أسعار النفط دون تغير يذكر وسط مخاوف بشأن الطلب    الدّوخة في قمة الدّوحة !    إشهار الفيتو الأمريكي للمرة السادسة خلال عامين ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة يزيد عزلة واشنطن وإسرائيل دوليًا    "لا موسيقى للإبادة".. 400 فنان عالمي يقاطعون إسرائيل ثقافيا    سطاد المغربي يعين الصحافي الرياضي جلول التويجر ناطقا رسميا    أولمبيك آسفي مطالب بالحذر من نيجليك النيجري لمواصلة الحلم القاري    زلزال بقوة 7.8 درجات يضرب شبه جزيرة كامتشاتكا شرقي روسيا    حديث البقالي يفتح ملف الجامعات المغربية وتصنيفها العالمي    كيوسك الجمعة | الحكومة تبشر المتقاعدين بالإعفاء الكلي من الضريبة على الدخل    وفاة شاب في حادث سير مروع بين مراكش وتحناوت    الجزائر تهتز بهروب "ناصر الجن" وحلقة جديدة في صراع الأجنحة داخل الجيش و المخابرات.    "الجمعية" تضع شكاية لدى النيابة العامة حول شبهة استعمال الموانئ المغربية في نقل عتاد عسكري موجه لغزة    حموني يطالب بحل أزمة الكهرباء في بولمان.. انقطاعات متكررة وحرمان من الربط        طقس حار وزخات رعدية محلية بعدد من مناطق المغرب اليوم الجمعة            الحضري يتوقع نهائي المغرب ومصر    المغرب في المهرجانات العالمية    جلالة الملك محمد السادس يدشن ويزور مشاريع كبرى بالعاصمة الاقتصادية للمملكة    حضور مُستشارَيْن فقط في أشغال لجنة المرافق بجماعة تطوان.. هل مصير الدورة الاستثنائية على كف عفريت؟    تقرير: 68% من المغاربة يشعرون بالأمان عند السير ليلا    إسرائيل تكثف قصف غزة بالدبابات والطائرات وسط موجات نزوح غير مسبوقة    تدشينات ملكية تؤجل لقاء وزير الداخلية بقادة الأحزاب الممثلة في البرلمان    إسرائيل توقف المساعدات عبر الأردن    الصين: الاشادة باتحاد المجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات المماثلة بافريقيا، برئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي، لدوره في تعزيز التعاون الصيني الافريقي    كرة القدم.. المغرب والبرتغال يتبادلان وجهات النظر حول عدد من المواضيع المتعلقة بمونديال 2030    أزولاي: الدينامية الثقافية في المغرب تجسد غناه وقدرته على الانفتاح على العالمية        الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    المصادقة على تعيينات جديدة في مناصب عليا    العقوبات البديلة بالمغرب .. هذا تسهر منصة على تنفيذ المراقبة الإلكترونية    شيرين وحسام حبيب يقضيان عطلة في "ماربيا"    توقيف حكم مباراة اتحاد طنجة وحسنية أكادير بسبب الأخطاء التحكيمية    ترويج الكوكايين والأقراص المهلوسة بالعرائش يطيح بشخصين    آسية رزيقي تواصل التنافس بطوكيو    الخطوط المغربية تدشن خطا جويا جديدا مباشرا بين الدار البيضاء ونجامينا    البحرين تواجه "أسود الأطلس" بالرباط    إسرائيل تجمد تمويل مكافآتها السينمائية الرئيسية بسبب فيلم «مؤيد للفلسطينيين»    فيلم «مورا يشكاد» لخالد الزايري يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان وزان    الفنان مولود موملال: جمالية الغناء الأمازيغي وفاعليته التوعوية    تسجيل 480 حالة إصابة محلية بحمى "شيكونغونيا" في فرنسا    الكشف عن لوحة جديدة لبيكاسو في باريس    "مجلس حقوق الإنسان" يطالب بحرية التعبير الرقمي وحماية المواطنين من دعاوى التشهير الحكومية    350 شخصية من عالم الدبلوماسية والفكر والثقافة والإعلام يشاركون في موسم أصيلة الثقافي الدولي        النفط يتراجع وسط مخاوف بشأن الاقتصاد الأمريكي وتخمة المعروض    أكثر من 200 مليون دراجة هوائية في الصين        الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    آلام الرقبة قد ترجع إلى اختلال وظيفي في المضغ        ألمانيا تقلق من فيروس "شيكونغونيا" في إيطاليا    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



املأ قلبك يا عليّ
نشر في عالم برس يوم 16 - 02 - 2021

أصبح ولله الحمد . يالَصباحِ الجبل !! جَوٌّ ربيعيٌّ في عِزِّالصيف!
يبدو أنني نمتُ طويلا ، فهاهي الشمس في كبد السماء . طوال ليلي حلمتُ نفس الحلم . كنتُ أراني أسبح ببطء في بحر عميق هادئ . كنت أراني متجها صوب خيمتي الصغيرة المنعزلة على شاطئ بعيد ، بدا لي أنها كانت تناديني ، وتلوح لي بستارة بابها الخضراء . سبحت طيلة حلمي ، طيلة ليلي وجزء من نهاري ، وأخيرا وصلت ،،، أخيرا أفقت . حمدت الله على السلامة ، فأخطار بعض الأحلام أشد وقعا على النفس والجسد من أخطار الواقع .
وقفت أمام الخيمة أُجيل بصري في جوانب القرية التي بدت هادئة وخالية . لا أثر حتى للدجاج الذي كان عشية أمس يطوف حول المنزل المجاور . وحدها قُبرة كبيرة جثمت على حائط صخري قديم ، وبضع خطاطيف حامت في سماء القرية صامتة على غير المعتاد . لاشك أن أمرا ما قد حصل . لم أتعود مثل هذا الهدوء القاتل على كل حال.
قمتُ بتسخين كأس شايٍ بائت ، قذفته في معدتي ، ثم أغلقت الخيمة وتوجهت نحو النهر، لعل ضفتيه تَعُجَّانِ بالحياة .
مشيتُ بضع دقائق فسمعت غناء قادما من الضفة القريبة ، ثم سمعت أصوات أطفال ونساء . فكرت :" لعلهم جميعا هبوا إلى النهر باكرا ،بدون ضجيج ، متواطئين مع حلمي الطويل ".
على الضفة ، في ظلال شجرة جوز كبيرة ، كانت العجوز "نَانََّا عائشة " تغسل رداء صوفيا قديما ، وبالقرب منها طفلان يلعبان في الرمال .
اقتربتُ ، وجلست على صخرة ملساء مجاورة . في الضفة الأخرى كثيفة الأشجار، كانت فتيات يجمعن حطبا يا بسا ويَحْزِمْنَهُ في صمت .
انطلق صوتُ راعٍ بالغناء . لقد اعتلى صخرة مرتفعة ، وظل يتغنى بما به ،، غنى آماله وأحزانه ، ولواعج حبه ،وأمانيه وأماني قريته . شدتني قصائده التي لم أفهم كل معانيها ، ولكن تملكني شجاها .
لا حظتُ أن "نَاَّنَا عائشة "، والفتيات كن يتتبعن الغناء باهتمام وتأثر. تساءلتُ : هل يجرأ أحد فتيان قبيلتي المحافِظة على الغناء هكذا ؟ وأمام النساء ؟ لا شك أن لهذه المنطقة كيمياءها الخاصة .
عندما سكت الراعي ، دعتني العجوز للجلوس قربها . سألتْ بصوت رخيم : هل أعجبك الغناء يا علي ؟ لا معنى لما في دواخلنا ما لم نتغنَّ به . ألا تغني يا علي ؟
قلت ، بعد تردد : لا أعرف يا خالتي ،لم أجرب ذلك .
سألت : "وهل الغناء يحتاج إلى تجربة ؟ أَظْهِرْ ما في قلبك والسلام ، ليس ضروريا أن تتعلم الغناء من أحد . لن تكون محترفا على كل حال . من الأفضل أن تجعل أحلامك وهمومك تعانق الفضاء ، بدل أن تبقى حبيسةً في دواخلك ، أم تحسب قلبك فارغا ؟"
لم أجب، ظلت يداي منشغلتين بفتل حبل من الحشائش . المؤكد أن قلبي مليء بعواطف شتى ، لكن لا أظنها تعني أحدا غيري . هذا ما فهمته آنذاك . كنت اعتبر الغناء ثمار عاطفة شديدة الخصوصية ، لا يحق للرجال الحقيقيين إظهارها للملأ . لا أعرف إن كانت العجوز فهمت حالتي ، إلا أنها قالت :
"اِملأ قلبك ياعلي ، اِملأْ قلبك بحب كل شيء ، حب الناس ، خيمتِك ، الشجرِ ،الطير، السماء ،النجوم ، الحجر ، حتى بحب الأشواك التي أمامك ، ،،، نعم بحب كل شيء . عندما يتسع قلبك لحب كل شيئ من المخلوقات التي تراها ، والأنغام والأشعار التي تسمعها ، والتراتيل التي تدخل كيانك بلا استئذان ، سيغمره الحبُّ الأكبر ، حُبُّ الخالق يا ولدي ، وستجدك منسجما مع كل جمال هذا الكون ، وقادرا على عيش عمرك عيشا حقيقيا حتى النهاية."
"أتدري ياعلي ، عندما اشتعل الحب في قلبي الصغير وأنا فتاة يانعة ، تحديتُ قَرَّ ليالي الصحراء الشتائية ، وسهرتُ في الخلاء ، أمام الخيام ، أناجي القمر والنجوم ، وأترقب همسةً تحملها النسائم من محبوبي في تُْمْبُوكْتُو . كنت أقطع مسافة الخمسين يوما بخيالي كل ليلة ، لعل قلبي يعلم عنه خبرا وهو هناك ، وكم فرحت لما تخيلته ،وكم بكيت. سامرتُ نجومَ كل الفصول يا عليُّ ، ونَما قلبي ، ،، مع سنوات انتظاري الطويلة ، وصلواتي وابتهالي ، شغل حبُّ خالقي كل كياني ، لم أبق أبالي ببرد شتاء ولا بحر صيف ، لرخاء وقتٍ ولا ضيقِه . دفءُ المحبة ونسيمُها غمراني ،،، لازال حبي لذاك الرجل حَيَّا صافيا كما هو ، رغم أني لم أسعد برؤيته مجددا ، لعله كان البداية نحو حبي الأكبر الغامر . اِملأ قلبك بالحب ليتسع ،ولا تهتم كثيرا بالمتقلبات من حولك ، هَيِّئهُ للحب الأكبر، للدفء الدائم يا عليُّ ، للرحلة التي لن تتكرر ، وغَنِّ حياتك لتصفو وتلين . كل مراهم العالم لن تُليِّن قلبا قاسيا خاصمه الحب ، وكل مُسخنات الأرض لن تدفئ قلبا فارغا يعبث فيه الزمهرير".
لم أردَّ بشيء ، ولا أظن أنني فهمت ساعتها كل ما قصدتْ إليه . فقط ، كنتُ أتسائل: أين وكيف تصلني الشرارة الأولى ، التي قد تُشعل كياني ؟ إن لم تكن جَدْوَةُ المحبة كامنةً في قلبي الصغير منذُ خَلقِ جَدِّيَ آدم عليه السلام .؟
"نَانَّا عائشة " امرأة صوفية من شخصيات " جولات الإسكافي علي بن حمدان "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.