مقتل 44 فلسطينيا بقصف إسرائيلي    سانشيز: غزة تشهد "إبادة جماعية"    خريطة المغرب الكاملة بجنوب إفريقيا    الهزيمة الثالثة.. الوداد يودع مونديال الأندية بخسارة أمام العين الإماراتي    الوالي التازي يواصل حملة تحرير الشاطئ البلدي لطنجة    6 مليارات دولار و200 شركة تكنولوجية صينية في الأفق: المغرب يجذب استثمارات صينية غير مسبوقة في الصناعة والتكنولوجيا    التاريخ يتأزم في الشرق... والمغرب يشحن مناعته بالجنوب    المحكمة تستدعي لطيفة رأفت في قضية إسكوبار الصحراء    حفل جماهيري ضخم.. ديانا حداد تحقق رقمًا قياسيًا في الحضور بالمغرب    بولعجول يوضح شروط لوحات الترقيم للسير الدولي ويطمئن المسافرين المغاربة    الحسيمة.. تفكيك شبكة للتهجير السري وحجز قوارب ومبالغ مالية    الكونغرس الأمريكي يناقش مشروع قرار لتصنيف "البوليساريو" منظمة إرهابية    الوزارة تدعم العمل الثقافي والمهرجانات بأزيد من 9 ملايين درهم سنة 2025    تعيين محمد رضا بنجلون مديرا جديدا للمركز السينمائي المغربي    الطالبي العلمي: حل الدولتين السبيل الوحيد لتحقيق السلام وإنهاء الصراع في الشرق الأوسط    ارتفاع مؤشر الإنتاج في قطاع المعادن بأكثر من 10 في المائة    الزيات يعلن ترشحه لرئاسة الرجاء ويعد بمرحلة جديدة مع تفعيل الشركة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    إحداث "Uni Fiber" و"Uni Tower" لتسريع نشر شبكات الألياف البصرية والجيل الخامس    رئيس الحكومة يترأس الدورة الثامنة للجنة الوطنية للاستثمارات المحدثة بموجب ميثاق الاستثمار الجديد    النيابة العامة تتحرك لتتبع صعوبات المقاولات    الصحراالمغربية: برلمان أمريكا الوسطى يجدد تأكيد دعمه لمخطط الحكم الذاتي وللوحدة الترابية للمملكة    الصحافي رضا بن جلون مديرا للمركز السينمائي المغربي    مرسوم جديد لتحديث وضعية أساتذة كليات الطب والصيدلة    بعد غياب 6 سنوات..المعرض الوطني للكتاب المستعمل يعود في نسخته الثالثة عشر بالدارالبيضاء    ادريس الروخ يشرع في تصوير مسلسل درامي جديد    الطالب الباحث عبد الفتاح موليم ينال شهادة الماستر في القانون العام بميزة مشرف جدا            الحسيمة.. تحويط حريق بغابة "ثاندا إفران" وجهود متواصلة لإخماده    أخنوش يدعم السكوري ويقرر إعفاء مديرة "لانبيك"    في الأمم المتحدة.. المغرب يدعو لتحرك جماعي لحماية المدنيين من الفظائع    وفاة رجل أضرم النار في جسده وسط الشارع العام بطنجة إثر خلاف تجاري    عواصف عنيفة تضرب فرنسا وتخلف قتلى ودمارا واسعا    جمعيات تحذر الوزارة الوصية من "تفويت" 54 مركزا للشباب    مونديال الأندية.. إنتر يتفوق على ريفر بليت ويعتلي الصدارة ومونتيري يعبر برباعية    عبد الكبير الخطيبي: منسي المثقفين    أسعار الذهب ترتفع وسط تراجع الدولار الأمريكي    مغاربة العالم يعقدون ندوة حوارية بباريس حول الورش الملكي الخاص بالجالية    "الحسنية" تأذن بسفر المدرب الجديد    الرباط تحتضن دوري الراحل بوهلال    الابتزاز وراء عقوبتين بالكرة النسوية    إدانة رابطة مغربية لتأخير رحلة Ryanair بمطار الرباط    توقعات طقس اليوم الخميس بالمغرب    معرض يستحضر الأندلس في مرتيل    الاحتيال يهدد زبائن تأجير السيارات    طفل في كل فصل دراسي مولود بالتلقيح الصناعي ببريطانيا    احذر الجفاف في الصيف .. هذه علاماته وطرق الوقاية منه    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. فلومينينسي يعبر إلى ثمن النهائي عقب تعادل سلبي أمام صنداونز    سوق الكوكايين العالمية تحطم أرقاما قياسية    الداخلية تشرع في إعداد لوائح المجندين الجدد تنفيذا للتعليمات الملكية    دراسة تحذر: انتكاسات كبيرة في برامج التلقيح تعرض الأطفال لخطر الأمراض القاتلة    عودة الدواجن البرازيلية إلى الأسواق المغربية بعد زوال المخاطر الصحية    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات في مفهوم الحرّية
نشر في العلم يوم 25 - 06 - 2010

قال الله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة. قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك. قال إني أعلم مالاتعلمون . وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. قالوا سبحانك لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ماتبدون وما كنتم تكتمون) [ البقرة: 30 33].
أخبر الله عز وجل الملائكة بأنه سيجعل في الأرض خليفة هو سيدنا آدم عليه السلام. لكن الملائكة قاسوا هذا المخلوق المستخلف على من سبق في الأرض من خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فظن الملائكة أنه سيكون وذريته مثل هؤلاء الخلق كما قال كثير من المفسرين، إلا أن الله سبحانه وهب هذا الإنسان مواهب عديدة منها: العقل والعلم والحرية. ولذلك ظهر تفوقه العلمي عندما أخبر الملائكة بالأسماء التي سألهم الله عنها.
فالعلم والحرية متكاملان. وصلاح القصد لايتم إلا بالحرية، كما أن صحة المعتقد لاتكون إلا بالعلم. ويترتب على كليهما التصرف أو العمل الذي شرطه الحرية كذلك.
إن حرية الإنسان متأصلة فيه، كامنة في قلبه، مركوزة في فطرته. وهي تنمو مثلما تنمو سائر ملكاته ومواهبه وقدراته وطاقاته، حتى تبلغ ما يسميه الصوفية الأبرار ب »الوسع«.
فبمجرد مازود الله تعالى بفضله وإحسانه الإنسان بهذه المواهب المتكاملة المتناغمة منحه مفتاح الترقي في مدارج الحرية التي تعني منذ البدء مرادف الكرامة أو التكريم الإلهي للإنسان.
وقال تعالى مخاطبا الملائكة ومنبها إياهم إلى ما وهبه للإنسان: (إنّي أعلم مالا تعلمون)
لكن هذه المنحة الإلهية للإنسان يصحبها امتحان إلهي له. فإن نجح الإنسان في الامتحان تمتع بالمنحة في الدنيا والآخرة، وإن لم ينجح وأساء استعمال المنحة، لحقته النقمة الإلهية في الدنيا والآخرة.
يتمثل هذا الامتحان الذي يصحب المنحة، منذ البدء، في عداوة الشيطان للإنسان.
قال الله عز وجل: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين. وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه. وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) .
[البقرة: 33 35].
فأوّل امتحان تعرّض له آدم كان إغراء الشيطان بالأكل من الشجرة.
كان آدم وزوجته عليهما السلام في بحبوحة الجنة، في مطلق الحرية الفردوسية. فلما وقعت المخالفة، بسبب الإغراء الشيطاني، أمره الله وزوجه بالهبوط إلى الأرض. وكذلك أهبط الشيطان إلى الأرض، حيث احتدم الصراع .
بين الخير والشر، بين الفطرة الإنسانية المؤمنة وعوامل التقويض والتخريب والإفساد، بين المحافظة على المنحة الإلهية، وحسد الشيطان الذي يمثل الامتحان في هذه الدنيا. لقد فقد الشيطان حرّيته الكريمة، بعصيانه ربه وتكبره عن طاعته؛ ولم يفقد آدم عليه السلام حرّيته الكريمة بوقوعه في الخطأ، لأنّ الله تعالى سرعان ما ألهمه التوبة وقبلها منه: (فتلقّى آدم من ربّه كلمات فتاب عليه . إنه هو التواب الرحيم) [البقرة: 37]
ومن ثم كانت التوبة مفتاح استرداد الحرية بعد فقدها بسبب المعصية. وقد سبقت رحمة الله غضبه. وبالتالي فإنّ حظوظ الإنسان في التمتع بهذه الحرية السامية أكثر من احتمالات فقدها. شريطة الامتثال للأوامر والنواهي الإلهية كما أوضحت هذه الآيات: {قلنا اهبطوا منها جميعا، فإما ياتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} [البقرة: 38].
إنّ الإنسان في هذا العصر يسعي إلى مزيد من التقدم العلمي والمدني ليتخلص من قيود الفقر والمرض والجهل والإكراهات المادية والمكانية والزمنية والبيولوجية والفسيولوجية والبيئية العديدة. ويسمي ذلك سعيا إلى تحصيل مزيد من الحرية. لكننا نلاحظ أنه رغم تحقيقه لمستويات عالية من التقدم، أو التحرر من تلك القيود والإكراهات، لم يزل الحزن والخوف أي انعدام الطمأنينة القلبية وغياب السعادة ا لروحية مسيطران على حياته. وما ذلك إلا لأنه لم يفهم الفهم الصحيح معنى الحرية، ولم يتخذ السبل الحقيقية الموصلة إليها.
إنّ الآية السابقة وعدٌ للذين يتبعون هدى الله بألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وهذا في العمق مايبحث عنه كل إنسان لأنه هو معنى الحياة السعيدة. وقد بينت الآية الطريق إليها. ففاز بها من سلك هذا الطريق، وفقدها من تنكبها. وذلك هومعنى فقدان الحرية.
لهذا فإنّ الإنسان المعاصر الذي حصر مقاييس الحرية في ما هو مادّي واستهلاكي وتقني وإباحي فقَد حرّيته، في الحقيقة، لسببين رئيسيين:
الأول منهما أنه لم يهْتد إلى المفهوم الحقيقي الشرعي للحرية.
والثاني أنه أصبح مقيَّدا بسلاسل تلك المنتجات والبضائع المستهلكة والحاجات المتزايدة، والرّتابة التقنية والزمنية، والآلية التي تطبع المدنية الحديثة. فهو فاقد للحرية، لا محصّل لها.
وهذا يجعلنا نتحدث عن الأساس الأخلاقي للحرية وعمقها القيمي والجمالي - الإحساني ، والذي تتفرع عنه ضوابط عديدة تؤنسن الحرية، وتجعلها - في نفس الوقت - حرية ذات مقاصد ربانية، لأنها تكون، حينئذ منضبطة بضوابط الشريعة متناغمة مع طبيعة الفطرة الإنسانية. إن التكليف الإلهي للإنسان بجملة من الواجبات ليس على جهة الإكراه، بل على جهة الإقناع وبيان فضائل الطاعة ومثالب المعاصي، ومنافع الامتثال، ومضار المخالفة.
ومن هنا فالتكليف يقتضي أن يكون المكلف حرّاً أي له اختيار وإرادة وعقل يميز به بين النافع والضار، والخير والشر، وأن تكون له عزيمة وقدرة على سلوك أحد الطريقين وفقا لاقتناعه واختياره الحر.
ولذلك قال الله تعالى: »لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي« [البقرة: 255].
وكل الأوامر والنواهي الإلهية موجهة إلى الإنسان الحر المختار الذي له إرادة وعقل وتمييز. من هنا أثنى الله تعالى على أولي الألباب (أي أصحاب العقول)، الذين عرفوا بعقولهم مدى الخير الذي في الأوامر الإلهية فامتثلوها، ومدى الشر الذي في المنهيات فاجتنبوها. وكذلك ذمّ الذين لم يعملوا عقولهم في تدبر تلك التكاليف الإلهية ليصلوا بأنفسهم إلى الحقيقة. وإلى الطريق الذي يجب أن يسلكوه في هذه الحياة. وهؤلاء لم يستفيدوا من موهبة الحرية التي منحهم الله، ولذلك تعرضوا لفقدها وإن كانوا أسيادا في أقوامهم، لأن الحرية ليست مجرد الرّقّ، بل هي التحرر من الأهواء والجهل والتقليد الأعمى، وكل ما يعوق عن رؤية الحق والإيمان به والعمل بمقتضاه، وبناء على هذا، فبلال الحبشي - رضي الله عنه - الذي كان في مظهره عبدا مملوكا، كان يتمتع بالحرية التي لم يكن يتمتع بها الذين اضطهدوه وإن كانوا في الظاهر غير مملوكين. فالسيادة لا تكون مع فقدان الحرية بمعناها الشرعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.