجدلية بين الجوانب السلفية الدينية والفكرية التي سجلتها مؤلفات الزعيم علال الفاسي لتخلد المثل العليا والسلوكيات الصحيحة في فضاءات الدفاع عن المصالح العامة بغية تجاوز كل المتناقضات والصعوبات التي تواجه المجتمع المغربي، ليضيف أن أي مشروع سياسي يخلو من القيم ومن المرجعيات الثابتة يظل محكوما بالفشل، وأن امتهان السياسة لا يمكن أن ينبع من النفعية والاستخفاف بالقيم الدينية.
وقال محمد بن حماد الصقلي أحد علماء القرويين إن عطاءات أستاذه وشيخه علال الفاسي تتسلسل بين الأجيال، وتدل أن روحه حاضرة وحية في محافل الفقه والفكر والسياسة، فقد كان شخصا بعدة جوانب وجهات، فهو مرجع في علم الأصول وفي علم الأخلاق وفي الاقتصاد، وهي جوانب تفتقت لديه منذ صباه حيث كان متميزا عن أقرانه وعن الذين يكبرونه، فكان كل من يحيط به يلتقط فراسته وفطنته وقدرته في استكناه عمق الأمور وباطنها، وهي مميزات كان لها الأثر في قراراته ومبادئه التي أعيت خصوم المغرب وجرت مقادير المنافي التي تخطاها بثبات وإيمان.
وفيمايلي نص كلمة الأستاذ عباس الفاسي الأمين العام لحزب الاستقلال.
بسم الله الرحمن الرحيم
أيتها السيدات؛
أيها السادة؛
نجتمع اليوم، لنخلد الذكرى السادسة والثلاثين لرحيل الزعيم علال الفاسي إلى الرفيق الأعلى، جريا على السنة الحميدة التي درجنا عليها وفاء لروحه الطاهرة، وتشبثا منا بالخط النضالي الذي كرس حياته من أجله، خدمة لوطنه، ودفاعا عن كرامة مواطنيه، ورفعة مكانة أمته.
ومما يزيدنا ابتهاجا بهذه الذكرى، كونها تأتي في غمرة الأنشطة التي ينظمها الحزب ومؤسسة علال الفاسي، بشكل متواز ومتكامل، تخليدا لذكرى مرور مائة سنة على ميلاد الزعيم.
فاس العالمة
وقد ارتأينا تخليدها بهذه المدينة المجاهدة التي شهدت ميلاد الزعيم، مدينة فاس العالمة، التي أسهمت بقسط وافر في إثراء الرصيد الحضاري العربي والإسلامي والإنساني، بعطاء من أنجبتهم أو كونتهم جامعتها الخالدة، جامعة القرويين، من رجالات الفكر والسياسة الذين شكل الزعيم علال أحد أعلامهم الخالدين.
وكلما حلت هذه الذكرى، تداعى إلى الفكر والوجدان، فيض من العطاء والرؤى المتميزة، والقيم النبيلة التي أغناها وطورها ودافع عنها هذا العبقري الفذ، في إطار منظوره السياسي للمشروع المجتمعي الذي سعى إلى تحقيقه، وفق رؤية متأصلة الجذور في خصوصيات مميزات الشعب المغربي.
السياسة أخلاق وقيم
وحرصا منا على ضمان استمرار الحضورالفكري والسياسي لهذا الرمز الخالد، قر لدينا العزم، وصدقت منا الإرادة، على أن نعمد في كل ذكرى إلى اختيار شعار يمتح من معين عطائه المذهبي العلمي والروحي والسياسي، ويتناسب مع قضية من أهم القضايا المطروحة على الساحة الوطنية، أو إثارة فكرة من آرائه وتوجهاته، نرى أن تناولها أمر مطلوب في ظرفية معينة، بغية تسليط الأضواء على مضامينها، ومعالجتها وفق ما تقتضيه مستجدات الأحداث، وما تتطلبه الأوضاع الراهنة.
وفي هذا السياق، تنوعت المواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي كانت محط درس وتحليل من طرف نخب من السياسيين والباحثين والمفكرين، الذين أسهموا بكثافة في مختلف المهرجانات السابقة التي شكلت أيضا، مناسبات للتطرق إلى جوانب من شخصية الزعيم واهتماماته بالقضايا العربية والإسلامية والعالمية.
وأمام ما يعرفه مجتمعنا من تحولات هامة تبعث على الثقة في المستقبل، في غمرة اتساع مجالات الانفتاح الكوني، وتنامي آليات التواصل بين أرجاء العالم، وما تحمله من عوامل التأثير والتأثر التي يتفاعل معها مواطنونا، بالاقتباس من مزاياها ومسايرة ركابها، الشيء الذي تفرضه ضرورة الأخذ بأسباب الانخراط في التطور الذي يعرفه العالم من حولنا في كل المجالات، وخاصة في حقل التنمية السياسية، والدفع بعجلة المسار الديمقراطي، من خلال الممارسة السياسية بمفهومها النبيل، ومن خلال آلياتها السليمة، والتي دلت التجارب على أنها قد يكتنفها بعض الخلل إن لم يتم تحصينها بالتزام القيم الأخلاقية، لضمان تحقيق الحكامة السياسية الجيدة، فمن أجل ذلك كان اختيارنا هذه السنة لموضوع: »السياسة أخلاق وقيم« شعارا لهذه الذكرى، من أجل لفت الانتباه إلى ضرورة تحصين ما تنعم به بلادنا من اتساع فضاء الحريات العامة، السياسية والمدنية والحقوقية والاقتصادية، من كل الممارسات التي لا تماشي طبيعة مجتمعنا وقيمه الروحية والأخلاقية، والتي لا يتنافى التمسك بها والحفاظ عليها مع انفتاحه على كل الثقافات، وتفاعله مع جميع الحضارات، واستفادته من الثورة المعلوماتية، والتجاوب مع ما يحمله زحف العولمة من أسباب التقدم والنماء، واتساع مجالات حرية التعبير، ومفاهيم حقوق الإنسان؛ فكل ذلك نؤمن بضرورة الإفادة منه دون أن ننسلخ من ذاتنا، أو نصاب بداء التبعية والاستلاب، الشيء الذي يعتبر منافيا لخلُق الشعب المغربي، كما ذكر بذلك الزعيم في كتاب النقد الذاتي حيث أكد: »إننا الآن في تجاربنا الحاضرة، سنصل لا محالة إلى الاقتناع بضرورة الاستمرار في هذا الخلق المغربي الكريم، فلا نقبل أي تسلط روحي يتركز خارج بلادنا، لنا الحق في أن نختار من المبادئ ما نشاء، ولكن لابد من أن نصهرها ونكيفها بالطبيعة المغربية التي تحب الاستقلال في كل شيء«.
وإننا إذ نثير - في هذا الظرف بالذات - مسألة الأخلاق والقيم في الممارسة السياسية، فإننا نطرحها دونما تهويل ولا تهوين، وانطلاقا من قناعتنا الراسخة بأن الأحزاب يقع عليها - إلى جانب الدولة - رعاية المجتمع ومراعاة قيمه الروحية والأخلاقية والاجتماعية، والإسهام في خلق المناخ المناسب للرفع من مستوى التربية السياسية، وإشاعة الوعي بين المواطنين بضرورة العمل على تحقيق توازن للمصالح بين الفرد والمجتمع، بما يكفل أكبر قدر ممكن من العدالة والتنمية المستدامة لتلبية حاجات الحاضر، ودون مصادرة حق الأجيال القادمة في الديمقراطية.
ونعتبر هذا من قبيل المسؤولية تجاه مناضلي الحزب، والمتعاطفين معه والمناصرين لتوجهاته، إلى جانب باقي فئات الشعب، متحزبين أو غير منتمين، لأننا نعتبر هذه رسالة وطنية تسمو عن الحسابات الحزبية الضيقة، وتتعالى عن الاعتبارات الخاصة، ولا ينبغي التخلي عنها تحت أي ظرف مهما كانت طبيعة المنافسة السياسية التي ينبغي ألا تزيدنا إلا تمسكا بخطنا الثابت في الدفاع عن القيم الأخلاقية، مع الاهتمام المتواصل بالقضايا التي تستحوذ على اهتمام المواطنين، لنظل قريبين من نبض الشارع، قادرين على إعداد رؤية واقعية تمكننا من معالجة الأوضاع العامة، وفق ما يخدم مصلحة كل الفئات الاجتماعية، وذلك بوضع أهداف محددة نصب أعيننا، نسعى إلى تحقيقها من أجل الارتقاء بأداء العمل الحزبي، وتلبية توقعات المهتمين والمتتبعين، والتجاوب مع انتظارات المواطنين عموما، في إطار مناخ حزبي تنافسي إيجابي يحفز كل الطاقات، ويخلق حراكا حزبيا عاما يبعث الثقة في مفهوم الالتزام السياسي ويعزز مسيرة التعددية السليمة؛ الشيء الذي نعتبر أنه يطرح علينا مع شركائنا في التعاطي مع الشأن العام، مزيدا من الشعور بضرورة الانكباب على مواصلة السعي لتسجيل وتثمين ما راكمه المشهد السياسي من حصاد إيجابي، إلى جانب التوقف عند مواطن الاختلالات التي اكتنفت أساليب وآليات الممارسة لمعالجتها والحد من تداعياتها السلبية، ويدخل هذا في صميم واجب المراقبة السياسية والأخلاقية التي يرى الزعيم أنها حق لا ينبغي التخلي عنه حتى من المواطن العادي، إذ يقول في النقد الذاتي:
»ولذلك لا يصح أبدا أن يتخلى أي فرد من أفراد الأمة عن العمل السياسي، أي عن مراقبة السلطة وأعمالها، والذين يتغيبون عن الانتخابات مثلا لأنها مظهر من مظاهر أداء هذا الحق والواجب، يعتبرون أخلاقيا مقصرين في أداء فرض عليهم، وبالتالي مسؤولين عما يترتب عن تقصيرهم من عبث أو استغلال أو خيانة كبرى«.
تعزيز المكاسب الديمقراطية
إن المصلحة الوطنية لتدعو جميع الفاعلين في الحقل السياسي وفي المجتمع المدني، إلى تضافر الجهود من أجل تعزيز المكاسب الديمقراطية التي حققتها بلادنا، والتي تشكل علامة مضيئة متميزة أصبحت محط تنويه وتقدير، وعززت مكانة بلادنا على المستوى الدولي، بفضل تلاقي إرادة العرش والشعب على مسار نضالي مرير وصادق، لم تفت في عضده التيارات المعاكسة.
وإننا لنؤمن بأن الطفرة النوعية التي حققتها بلادنا في العهد الجديد، وخاصة في مجالات حرية التعبير، والممارسة السياسية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، تعتبر من أهم الإنجازات الرائدة التي نعتقد أن تفعيلها، والدفع بها إلى مزيد من الاتساع والتجذر، يكمن أساسا في الممارسة السياسية الفعلية المستحضرة للضوابط الأخلاقية، ومراعاة القيم النبيلة لمجتمعنا المتشبث بموروثه الحضاري والإنساني، المتميز بالتعايش والتساكن والتسامح الديني، البعيد عن كل غلو أو تطرف، أو الصراعات المذهبية أو العقائدية، أحرى أن تكون فئوية أو اجتماعية، والرافض لكل مظاهر العنصرية، كما تتطلب العمل على إشاعة وتعميق الحوار الجاد حول جميع القضايا التي تشغل بال الرأي العام، في إطار من الترفع والبعد عن الأحكام النمطية المسبقة، أو التحامل على من لا يشاطرنا الرأي.
ولقد كان الهاجس الأساسي للزعيم، هو بناء المغرب المستقل على الأسس الديمقراطية السليمة، التي تصان فيها حرية الفرد والجماعة، وتضمن حرية التعبير والانتماء السياسي، في إطار التعددية الحزبية والنقابية الملتزمة بالضوابط الأخلاقية، التي تكفل لكل ذوي رأي أو توجه حرية التعبير عن رأيه، والدفاع عن وجهة نظره، دون أن يصادر حق الغير في طرح أفكاره، أو يتجاوز هو أو سواه حدود اللياقة التي يقتضي مبدأ احترام الرأي والرأي الآخر عدم تخطيها.
دفاعا عن حرية الفكر
من أجل ذلك ناهض فكرة الحزب الواحد، وتصدى لكل مظاهر القمع وكبت الحريات، ومنع الناس من التعبير عن آرائهم وإن كانوا لا يشاطرونه الرأي، وقد استفاض دفاعه عن حرية الفكر في كتاب النقد الذاتي حيث قال:
»فيجب أن نتحرر من آثار الاضطهاد السابق في نفوسنا ومن آثار النفاق التي تسيطر علينا، ونسمح لغيرنا بإبداء آرائهم، حرة طليقة، ولو كانت ضدنا، إنه لا ضرر أن يصرح الكل بما يعتقده، إن العصمة لا تتأتى إلا للأنبياء، ولذلك فالأفكار التي نعرضها يمكن أن تكون مجالا للنظر من الجميع، وقد يعطون من آرائهم ما يصحح أغلاطنا، وإنه مهما كانت الأفكار التي ندافع عنها قيمة، فإن مبدأ الحرية يجب أن يعلو عليها«.
ويضيف »إن الذين ينشرون المبادئ في الناس، يجب أن يكونوا موضع القدوة للجميع، ولذلك يجب أن يأخذوا أنفسهم تدريجيا بتحمل الانتقادات، وقبول الأفكار المختلفة، ولكن ينبغي أن يروا في هذه الحرية التي يعطونها للغير الثمن الوحيد لنجاح الأفكار التي يغرسونها«.
ولقد أراد الزعيم بالتركيز على هذه القناعة، تثبيت فضيلة الحوار في الفكر والوجدان، باعتباره من القيم الأخلاقية الواجب على كل سياسي التحلي بها، لأنها أفضل وسيلة للتعود على احترام الرأي الآخر، وتنمية ملكة التفكير، والقدرة على قبول الأفكار السليمة، ونبذ ما لا يصب في ذلك الاتجاه.
وفي هذا الصدد، يصدر تحذيرا عميق الدلالة في كتاب النقد الذاتي سيظل في اعتقادنا واجب الاستحضار لأجيال لاحقة، إذ أثار الانتباه إلى:
»أنه أمامنا دعوات كثيرة وأفكار متعددة، ستنتشر في أوساطنا بمختلف وسائل العصر، وإذا لم نفتح عقولنا، ونرب عادة التفكير الصحيح في نفوسنا، فإننا لن نستطيع الاختيار من معارض تلك الأفكار، ولا الوقاية من كثير من أنواع الهدم التي هي سريعة الانتشار«.
لذا فإننا نؤمن بضرورة توجه إرادة الجميع، أحزابا ونقابات وفعاليات مجتمع مدني، إلى بذل مزيد من الجهد، للعمل على الانخراط بدرجة أكبر من المسؤولية وروح وطنية عالية، في ظل مناخ يتسم بالتفتح، ويشجع الحوار بين كل الفاعلين في الحقل السياسي والاجتماعي والحقوقي، مع استحضار التحديات الماثلة والناجمة في معظمها عن الممارسات
المتراكمة في الأذهان منذ عقود، والتي أفرزت بالأساس ظاهرة العزوف السياسي، وخاصة في صفوف الشباب، وتزايد أصوات هنا وهناك تروج لتوجهات متحاملة على العمل السياسي، واستهداف الأحزاب، الشيء الذي نعتبره من الظواهر السلبية التي لاتخدم ما يطمح إليه الجميع من بناء الصرح الديمقراطي، وقد تصدى الزعيم لهذا التوجه في وقت مبكر، حيث أكد في النقد الذاتي: »على أن انتصار الديمقراطية في أنظمة الحكم السائدة في عهد المدنية الحاضرة فرض تنظيم الأمة ضمن هيئات من شأنها تسهيل توجيه الشعب وبلورة رغباته التي قد تضيع في عماء الجمهور، لو تركت للناس يعبر كل واحد عنها كيف يشاء، وطبيعي أن هذا الأمر لايمكن أن يتأتى لولا وجود الحريات السياسية والاجتماعية التي تسهل على الأحزاب بناءها وعلى قيادتها القيام بكل ما يلزم من حركة لتنظيم الأمة وتربيتها وتوجيهها الوجهة التي تتفق مع برامجها ونظرياتها«.
لاديمقراطية حقة بدون أحزاب جادة
فالتجارب الأممية أثبتت ألا ديمقراطية حقة بدون أحزاب جادة، ولا ممارسة سياسية مأمونة العواقب ما لم تلتزم بضوابط الأخلاق والقيم، الشيء الذي يجعل من مسؤولية كل الديمقراطيين عدم استصغار آثار الأصوات الساعية إلى تبخيس العمل السياسي للأحزاب، والعمل على تطوير أسلوب وآليات الحوار بشأن واقع المشهد السياسي ببلادنا، من أجل طرح التساؤلات الواضحة اللازمة، والبحث عن الإجابة عنها بما يصحح الرؤى، ويستجيب لما يتطلبه تحصين مستقبل الأداء السياسي والاجتماعي، وبما يفضي إلى تخليق الممارسة السياسية، ومناقشة الوسائل الأكثر فاعلية، لتحفيز الشرائح العازفة على الانخراط في الممارسة السياسية، لتوسيع دائرة المشاركة الشعبية، ودعم تجربتنا الديمقراطية، التي لانشك في أننا نتشاطر مع كل الفاعلين في المشهد السياسي الرغبة الأكيدة في ترسيخها وتطويرها، بما يبقيها نموذجا يحتذى به في محيطنا العربي.
يقول الزعيم: »ونحن الذين نتقدم اليوم ونتحمل مسؤولية التوجيه للرأي العام في بلادنا، يجب أن نكون أهلا للثقة التي وضعها فينا الشعب بخصوصه وعمومه، وأن نكون حريصين على إخواننا وإرشادهم، وهذا يستوجب منا الكثير من حذر دسائس الأعداء، فالعدو لايقاومنا بطريق الحرب والسياسة فقط ولكنه يحاربنا بطريق الدس، والخديعة لتفرقة الكلمة، وإفساد معنويات الأمة«.
اهتمام خاص بآليات تأطير المواطنين
إن استلهامنا لفكر الزعيم المستنير، والنهل من قدرته على استقراء الواقع، واستشراف المستقبل، جعلنا نولي اهتماما خاصا لآليات تأطير المواطنين، ليستبينوا معالم الطريق اللازم اتباعه، في خضم الحراك السياسي والاجتماعي الذي يشهده مجتمعنا. وإدراكا منا لكون التواصل الفاعل لأي حزب على الساحة، أصبح مرهونا بالقدرة على تطوير وسائل تواصله ونهجه وأسلوبه بالشكل الذي يتلاءم مع تطلعات المواطنين، الذين أصبحت درايتهم بالشأن العام وتتبعه تزداد يوما بعد يوم، مستحضرين بوعي وتمثل قول الزعيم في كتاب النقد الذاتي سنة 1952: »وإذا كانت الأجيال السالفة قد علمت جمهورنا، وحتى مفكرينا، عدم المبالاة بكثير من أمور الأمة، فإن واجبنا أن ننبه الشعب إلى ضرورة العدول عن هذه العادة المفسدة، ونعمل على بعث الوجدان السياسي، حتى تعود الأمة إلى الإهتمام بشؤونها، ومراقبة أعمال حاكميها، والمطالبة بإعطاء هذا الاهتمام والمراقبة الوسائل الدستورية العصرية، التي تمنع من العبث بحقوق البلاد، وحرمان أبنائها من المشاركة في تدبير شؤونهم والإشراف عليها. وإن تقصيرنا في هذا الجانب ليوقعنا في تحمل أعظم مسؤولية في التاريخ، وهي قتل روح الحرية في نفوس إخواننا، وتلك أخطر جريمة قومية يمكن أن نرتكبها«.
وقد اعتبر دائما أن نجاح هذا الدور التأطيري الذي خوله الدستور للأحزاب السياسية، يتيسر بصورة أكثر فاعلية إذا ما قامت كل المؤسسات الموكول لها تربية وتكوين الفرد بدورها الاجتماعي والتربوي والتعليمي، ليصبح مواطنا مهيئا للتفكير في شؤون وطنه، وفي هذا الإطار، نود الإشارة إلى بعض آرائه حول دور الأسرة والمدرسة في التكوين المعرفي والتشبع بالقيم الأخلاقية.
الأسرة مصدر كل المؤسسات
لذلك نؤكد على ضرورة استعادة الأسرة دورها الريادي، باعتبارها الخلية الأولى لبناء المجتمع. وفي هذا الصدد، يقول الزعيم في كتاب النقد الذاتي: »إن الأسرة ذات أهمية عظيمة، تفوق كل ما عداها من مظاهر الاجتماع، لأنها هي مصدر كل المؤسسات الأخرى، فالمدرسة، والمسجد، والمعمل، والحكومة، والنادي، والجماعة الدينية، والسياسية، ليس ذلك كله إلا امتدادا لعمل العائلة وتعزيزا لجهودها«.
كما أن دور المدرسة في تربية الأجيال يكتسي أهمية بالغة لتجعل من خريجيها مواطنين متعلمين، واعين بمسؤولياتهم، مدركين لحقوقهم، ومتفهمين لحقوق غيرهم، ومستعدين للقيام بواجباتهم، وملتزمين بما تقتضيه روح المواطنة من احترام القيم الأخلاقية، في السلوك، والعمل، والتحلي بفضيلة الحوار واحترام الآخر، يقول الزعيم:
»إن التربية تستطيع أن تفعل الأعاجيب، وهي التي تستطيع أن تكون من أجيالنا العناصر الصالحة، التي ترفع من قدر وطنها ودينها وأمتها، وإن ذلك لايتأتى إلا إذا جعلنا الخلق هو الرباط المتين لكل المقاصد التربوية، والتعليمية، سواء في البيت أو في المدرسة، وإني لاأريد من الأخلاق مجرد مثل يعظ بها الأستاذ، بل أريد منها مثلا حية يعطيها الأستاذ، والأبوان، ويحرصون على وجودها في أجواء البيت والمدرسة«.
حب الوطن
و»يجب كذلك تربية خلق المواطنة في نفوس التلاميذ، بتدريبهم على حب وطنهم، والإخلاص له، والعمل من أجله، وتحمل المسؤوليات في سبيله، وحب مواطنيهم جميعا، والسعي لما فيه خيرهم وهناؤهم، وتدريبهم على احترام شعور إخوانهم وتقدير مقدساتهم«.
وتماشيا مع هذا المنظور، وتجسيدا لهذه القناعة الراسخة لديه بضرورة إعطاء القدوة والنموذج، لإصلاح جميع فئات المجتمع وإرشادها، وجعلها تعي حقوقها وتسهم في بناء وطنها، أولى اهتماما خاصا بالمرأة، باعتبارها شقيقة الرجل في الأحكام، ولا تقل عنه قدرة على الإسهام في بناء الوطن، فأكد أن تحسين أوضاعهن وإسعادهن يجب أن ينال حظا مهما من تفكيرنا الاجتماعي، لأن ذلك الاعتناء شرط أساسي لإصلاح المجتمع، مع مراعاة الوازع الأخلاقي، الشيء الذي أولاه حيزا هاما من كتاب النقد الذاتي، حيث أكد على أنه: »يجب أن تتمتع المرأة بما يتمتع به الرجل من حقوق وواجبات، ولكي تستطيع ذلك يجب أن يفسح لها المجال، وتعد للقدرة على أداء ما يطلب منها لتشارك في الصالح العام بالخدمة والفكر والإرشاد، ويمكنها أن تشغل مركز العمل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الجماعة والدولة، وإن المرأة لقادرة إذا ما تركت وشأنها أن تصل للقيام بجلائل الأعمال ومهمات الأمور«.
ولقد حرص الزعيم على تذليل كل المعوقات والأعراف الاجتماعية المبالغ فيها التي لانجد سندا لها في الدين والتي تعطل جهود المرأة، مثل مسألة الحجاب التي تثير اليوم جدلا ساخنا في العديد من المجتمعات داخل العالم الإسلامي وخارجه.
وفي هذا السياق، كان للزعيم موقف واضح جريء متقدم على زمانه، نابع من الفهم الصحيح لديننا الحنيف، يهدف إلى إعمال الفكر المتنور والمحاذر لكل الانزلاقات النظرية في فهم روح النص الشرعي للمزاوجة بين الالتزام بالمقاصد ومسايرة التطور الحاصل في المجتمع، بعيدا عن كل انغلاق أو انسلاخ من القيم الروحية والأخلاقية لديننا وأمتنا، حيث ضمن رأيه بهذا الموضوع كتابه (رأي مواطن) إذ قال:
»إن المسلمين قد بالغوا في حجب النساء، فالسفور معترف به في حدوده الشرعية، وعلى كل حال فيجب ألا نشغل أنفسنا بالجدل حول السفور والحجاب، إنما ينبغي أن ننصرف إلى العمل الصالح، وأن نبذل الجهد كله لتحسين أخلاق المجتمع المغربي، وإشاعة روح المروءة والتدين فيه، دون إفراط ولا تفريط، وعلى المرأة الاستقلالية أن تعطي القدوة الحسنة في قوتها وجمعها بين الجنسين«.
ثوابت المدرسة السياسية المغربية الأصيلة
إن الوفاء لروح الزعيم والإخلاص لأفكاره، والتمسك بنهجه السياسي الحريص على مراعاة القيم الأخلاقية، يدعونا إلى التأكيد على ضرورة التشبث بثوابت المدرسة السياسية المغربية الأصيلة، المتميزة بتجذر التعددية والابتعاد عن نزعة الإقصاء، واعتماد ثقافة الحوار الذي ينبغي أن يظل جادا أو مترفعا وصادقا، الشيء الذي خلص مجتمعنا من العديد من الظواهر السلبية التي عانت منها بعض المجتمعات.
ونحن في هذا المضمار، لا نبدأ من فراغ، بل نبني على رصيد فكري يمثل الزعيم علال أحد أبرز أعلامه الأفذاذ، ونستند إلى ما تم تحقيقه من إنجازات لمواصلة توجه البناء برؤية سياسية إصلاحية واضحة، تبغي تعزيز بناء المؤسسات واحترامها، لمواصلة مسيرة الإصلاح والتشييد التي يقودها ويرسم معالمها ويسهر على تتبعها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي سطر بفكره وجهده ملحمة العبور السياسي والاقتصادي، لربح رهان معركة البناء والتنمية، وترسيخ روح المواطنة المتشبعة بالقيم الأخلاقية، من أجل مغرب ناهض ومتضامن، متشبث بوحدته الوطنية والترابية والمذهبية، معتز بتنوع وتجانس مكوناته، حريص على تكامل جهاته، ينعم مواطنوه بالأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية.
ولقد سبق لي أن أكدت أمام المؤتمر العام الأخير للحزب أن:
»هذه الوضعية تضع الأحزاب السياسية الجادة، من الأغلبية أو المعارضة، وهيئات المجتمع المدني الوطنية أمام مسؤولياتها الجسيمة في التأطير والتوعية لمواجهة قوى الإفساد والتيئيس، وبعث روح التعبئة والمواطنة الإيجابية لصيانة المكتسبات الوطنية، ودعم الخيارات التي تروم بناء مغرب ديمقراطي متقدم ومتضامن، وهي الخيارات التي يتعزز مفعولها بالمشاركة الواسعة للمواطنين في الحياة السياسية، وبتجند كل الطاقات الحية لخدمة الصالح العام«.
أود أن أختتم بهذه الفقرة من كتاب النقد الذاتي التي يحذر فيها الزعيم من مغبة التساهل في التخلي عن أبسط مبادئ الأخلاق والتي نعتبر مضامينها ستظل جديرة بالاعتبار:
»إنه ليكفي أن يقتنع الانسان بقبول أبسط أسباب الفساد الخلقي أو الاجتماعي لكي يكون قد خطا الخطوة الأولى في سبيل ضياعه الكلي، لقد أصبح من مظاهر التحذلق في هذا العصر أن يسكت الانسان عن كثير من الآراء التي تتنافى وعقيدته، ولكن هذا السكوت يجر به طبعا إلى التعود على رؤيتها دون أن يحس بأي إنكار لها، وحينئذ ينعدم منه الشعور بأضرارها لأن الاستنكار القلبي هو أضعف الإيمان، ولكن الخطر لا يقف عند قبوله لهذه الآراء بل يجره إلى التعود على قبول ما يضاهيها وعدم استنكاره، وهكذا دواليك حتى تنحل من نفسه عقدة اليقين في المبادئ التي يؤمن بها، والعقائد التي يقدسها. وهذه آفة من آفات الحياة الاجتماعية في العصر الحديث، لا يقتصر ضررها على ما أسلفناه فقط، بل يجر إلى كثير من النقائص الأخرى، وفي مقدمتها إهمال النخبة في البلاد الديمقراطية لكل أنواع الاهتمام بالحياة السياسية وتطوراتها، كما نرى ذلك في تغيب قسم كبير من الناخبين عن إعطاء أصواتهم لمجرد أنهم لا يبالون بأي الهيئات انتصرت، أو أي لون من ألوان السياسة اصطبغ به الحكم. وهكذا أيضا تنحل عقيدة الاهتمام بشؤون الشعب، وتصبح النتيجة هي السلب المطلق في كل شيء، فيما يرجع للفرد وفيما يرجع للمجموع«.
شكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.