الحدث السياسي الوطني الابرزالذي شهده الاسبوع الذي ودعناه يبقي بامتياز الزيارة التاريخية التي قادت قيادة الحزب برئاسة امينه العام و فريقه البرلماني الي الجهة الشرقية للمملكة لتفقد وضع المناطق الحدودية للمغرب و التداول في صلب الاشكاليات السياسية و الاقتصادية ذات الصلة بوضع الحدود المغلقة منذ عقدين وكلفتها الاقتصادية و التنموية الثقيلة و الباهظة بالنسبة لأزيد من 100 مليون مواطن مغاربي. من ابلغ الشعارات التي رفعت بالتجمع الجماهيري الذي توج احتفاليات مناضلي الحزب بحاضرة المغرب الشرقي وجدة بمرور 80 سنة علي تأسيس حزبهم ذلك الذي يصرح بفصاحة بليغة ومعبرة ان فتح القلوب يسبق فتح الحدود . هذه المقاربة الصارخة يلخصها الدكتور خالد شيات الخبير في العلاقات الدولية في ملاحظة دالة مفادها أن غياب الثقة بين أطراف معادلة البناء المغاربي يعطل و يؤخر قيام الفضاء الجيوإستراتيجي الاقليمي الذي تجاوز بنجاح طيلة نصف قرن مراحل التأسيس النظري و بناء الدول القطرية و أخفق بعد ذلك في أجرأة مقتضيات اتفاقياته التأسيسية الى تدابير فعلية تلمسها شعوب الاتحاد المغاربي . الجميع يدرك حجم الخسارة الاقتصادية و الاجتماعية التي يتكبدها المواطن المغاربي من طرابلس الى نواكشوط بفعل تخاذل الحكام عن تحقيق الحلم المغاربي الموعود منذ نهاية الاربعينيات . الخبير الاقتصادي الدكتور الهاشمي بنطاهر يستحضر في هذا السياق أرقاما دالة و مخيفة حين يقدر الكلفة الراهنة لتعثر الاندماج المغاربي حسب أرقاك رسمية أعلنت عنها الحكومة التونسية ب 1% سنويا من الناتج الداخلي الخام لدول المغرب الكبير. بمعنى ان تحقيق المغرب الكبير قد يوفر لحكومات المنطقة ما يناهز 10 مليار دولار امريكي سنويا اي ما يعادل 5% مما تنتجه دول المغرب الكبير مجموعة. تقارير البنك الدولي حسب ذات المصدر تشير الى ان الاندماج المغاربي قد يدعم الدخل الفردي لشعوب أقطار الاتحاد فيما بين 2005 و 2015 بنسبة تتجاوز %34 بالنسبة للجزائر و 27% بالنسبة للمغرب و 24% بالنسبة لتونس. الكلفة الحقيقية لتعثر البناء المغاربي ليست مجرد أرقام و نسب على أهميتها و راهنيتها إنها قبل كل هذا وذاك تجل ذو حمولة إجتماعية و تاريخية و إنسانية تسائل الضمير المغاربي و تستفزه بسلسلة من التساؤلات المؤنبة . فواقع التكامل الاقتصادي و الاندماج السياسي أضحى عملة مخيفة تقلق بعض الحكام و تضعهم أمام محك الواقع المجالي و الشعور القومي الذي لا يختلف إثنان بأنه ينطوي على سياقات و مؤشرات الوحدة أكثر من مما يحتمله من مبررات الاختلاف و التطاحن . شعوب دول المغرب الكبير تتوحد في الأصول و التاريخ مشترك ، و تجمعها اللغة و العقيدة و الجغرافية و المصير المشترك لذلك فهي مؤهلة لتجاوز كل الاكراهات الذاتية و الحواجز السياسية التي تقف حائلا دون تحقق حلم الاندماج المغاربي . بامكان حسابات الساسة الضيقة أن تصادر حق شعوب المغرب الكبير في التنقل بكل حرية لكن هذه الحواجز الظالمة لن تقف في وجه طموح الوحدة و التآخي الذي لا يقيم إعتبارا لتخاذل العقليات المتحجرة . وطنيا و من وسط كل الأصوات الداعية لحذف الحدود و تليين القلوب تصدح إرادات أخرى ببعض التشنج المشروع داعية الى التقوقع على الذات و تناسي المشروع المجهض على الأقل مؤقتا . هذه الأصوات تعتبر أن المغرب الذي لا يعتمد على ريع البترول حقق الشيء الكثير حين أدار ظهره للجار الجزائري المتنطع و مضى قدما في مسار تنمية مناطقه بالاعتماد على ثروته البشرية الذاتية . مبدئيا المطلوب في ظل هذا الواقع أن لا نسترسل الى ما لا نهاية في إستجداء حكام الجارة الجزائر لفتح الحواجز الحدودية المغلقة و أن نعتمد على مواردنا الذاتية لفرض وجودنا في ظل محيط بيئي عاصف . قيادة حزب الاستقلال تماهت و تفاعلت بذكاء و مسؤولية مع هذا التحدي البنيوي حين قررت أن الوطن لا يمكن أن يؤدي لوحده ضريبة اللامغرب .فإما وطن مغاربي بدون قيود و حدود جائرة أو لا سلم مغاربي على حساب التراب المغربي المغتصب بتندوف و بشار و حاسي بيضا و غيرها . هذه هي الكلفة الحقيقية لواقع الجمود المغاربي و هذا موقعنا و موقفنا منها.