كشف بنعلي المنصوري، الوزير الذي شغل عدة مناصب وزارية في السبعينات قبل أن يصبح واحدا من أعضاء الديوان الملكي في أكتوبر 1985، ملامح عن جانب من حياة الملك الحسن الثاني، رسمه من خلال الحديث عن برنامج ليوم من أيام ملك البلاد، في خطوطه الكبرى، مشيرا إلى أن إيقاع برنامج الملك يتخذ منحنيات بيانية، تتغير بتغير طبيعة الأنشطة الملكية، دون أن يغيب الثابت من انشغالات الملك، عما سأسرده في هذا الباب.
وقال بنعلي المنصوري المكلف بمهمة بالديوان الملكي، في سيرته الذاتية المعنونة ب"خطواتي على درب الزمن" المرتقب صدورها بالمكتبات قريبا بعد الانتهاء من طباعتها، والتي نشرتها "الأيام" بشكل حصري، إن "وجودي في الديوان الملكي، وبعد فترة من الزمن، مكنني من لمس بعض الانشغالات الكبرى لجلالة الملك، والتي تمثلت في تلك القضايا الجوهرية التي تشغل حيزا كبيرا من تفكيره ووقته، سواء تعلق الأمر بقضايا وطنية أم دولية، التي لها ارتباط وثيق بمصالح المملكة، أم تلك التي تؤثر في تلك المصالح إقليميا أم دوليا".
وأضاف مستشار الملك الحسن الثاني، أن لقاءات الملك تتعدد مع مستشاريه ووزرائه، للنظر في الملفات الكبرى، وتلقي التعليمات من الملك الذي يحرص بشكل كبير على تتبع تلك الملفات بما يتطلبه الأمر، من دقة ومثابرة وحرص على التنفيذ الدقيق والسليم.
وسجل أن "كل هذا يتم بشكل يومي، ويشكل جزءا من برنامج جلالته، ومن الأمور التي كان الملك الحسن الثاني حريصا عليها، اطلاعه على ما يقدم له من تقارير يومية، من طرف مختلف المصالح الأمنية، الشيء الذي يمكنه من تشكيل صورة عامة ودقيقة عما يجري في البلاد، حتى إذا استدعى مستشارا أو وزيرا في الحكومة، يكون النظر في الملفات الوطنية، مسنودا إلى خلفية واقع الحال…".
وأوضح المنصوري، أن برنامج الملك اليومي يبدأ "بجلسة فطور الصباح التي تبتدئ حوالي الساعة العاشرة صباحا، حيث تضم هذه الجلسة عددا محدودا من الأشخاص، وبشكل أساسي: مدير التشريفات الملكية، مدير الكتابة الخاصة لجلالته أو الحاجب الملكي، محافظو القصور الملكية، وطبيعي أن يتساءل القارئ ما الذي يجري في هذه الجلسة التي تجمع نخبة من الشخصيات كل صباح مع ملك البلاد؟".
وأضاف أن "تسمية هذه الجلسة في هذا السياق، بجلسة فطور الصباح، تستدعي إلى خيال المتلقي ما لذ وطاب من مأكولات وأشربة، مما يستحسن تناوله صباحاً!، ومما لا شك فيه، أن فطور الصباح في حضرة الملك الحسن الثاني لا يخلو مما ذكر"، مشيرا إلى أن "طبيعة التغذية عند الملك الحسن الثاني، تتسم بشكل عام، بنوع من الاقتصاد في الأكل، وينسحب هذا الأمر على مختلف أوقات الوجبات".
وتابع أن "جلسة الفطور تشكل انطلاق العمل اليومي لجلالة الملك. فالحاضرون، إلى جانب جلالته في تلك الفترة، يحملون بعض الملفات، أو تساؤلات واستفسارات وينتظرون التعليمات من الملك للقيام بما يجب القيام به. وتتعدد المواضيع المطروحة بتنوع طبيعة الملفات".
واعتبر المنصوري، أنها "في حقيقتها جلسة عمل، وبها يبدأ ملك البلاد أشغاله اليومية… بعد الفطور، وانتهاء جلالته من أشغاله الرسمية كمجلس وزاري أو استقبالات أو جلسة عمل تأتي حصة ممارسة رياضة الكولف، إذا أسعفته الظروف".
وذكر أن مرافقته المستمرة للملك في ملاعب الكولف، بمدن مغربية مختلفة، جعلته شاهدا على ما تمور به هذه الملاعب من أعمال، وما يتم في هذه الحصة من انشغال بملفات تمس الحياة السياسية للبلاد، من جوانبها المختلفة، مبينا أنه "في ملاعب الكولف، حيث يوجد الملك، تتحول الحصة الرياضية كذلك إلى ما يشبه جلسة عمل. كان بعض الوزراء يطلبون مقابلة جلالة الملك، فتعطى لهم الأوامر للحضور إلى ملعب الكولف داخل القصر الملكي بالرباط، أو بالصخيرات أو ببوزنيقة، أو بدار السلام بالرباط، وقد يكون ذلك الحضور خارج عاصمة المملكة في المحمدية، أو في الدارالبيضاء أو الجديدة، أو في مراكش أو أكادير، أو في فاس أو مكناس".
وأفاد أنه حين "يحين وقت الغداء، وعدد الذين يتحلقون حول هذه المائدة صحبة جلالته، ينحصر فيما يقارب عشرة أفراد، ممن رافقوا جلالته في حصة الكولف ذلك الصباح. وأحيانا قد يحضر معنا بعض الوزراء وكذا بعض الشخصيات، مدنية أو عسكرية، وقد تكون أحيانا شخصيات أجنبية".
وأردف: "أما عبد ربه، فقد حظني زمني لكي أكون على هذه المائدة بشكل مستمر، وكذلك كان الأمر في ملاعب الكولف. تمتد الجلسة حول مائدة الغداء بأحاديثها التي لا تبتعد عن مشاغل ملك البلاد إلى حوالي الساعة الخامسة عشية لينصرف بعد ذلك كل إلى حال سبيله، ويلتحق جلالة الملك بقصره".
وزاد أنه "لا ينتهي عمل جلالته في هذه الجلسة ما زال في النهار بقية، فقد يلتحق بمكتبه، وقد يأخذ قسطا من الراحة، حتى إذا فرغ من برنامجه العملي المليء، فقد يخصص بعضا من وقته لجلسة ليلية تتميز بطابعها الخاص… تتميز بطبيعة الأشخاص الذين يجالسون جلالة الملك، ومن بينهم مؤنسوه، أحدهم لفقيه محمد بنبين، والذي يكون حضوره بشكل دائم، كلما عقدت هذه الجلسة التي تبتدئ بعد وجبة العشاء. ولما كان الحضور يتسم بطبيعة متنوعة، فإن ما يجري من أحاديث يكتسي هو الآخر طابع التنوع. ومهما تنوعت الأحاديث ومواضيعها، هناك شيء ثابت في هذه الجلسة إنه القرآن الكريم، فلا تغمض عين لجلالة الملك، إلا بعد قراءة ما تيسر من الذكر الحكيم، ذكر يُرخي بظلال السكينة على هذا المجلس، ويكون حرزاً لمن أوكل الله إليه أمر بلادنا".