الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير تحطم الرقم القياسي في عدد الزوار قبل اختتامها    أكثر من 267 ألف حاج يصلون إلى السعودية العالم    مراسم تشييع رئيسي تنطلق في تبريز    في مسيرة احتجاجية.. مناهضو التطبيع يستنكرون إدانة الناشط مصطفى دكار ويطالبون بسراحه    تصفيات المونديال: المنتخب المغربي النسوي يواجه زامبيا في الدور الأخير المؤهل للنهائيات    الشامي: التأثير السلبي لتزويج القاصرات "قائم".. والظاهرة "ليست موضوعا سجاليا"    تحضيرا لاستقبال الجالية.. انطلاق اجتماع اللجنة المغربية الإسبانية المشتركة    إميل حبيبي    مسرحية "أدجون" تختتم ملتقى أمزيان للمسرح الأمازيغي بالناظور    اجتماع تنسيقي لتأمين احترام الأسعار المحددة لبيع قنينات غاز البوتان    أزيد من 267 ألف حاج يصلون إلى السعودية    توني كروس يعلن أنه سيعتزل اللعب بعد كأس أوروبا 2024    مساء اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: أكنسوس المؤرخ والعالم الموسوعي    صدور كتاب "ندوات أسرى يكتبون"    الحبس 10 أشهر لمستشار وزير العدل السابق في قضية "التوظيف مقابل المال"    هذه تفاصيل الزيادات والانخفضايات في أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات    الاتحاد الأوروبي يعلن عن تقنين استخدامات الذكاء الاصطناعي    بلاغ صحافي: احتفاء الإيسيسكو برواية "طيف سبيبة" للأديبة المغربية لطيفة لبصير    هاشم بسطاوي: مرضت نفسيا بسبب غيابي عن البوز!!    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    غير مسبوقة منذ 40 سنة.. 49 هزة أرضية تثير الذعر في إيطاليا    مباحثات بين المغرب وغينيا لتعزيز التعاون في مجال النقل    حوار.. وادي ل"الأيام 24″: التفكير في شراء أضحية العيد يفاقم الضغوط النفسية للمغاربة    المغرب يسرع الخطى لإطلاق خدمة الجيل الخامس من الأنترنت استعدادا للمونديال    نقابتا الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل تراسلان المديرة العامة للمكتب الوطني للمطارات    تراجع أسعار النفط وسط مخاوف من تأثير الفائدة الأمريكية على الطلب    نقاد وباحثون وإعلاميون يناقشون حصيلة النشر والكتاب بالمغرب    "الفاو"‬ ‬تفوز ‬بجائزة ‬الحسن ‬الثاني ‬العالمية ‬الكبرى ‬للماء ..‬    رئاسة النظام السوري تعلن إصابة زوجة بشار الأسد بمرض خطير    فلسطين تحرر العالم!    اجتماع تنسيقي لتأمين تزويد المواطنين بقنينات الغاز بأسعارها المحددة    نجم المنتخب الوطني يُتوج بجائزة أحسن لاعب في الدوري البلجيكي    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    الصين : تسجيل مقاييس أمطار غير مسبوقة جنوب البلد    فيديو "تبوحيط محمد زيان".. أو عندما يَنجح محيط النقيب السابق في إذلاله والحط من كرامته    49 هزة أرضية تضرب جنوب إيطاليا    صلاح يلمّح إلى بقائه مع ليفربول "سنقاتل بكل قوّتنا"    أزمة دبلوماسية بين إسبانيا والأرجنتين بسبب زوجة سانشيز    نقابة التوجه الديمقراطي تدعم الإضراب الوحدوي للأطر المشتركة بين الوزارات    بعد 3 سنوات من إغلاقه.. افتتاح الموقع الأثري لشالة أمام الزوار    أمل كلوني تخرج عن صمتها بخصوص حرب الإبادة بغزة    رغم خسارة لقب الكونفدرالية.. نهضة بركان يحصل على مكافأة مالية    "الكاف" يُدين أحداث نهائي كأس الكونفدرالية بين الزمالك وبركان    الصومال تسلم المغرب مواطنين محكومين بالإعدام    تفاصيل التصريحات السرية بين عبدالمجيد تبون وعمدة مرسيليا    لقجع: إخضاع صناديق التقاعد لإصلاحات جذرية يقتضي تفعيل مقاربة تشاركية    مرافعة الوكيل العام تثير جدلا قانونيا بين دفاع الأطراف في قضية بودريقة ومن معه    الزمالك يرد بقوة على الكاف بعد أزمة النهائي أمام بركان    أكاديميون يخضعون دعاوى الطاعنين في السنة النبوية لميزان النقد العلمي    الأمثال العامية بتطوان... (603)    تحقيق يتهم سلطات بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوث أودت بنحو 3000 شخص    اختتام فعاليات الدورة ال29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط    الدوري الماسي-لقاء مراكش: البقالي يحسم سباق 3 آلاف موانع    المغرب يضع رقما هاتفيا رهن إشارة الجالية بالصين    معرفة النفس الإنسانية بين الاستبطان ووسوسة الشيطان    شركة تسحب رقائق البطاطس الحارة بعد فاة مراهق تناوله هذا المنتج    لماذا النسيان مفيد؟    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللاعب
نشر في العلم يوم 14 - 10 - 2012

تتابع: قلوب، مربعات، أشكال وأرقام... تتالى، ثم مشهد الحسناء في كساء أشبه ما يكون بغلمان رشيدية، ألف ليلة بغدادية، إلا أنه يأخذ من سربلة يونانية رومانية تبين عن اكتناز ساق بمحزم تحت الركبة، وقفة عرض واستعراض لا تخفى لكنها ليست إغرائية، بمقياس اليوم على الأقل؛ الحسناء هذه في موقع تحته قلوب ومربعات مرقمة كأنها حافات انحدار، وفوقه أخرى كأنها بدايات ارتقاء إلى حيث الفارس شاكي السلاح أو أشبه بذلك، يترنح تحته جواد أصيل تجمح به رغبة وتلجمه أخرى ... لتبقى الذروة فوق ذلك كله، قمة المنتهى، هيلمان الجاه، طيلسان المجد وهام الأبهة، تتماوج في اتجاهاته المتوازية المتقاطعة في انتظام، وديانُ المذهب ودوائر المقصب منسابة نحو الأسفل تمسح زركشة أذيالها برفق صقيل مرمر، كما تلمس بلطفها أكف العاشقين خدود الحسان.
تتابع الأوراق مربعات بالخمسة والستة والآس، زهرة شبه كاس مرة، وعمود صنو صولجان مرة أخرى، لتطل راية الفارس الأزرق، يسبح كله في سماوي غامق منفتح الزرقة، ليت ما بعده يأتي بإطلالة صاحب الهيلمان، ليتها تطل هامة الرّاي، إذن ليكتملُ أو يكاد المراد.
ليت ليت ليت... فالفارس عاطل بلا هامة مجد فوق المقام تمنحه القيمة والمعنى، كما هي الحسناء بدورها المطل قبل ذلك ودونه مجلبة فرسان، مقام لمقام دونه مقام فوقه مقام، بناء عمود انتظام لا هرمي، ليت ليت ليت... ويخلف موعده الرّاي، يطل سن الآس. الآس أساس. يطل هذه المرة جد مشرق يعوم في ضيائه الذهبي، دائرة دينارية (دولارية لو أمكن بمقياسنا اليوم أو أوروية)؛ تكتمل الأوراق متراصة منشة في اليد، جملتها في العد والحساب تحددها حركة السوق، يمكن ويمكن... السوق لا يرحم، منطق نعم أو لا، تشتري أو تبيع، تربح أو تخسر، لا مجال لربحين معاً في آن واحد، لا خسارة لمتنافسين اثنين في آن واحد، وحده سيد نفسه منطق السوق والتنافس.
تتابع الأوراق، قلوب مربعات أرقام في مشهد لوني يتغير باستمرار، كلها ليست إلا تأثيثاً لما يمكن أن يأتي أو يجب... ليت ليت ليت... ليكتمل أو يكاد المراد، التأثيث ليس نافلا بإطلاق، ولا مركزياً بإطلاق، إنما ضروري بإطلاق؛ لا بد من فراغ لامتلاء ولامتلاء من فراغ، كل يأخذ المعنى مما... ومما... لكنها تخلف الحسناء، ويبرز بدونها الفارس هذه المرة كالمهتاج أو هو المهتاج فعلا، ولسبب لا يخفى: ما القيمة ولا الوضع في مقام بلا حسان، هي الضرورة إذن تدفع في غير ميعاد والجندي دائماً صنو الضرورة ليحتل وظيفة الإمكان. أينتظر ظهور حسناء نؤوم الضحى، ويخل بالدور والوظيفة حين يفاجئ الهيلمان في أية لحظة، ماذا لو يسبق بحضوره الرّاي؟ أتقول حينئذ إنها تلك التي... هي التي... إنما... لكن... عندما...؟ على من تقرأ زبورك يا داوود؟ المسألة ليست في قوة الضرورة رغم قوتها فعلا، الجوهر في المعنى، الفارس بلا حسناء نقصان مشين مؤكد، لمن أنت فارس بلا تلميحة نظرة سحر، أو بسمة ثغر، أو ندي زغرودة؟ لمن أنت فارس بلا دغدغة غيرة وبركان انتظار مكتوم مكظوم؟ والفارس بلا راي لا معنى له، لا داع من الأصل كله، ولا ... لا... لمن تكون أنت إذن شاكي السلاح بلا رفراف علم يزدهي وتحيي؟ لمن قامة تنتصب على صهوة أصيل تختال قوائمه بك، تجمح به رغبة تلجمه أخرى، إن لم يكن ثم عليّ مقام يشرف أو راقي نظرة تراقب؟ لمن الزرد والخوذ وسربلة الفولاذ بلا حرب ولا معركة قي حاضر أو خاطر؟ ... تلك هي المسألة.
تتابع الأوراق، قلوب مربعات أرقام تأثيثية، سلم ارتقاء، درجات انحدار إلى... وإلى... تكتمل الأوراق منشة في يد دون أن يكتمل المراد هنا، بالمقابل في اليد الأخرى منشة موازية ولا يكتمل المراد هناك، إنما السوق مفتوح والرواج صنعة ومناورات إيهام وتوهيم، منشتان متقابلتان، خصمان كل يرنو إلى الربح من جانبه وحده ولا يمكن ... كل يجفو الخسارة راغباً عنها من جانبه وحده ولا يمكن، لا بد مما ليس منه بد، ومنطق السوق منطق وسوق لا بد فيه من رابح من جهة، وخاسر من جهة أخرى؛ منشتان أيتهما هذه وأيتهما تلك؟ أيهما أنا أيهما هو (أنت)؟
تبدو المنشتان كالمتعادلتين وما هما بذلك، فالسوق لم يفتتح بعد، ما يزال في الإمكان خلق المفاجأة من جديد وبصفة كلية، كل منشة ترمي أوراقها واحدة واحدة بالتناوب والتتابع، لتمتح من الرصيد المشترك، هنا يمكن لليمنى أن تسحب حظها أو حذقها على نحو يزري بالقيمة المبدئية المتوهمة لليسرى أو العكس؛ تصورْ أن هاته تطلع بالطيلسان الهيلمان يبعث الروح في جسد الفارس المهتاج من سوء حظ وخيبة موعد مع حسناء، ومن سوء طالع يجمده في موقف انتظار غير مؤكد لبهي طلعة الرّاي وهام أبهته، حينئذ ينقلب كل شيء إلى ضده: الربح المتوقع من جهة يؤول إلى خسارة، والخسارة المؤكدة من جهة أخرى تحول إلى ربح وغنيمة.
منشتان متقابلتان قابلتان لكل شيء من ربح وخسارة، إنما المؤكد أن إحداهما ستصنع الربح والأخرى تتكبد الخسارة، هي بدورها أيضاً تصنع الخسارة؛ إذ كل شيء في السوق صنع يد ذاتي ومسؤولية شخصية؛ أيهما أنا، أيهما هو (أنت)؟ يمين، شمال؟ منشتان أيتهما... وأيتهما؟
الاختيار ليس سهلا، لمن همه أن يربح ويربح فقط، لا أكثر ولا أقل، وهل من آدمي إلا وهو ذلك الشخص، إذن مرة أخرى وأخرى، أيهما أنا أيهما هو (أنت)؟ يمين منشة أم منشة يسار؟ تراود خاطرة ليست مبتذلة، بل تبدو حكمة لا بأس بها ومن تراث مجيد: تلتزم في مسيرك بأن تؤشر إلى اليسار لتنحرف يمينا، هكذا بلا شك تتجنب كامن كمائن، وتصنعها استباق مناورة لصالحك، نظير أخرى متوقعة ضدك، تزرع واقعاً في رحم غيب: تؤشر في اتجاه منحرفاً إلى ضده، الآخر الخصم العدو الناكر المتربص من وراء أو أمام، ترتبك خيوطه يفقد التوازن؛ وأكثر من ذلك عندما يكون متنكراً غير مفصح، لا من خلف ولا من أمام، يرتبك من ذاته، يعتريه ارتعاش باطن وظاهر، حينئذ يكون لك أن تتجاهل انكشافه وتمضي فيما أنت فيه.
أيهما إذن... وأيهما؟ يمين يسار؟ انحرفْ وأشّرْ. يسار يمين؟ أشّرْ وانحرفْ. هذه أنا، هذه هو (أنت). انتهت مرحلة، وهات ما عندنا معاً: ترتمي ورقة تأثيث هدامة لبناء المقابل، ترتمي عليها استجابة توحي بأن الإصابة لم تكن في الصميم ولا قريب الهدف، إنما مست عتبة الحماية، نالت سطحياً من قشرة الجدار أو كادت، جدار الحماية. والآن، الأمر لي، ليسار يجيد الهدم أو البناء ولا يعرف الوسط، الرمية ناسفة بأقل ما يمكن لما لا حماية له، هكذا يبدو اليمين لا يتقن الحساب، معادلاته من الدرجة الأولى دائما، لا يدخل في اعتباره قوة الخصم الحقيقي، على الأقل يعتبره على شيء من غفلة، ليتركه يبني كما يشاء ولو بدون حماية؛ أو هو يجيد الحساب أكثر، معادلاته من الدرجة الأولى دائماً لكنها تحسم النتائج في غير توقع، حمايته توهيم وإيهام، بدون حماية يبني، لكنه يناور بكامل الثقة، يوهم بأنه على خير ما يرام، فإذا ما أفلتها الخصم الأيسر لحظة، رمية لغير هدف حق كما أريد به؛ إذا به الحظ يتحالف مع اليمين، ليأخذ كامل نفسه بقوة، لا ليعلن تمام بنائه بنجاة من نسف كان محققاً فحسب، وإنما ليسحبها، لا الورقة الحامية لبنائه الذي أصبح مكسباً مسجلا في رصيده الثابت، وإنما ليرميها مباشرة ناسفة لبناء الخصم تتهاوى لبناته؛ تقول وما دخل الحظ في المعادلة؟ وهل يمكن اعتبار حساب الحظ؟ بمعنى أن انتصار يمينك لا دخل فيه لقدرة مميزة في اللعب ولاعبه، وإنما لغيبية دخيلة، لا قبل لقدرة بها ولا ميزة بادعائها، تقول تقول تقول... أقول لك أنت من يسميها حظاً أو يعتبرها كذلك، الغيبية أو ما تسميها كما تريد، هي بدورها حساب يمينك، يحسبها من يسارك ولا يحسبها من ذاته فقط وبالضرورة، أتسمي مناورته الإيهامية بالحماية والأمان ومظاهر الثقة، حيث لا حماية ولا أمن حق، وحيث توقع خسارة مؤكدة؛ لكنها يسارك من يقع في كمين الإيهام ويرمي لهدف مغاير؛ يمكنك أن تستمر كما تشاء في تسمية الأمر حظاً وغيبية، وانصرفْ بما تشاء من قوة تدبير إلى معادلاتك المعقدة الدرجات.
مرة أخرى ترمي اليمنى ناسفة بناء جديدة، لكن اليسرى تتلقى بنجاح تاركة فرصة ممكنة لإتمام بنائها إذا ساعدت الظروف (لا تقول الحظ)، فعلا تساعد الظروف (لا الحظ طبعاً)، وتعلن اليسرى رصيداً ثابتاً مقابل لمثيل اليمنى، وتكون الساحة قد أخليت تماماً إلا من منشتين صافيتين يمنى ويسرى أو يسرى ويمنى، لا فرق (في الترتيب طبعاً) وإلا فهذا يمين وهذا شمال، خصمان منشتان متقابلتان في معركة، المعركة الآن في فصلها الأخير، يمكنك أن تتنبأ بمتن منشته وما تحتوي، ويمكنه مثل ذلك في شأنك ومنشتك. منطق الحساب والسوق هنا في أوج تجلياته، انكشاف متبادل إذا تعادلت الفطنة ما بين يمنى ويسرى، أو يسرى ويمنى، انكشاف لا يعني مرة أخرى انحسام الأمر ليمين أو شمال، تصورْ طبيعة المعركة هنا، ولتكن الأيسر: أنت تعرف الأيمن في كافة مواقع قوته ونقط ضعفه، وتسدد لكنك لا تستطيع أن تحسم النتيجة لصالحك، أتقول إنه الحظ وتلك الغيبية و ما يرتبط ويختلط و... و... كأنك تعزي النفس مسبقاً؟ دعني أقول لك بصفاء أكثر هذه المرة، ولا تضعني موضع الخصم دائماً، تميمتك هاته التي تسميها غيبية في صف الأيمن، هي بدورها الغيبية الأكبر الأكثر، غيبية الغيبيات، أم الغيبيات إذا شئنا التعبير بما يلائم المقام؛ والأمر كله في تمام واقعيته حساب، بلا أي دخل لدرجة المعادلة، المهم ترتيب العناصر (لا تقويتها بالضرورة) وهندسة المواقع (لا وفرتها بالضرورة)؛ تصورْ بدل الاهتمام بحشد العدة والجهود في تقوية عنصر وموقع، أنك تصرف طاقتك (الفكرية طبعا والعملية بعد ذلك) لهندسة المواقع ووضع العنصر المناسب في مكانه المناسب، أي أنك تصنع من الضعف قوة، وهو السر فيما يجعلك ترى الخصم متمايلا من ضعفه، لكنه ما يلبث أن يحسم النتيجة لصالحه، لتقول إنها الغيبية وأنها... لا. إنها الهندسة الهادئة المتروية، والرماية المتناسبة مع الهدف. ألا تقول في حكمة مأثورة أو نصيحة: أشّرْ... وانحرفْ عكس ذلك؟ الآن يمكنك القول بالمنطق نفسه: لا ترم ذبابة بطلقة مدفع، إذ ليس المهم القضاء المحقق على الذبابة، وإنما الثمن مقابل ذلك، إنه السوق يا صاحبي. هههها أترى كيف انطلقتْ مني الكلمة عفواً وبصميمية تامة؟ قلتُ لك «يا صاحبي» ونحن في موقعين متقابلين بمنشتين كل منهما تنشد كمالها في التهام الأخرى، أتستطيع مثل ذلك: أن تنادي يمينك «يا صاحبي» بصميمية وعفوية مقتضيات السوق؟ أشعر أنك لا تستطيع، على الأقل بالطواعية التي أُظهرها، بل تظهر بتلقائية مني كما تشاهد؛ وهو سر يمينك لا منطقك القاضي بأن الخضم خصم ولن يلتقيا؛ اسمع مني، هذا خلاف الهندسة المدرسية؛ المتقابلان في معركة ليسا خطين متوازيين أبدا، على افتراض أن المتوازيين لا يلتقيان في عقلية ما، غير ذلك هو الصحيح، المتقابلان في معركة متلاقيان متقاطعان منفصلان متصلان في أكثر من مفصل وزاوية؛ هنا هندسة الترتيب والتنظيم، معادلة العنصر والموقع. الأمر ليس سفسطة أو غيبية لا عقلانية أو... لا. بل الواقع والتاريخ، انظر إلى أكبر معركة عداء حربية بين متقابلين، ماذا ترى؟ دمار وقتل وخراب؟ صحيح، لكن الناتج أكثر من ذلك في نظر التاريخ ومنظوره على المدى البعيد، والتاريخ نظر بعيد، حينئذ ستجد أن المعارك بين الأعداء والمتعادين تؤتي خصوبتها فيما بعد، وأكثر من ذلك: كلما كانت الفجوة الحضارية والإثنية والفكرية الإديولوجية أبعد ما تكون بين الفريقين، كلما كانت الخصوبة أوفر وأغنى من منظور التاريخ، ذلك المدى البعيد. ألا ترمي الآن؟
ينظر إلى يديه الاثنتين عاكساً منشتيهما بحيث لا تقابله واجهتاهما المفصحتان الملونتان، وإنما ظهرا كفيه، لتظلا محافظتين على سريتهما التامة، في موقعهما التليد يمين وشمال. يحرك ظهري المنشتين كأنه يوازن بين ثقل هذه وتلك، مقارناً بين قيمة تلك وهذه، بمنطق السوق. ألا تعرف محتوى هذه؟ ربما، تقريباً؛ ألا تعرف قيمة الأخرى؟ نعم، ربما إلى حد ما؟ أي سر إذن يبقى لهذه أو لتلك؟
لا يجيب. ألا ترمي؟ حتماً سيرمي أو ترمي أنت؟ المسألة قانون ومنطق وليست تخميناً ولا تطوعاً أو تبرعاً، سيرمي يُمنى أو يُسرى، يمنى ويسرى معاً. لم لا؟ أليس هو الأنا والأنت، لم لا؟ فعلا لا يرمي من منشة اليمين ولا من منشة الشمال، يرمي الكل، يخلط الأوراق جميعاً، لم لا؟
ينظر حواليه: كراس فارغة، طاولات مهجورة ما تزال، ينظر إلى ساعته، ما تزال مسمرة على الساعة نفسها من ساعات أمس أو قبله. ينظر إلى الأوراق أمامه مولية إياه ظهرها محتفظة بسر القيمة والرسم لنوعية اللعبة واللاعبين، من يجهل ومن يعلم؟ خلطة يمين وشمال، ربما تسعف في ترتيبها وبناء معناها غيبية حظ أو...؟ تقول غيبية مرة أخرى؟
ينظر إلى ساعة معصمه المصرة على ساعة خلت من زمن أمس أو ما قبله. كراس فارغة ما تزال وطاولات في انتظار...
يترك المكان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.