مشروع قانون مالية 2026..الحكومة تتعهد بمواصلة سياسة الربط بين الأحواض ودعم مدارس "الريادة"    الملتقى الدولي لمغاربة العالم يحتضن مبادرات مغاربة العالم    "البيجيدي" يستنكر توظيف زوجات وأبناء منتخبين من "الأحرار" كأعوان عرضيين أشباح بجماعة فاس    الجزائر.. نصف قرن من الحَرث في العدم    80% من المقاولات تعتبر الولوج للتمويل البنكي "عاديا" في الفصل الثاني من 2025            مستثمرون من مغاربة العالم: عراقيل إدارية تهدد مشاريعنا بالمغرب    العدالة الفرنسية تلاحق دبلوماسياً جزائرياً بتهم خطيرة.. باريس تكشف الوجه الإجرامي للنظام الجزائري        دومينيك دوفيلبان يكتب: الصمت على حرب الإبادة الجماعية في غزة تواطؤ.. ولن يستطيع أحدٌ أن يدّعي غدا بأنه لم يكن يعلم    الوداد وأولمبيك آسفي يتعرفان على خصومهما في كأس "الكاف"    قرعة دوري أبطال إفريقيا تضع الجيش ونهضة بركان في مواجهات حاسمة    موسم مولاي عبد الله أمغار... 122 سربة و2065 فرس يرسمون لوحات التبوريدة في أبهى صورها        الملك محمد السادس يواصل رعايته السامية لمغاربة العالم عبر برامج تعزز الارتباط بالوطن وتواكب التحول الرقمي    ترامب يعلن عن لقاء مع نظيره الروسي يوم 15 غشت في ألاسكا    الدرهم يرتفع مقابل الدولار وتراجع مقابل الأورو خلال الأسبوع الماضي وفق بنك المغرب    بنك المغرب .. ارتفاع الودائع البنكية عند متم يونيو الماضي    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية سنغافورة بمناسبة العيد الوطني لبلاده    برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يناقش تفاوت التنمية بين جهات المملكة وتحذيرات من استمرار المغرب بسرعتين    توقعات أحوال الطقس لليوم السبت    مداغ: شيخ الطريقة القادرية البودشيشية جمال الدين القادري بودشيش في ذمة الله    حكم ثقيل على إمام مسجد بجماعة المعاشات بسبب اعتداءات جنسية    وفاة محمد المنيع عمدة الفنانين الخليجيين    أنفوغرافيك | سوق الشغل بالمغرب خلال 2025.. انخفاض طفيف للبطالة مقابل ارتفاع الشغل الناقص    محامية تتعرض لاعتداء خطير على يد زوجها المهاجر داخل مكتبها    المديرية العامة للأمن توقف ضابط مرور طلب رشوة 100 درهم مقابل عدم تسجيل مخالفة    أكثر من مليون مهاجر غير شرعي غادروا الولايات المتحدة منذ عودة ترامب    كيوسك السبت | التجارة الإلكترونية بالمغرب تلامس 2200 مليار سنتيم سنويا    مجلس الأمن الدولي يعقد اجتماعا طارئا الأحد بشأن خطة إسرائيل السيطرة على غزة    تمديد فترة الميركاتو الصيفي بالمغرب إلى غاية 25 غشت    المقاتل المغربي الرشيدي يرفع التحدي في بطولة PFL إفريقيا        الشان يؤخر صافرة بداية البطولة الوطنية في قسميها الأول والثاني    تيزنيت : شبهات تواطؤ بين مسؤولين ولوبي العقار في قضية الواد المدفون    الولايات المتحدة.. ترامب يعين مستشاره الاقتصادي عضوا في مجلس البنك المركزي    فرنسا تندد ب"شدة" بخطة الحكومة الإسرائيلية لاحتلال غزة بالكامل    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    عيطة الحال ... صرخة فنية من قلب البرنوصي ضد الاستبداد والعبث    الرباط تحتضن النسخة الأولى من «سهرة الجالية» بمناسبة اليوم الوطني للمهاجر    المعرض الوطني للطوابع والمسكوكات يتوج نسخته الثانية في مدينة خنيفرة بندوة علمية حول تاريخ النقود والبريد    مدافع برشلونة إينيغو مارتينيز في طريقه إلى النصر السعودي    بطولة إسبانيا.. مهاجم برشلونة ليفاندوفسكي يتعرض للإصابة    وفاة الفنان المصري سيد صادق    النجم الحساني سعيد الشرادي يغرد بمغربية الصحراء في مهرجان "راب افريكا"    لطيفة رأفت تعلق على "إلغاء حفلين"    العربيّ المسّاري فى ذكرىَ رحيله العاشرة    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    المغرب يواجه ضغوطا لتعقيم الكلاب الضالة بدل قتلها    تسجيل 4 وفيات بداء السعار في المغرب خلال أشهر قليلة    "دراسة": تعرض الأطفال طويلا للشاشات يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب    من هم الأكثر عرضة للنقص في "فيتامين B"؟        الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرات في كتاب "الرواية العرفانية في تجربة عبد الإله بن عرفة".. بقلم // الصديق بوعلام
نشر في العلم يوم 12 - 10 - 2014

يمكن تعريف الرواية العرفانية بأنها ذلك الإبداع الروائي السامق في سماء الروح، الماتح من تاريخ التصوف الإسلامي الذي يختزن أروع التجارب الروحية وأغناها ممارسة ومعرفة وإشارات ولطائف عرفانية، وفي هذا النوع الروائي يتضافرجمال الروح وجمال اللغة على بناء نص جذاب زاخربالمعارف والتلويحات العرفانية في قالب أسلوبي باذخ. وأحب أن أسمي هذا الصنف من الكتابة الروائية بالرواية العرفانية الحضارية، فأضيف هذا الوصف الثاني لما تتميزبه من دلالات حضارية عميقة.
لئن لم يكن الكاتب والباحث عبد الإله بن عرفة أول من أبدع رواية عرفانية بهذا المفهوم في المغرب، مادامت هناك تجارب روائية معدودة دشنت هذا النوع الروائي في بلادنا، ونقصد هنا العالم الروائي الرائع للمؤرخ الباحث الأديب الوزيرالسيد أحمد التوفيق (رواياته " جارات أبي موسى" و" شجيرة حناء وقمر"و"السيل""و"غريبة الحسين")، فإن عبد الإله بن عرفة استطاع أن يشق طريقه باقتدارفي هذا المضمارفأنتج حتى الآن هذه الروايات: "جبل قاف" 2002، "بحرنون" 2007،"بلاد صاد" 2010، "طواسين الغزالي" 2011،"ابن الخطيب في روضة طه" 2012 (نذكربأن المرحوم عبد الهادي بوطالب أبدع رواية بعنوان "وزيرغرناطة" وهي عن ذي الوزارتين ابن الخطيب كذلك).
وعبد الإله بن عرفة كاتب، أديب، روائي، شاعر. ولد في مدينة سلا، له اهتمام باللغة والتاريخ والفلسفة والتصوف والموسيقى والفنون. خريج جامعة السربون في باريس. أستاذ جامعي سابقا. يعمل حاليا خبيرا دوليا في مجال التراث والتنوع الثقافي والسياسات الثقافية. شارك وحاضروأشرف على عدة مؤتمرات دولية وندوات علمية في أكثرمن أربعين دولة في القارات الخمس. حازعدة جوائزوتكريمات متميزة.
من إصداراته بالإضافة إلى الروايات المنوه بها آنفا:"كتاب في علم الدلالة"(بالفرنسية)، " تحقيق ودراسة لمخطوط الشهاب لابن سيدبونة الخزاعي)، "المشاركة في موسوعة " المكتبة الأندلسية"،"كتاب تاريخ التصوف بالأندلس"، "مراجعة وتقديم كتاب المفاتيح الأساس لكتب الشيخ الأكبرابن العربي"،"ديوان شعري".
وكانت جمعية سلا المستقبل قد نظمت ندوة أدبية حول الرواية المغربية احتفاء بتجربة هذا الروائي الأديب يوم 23أبريل 2012في إطاراليوم العالمي للكتاب، وضمن فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان سلوان الثقافي والفني. وشارك في هذه الندوة ثلة من الأساتذة والباحثين وجمهورعريض من المهتمين والمتتبعين ورجالات الفكروالثقافة من الدول العربية والمغرب غصت بهم الخزانة العلمية الصبيحية في سلا بأجوائها النفيسة من كنوزالمخطوطات وآلات الرصد الفلكي والخرائط القديمة كما وصف اللقاء الصديق الدكتورمحمد التهامي الحراق في تقديمه للكتاب الذي تضمن العروض التي ألقيت خلال هذا الحفل، وهي:
"الإبداع باعتباره شهادة حضور" للدكتورمحمد التهامي الحراق،" قراءة في رواية جبل قاف" للأستاذ عبد الإله بن عرفة، للدكتورة نجاة المريني، " كتابة السيرة، سيرة الكتابة في رواية" ابن الخطيب في روضة طه" للدكتورأحمد زنيبر، "ملامح الرواية العرفانية عند عبد الإله بن عرفة من خلال رواية" ابن الخطيب في روضة طه" للدكتورمراد الريفي، "المفاتيح الأدبية للرواية العرفانية" للدكتورعبد الإله بن عرفة.
وأحب أن أقف قليلا عند عرض أو دراسة الدكتورة نجاة المريني" قراءة في رواية جبل قاف للأستاذ عبد الإله بن عرفة". لقد تمكنت ذ. نجاة من الإبحاربالقارئ في عالم هذه الرواية، والجولان به في فضاءاتها الشيقة، مستندة إلى حسها النقدي من جهة، وإلى درايتها بالتاريخ العام والفكري والأدبي للمغرب من جهة ثانية، وإلى البيان الأدبي الذي صدربه الكاتب رواية "الحواميم" من جهة ثالثة.
تقول ذ. نجاة المريني:"يتحف الأستاذ بنعرفة القارئ كل سنة برواية، فيصدرسنة 2011رواية (طواسين الغزالي) وتزامن صدورها مع مرورتسعمائة سنة على وفاته، تحكي الرواية سيرة هذا العالم الفذ الكبير(450ه / 505ه) وما عاشه من أحداث ومواقف فكرية وفلسفية، ليزهد أخيرا في الحياة ويعانق حياة تهدئ من روعه وغليانه، أما آخرإصدارلهذا المبدع فهوروايته (ابن الخطيب في روضة طه) سنة 2012 تخليدا للذكرى السبعمائة لولادته (713ه / 776ه) داعيا إلى الاحتفاء بهذا العلم الكبيروالشخصية المتعددة الأبعاد، صاحب الإشارات والإفادات في التاريخين الأندلسي والمغربي".
وتضيف: " يرى الأستاذ بنعرفة أن مشروعه الروائي يسعى إلى " تأسيس رواية عرفانية تحمل لواء الثورة على السائد من الكتابات الوافدة أوالمقلدة، الهزيلة في مبناها ومعناها، من أجل إبداع أدب كوني جديد في حاضرنا الأدبي، كما يتغيى الكتابة بالنورمن أصغرجزء في اللغة وهوالحرف لنشيد الكلمة والجملة والنص... فالنورينحت جميع الكلمات الكثيفة ليلطفها بقبساته حتى تتلاشى سدفتها ثم تضئ لتصبح بلورات نورانية"، ويضيف قائلا:"نريد من وراء كل هذا إنشاء لغة نورانية لأن الظلمة من عالم الفساد والنورمن عالم الصلاح"(بيان الحواميم ص8)، وشخصيات رواياته كما يؤكد"مثالات علوية ونماذج كمالية، ليس المقصود منها أعيانها التاريخية، فهوية النورهي سريان مادة الحياة بلاانقطاع في الأجسام والهياكل التي تقوم بها، ومدد الحياة مرده إلى سرالوجود، الذي هونفحة من صاحب الجود الذي نورالسماوات والأرض بنوره" (ابن الخطيب في روضة طه ص 10). ولعل ما أثاره الأستاذ بنعرفة ويثيره باستمرارهو واقع الكتابة عندنا، والتهمم بالآخرتقليدا واتباعا، مع ما تعانيه تلكم الكتابات من ضعف وابتذال، وافتقاد إلى أبسط شروط الكتابة الهادفة إلى التصحيح والتنويروالجودة، وهوما دعاه أيضا إلى سلوك هذا النوع من الكتابة إثباتا لوجود عطاء أدبي وتحقيقا لذات مبدعة مبرزة، تستطيع بناء كيان خاص بها له حضورشامخ في سوق الكتابة الأدبية والفلسفية"(ص33 34).
لماذا اختارت نجاة المريني هذه الرواية من بين روايات عبد الإله بن عرفة؟
تقول:"وبعد أن طلب مني الأستاذ بنعرفة تقديم قراءة لإحدى رواياته في هذه الجلسة التي تكرمه فيها جمعية سلا المستقبل مشكورة باعتباره ابنا للمدينة العريقة سلا وروائيا قديرا يغرف من بحر، ويستلهم محاوررواياته من التراث العربي الإسلامي ومن حيوات رجال متصوفة أثروا في مسارحياته، عدت إلى الرواية (جبل قاف)، لأعيد القراءة بل إلى النظرفي رواياته الأخرى، لكن ما حفزني أكثرلإعادة القراءة بروية أكثروبتفحص أعمق، هوالعرض الرائع للحظات بهية بل لحظات تسطع فيها أنوارإلهية يسرها الله تعالى للبطل محيي الدين ابن عربي ليكشف عن حقائق لايستطيع الإنسان العادي أن يصل إليها، وسخرلذلك قلم عبد الإله بنعرفة ليقدمها لنا في قالب روائي ممتع"(ص36).
وتصف الكاتبة عالم هذه الرواية بقولها:"تحكي رواية (جبل قاف) سيرة محيي الدين ابن عربي بلسانه،(560 ه / 638ه) فهو الراوي، من الولادة إلى الهجرة من مرسية مسقط رأسه، إلى العمل في ديوان الخليفة بإشبيلية زمن الموحدين إلى أن وافته المنية بمدينة دمشق، ومنذ البداية سيكون لابن عربي مسارنوراني، فقد حلت بركة سورة ياسين بالطفل المريض الذي أصيب بالوباء سنة 571ه"(ص39).
"حياة ابن عربي ملأى بالأحداث، تنبئ عن ميلاد العالم الصوفي الذي ستشغل كتاباته فيما بعد المفكرين والفلاسفة والمفسرين والشعراء وغيرهم"(ص39).
" لم يكن المؤلف روائيا محترفا فقط ولكن كان متصوفا عارفا يدهشك بما يعيشه في أعماقه، إذ على الرغم من مصاحبته لسيرة المتصوفة الأعلام كابن عربي والغزالي، فهو ينفذ إلى القارئ من خلال الحديث عن أجواء المتصوف الروحي " الذي يرى ببصيرته مالايراه ببصره، مؤكدا مقولة ابن عربي"إن المرء حين يوجه نظره إلى داخله ينقدح فيه نورمن عالم السر، فينيرله الطريق بشرط أن تكون مادة سيرته دوام الذكرمع الأنفاس" ص94، وهذا ما نلمسه في حياة المؤلف، فمشاركته في حلقات الذكرباستمرار، وما تنفثه فيه تلكم الأذكارمن لذة روحية لايعرفها إلامن يعيشها، كالفرح والحزن لايمكن وصفهما، لكن يعرفهما من يعيش الحلتين.
يستمرئ القارئ ظلال صاحب السيرة محيي الدين ابن عربي في روايته الممتعة، والمستمتع بالأذكارفي روحانيتها، وسنجده يعيش" توقيعات الأنفاس" مع السارد البطل وهويحكي مسارحياته بدقة وروعة مشيرا إلى ما كان يخالجه من أحاسيس وهومنقطع عن عالمه المادي إلى عالمه الروحي، محققا وصية شيخه بإشبيلية وهوبعد غض الشباب عندما قال له:"ياولدي، سد الباب واقطع الأسباب وجالس الوهاب، يكلمك من غيرحجاب" ص97.
وتقوم الباحثة نجاة هذا العمل الروائي بقولها:"وأخيرا، إذا كانت هذه الرواية بمعانيها ومبانيها فتحا جديدا في الكتابة الروائية الجادة، فإن تقمص شخصية ابن عربي لسرد الأحداث التاريخية والسياسية لم يكن إلامفتاحا للحديث عن التصوف الإسلامي في أبهج صوره ممثلا في شخصية السارد ابن عربي، كما أنه كان تكريسا لفهم العلاقة بين التصوف والحكمة أوكما جاء في حوارمع المؤلف:" فالتصوف يقوم على الذكر، والتفلسف يقوم على الفكروفي كل منهما جزء من الآخر، فالتصوف علم وذوق وكشف وعلم التحقيق هو الحكمة المطلوبة".
" رواية ممتعة، تشدك مباحثها وأبوابها إلى التفكرفي حقيقة الوجود، وكنه الحياة، وإلى وجوب التشبع بالعلم وإعمال الفكر، مع ما للتعبد والخلوة من حضور، إذ يرى المرء ببصيرته مالايراه ببصره، وهوما رغبت في توضيحه وعرضه غيرملتزمة بالتفصيل في تقنيات الكتابة الروائية وشخوصها وتشابك أحداثها وأساليب السرد المتنوعة فيها، وإذا كانت الرواية ما هي إلاسرد لمجموعة من الأحداث ورصد لشخصيات، مع ما للتخييل من حضورتستثيره اللغة، فإن ما ميزىواية قاف هوأسلوبها"(ص52 53).
صدرهذا الكتاب عن مطبعة الرسالة في الرباط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.