مريمة بوجمعة تسعى لجمع "شتات البيجيدي" بجهة الشمال قبل انتخابات 2026    رئيس الحكومة يترأس اجتماع اللجنة البين وزارية المكلفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررةمن زلزال الحوز    بعد يوم من الاعتداء الاسرائيلي على الدوحة.. أمير قطر يبحث مع الرئيس الإماراتي العلاقات الثنائية ومستجدات الأوضاع الإقليمية    أمير قطر يبحث مع الرئيس الإماراتي العلاقات الثنائية ومستجدات الأوضاع الإقليمية    تداولات بورصة البيضاء تنتهي خضراء    "التقدم والاشتراكية" يطالب بمناقشة اختلالات إحصاء القطيع والدعم الموجه لمربي الماشية    الحكومة تتفاعل مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنسعيد يقدم معطيات حول إعداد مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة    رسو سفينة أخرى بطنجة.. "بي دي إس" تندد باستمرار السلطات المغربية في استقبال "أسطول الإبادة"    الضربات الإسرائيلية تعكر صفو الهدوء بقطر وتضعف الثقة في واشنطن    احتجاجات حركة "أوقفوا كل شيء" تشل مدناً فرنسية وتؤدي إلى اعتقالات واسعة    حالتا وفاة جديدتان في مياه سبتة ترفعان الحصيلة إلى 30 ضحية        بجاهزية عالية.. الحسيمة تفتح أبواب المدارس للموسم الجديد    الزاوية الكركرية تحتفي بإصدارات الشيخ محمد فوزي الكركري                    حسام أمير يعيد إحياء "حكّام الرجال" بأسلوب معاصر    المغربي وليد الحجام يوقع لعامين مع جيروندان بوردو الممارس في الدرجة الرابعة لكرة القدم بفرنسا        زيارة ميدانية لوزير الصحة لمشاريع صحية قيد الإنجاز ويتابع عن قرب سير عمل المؤسسات الصحية بجهة فاس مكناس    تحذير من المجلس الأعلى بشأن تداول "أذونات زواج" مزورة على مواقع التواصل    احتجاجات "لنغلق كل شيء" تهز فرنسا    وفد نيابي برئاسة الطالبي العلمي في زيارة عمل لجمهورية فنلندا    بعد جدل طلاقها .. سكينة بنجلون تطلق نداء عاجلا لحسن الفذ        حموني يراسل وزارة التجهيز بخصوص الخسائر الفادحة في البساتين الفلاحية ببولمان    مجموعة بريد المغرب ومؤسسة البريد السعودي توقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتطوير التبادل ودعم نمو التجارة الإلكترونية    حملة اعتقالات تطبع احتجاجات فرنسا    تعيينات في المصالح الاجتماعية للأمن‬    188 مليون طفل ومراهق يعانون السمنة .. والأمم المتحدة تحذر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    "صفقات على المقاس".. الفرقة الوطنية تفتح تحقيقا في اختلالات بصفقات عمومية    المنتخب المغربي لألعاب القوى يراهن على البقالي للتألق في مونديال طوكيو    إيكمان يشكر الجماهير المغربية والعيناوي سعيد بظهوره الثاني    فيدرالية اليسار الديمقراطي تدين العدوان الإسرائيلي على قطر وتطالب بوقف التطبيع    صيف استثنائي بفضل الجالية.. 4,6 ملايين سائح بالمغرب خلال يوليوز وغشت    النجم كيليان مبابي يتخطى هنري ويلامس عرش الهداف التاريخي لفرنسا    "فيفا" يخطر جامعة الكرة بموعد إرسال اللائحة النهائية للمنتخب المغربي المشاركة في كأس العرب    آفاق ‬التعاون ‬المغربي ‬الموريتاني ‬تتسع ‬أكثر    المنتخب الإماراتي لكرة القدم يتأهل إلى نهائيات كأس آسيا لأقل من 23 سنة    منتخب الرأس الأخضر يقترب من أول تأهل إلى كأس العالم في تاريخه بعد انتصاره على نظيره الكاميروني    مع حضور في الطقوس والأمثال .. الخبز في حياة المغاربة: من قوت يومي إلى مقام وجودي ورمز أسطوري وسلم اجتماعي    استعراض مؤهلات جهة الشمال على وفد فرنسي من تولوز    مطارات الإمارات تتجاوز حاجز المليار مسافر خلال 10 سنوات    دراسة: أسماك الناظور ملوثة وتهدد صحة الأطفال    دراسة: أسماك الناظور ملوثة بعناصر سامة تهدد صحة الأطفال        باقبو الفنان الذي ولج الموسيقى العالمية على صهوة السنتير.. وداعا    تلميذ يرد الجميل بعد 22 سنة: رحلة عمرة هدية لمعلمه    1500 ممثل ومخرج سينمائي يقاطعون مؤسسات إسرائيلية دعما لغزة    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي            أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحراء المغربية في ظل إمارة المؤمنين
أوراق
نشر في العلم يوم 28 - 11 - 2008

الفتوى التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في شهر أكتوبر من سنة 1975، بشأن العلاقة بين المملكة المغربية وبين إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب عبر الأحقاب، استندت إلى مرجعية دينية ثقافية حضارية تاريخية، تتلخص في أن قبائل هذين الإقليمين كانت ترتبط على الدوام بعلاقات البيعة مع سلاطين المغرب وملوكه، منذ أن قامت في المغرب دولة جامعة لأطراف الوطن.
إن روابط البيعة هي أقوى في الدلالة والمعنى والمضمون، من أي روابط أخرى، وهي تأكيد قوي وقاطع على أن الصحراء المغربية الغربية هي من صميم النسيج الوطني المغربي، وهي جزء لا يتجزأ من الدولة المغربية. فلقد كان المواطنون المغاربة في هذا الجزء من الوطن، يدينون بالولاء للعرش ويلتزمون بالطاعة والبيعة في المنشط والمكره، لأمير المؤمنين، وهو اللقب الذي كان يحمله سلاطين المغرب منذ إدريس الأول (بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن سيدنا علي بن أبي طالب وسيدتنا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
فالعلاقة بين أمير المؤمنين وبين عموم المؤمنين رعاياه ممن يعيشون تحت كنفه ويخضعون لسلطته وينضوون تحت لوائه ويدينون له بالولاء، هي العلاقة الأقوى الأرسخ التي كانت سائدة في العصور القديمة، والتي لم تزدها التنظيمات الجديدة للعلاقة بين الحكام والشعوب وفق منظور القانون الدولي، إلاّ قوة وثباتاً ورسوخاً.
زرت الصحراء المغربية وقضيت فيها فترة امتدت من منتصف شهر أبريل سنة 1975 إلى منتصف شهر يوليو سنة 1976، أي أنني عشت الحدث التاريخي الأكبر المسيرة الخضراء، منذ البشائر الأولى التي كانت تردنا أثناء إقامتنا في طرفاية، دون أن نهتدي إلى حلّ لرموزها، وإلى أن دخلنا مدينة العيون في أواخر شهر ديسمبر سنة 1975، ثم انسحاب الإدارة الإسبانية من الصحراء في يوم مشهود، هو السادس والعشرون من شهر فبراير 1976، (قبل يومين من الموعد الرسمي المحدد للانسحاب طبقاً لاتفاقية مدريد)، ثم استلام المغرب لجميع السلطات في إقليم الساقية الحمراء. ولقد كانت تلك المرحلة الطويلة نسبياً، مناسبة لي للوقوف على طبيعة العلاقة التاريخية بين قبائل الصحراء وبين الدولة المغربية. فكان مما انتهيت إليه من الدراسة الميدانية على الطبيعة، ومن المقابلات الكثيرة التي أجريتها مع شيوخ القبائل والأعيان والنخب المتعلمة المحدودة من أبناء المنطقة، الذين كانوا يزوروننا في إذاعة طرفاية ثم في إذاعة العيون، ومنهم الشيخ خطري ولد سعيد الجماني رئيس الجماعة الصحراوية (الهيئة التمثيلية الشعبية الوحيدة)، أن البيعة هي الرباط الوثيق والمقدس الذي يحكم العلاقة
بين الطرفين، وأن المواطنين في الصحراء ينظرون إلى جلالة الملك بصفته أميراً للمؤمنين في المقام الأول، تجب له الطاعة والسمع والبيعة والولاء في كل الظروف، وأن هذه العلاقة تطبع تاريخ المغرب الصحراوي، كما تطبع تاريخ المغرب عموماً.
لقد اتسع مفهوم إمارة المؤمنين وتعمق ليشمل كل الدلالات القانونية والمقتضيات التشريعية لمفهوم رئيس الدولة في الدساتير الحديثة. ذلك أن أمير المؤمنين يجمع بين الرئاستين الروحية الدينية والمدنية الحديثة؛ فهو رأس الدولة ورئيسها، وهو أمير للمؤمنين؛ لأن الأمر كله بيده، فالأمير يأمر، أي يحكم، ومن يحكم يملك، ويكون زمام الأمور بيده. فليس مفهوم أمير المؤمنين مفهوماً دينياً فحسب، ولكنه مفهوم ديني ودنيوي، شامل جامع مانع، لأنه يعطي لصاحب الأمر، أي لأمير المؤمنين، الصلاحيات الدستورية كلها ليمارس السلطة وليباشر الرئاسة. فهذا المفهوم إذن راقي المستوى عالي المنزلة، لأنه يجمع بين المضامين الدينية والدنيوية. ولذلك فإن ارتباط الصحراء المغربية بالعرش، يأتي من المصدرين معاً؛ المصدر الديني التاريخي الثقافي والحضاري، وهو البيعة التي في أعناق المواطنين المغاربة الصحراويين لملوك المغرب، والمصدر القانوني الدستوري، وهو دخول سكان الصحراء الغربية تحت السيادة الوطنية المغربية باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من الشعب المغربي المنضوي تحت لواء العرش العلوي.
لقد كان جلالة الملك محمد السادس دقيقاً حكيماً حصيفاً في تعبيره، حينما أعلن في الفقرة الثانية من خطابه السامي يوم ذكرى المسرة الخضراء، «أن قضية الصحراء أمانة في أعناق كل المغاربة»، مؤكداً على أن الوحدة الوطنية تشمل «وحدة الدولة والوطن والتراب»، في معرض حديثه عن المنهج المتجدد الذي منطلقه الاقتناع الجماعي الراسخ بكون قضية الصحراء أمانة في أعناق كل المغاربة، وقوامه الحكامة المحلية الجيدة لأقاليمنا الجنوبية والمشاركة الواسعة في تدبير قضيتنا الوطنية، وجوهره إضفاء عمق تنموي وتضامني على روحها الوحدوية.
وتلك هي القواعد التي انطلق منها جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله مبدع المسيرة الخضراء، وباني صرح الدولة المغربية الحديثة. وهي روح هذه الدولة التي قال جلالة الملك محمد السادس في ختام خطابه الآنف الذكر «نحن على سيادتها ووحدتها مؤتمنون، ولتجديد هياكلها ومؤسساتها راعون، وعلى تحقيق تقدمها وتنميتها عاملون».
وهذه المعاني العميقة والتأكيدات القوية والإرادة الوطنية الحازمة التي عبر عنها جلالة الملك، هي تلخيص لمفهوم إمارة المؤمنين، وتأكيد لدلالته، وترسيخ لقواعده في مغرب يتطلع إلى المستقبل ويعيش عصر ويندمج فيه، من دون أن يفرط في ثوابته ومقدساته وخصوصياته الروحية والثقافية والحضارية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.