أخنوش: 4 ملايين أسرة تستفيد من الدعم الاجتماعي المباشر و12 مليون مستفيد إجمالاً    أخنوش: الدينامية التي تشهدها العلاقات بين المغرب وكينيا تعكس تطورا إيجابيا على جميع المستويات    بعد أيام من دعوة الفريق الاشتراكي لحضور مديره للمساءلة حول السياسة المالية للمؤسسة ..ONEE يقترض 300 مليون أورو في ظل مديونية جد ثقيلة تفوق 100 مليار درهم    المبارتان الوديتان ضد تونس وبنين فرصة جيدة لتأكيد الخيارات قبل كأس أمم إفريقيا (وليد الركراكي)    "صحة الموظف أولا".. جمعية أطر جماعة تطوان تطلق حملة طبية لإجراء فحوصات مجانية    السلفادور تجدد دعمها للوحدة الترابية للمغرب وتدرس فتح قنصلية لها في مدينة العيون    العيون: افتتاح مركز لمعالجة طلبات التأشيرة نحو فرنسا    بعثة تقنية من وزارة الشؤون الخارجية تزور سوريا لتفعيل القرار الملكي بإعادة فتح سفارة المملكة المغربية بدمشق    حزب الأحرار يبرر لمجلس الحسابات إنجازه 3 دراسات بكلفة تناهز نصف مليار سنتيم من مال الدعم    الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    "تمويل أخضر" جديد يعزز التزام مجموعة الفوسفاط بالاستدامة والابتكار    بوعياش تبرز تحديات الذكاء الاصطناعي    باحث: عيد الأضحى 7 يونيو بالمغرب    مؤسسة محمد السادس تحتفي بتميّز أسرة التعليم في الشعر بعدة لغات    السعودية: عيد الأضحى الجمعة 6 يونيو    "الكاف" يكشف عن الملاعب المستضيفة لمباريات كأس الأمم الأفريقية للسيدات بالمغرب    حاجيات البنوك من السيولة تتراجع إلى 118,7 مليار درهم خلال أبريل 2025 (مديرية)    أخنوش: أكثر من 5,5 مليون طفل ومليون مسن ضمن المستفيدين من الدعم الشهري    الركراكي يستدعي 27 لاعبا لمواجهتي تونس والبنين    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات ": لمحات من سيرة العلامة المحقق المرحوم عبد الله المرابط الترغي.    كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال تستضيف الإعلامية حنان رحاب    أنشطة الموانئ.. رواج بقيمة 60,8 مليون طن في الربع الأول من 2025    الركراكي يعلن ثقته في تتويج المغرب بكأس إفريقيا: "حكيمي سيرفع الكأس"        نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية مصحوبة محليا بتساقط للبرد وهبات رياح اليوم الثلاثاء بعدد من مناطق المملكة    الحبس شهرين لمتهم تسبب بجروح لسيدة استلزمت 88 غرزة    موجة حر مرتقبة.. طبيب ينبه للمضاعافت الصحية ويدعو لاتخاذ الاحتياطات    أخيرا مجموعة عمل برلمانية تشرع في الاستماع إلى وزير الفلاحة حول مخطط المغرب الأخضر    الركراكي: تلقينا اتصالات من الأندية من أجل ترك لاعبيهم واخترت فاس لأن المنتخب لم يلعب هناك ل16 سنة    يوعابد ل"برلمان.كوم": موجة حر قياسية وغير مستقرة مرتقبة هذه الأيام بالمملكة    توقيف مشتبه في إضرامه للنار عمدا في غابة هوارة    مبيعات "تيسلا" تتراجع إلى النصف في أوروبا    أنشيلوتي يعلن قائمة منتخب البرازيل    تزامناً مع موجة الحر.. الدكتور حمضي يكشف عن إجراءات مهمّة لتجنب المخاطر الصحية    الصين تعزز حضورها الاقتصادي في سوريا عبر استثمارات ضخمة بالمناطق الحرة    حقيقة صفع ماكرون من طرف زوجته بريجيت..    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    36% من مستفيدات برنامج التمكين الاقتصادي للنساء من العالم القروي    تراجع أسعار النفط وسط ترقب احتمال زيادة إنتاج "أوبك+"    دراسة: الموز يساعد على خفض ضغط الدم بشكل طبيعي    معرض الصين الدولي للسياحة 2025: المغرب يستكشف أكبر سوق سياحي في العالم    الصين تكشف عن مخطط عمل لسلاسل الإمداد الرقمية والذكية    التهراوي: تسجيل تراجع بنسبة 80 في المائة في عدد حالات الحصبة بفضل حملة التلقيح    كأس إفريقيا للأمم للسيدات.. المنتخب الوطني النسوي يخوض تجمعا إعداديا بطنجة    لوكوس "فوتسال" يتسلم درع البطولة    الحرب الأوكرانية.. الهوية الدينية مفتاح الحرب والسلام في الدول الأوروبية    منها طنجة.. التلفزيون الأيرلندي يحتفي بالمطبخ المغربي ويجوب عدداً من المدن    حاجة المغرب اليوم إلى رجال دولة صادقين    اختتام فعاليات الدورة الثالثة عشر من المهرجان الدولي لفروسية "ماطا" على وقع النجاح الكبير    الخوف كوسيلة للهيمنة: كيف شوّه بعض رجال الدين صورة الله؟ بقلم // محمد بوفتاس    كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال تستضيف الدكتور أحمد العاقد    حكيم شملال: توحيد ألوان الناظور تهديد للروح الجمالية للمدينة    جامعة ما قبل الرأسمالية    عرض مسرحية "توغ" بالناظور    السعودية: 107 آلاف طائف في الساعة يستوعبها صحن المطاف في الحرم المكي    حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    بلاغ جديد من وزارة الأوقاف للحجاج المغاربة    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب على غزة: الإفلاس الاخلاقي و الدبلوماسي للاتحاد الأوروب
نشر في الأيام 24 يوم 21130

دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين منقسمة إلى معسكرين واحد موالي لإسرائيل وآخر متشبث باحترام القانون الدولي، والنتيجة عجز واضح لوقف الجنون الدموي لإسرائيل في حرب الابادة على غزة وسكانها.

قرار اسبانيا وإيرلندا والنرويج (دولة غير عضو في الاتحاد) يوم 28 ماي الأخير، ثم سلوفينيا (4 يونيو) الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة دبلوماسية رمزية بالأساس، لكنها تؤكد في العمق الانقسامات العميقة للاتحاد الأوروبي حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما يجري من تقتيل وابادة للمدنيين في غزة منذ 8 أشهر تقريبا، رئيس الحكومة الاسبانية قال وهو يعلن قرار الاعتراف يوم 22 ماي : نأمل أن يساهم اعترافنا والأسباب التي أملته في دفع دول أوروبية أخرى على نفس الطريق لأنه كلما زاد عددنا كلما كانت لنا قوة أكثر لفرض وقف اطلاق النار والتوصل إلى اطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس واحياء المسلسل السياسي الذي يمكن أن يؤدي إلى اتفاق سلام".

وخلال الأسابيع التي سبقت الاعتراف حاول بيدرو سانشيز اقناع دول أخرى للانضمام لمبادرته، لكن دون جدوى. وألمانيا الحريصة على رعاية إسرائيل وعدم اغضابها حتى بعد 80 سنة على المحرقة لا تريد الحديث عن هذا الاعتراف مثلها مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. أما وزير خارجية فرنسا فقد علق على الموضوع بالقول" فرنسا لا تعتبر أن الظروف توفرت اليوم ليكون لهذا القرار أثر فعلي في هذا المسلسل".

هكذا يتعامل الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه منذ اندلاع الحرب على غزة. وبعد صدمة هجوم 7 أكتوبر الذي نفدته حماس في غلاف غزة واحتجاز الاسرى الإسرائيليين، أكدت الدول 27 في البداية على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس حتى لو أغضب ذلك العواصم العربية.. ثم ما لبثت الخلافات تطفو وتتعمق بين دول الاتحاد. وفي اجتماع المجلس الأوروبي يوم 27 سبتمبر 2023 وبينما بلغ عداد القتلى في غزة 7000 قتيلا ظهرت خلافات حادة بين الدول الأعضاء حول جدوى الدعوة لوقف لإطلاق النار..وبعد نقاشات عاصفة اكتفوا بالدعوة لإنشاء "ممرات إنسانية" . وكانت برلين بشكل خاص ترفض بالمطلق الحديث عن وقف لإطلاق النار حتى لا تحد من حق إسرائيل في الرد.

الصيغة التوفيقية التي تبلورت بصعوبة في بروكسيل، سرعان ما تبخرت في نفس اليوم خلال المناقشات الموازية في نيويورك داخل أروقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث وافقت 8 دول أوروبية على قرار يدعو إلى " هدنة إنسانية فورا" في قطاع غزة( فرنسا وايرلندا وبلجيكا ولوكسمبورغ واسبانيا وسلوفينيا والبرتغال ومالطا) بينما عارضتها أربع دول (النمسا وجمهورية التشيك والمجر وكرواتيا) بينما امتنعت أغلبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عن التصويت ( 15 دولة من ضمنها ألمانيا وبولونيا).

ومع توالي الأسابيع أظهر الاتحاد الأوروبي الذي يتباهى بكونه حقق نقلة جيوسياسية نوعية فيما يتعلق بالغزو الروسي لأوكرانيا، أظهر عجزه التام.. وهذا التشتت لا يبدو مفاجئا في نظر المتتبعين لكون الأوروبيين، ومنذ زمان، تخلوا عن أي تأثير على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتركوا للولايات المتحدة كل المبادرة إزاءه. ورغم كون الأوروبيين لعبوا نوعا من التأثير على الملف في الماضي، إلا أن نوعا من الفتور ظهر في السنوات الأخيرة والكل يدافع عن حل الدولتين لكن بدون قناعة واضحة. فالدول السبعة والعشرين تعطي الأولوية للحرب على أوكرانيا وتعتبره نزاعا "وجوديا"، وبالتالي ليست لها "لا الرغبة ولا الوقت ولا الوسائل للاهتمام" بالنزاع في الشرق الأوسط.

فإذا كانت الدول الأوروبية قد تمكنت حتى الآن من الحفاظ على وحدتها إزاء روسيا ولو بتوافقات شاقة لتجاوز الفيتو المجري، فإن الخلافات تبدو مستعصية عندما يتعلق الامر بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومع توالي الأشهر انقسمت الدول الأوروبية إلى معسكرين، الأول يضم الدول التي تقف إلى جانب إسرائيل ولا تتردد في دعم ومساندة حملتها الهمجية وتتحاشى حتى انتقاد تصرفاتها الوحشية رغم العدد الكبير من الضحايا المدنيين الذين يسقطون يوميا، وهو المعسكر الذي داخله كل من جمهورية التشيك والنمسا والمجر وألمانيا.

على الجانب الآخر نجد حكومات تقول إنها "مع السلام"، ورغم إدانتها القوية لحماس فإنها تدعو إلى وقف لإطلاق النار وتنتقد خروقات إسرائيل للقانون الدولي الإنساني. وتبقى الدول الأكثر "التزاما" في هذا التوجه هي بلجيكا واسبانيا وايرلندا متبوعة بفرنسا التي تبحث عن توازنبين دعم إسرائيل والحفاظ على تواصل مع العواصم العربية.

صحيح أن الأوروبيين يدعون لاحترام القانون الإنساني الدولي، لكن لا يمكن القول بأن هناك دولة أوروبية مساندة لفلسطين فعلا. فلا حكومة أوروبية رفعت العلم الفلسطيني مثل ما فعل البعض مع إسرائيل أو أدانت الاحتلال الإسرائيلي القديم كأحد الأسباب الرئيسة للعنف الحالي كما فعلت العديد من دول ما يسمى " الجنوب الكلي".

هذه الاختلافات متجذرة في تاريخ كل بلد وبالتالي صعبة التجاوز، فلا يمكن فهم موقف ألمانيا تجاه إسرائيل دون أخذ ثقل المحرقة النازية في الاعتبار. وعلى النقيض في ايرلندا مثلا هناك تطابق وتماهي مع القضية الفلسطينية متجدر في تاريخ تحرر البلد من قبضة التاج البريطاني..

يضاف إلى ذلك التوجه اليميني الواضح للحياة السياسية في أوروبا بشكل عام وتنامي يمين متطرف معادي للإسلام والمسلمين والذي افرز تطور مواقف العديد من الدول مثل السويد البلد الذي اعترف بالدولة الفلسطينية سنة 2014 ولكنه تقارب بشكل كبير مع إسرائيل في عهد حكومة يمينية مدعومة من اليمين المتطرف.

وما فتئ محور "يميني لا ليبرالي" يتقوى ويتعزز في إسرائيل كما في الغرب يمزج بين مد هوياتي/ قومي، يغديه خطاب " الحرب على الإرهاب الإسلامي" والمنطق الأمني الكلي، على حساب التحليل السياسي للصراع. وعلى ضوء ذلك ليس غريبا ولا مفاجئا أن نرى فيكتور أوربان أو جيورجيا ميلوني أو مارين لوبين يقفون كليا إلى جانب السياسة الأمنية لنتنياهو.. وبرأن المحللين فإن دونالد ترامب وبنيمين نتنياهو عقدا الأمور أكثر بالمساهمة في تهميش وابعاد القضية الفلسطينية عن دائرة الاهتمام الدولي ولو أن الخلافات الاوربية حول القضية سابقة على مرورهما في السلطة… ومنذ اندلاع "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر ظل الجدل سيد الموقف في بروكسيل وفي أوساط مسؤولي المفوضية الأوروبية الذين أظهروا جبهة موحدة بخصوص النزاع في أوكرانيا. ويوم 13 أكتوبر قررت رئيسة المفوضية الأوروبية أرسولا فان دير لاين التوجه إلى إسرائيل بمبادرة شخصية منها. ورافقت رئيسة البرلمان الأوروبي روبيرتا ميتسولا المدعوة من طرف الكنسيت الاسرائيلي. وهناك أعلنت وزيرة الدفاع السابقة في حكومة انجيلا ميركل لدى استقبالها من طرف نتنياهو على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها اليوم وفي الأيام المقبلة". ولم تبد أي إشارة لمصير الفلسطينيين في غزة. دعم لا مشروط أثار الدهشة والإحباط في بروكسيل باريس أو مدريد خاصة وأن وزراء خارجية الدول الأوروبية صاغوا قبل ثلاثة أيام من هذه الزيارة موقفا توافقيا " يدين الهجمات الأخيرة ويدعو إلى حماية المدنيين وضبط النفس وتحرير الرهائن والسماح بوصول الغذاء والماء والأدوية إلى غزة طبقا للقانون الدولي الإنساني وفتح ممرات إنسانية آمنة".


خلال هذه الزيارة المثيرة للجدل كان أزيد من 2000 مدني فلسطيني قد قتلوا في الضربات الجوية الإسرائيلية. وتصريحات السيدة فان دير لاين خلفت اضرارا كبيرة.. ولتصحيح آثارها اضطر رؤساء الدول والحكومات الأوروبية لنشر بيان مشترك يوم 15 أكتوبر يذكرون فيه بأن الاتحاد الأوروبي " متشبث بسلام دائم ومستدام يرتكز على حل تعايش الدولتين". وفي دوائر المجلس الأوروبي أو في بعض العواصم يتردد أن رئيسة المفوضية ليس مفروضا أن تأخذ المبادرة وتكون في الواجهة بخصوص قضايا السياسة الخارجية…

هذا الغموض يتجاوز شخصية فون دير لاين ، فالمفوض المجري المكلف بسياسة الجوار أوليفيي فارهيلي المقرب من الرئيس فيكتور أوربان، حاول يوم 9 أكتوبر تعليق التحويلات المالية للسلطة الفلسطينية تم حاول في يناير تعليقها لفائدة وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة بعد أن اتهمت إسرائيل بعض موظفي الوكالة بالمشاركة في هجوم حماس دون أدلة مقنعة… وفي كل مرة كان جوزيف بوريل الممثل الأعلى للشؤون الخارجية ونائب رئيسة المفوضية الأوروبية ، وكذلك المفوض السلوفيني المكلف بالمساعدات الإنسانية يتدخلان لكي يعيد المفوض المجري هذه التمويلات. بعدها تراجعت حدة هذه التوترات وحاول كل واحد استعادة مكانه الطبيعي تحت مراقبة العواصم الأوروبية. والجميع لا ينكر وقوع تشنجات متضاربة داخل أروقة اللجنة الأوروبية وسرعان ما ابتعدت أورسلا فان دير لاين عن الواجهة واستعاد جوزيف بوريل المشعل. وهو اليوم يعبر عن موقف قوي حول الموضوع يمكن ألا تروق للدول الأعضاء ولكنه صوت مسموع في دول الجنوب. فالسيد بوريل وزير خارجية اسبانيا سابقا(اشتراكي) يعرف جيدا إسرائيل، بل سبق له أن اشتغل في أحد المستوطنات الإسرائيلية في صيف 1969.
في سنة 2022 وكممثل اعلى للسياسة الخارجية للاتحاد، ترأس بوريل استئناف المناقشات السياسية على أعلى مستوى مع الحكومة الإسرائيلية التي كان يقودها أيير لابيد. وفي سبتمبر 2023 وبينما كانت القضية الفلسطينية خارج رادارات الدبلوماسية العالمية، عمل على جمع حوالي 50 وزير خارجية أوروبي وعربي على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة بهدف التفكر في وسائل مصاحبة اتفاق محتمل بين الفلسطينيين وإسرائيل. ومنذ ذاك الحين تسارعت الاحداث وفاجأت مجموع الدبلوماسية الأوروبية.

في خضم هذه الاحداث، ولا يفلت جوزيف بوريل من الانتقادات: فتصريحاته القوية التي يندد فيها بهجمات حماس وفي نفس الوقت برد الفعل الإسرائيلي تثير بعض التناقضات: في نونبر 2023 صرح لقناة الجزيرة القطرية، في وقت كان عداد القتلى من الفلسطينيين قد تجاوز في غزة 13000 " لا يمكنني أن أقول بوجود جرائم حرب لأنني لست محاميا". وفي الدقيقة الموالية أكد بدون أدنى تردد بأن ما قامت به حماس يوم 7 أكتوبر يرقى لجرائم حرب. ويرى في ذلك بعض المقربين من بوريل أنه ربما حاول حلحلة تمزق الدول ال27، ولكن كان عليه أن يكون أكثر تكتما. لقد فشل ولكن لا يمكن تحميله الإفلاس الأخلاقي للاتحاد الأوروبي. وقد حاول تدارك الأمور عندما قال: أحاول دائما تقديم موقف توافقي: إذا قلنا بأن قطع الماء والكهرباء والغذاء عن سكان محاصرين مخالف للقانون الدولي في أوكرانيا، إذا الامر نفسه في غزة. أذا لم نقبل هذا الموقف الكوني فنحن متهمون بالكيل بمكيالين".
محاولات إعادة تصويب الاتجاه هاته لا تزال بعيدة عن الاقناع حتى داخل مؤسسات بروكسيل نفسها. في ثلاث مناسبات، في دجنبر 2023 وربيع هذه السنة، تظاهرت مجموعات من موظفي المؤسسات الأوروبية بشكل غير مسبوق أمام مقر المجلس الأوروبي أو المفوضية الأوروبية مطالبين "بوقف لإطلاق النار في غزة. وطالبوا بمراجعة الموقف الأوروبي من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني". ووصف أحد المتظاهرين السياسة الأوروبية بكلمة "العجز". ويضيف " ليس مفاجئا أن يظهر الاتحاد الأوروبي كمرقب صامت، ولكن ذلك يخلق أجواء غير سليمة داخل مصالح الدبلوماسية في بروكسيل كما بين المصالح الدبلوماسية الاوربية لدى تل أبيب ونظيرتها لدى الفلسطينيين في القدس، فالانقسامات قائمة أيضا". مما يؤكد وجود اختلاف في المقاربات بين الدبلوماسيين الذين يتابعون قضايا المنطقة يوما بيوم ورؤساءهم في بروكسيل.

ومن المرتقب أن يجتمع موظفو الاتحاد الأوروبي في بروكسيل في ملتقى روبير شومان قرب المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي يوم 8 ماي للاحتجاج ضد سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه غزة.
ويؤكد أحد الدبلوماسيين الأوروبيين السابقين والذي اشتغل في إسرائيل" الاختباء وراء صعوبة إيجاد توافق بين الدول السبعة والعشرين تبرير سهل جدا" ويدعو إلى مقاربة جديدة من خلال ملاحظات سرية رفعها للمسؤولين الاوربيين، ويعتبر أنه " خلافا للفكرة الجاهزة التي تقول بأن الاتحاد الأوروبي "مانح وليس فاعل"، لعب الاتحاد وما زال يلعب دورا سياسيا يسير وبشكل مناقض ضد التزامه من أجل حل الدولتين: من خلال تغذية الانقسام داخل الصف الفلسطيني بدعم أعمى للسلطة الفلسطينية ومن خلال دعم حكومات إسرائيلية تعمل ضد انشاء دولة فلسطينية من خلال سياسة الاستيطان في الضفة الغربية".

وبينما يتزايد تعداد القتلى في غزة أصبح تخلي الاتحاد الأوروبي عن استعمال الآليات التي يمتلكها للتأثير على إسرائيل، وهي الشريك التجاري الأول، فاضحا". فهناك طابو لاتخاذ إجراءات ملموسة، بالإمكان مثلا منع المنتجات القادمة من المستوطنات في الضفة الغربية بالاستناد على التوافق الأوروبي والقانون الدولي الذي يعتبر الاستيطان في الأراضي المحتلة غير شرعي. وهو أمر سيكون استجابة لانتظارات المستهلكين الأوروبيين. ولكن في هذا المجال كما في مجالات أخرى، لم تقم القيادات الأوروبية بأي شيء. بل الادهى من ذلك، في أوج الحرب، عندما أعطت المؤسسات الأوروبية الضوء الأخضر لنقل المعطيات لإسرائيل واطلاق شراكات تعاون جديدة مع هذه الدولة، فهي تعطي لنتنياهو إشارة واضحة بأن المعاملات والتجارة قائمة كما العادة.

يوم 14 فبراير وللخروج من هذا الجمود الذي يرى فيه العالم العربي شكلا من العجز إن لم يكن نوعا من التواطؤ مع إسرائيل، طالب رئيس الوزراء الاسباني ونظيره الإيرلندي بمراجعة اتفاق الشراكة بين الاتحاد الاوروبي وإسرائيل. وترى الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان و195 منظمة غير حكومية أن" الاتحاد الأوروبي يعتبر احترام حقوق الانسان يشكل عنصرا أساسيا لاتفاق الشراكة" لتبرير تعليق العمل بهذا النص الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2000.

ألمانيا والنمسا وجمهورية التشيك وبلغاريا والمجر رفضت في البداية أية مناقشة في الموضوع، لكن في النهاية توصل وزراء الخارجية يوم 27 ماي لتوافق بالدعوة لاجتماع مجلس الشراكة مع إسرائيل لمناقشة احترام هذا البلد لالتزاماته في مجال حقوق الانسان.. سنرى النتائج.
قضية أخرى من القضايا الأفظع المسكوت عنها: كان بإمكان الأوروبيين اعلان حضر على الأسلحة نحو إسرائيل. وإذا كانت العدالة الهولندية قد أوقفت إعادة تصدير مكونات طائرات إف-35، فإن الحكومات لم توقف أبدا إمداداتها، وفي مقدمتها ألمانيا وهولندا. والمفروض أن توقف هذه الدول إمداداتها عندما يكون هناك خطر المساهمة في حدوث خروقات للقانون الدولي الإنساني. وفي سنة 2018 في أوج الحرب في اليمن رفضت برلين بيع الأسلحة للعربية السعودية.

والنتيجة. أوروبا تجد نفسها اليوم ممزقة تماما، فبين الدول السبعة والعشرين هناك دول مساندة لإسرائيل مستعدة لعرقلة كلية لإقرار مواقف موحدة إذا كانت ستتضمن انتقادات مباشرة لما تقوم به إسرائيل في غزة. والنتيجة أن الاتحاد الأوروبي يجد نفسه اليوم متهما بكونه يتبنى مبادئ بمعايير مختلفة " فبين أوكرانيا التي يشجع الاتحاد الأوروبي التحقيقات في جرائم الحرب المفترضة ضد روسيا، وغزة التي لا يتعدى فيها الاتحاد الإدانة، نشهد أسوأ سياسة للكيل بمكيالين".

والحالات النادر التي تمكن فيها الاتحاد الأوروبي من اتخاد عقوبات تطلب الامر أكثر من ستة أشهر وبنتائج في حدها الأدنى: في أبريل الماضي تم إقرار منع دخول أربعة مستوطنين عنيفين من الضفة الغربية ومنظمتين مساندتين للاستيطان من دخول تراب دول الاتحاد، بينما تم تجميد ودائعهم في البنوك الأوروبية، وهي قرارات متأخرة كثيرا حتى على مواقف الولايات المتحدة.

هذا العجز يبدو محيرا لكون أوروبا لعبت في الماضي دورا محوريا في جهود حل النزاع. ومن خلال اعلان البندقية سنة 1980 بمناسبة القمة الأوروبية، فتحت أوروبا الباب لحل الدولتين عندما كانت هذه الفكرة غير مستساغة ما وراء الأطلسي. الإعلان دافع عن " حق الوجود الآمن لكل دول المنطقة بما فيها إسرائيل، والعدالة لجميع الشعوب. وهو ما يعني الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني".
في سنة1993، وقد تحول الاتحاد من 12 دولة إلى15 دولة، ساند الاتحاد بقوة اتفاقات أوسلو المرتكزة على مبدأ" الأرض مقابل السلام".
وبدأ هذا التموقع بين المعسكرين يختل انطلاقا من الانتفاضة الثانية سنة 2000. فرؤساء الدول والحكومات الذين عبروا عن ادانتهم للقمع الشرس من طرف الجيش الإسرائيلي، كانوا يتعرضون لانتقادات شديدة من قبل إسرائيل. وبعد انفجارات 11 سبتمبر سنة 2001 التي تبناها تنظيم القاعدة، نجحت حكومة شارون في فرض فكرة أن أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية هو إرهاب. وهذه اليافطة شلت أي تفكير جدي ورصين حول هذا الصراع.

وهناك عوامل أخرى خاصة بالاتحاد الأوروبي انضافت لتعزز هذا الجمود الأوروبي، بدءا بالتوسع الذي شهده الاتحاد سنة 2004 الذي شهد انضمام 10 دول جديدة متل المجر وبولونيا، وهي دول لها علاقات جيدة مع إسرائيل وبالأخص حريصة على عدم التميز عن الولايات المتحدة. وحرب غزة أظهرت متانة وقوة العلاقة الاستراتيجية بين هذه الدول وإسرائيل من جهة وتماهيها مع الولايات المتحدة من جهة ثانية. وهو ما أضعف قدرة الاتحاد الأوروبي على التحدث بلغة واحدة.

وانطلاقا من سنوات 2010 قرر الاتحاد الأوروبي إدماج إسرائيل في سياسة الجوار. وبدأ التفكير في علاقته مع إسرائيل بتقسيم ملفات التعاون مثل البحث العلمي وتنقل الطلاب والطاقة والتجارة… وذلك بدون أي إحالة على السياق الإقليمي، أي بدون اشتراط في مجال حقوق الانسان.

وفي الوقت الذي يتواصل الحصار المفروض على غزة وتتسارع وثيرة الاستيطان في الضفة الغربية، تبدي العواصم الأوروبية مبالاة متزايدة تجاه المنطقة. وتحولت بلاغات إدانة السياسة الإسرائيلية إلى صيغ جوفاء، جافة لا يبالي ولا يهتم بها أحد. فالاتحاد الأوروبي أدان 76 مرة مبادرات الاستيطان الإسرائيلية خلال 5 سنوات… فكيف تكون لها مصداقية إذا لم تكن متبوعة بإجراءات ملموسة. والنتيجة أن نتنياهو لا يهتم ولا يسمع حتى ما يقوله الاتحاد الأوروبي. وبالنسبة له الأوروبيون منقسمون ويراعون أكثر المواقف الفلسطينية ولا يرى فيهم شركاء نافعين…ولم يعد لمواقف الاتحاد الأوروبي التقليدية أي صدى في إسرائيل بحكم التطرف اليميني للساحة السياسية المحلية والتي زادها هجوم حماس تطرفا وتعقيدا…ناهيك عن العجز الواضح للولايات المتحدة في اقناع إسرائيل بوقف الحرب والعودة إلى المسار السياسي.
عن لوموند بتصرف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.