الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شفاء داء ودواء
نشر في الجسور يوم 09 - 12 - 2011

بعد مرورع الأيام تحسنت حالتي بشكل كبير سوى من بعض الآلام التي تعاودني بين فترة وأخرى بصداع جانبي أثر حتى على ذاكرتي القصيرة المدى واستمرت معي لهذا اليوم،،، فأنا لحد هذا اليوم أستطيع أن أذكر جيداً الأحداث القديمة بتفاصيلها، ولكن أجد صعوبة في تذكر الأحداث القريبة التي تمر بي. وقد شرح لي طبيبي الدكتور "هورنر" خطورة
إصابتي وقال لي أن العناية الإلهية أنقذتني من موت محقق، فلو استمر النزيف والإغماء لخمس ساعات لاحقة لفارقت الحياة لا محالة.
وفي يوم من أيام أغسطس الجميلة كنت جالساً بجوار النافذة لا أستطيع أن أتمتع جيداً بالتنزه في الحدائق أو الأسواق أو رؤية السياح الذين أصبحوا في ذروتهم في شوارع لندن في هذا الوقت من السنة، وذلك بسبب الصداع الذي نكد علي عيشتي
وسرق أجمل الأوقات مني. لكن فجأة دق الهاتف، فتناولته لأسمع صوت شفاء تتحدث من "دار الحي"،،، فرحبت بها وأخبرتها بالقصة والآلام التي الرهيبة التي أعاني منها بالرغم من تناولي المسكنات القوية،،،،،،فردت علي بكلمة سحرية سرت بسببها قشعريرة في جسمي عندما قالت "وا عني يا نديم" وش صار فيك يا حياتي..،،، ليته فيني ولا فيك،،،،،،،،،،،،،. كلمة "واعني" أي فديتك بروحي،،،،كانت والله بلسماً شافياً أفرزت في جسمي مادة "الأدريانيل" التي تولد للإنسان الشعور بالمتعة والثقة وتزيل الشعور بكل الآلام، فلم أعد أحس بأية آلام بعدها بالمرة. فقلت لها" بأن لك يا شفاء والله من اسمك نصيب،،،فما بقي بي من آلام قد تلاشت تماماً عندما سمعت صوتك"،،،،ردت بسعادة،،، إذن انتظر المفاجأة،،، فأنا قادمة إلى لندن بعد يومين،، وستراني صوتاً وصورة ،،، وليس صوتاً فقط ،،،فأنا قادمة في رحلتي الصيفية لمدة شهرين،،،،لنرى ماذا سيحل بك يا نديم"،،،،،،،،،رددت سوف يغمى علي بلا شك مرة أخرى،،،وضربتة في الرأس وأخرى في القلب توجع يا شفاء،،،،،،،،،،،،،لكني على كل حال في انتظارك على أحر من الجمر مهما يكن الأمر،،، وذلك في مطار هيثرو بعد يومين،،،،،،،إلى اللقاء،،
ذهبت من فوري لوكالة عربية في لندن اسمها نفرتيتي تنظم رحلات في ادجوررود وحجزت رحلة لثلاثة أيام من موعد وصول شفاء لمدينة بلاك بول الترفيهية وحجز غرفتين منفصلتين في فندق إمبريال هوتيل IMPERIAL HOTEL BLACKPOOL. استقبلتها في المطار في الصباح الباكر،،، وقدمت لها باقة ورود بيضاء ،،،واستقلينا التاكسي حتى ادجوررود ووضعنا الحقائب في شقتها ،،،لكن للأسف فالحافلة المتجه إلى بلاك بول قد غادرت لندن إلى بلاك بول منذ أن كنت في المطار،،، فاستقلينا القطار من محطة يوستن حتى بلاك بول ووصلنا إلى الفندق قبل أن تصل الحافلة بنحو ساعة ووجدنا أسمائنا ضمن الحجوزات في غرفتين متقابلتين،،،،،،،،،.
كان الجو منعشاَ وصيفياً جميلاً في بلاك بول،،،،المدينة الشاطئية التي تقع في الشمال الغربي مقابلة للبحر الأيرلندي أو بداية المحيط الأطلسي،،،،وتتميز بوجود الملاهي والألعاب على طول الشاطئ الذهبي الجميل،،،،،،،،،،،،،
ذهبنا من فورنا إلى الملاهي الرئيسية في بلاك بول وهي نسخة مصغرة عن والت ديزني،،،ولم أركب الألعاب الخطرة لعدم ثقتي بشفاء إصابتي تماماً بعكس شفاء التي كانت تسرح وتمرح في كل لعبة وهي تضحك علي بأني لا أستطيع أن أجاريها اللعب،،،،والحمد لله أنها لم تستطع أن تستفزني لأنها عندما عادت من لعبة قطار الموت،،،، عادت وهي تبكي من الخوف،،،، وكحلها البدوي يملأ وجنتيها وشعرها منكوش وقد طارت "شيلتها" في السماء،،،،نحو أيرلندا الشمالية،،،خخخ،،، ولو أني طاوعتها وركبت معها لطار الشاش الأبيض الذي يلف رأسي،،،،لكني كنت متأكداً بأن الشاش لو طار فهو لن يطير لوحده،،،بل سيحلق في السماء بحثاً عن شيلتها ليعانقها ويطير بها بعيداً في غياهب بحر الظلمات،،،،،.
أخذنا راحة قصيرة بعد ذلك عندما حل وقت الغداء في مطعم وسط الهواء الطلق وطلبنا فش آند شبس ونحن نراقب أحد المحلات التي تعمل قوارير فيها رمال ملونة وأخرى لعمل ساعات رملية جميلة تنقلب بعد مرور ساعة كاملة،،لتبدأ بالانسكاب لساعة أخرى،،، ومكتوب عليها ساعات "بلاك بول الرملية" عشرة جنيهات للواحدة،،،،،،،،،،،،،،،،انتهينا من الغداء وخرجنا نحو الشاطئ الرملي الجميل وبدأت لي شفاء بروح معنوية عالية فتخلصت من حذائها وجرت حافية كسندريلا على الرمال الذهبية وأنا أنظر بافتتان لقدميها الجميلتين التي تزينها نقوش الحناء الغاية في الروعة والأنوثة،،،،فدنوت منها وأخذت كيساً فارغاً وجمعت فيه الرمل الذي وطئتها بقدميها وهي ترقبني بحيرة،،،،،،،،،وقالت نديم "ما بك" هل تريد أن تسحرني،،،لن تستفيد شيئاً فقد تمكنت من روحي بدون سحر،،،،،،،،،،،رديت عليها ،،لو كان الأمر بيدي لسحرتك سحر تفريق،،،،لأني في هواك أصبحت كالغريق،،،،وأخذت الرمل الذي فيه أثرها وعدت معها إلى صاحب الساعات الرملية وطلبت منه أن يعمل لي ساعة تحمل الرمال الذي وطئتها قدميها،،،،فأبتسم الثعلب الإنجليزي بمكر،،، وقال سوف يكلفك ذلك خمسون جنيهاً يا سيدي،،،،تعال في الغد وستكون الساعة جاهزة بين يديك،،،،،،،،،،قلت له بل اصنعها الآن أمامي كي يطمئن قلبي أنك لن تغير "الرمال التي وطئتها شفاء" وخذ مئة جنيه،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الساعة لا زالت تتقلب في مكان آمن في "مغارات تورا بورا" منذ سنوات عدة عندما ذهبت للجهاد في أفغانستان ولم أتخلى عنها وكنت أتمنى أن تدفن معي،،،،،،،،،،،،،ولم تهتز يوما من قنابل زنتها 20 طناً،،، وعدت من دونها والله وقاني من اسباب المني
فندق بارك لودج
سامح محمد، شاب مصري شبيه بالمخرج الأمريكي وودي آلان (Woody Allen) يعمل في فندق اسمه بارك لودج في شارع 73 Queensborough Terrace‏، خلف شارع الكوينز واي، وبينه وبين الهايدبارك أقل من 50 متراً. تعرفت عليه في أحد الأيام وأنا أسير من أمام الفندق الصغير الذي يعمل فيه وحيداً كعامل استقبال واستدبار وجامع للغلة وسارقها في نفس الوقت. الفندق كان أقرب منه للشقق المفروشة المنتشرة في كل مكان في السعودية، وهو فندق وضيع وقديم ومتهالك لم تطله يد الصيانة من العصر الفيكتوري، والعصر الفيكتوري هو الحقبة التاريخية التي حكمت خلالها الملكة فيكتوريا من العام 1837 وحتى العام 1901، وتعد بالمقارنة مثل فترة هارون الرشيد بالنسبة للخلافة الإسلامية من حيث الازدهار والتقدم والرقي في شتى المجالات. وأكثر مباني لندن التاريخية الحالية يطلق على تصميمها الطراز الفيكتوري نسبة للملكة فيكتوريا. والفندق من أملاك سيدة كبيرة في السن دردبيس مقطوعة من شجرة حنظل تمشى على عكاز، وتحتاج نصف نهار لطلوع أعلى الفندق، وعندما ترغب في النزول يقوم سامح محمد البهلواني بزحلقتها فوق قطعة بلاستيكية شبيه بالطشت من أعلى الدرج لأسفله، وهو اختراع يسجل لعائلة سامح حيث يقول أن جده الأكبر أول من سن الطريقة في عمارة تابعة لهم موجودة في بولاق الدكرور. وهي أشق مهمة بالنسبة له ويتمنى في أعماق قلبه أن يأتي يوم ويطلق العنان للطشت فلا يقف بها إلا عند الحانوتي. وعندما تنتهي مهمته الشاقة اليومية يجلس طوال النهار، وينام طوال الليل في الرسبشن للإشراف على تأجير الفندق واختلاس ما يمكن اختلاسه من الأموال 24 ساعة في اليوم و 7 أيام في الأسبوع. وأكثر ما يختلس الباوندات من الزبائن الذين يطلبون السكن لعدة ساعات فقط ثم يغادرون الفندق، فيساومهم على السعر وفي بعض الأحيان يرضى بسرقة خمسة باوندات فقط، وباوند على باوند يعمل كثير على رأيه.
الفندق يحتوي على 55 غرفة، وبعد أن توطدت صداقتي معه، سألني عما إذا كنت أعرف أحداً من التجار السعوديين ليقنع صاحبة الفندق العجوز المخرفة بأن تبيعه "بتلات اربع مليون قنيه انقليزي" وهي صفقة مربحة جدا فيكفي موقع الفندق بجانب حديقة الهايدبارك بالإضافة لدخلة المربح حتى مع سرقاته المتكررة. أخبرته بأن أبي سوف يأتي عن قريب لزيارتنا وسوف أعرض عليه الموضوع. وعندما حل علينا شهر رمضان المبارك عرجت على سامح محمد بعد الإفطار وطلبت منه أن يرافقني لنتجول في "الليستر سكوير"، فقد افتقدت الأجواء الرمضانية والتسلية في الليل الطويل ولم يكن يوجد في لندن مثل الآن محلات معسل ومقاهي عربية ومن غير المعقول أن أذهب لملهى للسهر في هذا الشهر الفضيل ولم يكن هنالك حل سوى التسكع بالليستر سكوير. لكن سامح محمد رد علي وقال "اللهم إني صائم يا عم أنا مستحيل أروح معاك"، قلت يا عم سامح، حيرتنا معاك، تلطش المعلوم كل يوم من العجوز المسكينة بيدك الخفيفة والحين تقول اللهم إني صائم، على راحتك أنا بروح لوحدي. وفعلا لم يرافقني طوال شهر رمضان، وربنا يزيدك إيمان كمان وكمان يا سامح يا بن محمد ويتوب عليك من المال الحرام. وبعد العيد، زارنا أبي واهتبلت الفرص وعرضت عليه شراء الفندق من المرأة العجوز، وكنت أتحدث معه وأحاول أن أقنعه بأي طريقة، كان يستمع لي ولا يتكلم لمدة نصف ساعة، بالغت في أهمية المكان والسعر "تلات اربع مليون قنيه" على رأي سامح محمد، وفسرتها لأبي بأنها "ثلاثة أو أربعة ملايين جنيه استرليني"، ولا زال سعر الإسترليني 4.3 في تلك الأيام. لم يرد علي أبي وكنت أتوقع أنه لا ينصت إلي، لكنه قال أنا لم أرد عليك لأني عارف من البداية ماذا تريد أن تصل إليه في النهاية، تريد أن تتفاخر غدا عند راشد الماجد ونبيل ومحمد وليد بأنا نملك فندق في لندن، بغض النظر عن صحة الاستثمار، أبديت امتعاضي من استنتاجه، بالرغم من إقراري بصحة ما قال في داخلي، بيد أني طلبت منه مرافقتي ليحكم بعينيه ويتعرف على الرجل الأمين (ادعيت لأبي أنه رجل أمين ومصلي الخمس، ولم أنس أن أذكر له عندما قال لي "اللهم إني صائم" في رمضان خشية رؤية المعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن في منطقة الليستر سكوير. عندما وصلنا للفندق تفحص أبي الفندق جيدا، وتفحص سامح أكثر من الفندق، وعدنا للغداء في مطعم ايطالي في ركن ادجوررود مقابل مطعم رنوش للوجبات السريعة، الآن حل محله مطعم مروش اللبناني. في المطعم كنت أنتظر رأي أبي وكنت أتمنى أن يكون من أعماق قلبي أنه وافق على شراء الفندق، لكن أبي أصيب بنوبة ضحك لا تنقطع، كل دقيقتين ودون سبب وجيه لي، كلما سألته "ها بشر وش رأيك نقول مبروك؟ بتشتري الفندق، عجبك السعر والموقع؟"، وكلما حاول أن يبدي رأيه ينفجر من الضحك مجددا، أسأله فيستجمع قواه ويحاول أن يرد علي، ثم يعود للضحك مرة أخرى، تضايقت من تهكمه علي وعدم إعطاء أي اعتبار أو إشراكي في الرأي على الأقل في استثماراته، فأنا ابنه ومن حقي عليه أن أشاركه في إدارة ثروته، وهذه فرصة استثمارية أتيت بها له على طبق من ذهب له وهي فرصة استثمار في بريطانيا كي نتوسع عالميا
. بعد أن قلت "نتوسع عالميا"، لم يعد أبي يطيق أكثر من ذلك، وذهبت عنه نوبة الضحك خاصة أن الكلمة وسيعة شوي وما قدري يصرفها، قال يا ولدي يا نديم يا مفتح اسمعني جيدا ولا تنصدم، أولا صاحبك هذا إلي تقول إنه مسلم ورجل أمين ومصلي الخمس "واللهم إني صائم" هو إنسان مسيحي الديانة، مع احترامي لكل الأديان،،،،، قلت نعم شلون مسيحي هذا صاحبي وأنا أعرفه من مده وكيف مسيحي واسمه سامح محمد!!!!، المسيحيين يسمون محمد ،،؟؟ من متى،،،، رد وهو ينظر إلي بشفقة، يا ولدي اسمه "سامح حنا"،، وليس محمد، وهو ما كذب عليك بس أنت طاير بالعجة، بعدين "تلات اربع مليون قنيه" إلي قالها لك بأنها سعر الفندق ما كان يقصد ثلاثة أو أربعة ملايين جنيه، يقصد ثلاثة أرباع المليون، يعني يا فهلوي يعني 750 ألف جنيه إسترليني فقط
أم الحالة،،، أم الحالة،،، كم فولت من الكهرباء أحتاج يا عالم الآن بعد هذه الصدمة لأسترجع توازني وثقتي بنفسي، يا دي الفضيحة يا أولاد، كيف بس أتخلص من المأزق الذي وضعت نفسي فيه أمام والدي، والله صارت رقبتي أد السمسمة وانصدمت من سذاجتي وإني مسوي روحي" بزبز مان"،،، وتوسع عالمي، يا حلاوة حلي. تفشلت والله فشيلة صرت بعدها ما أقدر أناقشه بأي موضوع تجاري لمدة سنوات بعد هذي الحادثة والتي كان يحلو له عندما يريد أن يمازحني بكلمة "توسع دولي"ههههه. لم أستطيع تناول شي من الطعام وكان المطعم الايطالي مطعم راقي ويتجول بين الزبائن موسيقي ايطالي يعزف على آلة الأكورديون(accordion) للزبائن، وهي الآلة التي تحمل فوق الصدر ويسحبها العازف للخارج بكلتا يديه ثم يعيد يديه للداخل بتماوج فتصدر ألحانا جميلة، لكني لم أكن رائق له وعندما اقترب مني وأخذ يدق فوق رأسي زجرته وقلت إذا لم تبتعد عني سوف أحشرك داخل آلاتك المزعجة، فهرب لأبعد منضدة مني وجلا من هذا الإعرابي الجلف الذي لا يقدر قيمة الموسيقى. ذهبت من فوري دون أن آكل شيء لسامح حنا، وحييته بتحية ما قبل الإسلام، تحية الجاهلية الأولى، وقلت له "عمت مساء يا هازا،،، أأنت رجل مسلم أم نصراني والعياذ بالله،،،، أجبني في الحال أيها النكبة"، قال مسيحي يا عم فيها حاقة، قلت لا على عيني وراسي، بس كيف تقول إن اسمك سامح محمد،،،، رد قال،، ما عمريش قلت لك اسمي سامح محمد، أنا بأقولك سامح حنا وأنت تسمعها محمد، يبقى المشكلة في وذنيك. طيب، كيف تقول "اللهم إني صائم" في رمضان؟؟؟؟ قال لا،،، ذي الجملة بالذات بقى،، متعلمها منكم يا مسلمين،،، وهي حلوة ومعبرة،، وإلا إيه رأيك يا هندسة. عدك العيب والله يا واد يا سامح يا بن حنا المعمداني، يا بتاع التلات ورقات أنا الغلطان، والله ،،زين ما عرفتك على أخوي السلفي وقدمتك له على أنك مشروع مجاهد محتمل الذين "نحسبهم كذلك والله حسيبهم". لكن صداقتي مع سامح الطيب استمرت وكأن شيء لم يكن بالرغم من أنه نصاب فقد أحسست أنه لما يتعرف على سعودي أو خليجي جديد يلحن في القول عندما يعرف بنفسه فيجعل اسم سامح حنا أقرب لمحمد، فهو يلحس بعض الحروف كما يلحس الفلوس التي يسرقها...خخخخخخخخ
الفندق اشتراه شخص لبناني ب 750 ألف وباعة بعد عام 1998 ب 12 مليون جنيه ولا أعلم سعره الآن، ولكن قد يصل 18 مليون جنيه، وهذا عنوانه لمن يريد أن يقوقله، أي يبحث عنه في قوقل park-lodge-london.eurobookings.com‏
تأبط نقداً
اسمه "تأبط نقداً"،،،،استقبلته في مطار هيثرو بتوصية من أخي الكبير في السعودية، وكان يبدو عليه الذكاء الشديد والفهلوة، وبالرغم من أنه لا يحمل الجنسية السعودية في تلك الأيام ، كان معه كما أخبرني بطاقة هوية الخطوط السعودية استخدمها للحصول على خصم في فندق انتركونتننتال في البارك لين. فكنا لاحقاً ولمدة أسبوعين نجلس في بهو الفندق فترة الظهيرة مع بعض الأصدقاء من المغرب وتعزف لنا امرأة انجليزية على البيانو أغنية "أهواك وأتمنى لو أنساك"، ونحن نتاول المرطبات والمكسرات التي تغير كل خمس دقائق. وجلسات جميلة نتجاذب بها أطراف الحديث ونحدق في المارة في الهايدبارك أو في شارع الباركلين، وكان رجلاً كريماً كما أذكر، وبالرغم من طريقة الخصم التي استخدمها في الفندق إلا أنه كان ينفق بكرم حاتمي، لكن في بعض الأحيان عندما أقول له هيا نتمشى في البارك لين، يخرج معي وبعد مدة بسيطة يقول لي يجب أن لا نمش كثيرا فأنا أخاف على حذائي تراه غالي، أخاف عليه من كثرة المشي،،،!! كان حذائه مصنوع من جلد النعام. تعجبت من بعض تصرفاته المتناقضة، ولكن لتتعجبون أكثر مني أتعلمون ماذا أصبح هذا الشخص بعد حوالي عشرة سنوات من تلك المقابلة، لقد حصل على الجنسية السعودية، بمساعدة منا، وهو يعلم ذلك لو قرأ هذه المذكرات، وأصبح من أغنياء العرب بسرعة صاروخية تدور حولها علامات استفهام كبيرة جدا. وتطورت العلاقة معه مع الأيام والسنون وأصبحنا بعد ذلك مثل الأخوان أو أكثر. لكن للأسف كانت له عادة غريبة وبشعة،، فقد كان يضحي كل سنة بأحد من أعز أصدقائه المقربين. بل أنه عندما يبطش يبطش جبارا ويلاحق الناس حتى في لقمة عيشهم ليتأكد من انتقامه منهم وأنهم لن تقوم لهم قائمة. يعز أصدقائه في البداية كثيرا، وبعضهم كما رأيت وعاشرت لاحقاً اغتنى من وراءه وكان يلبس الساعات الألماس ويركب سيارات الفيراري والبنتلي في شوارع لندن ومقاهي نايتسبردج. لكنه حين غضب عليهم، هوى بهم إلى قاع الأرض،،،أحدهم فلسطيني كان من أقرب الناس له يركب الطائرات الخاصة، ويعيش عيشة الملوك، لما غضب عليه أتى يوما يبحث عن سلفه ليشتري دفاتر وشنط المدرسة لأبنائه.
من حبه لنا أنا وأخي الكبير، أنه في أحد الأيام كنا قادمين إلى لندن واستقبلتنا مندوبة عن أحد شركاته داخل الصالة الخاصة، وفي الخارج مرسيدس ليموزين سترتش، وسكنا في عمارته الوثيرة في 74 بارك لين، وسعر الشقة في اليوم الواحد 4 آلاف جنيه. وفر لنا بطاقات ائتمان لم نكن بحاجة لها، ولكن أتت لنا كهدية مقابل خدمات تعد بالملايين له، صرفنا منها حتى وصلت مئات الألوف، قد يسأل أحد وهل يعقل بطاقة تصل مئات الألوف، نعم لأنه هو من يأمر بفتح السقف الائتماني لها. وعندما حانت ساعة الصفر وبدأت الحالة السادية تتوجه نحونا قام بشكوانا للحقوق المدنية للدفع أو السجن. تفاجأت لما رأيت الاستدعاء من الشرطة وذهبت إليهم لعله خطأ من أحد الموظفين وأن "تأبط نقداً"، لا يمكنه عمل ذلك، لكن تأكدت أنه الشكوى منه شخصيا ورأيت تعنت الضابط في شرطة الظهران، وكأنه يريد أن يدخلني السجن، وقال بالحرف الواحد تدفع الآن أو السجن، قلت له هل هذا حكم نهائي منك من أول لقاء،، الدفع أو السجن؟؟؟، قال نعم، رديت،،، هل تعتقد أني قادم ومعي مبلغ بمئات الألوف رد هذي مشكلتك يا عمي. عندها أيقنت أن أنفلونزا "تأبط نقداً" قد ألمت بنا، وعرفت أنه بدأ بشراء الذمم كما رأيت من قبل ليتمتع بمنظرنا خلف الأسوار أو ليذلنا، فانتفضت أمام الضابط وقلت بأعلى صوتي له إذا كان "تأبط نقداً" اشتراك بأمواله، ،،فهو لن يشتري نايف بن عبد العزيز، والله لأخرج من هنا وأتجه للرياض مباشرة لنايف بن عبد العزيز ،،،وأقول له ما سمعت منك وأنا أتهمك الآن لحماسك ومحاولتك إدخالي السجن دون وجه حق، وأتحداك واتحدي من خلفك أن تدخلني السجن الآن. تفاجأ الضابط من ردة فعلي الصاخبة خاصة أنني انفجرت غضبا أمام المراجعين الذين غصت حلوقهم من طريقتي في تأديب ذلك المتخاذل، فخرجت لمدير شرطة الظهران ولم يقل لي الضابط شيئا، وكان مدير الشرطة الذي اتجهت إليه على ما أعتقد المقدم الزهراني، وكنت في بادئ الأمر أعتقد أنه سيكون شريك له، لأني أعرف "تأبط نقداً" وألاعيبه، فأحببت أن أتأكد بنفسي. لكني عندما تناقشت معه لم يكن يعلم المسكين شيئا وهدأ من روعي وقال أنت عليك قضية مالية اعتيادية ولك الحق في التعامل كما يفرضه القانون، واذهب واحضر المبلغ براحتك. خرجت من شرطة الظهران وكانت تلك الأيام لا توجد جوالات بل بياجر، ومن عنده بيجر فقد كان يعد من علية القوم الذين يشار لهم بذي بيجر، أو أبا بيجر، ويقال تبيجر الرجل،، أي أنه حصل أخيرا على بيجر. المهم مالكم بالطويلة أصبحت تأتيني عشرات المكالمات على البيجر كالسيل لا يتوقف، أرقام تبدأ من الدمام والظهران والخبر، وعند اتصالي بها عرفت أنهم من أذناب "تأبط نقداً" (عليه من الله ما يستحق، قصدي الله يسامحه) فهو لم يتوقع ردة فعلي العنيفة، ويطلبون مني حل الموضوع بشكل ودي الآن. أحيه،،،، أحيه ياودي،،،، خفت من نايف يا بابا، غصب عنك تخاف من عمك، تحسبني مثل ربعك إلي خسفت فيهم، أنا أخو نورة يا حبيب ماما وبابا. بعد كذا رحت لقصره عشان أقابله، وأقوله إنه مهو معاي الغبي يتصرف كذا، قبل ما أعرف أسرارك،،،، أو فضايحك، ماني ضعيف تخوفني بالشرطة، لأن الحرامي إلي يخاف مهو الشريف. عند باب قصره ،، أتى رجال الأمن وقاموا بمحاولة تفتيشي، يحسبوني أحمل سلاحاً. قلت لهم أنا ما عندي سلاح أنا مان مجنون أنا بدخل له بثوبي وهو يعرفني أنا بقابله إذا فيه ذرة رجولة. والحقيقة أنه لم يقابلني إلى الآن منذ العام 1996. بل أنه لوضاعته وكل مدعي ضدي شخص من قبيلتي في الشرطة لتشويه سمعتي عند قبيلتي، ولكن ابن قبيلتي ماذا تحسبونه قد فعل، عمل معي اتفاق بصفته الوكيل عن "تأبط نقداً"، على أن أدفع سبعمائة ريال حتى ينقضي المبلغ يعني انتظر يا حبيبي حوالي 25 سنة،.
والمحظوظ من أتعظ بغيره، فلو تعلمون أن "تأبط نقداً" يعيش في أسوأ لحظات عمره ولم تنفعه أمواله شيئاً. لكن لكي أكون منصفا، فالرجل له تبرعات كثيرة في المجالات الخيرية والعلاج ومساعدة المحتاجين وبناء المساجد، لكنه مبتلى بمرض متأصل به وهو الساديه وقد وقع في شر أعماله. مرة أخرى وللعيش الذي بيننا ولأني بطبعي متسامح أتمنى من الله أن يفك كربتك ويعيد لك راحة البال، وأعلم بأن الحياة حق للجميع ولا يجب أن تصادر حرية أحد لأن عندك الأموال. تذكر عندما كنا نسير سويا في لندن في البارك لين وفي ريجنت ستريت. تتذكر عندما كنا نريد أن نشترتي سرج للخيل التي لديك، وعندما قال لك البائع جرب السرج وركبت بالمقلوب، فخرجنا نضحك مثل المساطيل على غبائنا، وكلماتك التي لن أنساها، "مسوين روحنا عيال نعمة وحنا عيال فقر"، آلا تذكر رحلتنا إلى ألتون تاورز مع شركة نيفرتيتي وصاحبها المصري العجوز الطيب، لما دعوتك لتلك الرحلة الجميلة وكنت تقول طوال الوقت،،،(الله، الله، على الطبيعة، هذي الينة الينة "تقصد أن تقول الجنة") مانت مصدق روحك من جمال الريف الانجليزي حولنا . تذكر الأوقات الجميلة لما كنا نروح نسهر في stringfellow لما شفت joan collins الممثلة المشهورة في مسلسل Dynasty وبغيت تجيب مصيبة لنا لو ما فكيناك من البدي قارد. ليتك ترجع ذيك لأيام مع بساطتها ونرجع نسافر ونجلس في بهو فندق انتركونتنتال نشرب الشاي الإنجليزي بعد الظهر مع البسكويت الحلو والمالح ونسمع أغنية أهواك وأتمنى لو أنساك.
عمر الشقي بقي
في أحد الليالي الجميلة، كنت عائداً من زيارة أخي سيراً على الأقدام من شارع هارلي ستريت متجهاً إلى شقتنا في شارع الكوينز واي، حيث يبعد المستشفى عن السكن نحو ستة كيلومترات وكنت أقطع المسافة في أقل من 35 من السير الحثيث، وفي أحيان كثيرة كنت أستقل الباص اللندني الأحمر العتيق رقم 23 أو رقم 7 أو رقم 23، المتجه نحو الغرب باتجاه السكن، وإن كنت مستعجلاً فأركب الأندرقراوند من أكسفورد سيركس واستخدام السنترال لاين ذي اللون الأحمر نحو محطة ماربل آرش ومن ثم محطة لانكستر قيت وأتوقف عند غايتي في محطة الكوينزواي. وشبكة قطارات الأندرقراوند (قطارات تسير تحت الأرض) هي اﻷقدم على مستوى العالم، إذا استثنينا نفق الدمام بالطبع والذي يقال أنه دخل موسوعة جنيس للأرقام القياسية في مدة بنائه والله المستعان. ويعود تاريخ إنشاء الأندرقراوند إلى عام 1863م، ومجموع طول الشبكة يصل 415 كم. وأهم المحطات الرئيسية هي محطة تشارينغ كروس (Charing Cross)، ومحطة أوستون (Euston)ومحطة كنغس كروس (King's Cross) ومحطة ليفربول ستريت (Liverpool Street) ، ومحطة بادينغتون (Paddington)، ومحطة سانت بانكراس (St Pancras)، ومحطة فيكتوريا (Victoria) ومحطة واترلو (Waterloo) ومحطة لندن بريدج (LondonBridge)..
في تلك الليلة كنت قد عزمت الأمر على ركوب الأندرقراوند نظراً لبرودة الجو وكانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف مساءً، سرت حتى وصلت بوابة محطة أكسفورد سيركس، ولكن قبل أن أدخل إلى المحطة غيرت رأيي في آخر لحظة عند العتبة بالضبط، وقلت لنفسي سأسير على قدماي ما دمت ألبس ملابس شتوية مناسبة كي أعرج بطريقي إلى ادجور رود ومن ثم أقرر هل أركب الباص أم أكمل السير على قدماي من هناك. كنت رغم صغر سني أسير لوحدي في الليل وأحب أن أسلك الشوارع الجانبية المعتمة في طريق الذهاب أو العودة للمستشفى وأمر بجوار البارات والنوادي الليلية الخلفية والمواخير الخطرة ولم أفكر يوماً بأن ذلك ليس من الحكمة بشيء من ناحية الأمان، لم أشعر ولو مرة واحدة بالخوف من المكان الذي أنا فيه إلا عندما تواجدت في نوتنقهيل قيت، المنطقة التي يوجد بها منزل بوب مارلي، فتلك المنطقة موحشة بالفعل، وأجسام الزنوج لا يمكن التعامل معها عندما يحمى الوطيس، ولا يمكن كذلك الفرار منهم إذا لزمت الحاجة فهم مشهورين بالسرعة في العدو، فأين المفر؟؟. والشجاعة هذه أو الجرأة لم أكسبها من مدينة الدمام الوادعة، بل اكتسبتها من نشأتي المبكرة في مدينة الطائف، فقد كنا نسكن في حارة اسمها الريان وكان منزلنا مقابل المقبرة تماماً والتي كنا نلهو حولها في الليل ونتحدى بعضنا في الطرق على جدارها الطيني والاختفاء بين القبور أثناء اللعب، وأهل الطائف شجعان بطبعهم وإن لم تكن ذئباً بينهم أكلتك الأسود هناك. كنت وكان غيري والذين لم تتجاوز أعمارهم الثالثة عشرة في الطائف نحمل السكاكين في طيات ملابسنا طوال الوقت، وإن غلبت الروم نحمل مفكات البراغي. أذكر مرة من المواقف الطريفة عندما كنا صغار في السن لم تكن البقالات تبيع الخبز كما هو حاصل الآن، بل يوجد "تماس" أي خباز في بعض الحارات يتجه له الناس في الصباح والمساء، أما وقت الظهيرة فالعادة تعمل ربة البيت الخبز الخاص بالمنزل. كان "التماس واسمه العم حاتم اليماني" يوجد في الحارة المقابلة لحارتنا وتسمى حارة الجودة، وهم قبيلة كاملة وكريمة تسكن في حي واحد، وإذا تعاركوا مع أحد يخرج الرجال والنساء والأطفال عن بكرة أبيهم وتشتعل المعركة ويحمى الوطيس فويلاً لمن كان الضحية، قد تحسبوني أبالغ في نقل الصورة، لكن والله هذا ما كان يحدث في تلك الأيام وقد لحقت على الكثير من تلك المضاربات واشتركت في اثنتين منها على ما أذكر. كنا عندما نريد شراء الخبز من حارة الجودة نذهب سوياً مع مجموعة من شباب الريان ومعنا المفكات والسكاكين وجنازير السياكل ونشتري الخبز بكل حذر وعادة يكون وقت شراء الخبز هدنة بين جميع الأطراف وتتوقف أعمال القصف ويقل خرق الهدنة إلا ما ندر ولم يفرض علينا حصار اقتصادي في أية لحظة من قبل قبيلة الجودة لظروف انسانية على ما يبدو. في يوم من الأيام كان معي أخي الذي يصغرني سنا، وهو الآن تاجر كبير جداً في أمريكا يحصد ملايين الدولارات من عمله في مجال الإنشاءات في ولاية كلورادو وتعدت ثروته ثروت أبي في وقت قياسي، كنا عائدين متأخرين بعض الشيء صباح الجمعة فلاحظ أخي وجود بعض أطفال الجودة مندسين خلف أحد السيارات فصاح بأعلى صوته "كمممممممممممين" فعدونا للمنطقة الخضراء لننفذ بجلودنا حتى أنا سبقنا ظلنا من سرعة العدو، وأنا أرفع سروالي من الخلف لأني ضعيف جداً وأخي يرفع سرواله من الأمام لأنه بدين بعض الشيء، وعندما وصلنا لحدود المنطقة الآمنة شاهدنا المرحوم "غازي العشي" فسقط على ظهره من الضحك علينا وفضحنا في الحارة أمام أصدقائنا وقال "كان واحد يرفع سرواله من قدام والثاني من من ورا ومرعوبين وهم يجرون"، "غازي العشي" توفي لاحقاً في حادثة قصر أفراح الطائف الشهير الذي سقط على النساء عندما دخل لإنقاذ الأطفال والنساء وبعد أن أنقذ أكثر من عشرين نفس سقط عليه الجدار وتوفي رحمه الله . كذلك أذكر مرة تعاركت مع واحد اسمه "القرص" مشهور بالقوة والشجاعة والغباء بنفس الوقت، وهو من عائلة الحربي في حارة الريان، وهنالك أكثر من عائلة نسبها الحربي في حارتنا ، جميعهم يتحدثون اللهجة المصرية ، أزيك، أخبار الحقة ايه، يا راقل وإذا قعدت عندهم ساعة أو ساعتين وجيت ماشي يقولن لك "ما تشرب الشاي، الشاي ع النار (والنبي) ع النار" ، يعني كلام مصري مية في المية، بس أصلهم سعوديين عاشوا في مصر أيام العدم وعادوا للسعودية أيام الملك سعود. القرص هذا لم جيت أتخانق معاه طلعت المفك من جيبي و يازعط كنت ناوي أضربه على كتفه، قسم بالله يا جماعة الخير مسك المفك وبيد واحدة من غير ما يستخدم اليد الثانية كسر المفك بين أصابعه وقالي وش رأيك الحين يا أبو ندم؟؟؟!!!، والحمد لله قبل ما يهبدني بيديه الأخرى إلي مثل الصبة طلع أبوه من بيتهم وقال "تعال يا حمار يابن الحمار عامل راقل على عيل صغير ادخل قوى البيت يا ابن الك،،،،،،خخخ". القرص هذا لم يهجده أحد ويكسر عينه سوى ابن عمه عبد المنعم، إلي كان عنده سيارة كورلا غريبة صفراء تفحط من الكفرات الأمامية عكس جميع السيارات وفي البيبان الداخلية يعلق صور جميع الممثلات من فاتن حمامة وسميرة توفيق والهام يونس وشريفة فاضل.
وفي لندن لم أتعرض لمحاولة سرقة أو اعتداء رغم طيشي في السير في الأماكن الخلفية من الشوارع طوال السنة والنصف سوى مرة واحدة، فقد كنت قادماً من عند صديق في شارع اسمه موسكوس رود، يتفرع من عند محل البيتزا إلي في الكوينز واي، مقابل ماكدونالدز الآن (كان برقر كينق في السابق). كنت أسير من الاتجاه المعاكس لماكدونالد، وخارج البار كان يقف شاب انجليزي أصلع الرأس وأبهص الوجه وأطول مني بقليل وعليه صحة ماشاء الله تبارك الله، سلم علي بلقافة وقال وين رايح، رديت عليه السلام وقلت مهو شغلك وين رايح، وعلى طول تحولت نظرته نحو جيب بنطلوني إلي فيه المحفظة، وقال تعطيني فلوس وإلا ما خليك تمشي من هنا، فلوسك أو حياتك!!!!، وبدون مقدمات أعطيته لكمة في وجهه بدل المحفظة وجيت بعطيه لكمة أخرى قبل أن أهرب من المكان أو يأتيه المدد من داخل البار، لكنه ترنح بسبب الضربة وبسبب إنه سكران طينة، وحطيت رجلي وما وقفت إلا لما وصلت عند أنوار المطاعم في الكوينز واي.
أعود لكم لحكاية الأندرقراوند في تلك الليلة، فلله الحمد لم أركبه وأكملت طريقي سيراً وأخذت عشاء من مطعم يوناني وأتذكر وجبة العشاء إلى الآن واسمها "كلفتكو". في اليوم التالي قرأت صحيفة الاستندارد، ويا للمفاجئة، فقد اشتعل حريق كبير ليلة البارحة في محطة الأندرقراوند في أكسفورد ستريت في الساعة التاسعة والنصف، وهو نفس الوقت الذي كنت أنوي ركوب الأندرقراوند فيه ومات في تلك الحادثة المأساوية عشرة أشخاص، وكان سبب الحريق هو عقب سجارة أحد الركاب كما بينت التحقيقات اللاحقة، لذلك منع في تلك السنة التدخين في القطارات الأرضية بسبب تلك الحادثة. حمدت الله أن نجاني من ركوب القطار في تلك الليلة المشئومة وأطلعت أخي على الخبر في الصحيفة وأخبرته كيف أني غيرت رأيي في آخر لحظة وكيف نجاني الله بأن لا أكون كباب نديم.
فتى النسيم يتسول في لندن
من كثرة جلساتي مع سامح حنا في فندق بارك لودج هوتيل تعرفت على شاب سعودي يدرس في برايتون وكان قادما ليقضي إجازة أسبوعين في لندن وسكن أول يوم في الفندق، وبعد أن توطدت معرفتي به انتقل للسكن معي في الشقة توفيرا للمال وكسبته كصديق جديد فال الدنيا ويحب أن يتمتع بمباهج الحياة، كان أخي المريض قد ادخل المستشفى للتنويم في تلك الفترة. اسم الشخص هذا هو فتى النسيم، تجتمع في الكثير من المفارقات، فهو مرة إعرابي أحمق في تصرفاته، وفي بعض الأحيان إنسان سريع البديهة ويعرف من أين تؤكل الكتف والرقبة، وهو بالرغم من بداوته الداخلية المتأصلة فهو حليق الذقن والشنب وايطالي الملبس والمظهر إذا حافظ على فمه مغلق، لا يستقر في مكانه كأنه بندول ساعة يتحرك ذات اليمين وذات الشمال ولديه سيارة انجليزية Classic Austin Maxiعتيقة يوجد في جانبها الأيسر الخلفي فتحة صدئة، أكد لي بجدية أنه يسكن داخلها فأر وحرمه المصون، وليس لديهم أطفال، فهم مصابين بداء العقم على حسب كلامه، وموديل السيارة يعود للستينات الميلادية، وهي مليئة بالمخالفات المرورية، لن أبالغ إذا قلت أن لديه أكثر من 800 كرت مخالفة مرورية، وكان يحتفظ بالمخالفات في شنطة سيارته الخلفية كذكريات، فهذه المخالفة يتذكرها بحنين وشوق منقطع النظير عندما حصل عليها يوم أوصل صديقه العزيز إلى المطار وأوقف سيارته في المواقف لسيارات الأجرة، والأخرى عندما وقف فوق فتحة المان هول" غطاء البالوعة" بعد أن أزاح من حولها المثلثات التحذيرية، وقف فوقها وكان يشتغل أحد الانجليز تعيسي الحظ داخلها، وسرعان ما حصل على مخالفة ولحق على سيارته قبل أن تأتي (السطحة) لسحب سيارته وإنقاذ الانجليزي تعيس الحظ في الحفرة، عندما رأيت كمية المخالفات في شنطة سيارته هالني كثرتها وكن اعتقدت أنها كوبونات مسابقة شهر رمضان. بعد أن عرفته أكثر أدركت أنه ليس سوى دبوس متنكر بهيئة طالب وهو لا يدرس ولا يعمل ولا يهتم بالقوانين ولا المخالفات، أهم شيء عنده هو السهر والضحك وشرب الذي منه، وفي الليل اضطر للسياقة بدل منه، فهو لا يستطيع القيادة في الليل بالرغم أنه لم يكن لدي في تلك الأيام حتى رخصة قيادة سعودية. ذكر لي في يوم من الأيام أثناء تجاذبنا أطراف الحديث أن لديه محل يسمى تسجيلات النسيم، على ما أعتقد في شارع الأربعين، بحي النسيم. في أحد الأيام وأثناء تجولنا في بالقرب من تريكاديرو وهو محل يوجد في البيكاديلي ويحبه المراهقين من العرب لوجود الألعاب الالكترونية والبلياردو وسيارات التصادم وغيرها ويوجد به مركز غينيس للقياسات العالمية، دخل فتى النسيم على محل شاورما مصري مقابل التريكاديرو وسأل هل يوجد لديك طعام بخمسين بنس فقط، نظر إليه العامل المصري متعجب من هذا العربي المفلس الذي يشحذ الطعام وأعطاه سندوتش شاورما مجاني وفلافل وبيتزا وعلبة بيبسي. استأت من طريقته في الطلب، وقلت له يا أخي ليش تشحذ منه بهذي الطريقة، أنت ما عندك فلوس؟ قلي ولا تفشلنا قدام الرجال يحسبنا ألحين شحاذين، لذلك لما عدنا للمنزل طلب مني سلفه يمشي فيها حالة حتى نهاية الشهر، وكنت ذيك الأيام من كثر الفلوس أخفيها في المخزن تحت بطانية نوم عتيقة غير إلي في البنك والي يجيبه أبوي وأخوي الكبير لما يزورنا كل شهر من السعودية. وعادة إخفاء الفلوس تحت البلاطه وفي الحمام، وتحت السيفون ومثلي في المخزن، عادة سعودية وخليجية قديمة وتعتبر ماركة مسجلة في الأزمان الغابرة أثناء السفر، لعلها فوبيا السرقة التي يحذرون منها بعضهم بعض قبل الشروع بالسفر، فهم يسمعون دوما بأن الأجانب يسرقون الكحل من العين. كان السعوديين وخاصة الحديثي عهد بالسفر عادة يخفون أموالهم المنقولة داخل الشراريب، بل أن بعضهم يتمنى لو أنه كان يمشي على أربع لكي يكون لديه مساحة تخزين أكبر، خخخخخ، وعندما يحاسبون يضطرون للركوع وفتح الشراريب والتي تكون عادة من النوع الرديء والرخيص وإخراج القدر المطلوب من الفلوس. آخر مرة رأيت سعودي يخفي الأموال في حوافره، قصدي في رجليه كان في مصر، وهو شخص من سامطه، حشر عشرة آلاف جنيه مصري دفعة واحدة في شرابيه وكان لون شرابيه لون غريب مثل لون العصفر، لا أعلم هل هو زيادة في التمويه مثل ما يفعل المحاربين في الغابات أو أن هذه هو اللون المتوفر في سامطه وأحد المسارحة. الأخ كان رابط الشراريب بسلك مقوى بالبلاستيك، مثل السلك الذي يلف فيه كيس الخبز اللبناني،خخخخخ، وهو يمشي وعيناه لا تبتعد عن كعبيه، فكثير ما يصدم بالمارة، ويقول للرجل آسف يا مزموزيل، يحسب مزموزيل تستخدم للرجال والنساء. ما أطول عليكم، أخرجت ألف جنيه من تحت البطانية وأعطيته فتى النسيم، ثم صحوت من النوم في اليوم التالي ولم أجد أثر لفتى النسيم، كأنه فص ملح وذاب، بحثت عنه في فندق سامح حنا، ولم أجده وبعد مدة أدركت أنه نصب علي وطار بالألف باوند ومن المستحيل أن أجد له أثر بعد ذلك، فلم أكن أعرف عنوانه ولست متأكد إن كان الاسم الذي عرف به نفسه صحيحا أم لا. بيد أني لم أستسلم وقررت أن أصل إليه مهما طال الزمن، وأصبحت أتردد على فندق بارك لودج أكثر من العادة، لأني قرأت مرة في أحد قصص شرلوك هولمز واسمها (مغامرة المشكلة الأخيرة (أنه لا بد للمجرم ومهما كانت ظروف الجريمة أن يعود لسبب أو لآخر لمكان الجريمة. وشرلوك هولمز يا أخوة يا كرام يعد من أعرق وأشهر محققي البوليس والتحري في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ولديه أسلوب رائع في فك الأحجيات البوليسية أذهلت القراء عندما قدم أول رواية له في العام 1878، واشتهر بمهارته الشديدة في استخدام المنطق والمراقبة لحل القضايا. وقد ألف أربع روايات، وستاً وخمسين قصة قصيرة، ولمن أراد أن يزور بيته الذي انطلقت منه جميع الروايات والقصص المشوقة، فهو على بعد عشر دقائق من ادجوررود إن كنتم فاعلين، والعنوان هو المنزل رقم 221 ب، بيكر ستريت بالقرب من المركز الإسلامي.
ولكن للأسف لم تفلح كل خطط شرلوك هولمز في القبض على فتى النسيم، وكيف تفلح الخطط ولم يفلح بوليس لندن ولا الاسكتولانديارد أن يلقي القبض عليه وفي رقبته أكثر من 800 مخالفة مرورية. لكن لأن فكرة القبض عليه واسترجاع أموالي كانت بالنسبة لي مسألة مبدأ، استطعت أن أتغلب حتى على شرلوك هولمز في الكشف عن موقع المجرم وتتبعه بطريقتي الأكثر تعقيدا وحبكة، فقد اقتفيت أثر فتى النسيم ولاحقته خلف البحار والبراري والقفار وقطعت قارة أوربا وأفريقيا وأسيا حتى أصل إليه في حي النسيم في الرياض. وقصة المطاردة المعقدة بدأت عندما عدنا للسعودية لانقضاء فترة العلاج، وبعد سنتين تقريبا من وقوع حادثة النصب، حيث كنت في زيارة خاصة لمدينة الرياض بسيارتي السيلكا موديل 86، فتذكرت خيطا موسيقيا، اقصد خيطا رفيعا سيدلني حتما علي المطلوب فتى النسيم، ألا وهو تسجيلات النسيم، نعم تسجيلات النسيم التي أخبرني بها سابقا وقال أنها تخصه، قد تكون زلة لسان منه أوصلتني له بعد سنتين. اعتصرت ذاكرتي الضعيفة لأقصى حد وتذكرت أن المحل يقع في شارع الأربعين في حي النسيم. وصلت للموقع بعد أن سألت كما هائلا من الملاقيف، كل ماسألت شخص معين أجابني بنفس الوقت سبعة أشخاص فلا أدري لمن أستمع، المهم وصلت الوكر، اقصد التسجيلات ووجدت بائع يمني الجنسية سألته عن فتى النسيم، وأشار بسبابته نحو رجل يختلف تماما عن فتى النسيم يضع شماغ برتقالي اللون على كتفه الأيسر وطاقية زري عتيقة بالية الخيوط ومنتفة وله شنب يقف عليه القنفذ ويعتمر ثوبا كويتينا أصفر مغبر. اقتربت منه وعرفني بسرعة عكسي أنا، وفغر فمه بابتسامة بلهاء، والله لم أعرفه إلا من أسنانه البنية اللون بسبب أنه بطنه قد انتفخ منذ صغره بشرب مياه الآبار الصحراوية المليئة بكمية عالية من الفلور ولم تنفع بعدها مياه ايفيان أو تلميع الأسنان في عيادات لندن لجعلها بيضاء كأسنان خلق الله. رحب بي فتى الوادي أيما ترحيب وأوجب لي ، يعني ذبح لي خروف للي لغته تمشي الحال، حتى أني خجلت أن أفتح معاه موضوع الفلوس، لكني استجمعت قوتي، وكلمة تستحي منها بدها على قولتهم، وسألته وين الفلوس يا فتى النسيم يا نصاب ليه هربت ثاني يوم من غير توديع ولا أحم ولا دستور، والله لو قلت لي ما أقدر أردهم كان سامحتك وأعطيتك زود بعد، قال نعم الفلوس في ذمتي والحمد لله إنك وصلت لي عشان تحللني، بس لازم قبل ما أردهم لك نسأل كم وصل سعر صرف الجنيه الإسترليني عشان تأخذ حقك كامل، يمكن نزل سعر الصرف، قلت يا عمي كان سعر الصرف 4.3 ضرب ألف يعني أبي منك الله لا يهينك الحين 4300 ريال، قال لا، لازم نسال البنك أول شيء. رحنا بنك الراجحي القريب من محل التسجيلات، وسألنا عن سعر الصرف وطلع السعر 6.2 يعني 6200، وبكذا ربحت منه الفين ريال دفعها عن يد وهو صاغر بعد أن حاول العودة للسعر الأصلي، ولكن أخذت من المبلغ وقلت له يا حبيي هذي أتعاب إدارية.
ساعة سميرة توفيق
أتيت مبكراً في أحد الأيام لزيارة أخي، وعندما دخلت في بهو الدور الأرضي لمحت الفنانة سميرة توفيق جالسة وحيده في البهو، فغيرت من اتجاهي وتقدمت نحوها مباشرة وبدت لي جميلة وجذابة كما عهدتها منذ صغري، كانت ريانة العود بشكل يضفي عليها نوعا من الفخامة والوجاهة الملوكية، وترتدي فستانا خلابا زادها أنوثة وروعة أساسه أبيض ومحلى بصور لأوراق شجر برتقالية وصفراء اللون وأخرى وردية جذابة وحذاء بكعب متوسط كأنه مفصل على نفس لون الفستان، لن أتحدث عن نحرها ولا رقبتها لكي لا أقع في المحظور، بل أكتفي بوجهها الوضاح وحبة الخال الشهيرة وشعرها الأسود كسواد الليل المنسدل على عاتقها العريض وكحلها البدوي الذي أجزم أن ألف انجليزي قد بصق على زوجته عندما رآها في ذلك اليوم. أكمام فستانها كانت قصيرة فبدت يداها المكتنزتان جميلتان تأسر الألباب خاصة عند النظر لمعصمها الذي يزينه ساعة براقة ماركة BOUCHERON. حييتها وقلت لها سلامات يا ست الكل أنت تزورين أحد هنا أم تراجعين المستشفى، ردت بابتسامة مفعمة بالأنوثة وممزوجة بعطف الأمومة، الله يسلمك، بعيد عنك معدتي تعبانة بعض الشيء، صار لي شي شهر ما بوكل إلا طعام مهروس، وبعمل فحوصات هون والشفا من عند ربنا. قلت سلامات والله، بس بصراحة إلي يشوفك يقول الناس كلهم عليلين وأنت الوحيدة الصحيحة، قالت شايف كيف، أنا بخبي آلامي داخلي، ضحكنا سويا ولم أتمالك نفسي وسألتها لما رأيت بساطتها وانفتاحها في الحديث، أش الذوق الراقي يا ست سميرة!! ساعتك جميلة كثير، قالت مقدمة والله، "بلهجتنا يعني تأمر عليها، أو تفداك"، هي الساعة أخذتها من هارودز أمس، أنت أول واحد تعجبه، قلت أكيد عليك بتطلع حلوة "القالب غالب يا ست الكل"، كانت الساعة مرصعة بالألماس واسمها BOUCHERON. لم ألبث أن ودعتها بعد أن تمنيت لها الشفاء وصعدت نحو غرفة أخي وبعد ما سلمت عليه وجلست معه بعض الوقت رجعت للصالة الخارجية وانتظرت الضيف العزيز إلي بيكون جارنا في المستشفى لمدة أسبوعين قادمين، بعد لحظات سمعت واحد يقول WHATS UP ... WHATS UP...... WHATS UP، نظرت لمصدر الصوت وإذا بي أرى رجل صعلوك رأسه ممغوط للأعلى ودقيق من الأسفل ويتشكل مثل حبة الفول من الأعلى، لكن عندما ركزت على ما يقول، أدركت أنه لم يكن يقول تلك الكلمة الانجليزية بل كان يقول، "وسع، وسع" يعني "درب، درب"، أي أفسحوا الطريق، ويا للجهالة، كان يوجه كلامه للممرضات الانجليزيات إلي في الطريق لكي يفسحوا الطريق لسمو الأمير الذي كان يمشي الهوينى خلفه وبدا لي أنه طويل القامة وفي نهاية الأربعينات من عمره وسيم ومصفف شعره بعناية ويرتدي بدلة أنيقة بنية اللون وكرفته من نوع البوبيون التي تربط كورده في أعلى القميص ويرافقه نحو ثلاثة أشخاص وسرعان ما دلفوا إلى داخل الغرفة المقابلة لنا. جلست بعد ذلك وأنا أقرأ كتاب لعبد الله القصيمي أضن اسمه "العرب ظاهرة صوتية" واضعا قدمي اليمنى على اليسرى
حدثت جاكو عن سميرة توفيق وعن ساعتها الجميلة في نفس الليلة، فتحمست جاكو للذهاب إلى هارودز والسؤال عن الساعة BOUCHERON، وفعلا ركبنا اليوم التالي الأندرقراوند من محطة البيزووتر وتوقفنا عند محطة هاي ستريت كنجنستون التي تبعد نحو 500 متر عن هارودز، وبحثنا عن الساعة حتى وجدناها في شباك أحد البوتيكات داخل المتجر العريق. دلفنا للمحل ورحب بنا البائع الأنيق ترحيبا ملوكيا، يحسبنا المسكين من زبائنه المترفين. سألنا عن الساعة فأجلسنا على مقاعد وثيرة وطلب لنا قهوة وكعكا لذيذا وأحضر مخدة سوداء جميلة مخملية بلون القط الشيرازي ولبس قفازات من حرير"لزوم النصب الراقي" ونحن ننظر لبعضنا البعض بزهو وضابطين دور أولاد الأكابر، ثم أتى بالساعة ووضعها بعناية فوق المخدة التي لو نمت عليها من طراوتها لما استفقت بعد مئة عام. بعد ذلك أضاء أربعة أنوار صغيرة موجهة نحو الساعة، وطفق يشرح لنا نحو ربع ساعة عن عدد الألماسات المطعمة بها الساعة ومن صممها وكم من الوقت استغرقت صناعتها ومن هو أباها وجدها وقبيلتها، ونحن نشرب القهوة بكل ثقة وهدوء ولم يبدو علينا الاستعجال أو أننا تورطنا بالسؤال، ثم أخبرنا بالمفاجأة الكبرى وهو سعر الساعة وكان 77 ألف باوند إسترليني فقط لا غير، يعني أكثر من 330 ألف ريال سعودي بسعر تلك الأيام، الآن بالتأكيد السعر أعلى بكثير. زطينا آخر قطعة من الكعك اللذيذ وأخبرناه بأننا سوف نفكر في الأمر "ونكلم دادي" ثم نعود له قريبا جدا وأعطيناه أرقام هواتف المستشفى خخخخخخ لأنها أول أرقام بدت لي عندما طلب المعلومات الخاصة بنا للاتصال للتأكد مما سنقرره لاحقا عندما نشاور داددددددددددددي، هيهيهيههيهيهيه يا دادي إلي بيدفع 330 ألف في ساعة ونص والحسابة بتحسب. يبقى قابلنا يا حبيبي، أنا لاقي أحلق عشان أشتري ساعة ب 330 ألف ريال، بس والله تستأهلين أكثر يا سميرة توفيق ومثل هالساعة ما صنعت إلا للناس إلي مثلك إلي يستاهلون كل غالي ونفيس.
بريصة الأصفاني والأمير تركي الثاني
كما ذكرت لكم في حلقة سابقة فقد أدخل أخي إلى عيادة هارلي ستريت كلينك لتردي حالته وتم تنويمه في الطابق الثالث في الغرفة رقم 333, وهذا الطابق خاص للمرضى الفي آي بي، واستمر تنويم أخي مدة ستة أشهر متواصلة، وكانت فاتورة المستشفى لوحده 500 ألف جنيه إسترليني دفعها جميعا الأمير سلطان بن عبد العزيز شفاه الله، وجعلها شفيعا له يوم القيامة. وهارلي ستريت عبارة عن شارع يقع في وسط لندن خلف محلات دبنهامز في اكسفورد ستريت ويمتد حتى شارع بيكر ستريت بالقرب متحف الشمع من الجهة المقابلة، وتشير السجلات التاريخية أنه في العام 1860، قبل نحو مئة عام من إنشاء "وزارة الصحة البريطانية إن إتش إس" كان يوجد في الشارع نحو 20 عيادة طبية، والآن وصل عدد الذين يعملون في المجال الطبي في الشارع نحو 3000 شخص. في تلك الأيام كان الشارع مليء بالعرب المحولين للعلاج فترى الكثير من المشاهير العرب وغيرهم من المرضى البسطاء الذين يتلقون العلاج في عيادات الشارع الشهيرة. كان اسم الطبيب الذي يشرف على علاج أخي الدكتور قولد مان، بريطاني الجنسية ويهودي الديانة ويعد أحد أفضل ثلاثة أطباء في العالم في علاج مرض اللوكيميا، أما الممرضات اللاتي يعملن في المستشفى فهن من أطيب وأرق ممرضات عرفتهن في حياتي في طريقة تعاملهن الإنساني مع المرضى، فهن يغدقن الحنان على المريض ويؤدين عملهن باحترافية عالية. أما بالنسبة للميزانية التي كنا نتمتع بها أثناء فترة العلاج في المستشفى فقد كانت مفتوحة على مصرعيها، لدرجة أنا كنا نطلب بجانب العلاج المكلف، ألذ أنواع الطعام من مطاعم لندن الشهيرة الإيطالية واللبنانية والفرنسية والصينية وكله على كله، بس أهم شيء نطلب عن طريق المستشفى، كما لم ننس أن نحلي بعد كل وجبة طعام دسمة بالأيسكريم أو الكيك أو الحلويات اللندنية المترفة وجلها تجلب لنا من سلفردجز لأنها حذفة حصى من المستشفى، وكله من خير الله ثم خير أبو خالد الله يشفيه يا رب. لذا رجعت حليمة إلى عادتها القديمة فازدادت حركة رجل الزوار للمستشفى لزيارة أخي، فلم نفرق بين اللوعى على حالته من الجوعى، فاتفقت مع العاملين في المستشفى على عدم تقديم أكثر من الشاي للزوار حتى لو طلبنا أمامهم غير ذلك.
في المستشفى كانت هنالك ممرضة دبدوبة جميلة لونها وردي ووجها طفولي بريء وخدودها حمراء قانية، حبوبة تتكلم بصوت خافت جدا لا يكاد يسمع واسمها "دبي" سبحان الله دبة واسمها دبي، دبي بكسر الداء والباء وليس بضمها أحسن شي بسميها "ديبي" عشان لا تتلخبطون مع مدينة دبي. مع مرور الأيام ومن طيبتها أصبحنا نتعامل وكأننا نعرف بعضنا منذ سنوات عديدة، وصرت أحب أن أمازحها وأخبل فيها وأجننها فأمسك خديها وأشدهما بقسوة، مثل ما عمل حسين الجسمي مع حليمة بولند، لكي أزيد من حمار خديها، كانت تستلطفني كثيرا وتحب بدورها مشاكستي طوال الوقت، وعندما أزور أخي، وبالرغم من أن أنه متشدد دينيا، إلا أن من طيبتها وقبولها لدى كل من عاشرها، كان يخبرني ويقول "ترى ديبي تسأل عنك من الصبح!! شفها في غرفة الممرضات أزعجتني كل شوي داقه الباب علي" كنت أجلب لها معي الكثير من الهدايا والكاكاو الذي تحبه كثيرا من هارودز خاصة كاكو اسمه Mozart-Herz'l.
أمام غرفة أخي توجد صالة منيفة تتوفر فيها العديد من المقاعد الوثيرة، وعندما ينام أخي أجلس فيها طويلاً حتى لا أزعجه وأقوم بقراءة بعض الكتب أو استقبل بعض ضيوفه في الخارج وأصرفهم بعد ما يشربون كاسة الشاي فقط لا غير. في أحد الأيام أخبرتني "ديبي" أن أحد الأمراء سوف يتم تنويمه في الغرفة المقابلة لنا وأنهم سيصلون الساعة الثانية ظهرا ومسترخي آخر استرخاء انتظارا لما ستحبل به الأيام من مفاجاءات من ضيفنا العزيز القادم لتوه، وفجأة خرج نفس الشخص بتاع "وسع، وسع" ودنى مني إلى أن وقف فوق رأسي وتفرس بي لبعض الوقت ثم حول نظراته الخائبة نحو الكتاب الذي أقرأه، وتفرست فيه بدوري فبدا لي لون بشرته أبهصا كلون البرص (يسمى الوزغ أو أم صالح، حسب التساهيل) ومليء بالنمش كأنه نمل يمشي على وجه، وحدقتا عيناه قريبتان من وسط أنفه لتزيده دمامة على دمامة، أما شعره فأحمر ومجعد كسلك غسيل الصحون، وبدون مقدمات ولا تحيات، قال نزل رقلك الأمير قاي، لم أرد عليه واحتراما للأمير غيرت من جلستي وعكستها فوضعت اليسرى فوق اليمنى في الاتجاه الآخر، ثم عاد وقال لي نزل رقلك التانية، ما ينفعش كدا، ثم أردف بتمادي، بلاش الكتاب ده دي الوقت، وكان حديثه أثناء خروج الأمير الذي جلس قبالي في المقاعد الموجودة خارج غرفته. عند هذا الحد قلت له يا محترم، ممكن تحل عن سماي،،،،،،الصراحة قلت له كلمة ما أقدر أكتبها الآن، عشان كذا من هول المفاجأة فتح فمه بابتسامة يائسة وكأني أعطيته كف على قفاه، وسبحان الله، عندما فتح فمه كان أشبه بحمار يستعد للنهيق، ففي البداية فتح فمه فظهرت أسنانه الأمامية المطعجة، ثم ازداد فمه اتساعا فظهرت نواجذه وضحك بصوت متقطع أقرب للنهيق، فرميت الكتاب جانبا ودفعته من منكبه واتجهت لسمو الأمير تركي وحييته وتحمدت على سلامة أحد أفراد أسرته المنوم في المستشفى. كان سموه لطيف للغاية وبادلني السؤال عني وماذا أفعل هنا، فحكيت له الأخبار بالتفصيل، وسأل إن كنت في حاجة لشيء فشكرته على لطفه. كان "بريصه الأصفهاني" يراقب حديثنا وهو يتلون مثل الحرباء كلما نظرت إليه رأيت شكله يختلف عن النظرة الأولى، وانضم إلينا في الحديث وكنت قد وصلت للحديث مع سموه عندما سجلت في الكلية العسكرية بالرياض وكيف أني لم أتمم دراستي بالكلية حتى أرافق أخي، فشاركنا بالموضوع، وقال الحمد لله إنك ما سجلت "اصلو أنا لما كنت في الكلية الحربية بتاعتنا كنت بنط من فوق النار، وأزحف من تحت الرصاص، والطلاب بقى كلهم يغمى عليه من التعب، إلا أنا، دا الوزير كان بيقولي بس يا بريصه، بس يا بريصه، وأنا أقوله سيب يا وزير، سيب يا وزير دنا حكمل المشوار لحد ما أصل سينا" نظرت لسمو الأمير ورأيته يضحك من كل قلبه على الأراجوز بريصه وعرفت الآن وظيفة بريصة بالضبط، فهو لم يعدو سوى أرجوز ومصدر لتوسيع صدر سموه..
في يوم لاحق كنت أزور المريض الذي كان مع سمو الأمير وعندما نويت الخروج أعطاني سموه رسالة في ظرف مغلق لا تحمل أي عنوان، فكرت إنه يبغاني أرسلها بطريقي بالبريد، فتساءلت "نسيت تحط العنوان يا طويل العمر؟!"، ضحك وقال لا هذي الرسالة لك حط عليها عنوان بيتك، خخخخخخ.. خرجت وبريصه يراقبني وفشخ فمه فشخة بدون صوت، كتامي هذه المرة وكأنه فقد القدرة على الكلام, وذهبت من فضولي لدورة المياه وفتحت الرسالة وهالني ما رأيت في الرسالة، كانت محشوة برزم جنيهات من فئة الخمسين باوند، حسبتها فطلع المجموع خمسة آلاف باوند، وأدركت عندئذ بأنها هدية من سمو الأمير، رحت طاير لأخوي وقلت له تعال شوف الأمير أعطانا هديه خمسة آلاف باوند، يا كثر الفلوس إلي عندنا الحين وصرت أقوله مثل سعد الفرج "بسنا فلوس، بسنا فلوس"، البطانية في مخزن الشقة انترست فلوس، والحين خمسة آلاف، يا ساتر، بيد أن أخي لم يكترث للفلوس وأبدا عدم رضاه وأعطاني مثل لم أنسه للأن "أعطى الأمير ما لا يملك إلى من لا يستحق"، قلت شلون يعني نردها له، والله فشيلة ما أقدر، أصلا لو شفته كيف فرحان وهو يعطيني كأنه هو إلي محصل المبلغ، رد علي وقال ماني ما خذ منها شي أنت بكيفك، رجعت وقلت مافيه إلا بريصه الأصفهاني هو إلي بيحلها، استنيته لما طلع وناديته بريصه، بريصه، تعال أبيك بخدمة، تقدر تساعدني وترد الظرف لسمو الأمير وتعتذر منه إنا مقدرين له كرمه بس لو يعطيها أحد يستحق أكثر منا يمكن أفضل، ابتسم بريصه ابتسامته المعهودة لكن بصوت أقرب لفحيح الأفعى هذه المرة، الظاهر لكل حالة عنده نغمة خاصة في الضحك، وقال "برافو عليك يا واد يا نديم، أنت كدا عشرة على عشرة، حتكبر كتير أقوي في عين الأمير، ويعرف إنك مش بتاع فلوس"، قلت الحمد لله طمنتني والله خفت إنه بيزعل منا إذا رديناها. وبينما أنا أتحدث مع بريصه عن ترجيع الفلوس وإذ بمفرزة من قوات الشرطة الخاصة المسماة سكوتلانديارد تسرع نحو الباب الذي يوجد به المريض من عائلة سمو الأمير فتدفع الباب بعنف وأنا وبريصه نرقب المنظر بدهشة كبيرة ، حاول بريصه من هول الصدمة والخوف أن يتسلل بخفة ويلوذ بالفرار وسط الزحمة والربكة فدعست على قدميه حتى لا يتحرك ولاحظت أحدى الشرطيات أنه يحاول الهروب وقالت له YOU ARE GOING NOWHERE ، أي إبق مكانك ولا تغادر البتة. كان يبدو على سمو الأمير الهدوء التام وهو يضع رجلا على رجل ولم يتحرك من مكانه ولم يعلق على الطريقة المشينة التي داهمت بها الشرطة غرفة المريض في المستشفى، وكان في تلك اللحظات السفير المصري متواجدا لزيارة سمو الأمير في نفس الغرفة، فقام من مكانه وعرف بنفسه واستنكر الذي يجري، رد عليه الضابط بأن هذا موضوع لا يخصه من قريب أو بعيد كسفير، وأوضح الضابط بأن هنالك بلاغ بوجود أسلحة خطيرة في هذه الغرفة، ابتسم سمو الأمير وأخرج لهم بهدوء الهدية التي أتى بها لأبنه وهي عبارة عن لعبة رشاش تفحصها البوليس بدقة وهم في غاية الإحراج فاكتشفوا الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه واعتذروا بأشد أنواع الاعتذار ولم يسلموا من تقريع السفير المصري الشديد لهم، وعند هذه النقطه هاج وماج بريصه بعدما شعر بالأمان وقال سبهم لي يا سمو الأمير دنا حخرب بيتهم، إزاي يتقرأو يعملوا كدا هي سايبة وإلا سايبة، أنا حا أخذ حقك منهم، دنا هرد لهم الاهانة الي ما ينسكتش عليها، قاله الأمير بكل برود انثبر، رد بريصه "حأنسبر إن شاء الله.
وفي اليوم التالي شرح لي بريصة خلفيات القصة وهي أن الممرضة الخاصة بهم والتي كانت تستلم بخشيشا 200 جنيه كل صباح، لاحظت الهدية التي أحضرها سمو الأمير لابنه فحسبت أنها رشاش حقيقي فبلغت البوليس، وكانت تلك السنة هي السنة التي قتلت فيها الشرطية البريطانية ايفون فليتشر اثناء مظاهرة امام السفارة الليبية في لندن برصاصة قالت السلطات البريطانية وقتها أنها أطلقت من داخل السفارة الليبية والتبس الأمر على الممرضة التي كانت تشك في كل العرب ولا تفرق بين ليبي أو سعودي أو مصري.
عرفت بريصه على أخي المريض لعله يسري عنه بنكته المتواصلة وبشلخاته التي تهتز لها الجبال وعندما رآه أخي يضحك بطريقة غريبة وكأنه ينهق وينقطع نفسه شك بأن به مس من الجان وقال له سوف أرقيك لعلك تشفى يا بريصه، ما قولك؟، أجاب بريصه، لك ما شئت يا مولانا وسلم ناصيته لأخي وبدأ يقرأ عليه المعوذات وينفث عليه ضاغطا على ناصيته وقابضا على شوشته الحمراء في نفس الوقت، ويبدو لي أن أخي قد ضغط عليه أكثر من اللازم، فتضايق بريصه وبدأ يتململ ذات اليمين وذات الشمال وتصدر عنه حشرجة وكأنه يريد أن يعض يد أخي التي تسحب شوشته، فحسب أخي أن المارد هو الذي يتململ وأنه سوف يخرج لا محالة، فقال أنطق، تحدث قل من أنت، من أنت، أنطق،،،،أنطق أيها الجان، لماذا تلبست بعبد الله بريصه الأصفهاني، حلفتك بالله أن تنطق فمن أنت، رد بريصه المسكين بصوت يكسر الخاطر، أنا بريصه يا مولانا...خخخخخخ، فضرب أخي صدره بقفا يده ونفث في صدره وقال داوم على الأذكار تشفى بإذن الله يا بريصه. عدنا على المقاعد وتمدد بريصه وهو يتنفس الصعداء، وسألني إيه الأذكار يا عم نديم، وشرحت له أذكار الصباح والمساء، قال مش لما نصلي بالأول، قلت له يعني ما تصلي يا بريصه، حسبي الله عليك، الله يهديك بس. نام أخي قرير العين بعد أن قرأ على بريصة وأتت "ديبي وتطمنت على المغذي والأدوية المحقونة بوريده، وغطته بالبطانية وأتت عند قدميه وغطتهما وكان فوق قدمي أخي تلفاز معلق بالسقف يرتفع نحو نصف متر فوق رجليه وبعدما انتهت "ديبي" من تغطية قدميه رفعت جسمها وانتصبت فاصدم رأسها من الخلف بالتلفاز وهوت مغمى عليها فتلقفتها بين يدي ومددت جسمها على الأرض وحاولت أن أعطيها إسعاف لإنعاش القلب والتنفس CPR، سريع تعلمته في ثانوية الخليج في الدمام!!! ،،نعم،،، نعم،،، شكلي قلت شيء غلط، معقولة في ثانوية الخليج، قصدي في مدرسة اللغة الانجليزية في لندن، ولاحظت بريصه يتسلل بخفة من خلفي وتوقعت أنه يريد الهرب مرة أخرى فحنقت عليه كيف يتركني هذا الأرجوز في هذه اللحظات العصيبة. لكن بينما أنا مشغول بإعطاء "ديبي" قبلة الحياة انفجرت ضاحكة في وجهي وكأنها هي التي خرج منها المارد وليس بريصه، كانت تضحك لأن بريصه الحمار عندما تسلل من خلفي ذهب مباشرة للهاتف ودون إحساسي به لهول الموقف واتصل بالطوارئ 999 وطلب سيارة إسعاف ولما سألته الشرطة عن العنوان أعطاهم عنوان المستشفى، يعني بريصه حبيب قلبي كان يطلب إسعاف يجي على عنوان المستشفى عشان نركبه ونأخذ لفه على الكورنيش وبعدين نرجع لنفس المستشفى لتلقي العلاج!!!!!! ، لكنه بغبائه الشديد كشف خطة "ديبي" الجهنمية من حيث لا يدري، فهي لم تكن مغمى عليها حقيقة، ولكن عملت التمثيلية لحاجة في نفسها، بيد أن حظها العاثر أوقعها مع بريصة المشئوم.
بعد أن أنهى مريض بيت سمو الأمير فترة العلاج في المستشفى خرجوا بالسلامة فودعتهم وحزنت والله لفراقهم لأنهم ملئوا الجو حركة في المستشفى وآنسوا وحشتنا وبيني وبينكم حبيت بريصة من كل قلبي وحسدت الأمير على وجود رجل مثله معه يسري عنه بعفويته ونصبه وضحكته الحمارية. وعندما غادر الأمير ودعني بكلمات رقيقة ولهول المفاجأة أعطاني رسالة جديدة وهو يضحك وقال أنت عارف العنوان زين المرة هذي صح،،،ترددت وقلت صح يا طويل العمر شكرا لك من أعماق قلبي، وأسرعت إلى نفس التواليت وفتحت الظرف وحسبت الفلوس الموجودة وجدتها 8 آلاف جنيه هذه المرة، أكثر من المرة الأولى، حسبي الله عليك يا بريصة الأصفهاني شكلك لطشت الخمسة ألاف باوند وما رجعتهم للأمير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.