يوم بيوم نور الدين مفتاح يكتب: عالم بلا خرائط نور الدين مفتاح نشر في 3 أبريل 2025 الساعة 17 و 04 دقيقة «كان بايدن – حسب وودوارد في كتابه «الحرب» – قد نصح نتنياهو في أعقاب «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر 2023 بعدم القيام بغزو بري في غزة، لكن إسرائيل مضت قدما في ذلك. وضغط بايدن على نتنياهو للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، لكن الهجوم العسكري جعل ذلك شبه مستحيل ... كما حذر بايدن نتنياهو من شن هجوم عسكري على رفح، لكن في نهاية المطاف أرسل نتنياهو الجيش». نور الدين مفتاح [email protected]
هل كان جو بايدن وإدارته السابقة شركاء في الحرب الشنيعة على غزة؟ بالطبع.
وعلى الرغم من ذلك قال الرئيس الأمريكي السابق عن نتنياهو: «إنه كذاب لعين، وإن 18 من أصل 19 شخصا يعملون معه كذابون ملعونون». والذي أورد هذا الكلام لا يمكن التشكيك فيه كمصدر لأنه أحد أشهر العاملين في قطاع الصحافة عبر التاريخ، بوب وودوارد مفجر فضيحة ووترغيت التي أطاحت بالرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون. «كان بايدن – حسب وودوارد في كتابه «الحرب» – قد نصح نتنياهو في أعقاب «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر 2023 بعدم القيام بغزو بري في غزة، لكن إسرائيل مضت قدما في ذلك. وضغط بايدن على نتنياهو للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، لكن الهجوم العسكري جعل ذلك شبه مستحيل ... كما حذر بايدن نتنياهو من شن هجوم عسكري على رفح، لكن في نهاية المطاف أرسل نتنياهو الجيش». لنلاحظ كيف كان بايدن الشريك في الحرب يمارس لعبة شد وجذب مع حكومة يمينية متطرفة في تل أبيب، ولنقارن هذا مع الوضع الحالي حيث يقود البيت الأبيض دونالد ترامب، أحد أكثر الرؤساء في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية إثارة للجدل والسخرية والصدامات والصدمات! بكل بساطة، تبين أن الرئيس الأمريكي كان أكثر تطرفا من حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية. لقد ضغط في ليلة تنصيبه على نتنياهو، فوقع اتفاقا شاملا مع حماس من ثلاث مراحل، وقيل إن هذا «الترامبو» نفذ فعلا ما وعد به وأوقف الحرب بمجرد دخوله البيت الأبيض. وكان من تداعيات توقيع الاتفاق خروج أكثر الإسرائيليين تطرفا وزير الأمن القومي بن غفير من الحكومة، مما جعل نتنياهو عمليا يفقد أغلبيته في الكنيسيت. ورغم ذلك تعهدت المعارضة اليسارية بأن تضمن للائتلاف الحاكم الأغلبية إذا استمر اتفاق الهدنة ثم وقف الحرب. ولكن، بعد أسابيع على بداية عملية تبادل الأسرى، وعلى مشارف المرحلة الثانية من الاتفاق الذي تم برعاية أمريكية قطرية مصرية، خرج ترامب مثل فيل في محل خزف، وأطلق تصريحات لم تدُر في خلد مؤسسي الحركة الصهيونية ولا كانت في مخططات حتى بن غفير ووزير المالية المتطرف سموتريتش. فقد قال: «إما إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة من طرف حماس أو أن الجحيم سيصب على غزة»! وهذا تمزيق لاتفاق كانت الولاياتالمتحدة هي التي كتبته أصلا. ثم زاد الفيل هيجانا بحيث اقترح تهجير سكان غزة كلهم! وحيازة القطاع من طرف الولاياتالمتحدة لتحوّله إلى ما سماه «ريفييرا الشرق الأوسط». لقد كان ترامب يفكر بعقلية المنعش العقاري وكانت سذاجته الفظة مصدر إلهام لكل الصهاينة المتطرفين الذين ساندوه في الانتخابات ويدورون في فلكه وضمن فريقه وإدارته. وهكذا تحولت الأمور مائة وثمانين درجة، وتحول معها الرجل الذي قال في حملته إنه بمجرد انتخابه وقبل تنصيبه سينهي حربين في أوكرانياوغزة، إلى رجل يعيد الحرب إلى الشرق الأوسط بشكل أكثر بشاعة، ويغير من أهداف هذه الحرب، ويعيد بن غفير إلى الحكومة، ويدفع نتنياهو إلى قطع رؤوس القياديين في إدارته الذين يقفون ضد حرب الإبادة أو على الأقل ضد التضحية بالرهائن الإسرائيليين من أجل أحلام صهيونية توراتية تؤمن بإسرائيل الكبرى. وخرج المنعش العقاري صديق ترامب الذي تحول إلى مبعوث للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ليقدم ما سماه مشروع اتفاق أمريكي، وهي أول مرّة يكون هناك اتفاق دولي لوقف حرب ثم ننقضه ونأتي باتفاق جديد، وهذا الاتفاق ليس مفاده هو القضاء على حماس، ولكن القضاء على سكان غزة إما بالقصف والقنابل وإما بالتهجير!! وما يجري منذ 19 مارس، صدم ما تبقى من ضمير حي في هذا العالم السابح في جنون غير مسبوق، بتحرك الطيران الإسرائيلي ليقصف في كل مناطق غزة بشكل متزامن، مما خلف مباشرة أكثر من 400 شهيد. وها هي الحرب مستمرة من طرف جيش مدجج بأكثر الأسلحة فتكا ضد مدنيين عزّل. هو ترامب الذي رفع السقف، وهو نتنياهو الذي وجد في هذا مخرجا من مأزقه السياسي الداخلي، وهو اليمين المتطرف الذي وجد حليفا في البيت الأبيض غير مسبوق ولن يتكرر. في ولايته الأولى، كان ترامب أول رئيس للولايات المتحدةالأمريكية ينقل سفارة بلاده في إسرائيل إلى القدس ويعترف بها عاصمة، وهو أول رئيس يعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، وهو أول رئيس اقترح في صفقة القرن أن تبيع السلطة الفلسطينيةالضفة الغربية وقطاع غزة ب 50 مليار دولار! وبعدما رفض محمود عبّاس – وهو ليس حماس – منعوا عنه المساعدات الدولية بتهديد الدول المانحة بالعقوبات إن هي تعاملت مع السلطة الفلسطينية. الذي يجري اليوم أكثر بشاعة مما جرى خلال سنة ونصف من حرب الإبادة الجماعية التي جرّمتها المحكمة الجنائية الدولية. الذي يجري هو قرار قتل للمدنيين يطير في السماء ويتحرك بالمدفعية في الأرض، ومن يرد أن يفلت بجلده فعليه أن يخرج من القطاع. وإذا كان التهجير جريمة في القانون الدولي، فإننا سنجد لأول مرّة في التاريخ أن وزارة الدفاع الإسرائيلية تمأسس جريمة ضد الإنسانية وتخلق إدارة تابعة لهياكلها مكلفة بتهجير سكان قطاع غزّة. لقد تجاوز الصهاينة المتطرفون قضيّة الأسرى، وقضية حماس، وقضية 7 أكتوبر، وأصبح الهدف هو ما كان مضمراً منذ عقود: إنه محو الفلسطينيين من على وجه الأرض. ولنرجع إلى ما كتبه نتنياهو قبل 30 سنة في كتابه «مكان تحت الشمس» حيث يقول: «إن قيام دولة ثالثة بين الأردن وإسرائيل لن تساهم في إحلال السلام بين اليهود والعرب، ولكنها ستزيد حماس أولئك المتطرفين بين العرب لزيادة جهودهم الرامية إلى القضاء على إسرائيل»!! ويضيف بشكل أكثر وضوحاً: «إن الموضوع الذي يجب مناقشته مع عرب الضفة الغربية هو مسألة صفتهم المدنية وليس مطالبتهم بالسيادة العربية على هذه المناطق الحيوية لمستقبل إسرائيل». رجل بهذه العقيدة عندما يلتقي مع بن غفير المدان ثماني مرات بجرائم عنصرية، وعندما يجد سنداً من رجل كترامب حليفا فوق العادة، ماذا عساه يفعل؟ بالطبع سيطلق يده الدموية إلى أن يبيد الفلسطينيين. إنه لا يخفي تطلعه للتطبيع مع الدول العربية مقابل تصفية القضية الفلسطينية. هذا هو المخطط الوحيد الموجود في جعبة رئيس وزراء الكيان الصهيوني ومن معه. والذين يعتقدون أن المشكل في الشرق الأوسط هو حماس أو المقاومة أو طوفان الأقصى هم إمّا سذج أو متواطئون أو منكرون للواقع أو محبون لإسرائيل، وكم كان مثيرا لكل أنواع الامتعاض والتقزز والألم أن يذهب بعض النكرات من المغاربة إلى إسرائيل، ليقولوا إنهم يتضامنون مع نتنياهو ضد الإرهاب الفلسطيني! هؤلاء يعلنون ما يضمره البعض، فهل هذه حرية تعبير! هل الإشادة بالجرائم ضد الإنسانية حرية تعبير؟ هل وصل بنا الأمر في نهاية كل هذا الهوان إلى الدرجة التي يركع فيها البعض للقتلة والجبابرة الطغاة الذين شردوا شعبا وارتكبوا أبشع المجازر منذ 1948 ويقتلون اليوم الأطفال والرضع ويقصفون المشافي ويمنعون الأكل والماء والدواء عن مليونين ونصف المليون من البشر ممن اعتبرهم وزير الدفاع الصهيوني السابق حيوانات؟ هل يتعلق الأمر بحماس أم بالفلسطينيين كفلسطينيين وبالعرب كعرب وهم في هذا لا يميزون بين عربي وأمازيغي وماروني وشيعي وسني، المهم عرب هم من البحر إلى البحر. واقرأوا أدبيات حزب بن غفير «القوة الصهيونية» ليستفيق من يعتقد أن السلام مازال ممكنا بحل الدولتين، إنها دولة واحدة يريدونها وحدودها غير مرسومة، وانتظروا حتى ينتهوا من الفلسطينيين إن استطاعوا ذلك، ويعرفون البداية التي ستكون بنهر الأردن: «إنه بضفتيه لنا» يقولون، وليس الضفة الغربية فقط. وما الذي سيمنعهم إذا كان البعض في كل مرة يحمّل الضحية وزر ما يقع لها: العرب من رفضوا التقسيم في 1948 ويستحقون ما جرى لهم، العرب من بادروا بالحرب في 1967 ويستحقون النكسة، العرب من ركبوا رؤوسهم ورفعوا اللاءات الثلاث في السودان: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض، وهم يتحملون وزر التأخر في المطالبة بمجرد دولة فلسطينية على حدود 1967! وعندما قبل العرب اتفاقات أوسلو على مرارتها والتي لم تطبق قط إلا في شكل سلطة فلسطينية بالضفة، والقطاع بلا سلطة، فإنهم هم المسؤولون عن حالهم لأنهم تجرأوا على مقاومة محتل لم يرد أن يفي بمجرد اتفاقات تعطي للفلسطينيين مجرد 20٪ من فلسطين التاريخية و80٪ لإسرائيل مع «نَعَمَات ثلاث»: نعم للصلح نعم للاعتراف نعم للتفاوض! هل تستقيم هذه القراءة الإجرامية للتاريخ مع ما يجري من إبادة جماعية اليوم والبعض يتحدث عن موازين القوى؟ أي عالم هذا يا رب الذي نعيشه وقد صار كما قال الروائي عبد الرحمان منيف، عالما بلا خرائط، وأي عالم يريده لنا بعض أبناء جلدتنا إذا كنا نعرف أن التحالف العالمي اليوم لا يريدنا دينا وعرقا وثقافة وهجرة إلا من فلسطين. يريدوننا مستسلمين خانعين فاقدين للسيادة والكرامة والأنفة وإلا فالجحيم، واطمئنوا، فلن يستثنى منّا أحد. والأيام بيننا.