مونت-لا-جولي.. مغاربة فرنسا يحتفلون في أجواء من البهجة بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    طقس الأحد: كتل ضبابية بعدد من الجهات    طقس الأحد: ضباب وسحب منخفضة بعدة مناطق بالمملكة    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل عادت برامج المواهب لتبقى، أم أن الزمن تغيّر؟
نشر في الأيام 24 يوم 29 - 10 - 2025

من غرفته في العاصمة الأردنيّة عمّان، صنع المغني الشاب قصي ملحم منصته الخاصة، قائلاً: "لم أعد بحاجة لبرنامج مواهب". بهذه الكلمات يفتتح ملحم حديثه مع بي بي سي عن رحلته الغنائية التي بدأت من ثلاث سنوات بأبسط الإمكانيات، محققاً انتشاراً وصل إلى أكثر من نصف مليون متابع عبر إنستغرام وتيك توك.
يقول قصي عن بدايته: "كنت أسجل أغنية يومياً بهاتفي المحمول وأنشرها، ومع تزايد التفاعل، تشجعت على تطوير أدواتي بشكل أكبر". ويشير إلى أن جمهوره، الذي يتابعه ويتفاعل معه مباشرة، هو من يحدد استمراره، ويمنحه الرضا.
وعن المشاركة في برامج المواهب، يرفض قصي الفكرة صراحة. فبعد تجربته في برنامج محلي، ترسخت لديه قناعة بأن "من يشترك في هذه البرامج هو أقل المستفيدين منها". ويشرح: "البرنامج يمنحك ظهوراً مؤقتاً فقط، وإذا لم تعرف كيف تستغل هذه الفرصة بعد انتهائه، فلن تحقق أي فائدة تُذكر".
بالنسبة له، لم تعد منصات التلفزيون هي الأساس صوب النجومية، بل يراها مغلقة بقوالب ومعايير قديمة. ويقول: "من جوا بيتك، بتقدر تعمل اللي بدك إياه".
تمثّل تجربة قصي نموذجاً لجيل كامل من المواهب الشابة التي وجدت في العالم الرقمي مسرحاً أوسع للانتشار والتأثير.
وفي هذا التقرير نروي أيضاً قصّة ملهمة لأخوين شقّا طريقين مختلفين إلى النجومية: بيسان وعبد الرحمن؛ حكاية طموح، وتحديات، ونجاح بصوتين مختلفين من بيت واحد.
اليوم، تعود برامج المواهب إلى واجهة المشهد الترفيهي، مستعيدةً مكانتها في عصر يُصنع فيه "النجم" بدقيقة واحدة، وسط ضجيج السياسة وصخب الشاشة الصغيرة.
ومع إطلاق شبكة "إم بي سي" الموسم السادس من برنامج "ذا فويس"، بعد غياب خمس سنوات، يعود التلفزيون كمنصة احتفالية تمنح الفرصة للمواهب الصاعدة لتلمع، وتشدّ جمهوراً يتوق إلى قصص نجاح حقيقية ولحظات مليئة بالإثارة.
لكن، هل ما زالت برامج المواهب تحتفظ بتأثيرها القديم؟ في هذا التقرير، نتابع رحلة هذه البرامج بين الماضي والحاضر، ونحاول فهم مستقبلها في مشهد سريع التغير، ونسأل إن كانت عودتها في زمن الأزمات: قرار ترفيهي خالص أم خطوة محسوبة تراعي تقلُّبات السياسة؟
كيف أعادت برامج المواهب تشكيل التلفزيون؟
Getty Imagesلم تكن برامج المواهب جديدة على الشاشة العربية، فقد عُرفت في التسعينيات ببرنامج "استوديو الفن" الأشهر لاكتشاف المواهب
شكّل عام 2003 الانطلاقة الحقيقية للنُسخ العربية من برامج المواهب العالمية. في يونيو/حزيران، جاء برنامج "سوبر ستار"، النسخة العربية من "American Idol"، ليقلب موازين الترفيه التلفزيوني، ويحوّل الشاشة الصغيرة إلى ساحة تنافس جماهيري غير مسبوقة، تفاعلت فيها الجماهير لأول مرة عبر التصويت، وشاركت في صنع "النجم" الجديد.
لاحقاً، قدّم "ستار أكاديمي" نقلة نوعية أخرى، ليس فقط عبر تسليط الضوء على الأداء الغنائي، بل من خلال خلق ما أصبح يُعرف بتجربة تلفزيون الواقع؛ إذ تابع الجمهور حياة المشتركين على مدار الساعة، في تجربة كانت غريبة عن المجتمع العربي، لكنها سرعان ما أصبحت ظاهرة تلفزيونية لافتة.
غيّرت هذه البرامج من معايير الإنتاج التلفزيوني ذاته، فأدخلت مفاهيم جديدة مثل العروض المباشرة المتقنة، والإبهار البصري، وتنسيق الرقصات، والمؤثرات الصوتية والمرئية، لتصبح تجربة المشاهدة مزيجاً بين الغناء والدراما والتفاعل الحي، وليس مجرد أداء فردي على المسرح.
هذا التحوّل جعل برامج المواهب جزءاً من صياغة عصر جديد من الترفيه التلفزيوني، فأصبح الجمهورُ طرفاً فاعلاً، والبرامجُ منصةً لصناعة النجوم، والإبهارُ جزءاً أساسياً من الهوية البصرية، حتى تحوّلت برامج المواهب إلى تجارب جماهيرية متكاملة، أعادت تعريف العلاقة بين الشاشة والمشاهد.
لم تكن برامج المواهب جديدة على الشاشة العربية، فقد عُرفت في التسعينيات ببرنامج "استوديو الفن" الأشهر لاكتشاف للمواهب، لكنه ظل محلياً رغم استقطابه جمهوراً عربياً واسعاً.
* فرقة مياس اللبنانية تبهر العالم وتفوز بلقب برنامج المواهب الأمريكي America's Got Talent
ورغم أن البرامج التأسيسية مثل "سوبر ستار" و"ستار أكاديمي" توقفت لاحقاً، إلا أن أثرها استمر، وتمثّل في إطلاق سلاسل جديدة مثل "ذا فويس"، و"آرابز غوت تالنت"، و"إكس فاكتور"، التي حافظت على النمط العالمي لكنها دمجته بروح محلية، مؤكدة أن التلفزيون العربي ما بعد برامج المواهب لم يعد كما كان قبلها.
"المُشاهد لم يعد متفرجاً، بل أصبح شريكاً في صناعة القرار"
يشهد قطاع برامج المواهب في العالم العربي تحولاً جذرياً في دور المُشاهد وطريقة تفاعله مع المتسابقين، وفقاً لما يؤكده مدرب الصوت طوني بايع، المعروف بمشاركته في برامج مثل "ستار أكاديمي" و"نجم الخليج" و"إكس فاكتور".
بايع يوضح أن برامج المواهب في الماضي كانت تعتمد فقط على الصوت، ثم تطور الأمر ليصبح الصوت والشكل معاً معيارين أساسيين للموهبة الحقيقية، أما اليوم في عصر السوشال ميديا، "يفرض الإنسان نفسه كيفما كان".
ويشدد على أن النجاح لم يعد مرتبطاً فقط ببث البرنامج على الشاشة، بل أصبح "هدف كل المؤسسات الإعلامية جذب المُشاهد من أول ثانيتين عبر المنصات الرقمية".
يشير بايع إلى أن طريقة تصويت الجمهور تغيرت جذرياً، حيث أصبح "التفاعل عبر منصّات التواصل الاجتماعي مع الموهبة هو الأساس"، مؤكداً أن "المُشاهد لم يعد مجرد متفرج صامت، بل مساهم في صناعة القرار".
ويضيف: "التفاعل الرقمي منح الجمهور سلطة حقيقية لتحديد مصير المشتركين، ولم يعد يصدّق نتائج التصويت إلا إذا تحقق من التفاعل على مواقع التواصل". ويوضح أن التصويت كان عاملاً أساسياً قبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي، فكانت البرامج تعتمد على "الصوت والقصة والشكل معاً".
كما يشير إلى أن "لجنة التحكيم ذات الانتشار الرقمي الواسع أصبحت جزءاً لا يتجزأ من جذب جمهور أكبر".
تؤكد وجهة نظر بايع أن معايير النجومية قد تغيرت بشكل جذري، "الجمهور يبحث اليوم عن شخصية كاملة تشمل الحضور على المسرح، المحتوى الجذاب، وطريقة الكلام على اللايف (البث المباشر)".
ويشير إلى أن "تقييم الجمهور سلاح ذو حدين، لكنه يلعب الدور الأكبر خاصة عندما يشعر المشاهدون أن الموهبة تشبههم وتثير تعاطفهم". ويضيف بايع أن "اللايكات، الريبوست، التفاعل، والترند هي التي تحكم نجومية الموهبة اليوم".
"قد تعود بقوة لو فهمت اللعبة الرقمية"
Getty Imagesالمحتوى القصير والتفاعلي على منصات التواصل الاجتماعي سحب البساط من تحت برامج المواهب، بحسب مختصين
رغم استمرار بعض برامج المواهب على الشاشات، إلا أنها باتت تواجه تحديات أكثر تعقيداً، في ظل هيمنة العالم الرقمي. وفي فكرة اتفق عليها مختصون تحدّثت إليهم بي بي سي، فإن المحتوى القصير والتفاعلي على منصات التواصل الاجتماعي، سحب البساط من تحت هذه البرامج، وأضعف قدرتها في الحفاظ على الجمهور التقليدي.
في هذا السياق، ترى الدكتورة بيان القضاة، أستاذة الإذاعة والتلفزيون، في حديثها لبي بي سي أن المنصات الرقمية لم تكتفِ بإعادة تشكيل سلوك الجمهور، بل غيّرت بنية التفاعل مع البرامج الترفيهية، خاصة برامج المواهب، التي كانت تعتمد سابقاً على الشاشة فقط.
وتقول: "خلقت المنصات جمهوراً موازياً لا يكتفي بالمشاهدة، بل يشارك بفعالية في التعليق، والتصويت، وصناعة النقاشات، ما يجعل تأثير البرنامج لا يقتصر على وقت البث، بل يمتد ليصبح جزءاً من حديث الجمهور اليومي على تيك توك، وتويتر، وإنستغرام ويوتيوب".
وترى القضاة أن برامج المواهب أصبحت اليوم مطالَبة بالاندماج الكامل مع العالم الرقمي، سواء من خلال بناء هوية رقمية موازية للبرنامج، أو من خلال تسويق المشاركين كمؤثرين، ما يزيد من تفاعل الجمهور معهم حتى خارج إطار العرض التلفزيوني.
وتضيف: "لم يعد الجمهور ينتظر نتائج التصويت في نهاية الحلقة، بل يريد أن يكون جزءاً من صناعتها منذ اللحظة الأولى".
وعن الاستراتيجيات الممكنة للحفاظ على الجاذبية الجماهيرية، توصي القضاة بإنتاج محتوى قصير ومتنوع موازٍ للحلقة الأساسية، مثل مقاطع الكواليس، أو التفاعل العفوي بين المتسابقين، إلى جانب تقديم تجارب رقمية مخصصة، مثل البودكاست أو البث المباشر بعد كل حلقة.
كما ترى أن برامج المواهب قد تعود بقوة لو فهمت اللعبة الرقمية، من خلال استخدام الترندات، و"الميمز"، أو الأغاني الرائجة على تيك توك، ما يجعل المحتوى قابلاً لإعادة النشر والمشاركة بشكل أسرع.
* مواهب الأطفال كيف نرعاها؟
تعتبر القضاة أن هذا التحول يعكس تغيراً عميقاً في مفهوم استهلاك الترفيه، وتقول: "نحن ننتقل من ثقافة المشاهدة الجماعية، التي كانت سائدة في برامج مثل أراب آيدول، إلى ثقافة المشاركة الفردية التي تتحكم في الزمن والإيقاع. الجمهور اليوم يُفضّل لحظة مؤثرة من دقيقة واحدة على متابعة حلقة تمتد لساعتين".
وتختم القضاة بأن الإعلام لم يعد منفصلاً إلى تقليدي ورقمي، بل أصبح تجربة هجينة، وعلى أي محتوى، وبخاصة برامج المواهب، أن يفهم هذا التداخل، ويصمّم تجربة تفاعلية تمتد من الشاشة إلى الهاتف، ومن التلفزيون إلى التطبيق.
شقيقان، ومساران مختلفان للنجومية
من عائلة واحدة، يختار الشقيقان عبد الرحمن وبيسان القيسي أن يشقّا طريقهما نحو الجمهور، بوسيلتين مختلفتين. الأول يرى في "السوشل ميديا" نافذة للانتشار، بينما تعود الثانية إلى الساحة بعد غياب، حاملة معها تجربة قديمة من برامج المواهب، ومستفيدة من العصر الرقمي لتجديد حضورها الفني.
عبد الرحمن القيسي، مغنٍ شاب، اختار أن يبتعد عن المشاركة في برامج المواهب رغم تفكيره بها مراراً. ويقول: "أشعر أن الطريقة التي أريد أن أصل بها إلى الناس مختلفة"، مضيفاً أن المنصات الرقمية اليوم "تعطي الفنان مساحة أكبر ليقدم شخصيته الحقيقية بدون قيود، بالإضافة إلى أنها تعرض ما أقدمه من فن لعدد غير محدود من الناس على عكس التلفزيون".
أما بيسان، فقد سبقت شقيقها بخطوة؛ وشاركت قبل أحد عشر عاماً في برنامج محلي للمواهب. اليوم، تقرر بيسان العودة إلى الأضواء، لكن من بوابةٍ رقميّة هذه المرة، وتوضح: "البرنامج كان دافعاً قوياً لنا، وفتح لنا الأبواب وعلّمنا كيف نواجه الجمهور ونتعامل مع فرق موسيقية، ولو كنتُ بنيتُ عليه فوراً لربما رأيتُ أثراً أكبر".
وترى أن الجمهور اليوم لم يعد ينتظر برامج المواهب، فالهاتف الذكي أتاح له اكتشاف المواهب يومياً، بعدما كان التلفزيون في الماضي "المنصة الوحيدة للنجومية".
شاهدهما معاً في مقطع قصير يغنيان فيه بروح مرحة تعكس علاقتهما وشغفهما المشترك بالفن، ثم تابع القراءة.
يتفق الشقيقان على أن برامج المواهب لم تعد الوسيلة الوحيدة للانتشار، ولكلٍ منهما وجهة نظر. عبد الرحمن يعترف أنها "فرصة كبيرة وتفتح أبواباً، لكن ليست الطريق الوحيد كما كان في الماضي"، مشيراً إلى أن النجاح الحقيقي لا يرتبط بالظهور التلفزيوني فقط، بل "بعوامل أخرى كاختيارات الأغاني، والذكاء في التعامل مع الجمهور والقدرات الشخصية".
أما بيسان، فلا ترفض العودة إلى برامج المواهب، بل ترى فيها تجربة قابلة للتكرار. وتقول: "عُرضت عليّ أكثر من مرة، وأنظر إليها بشكل إيجابي، وبخاصة إذا كان البرنامج عالمياً، بالتأكيد سيضيف لي خبرة وعلاقات ومحتوى جديداً على السوشل ميديا".
يقول عبد الرحمن: "الشهرة الرقمية اليوم قد تكون أقوى، لأنها مبنية على تواصل مباشر وحقيقي مع الجمهور. الفرق أن التلفزيون يعطيك مصداقية أكثر كفنان كما اعتاد الناس".
هذا التفاعل المباشر يمنح عبد الرحمن شعوراً بالرضا والإنجاز: "النجاح بالنسبة لي ليس فقط في الأرقام، بل في أن يكون صوتي جزءاً من لحظة سعيدة أو ذكرى جميلة عند أي شخص... هنا دوري كفنان أن أترجم مشاعرهم لأغانٍ بصوتي وبإحساسي الخاص".
كلاهما يسلك الطريق نفسه بشغف، لكن بأدوات مختلفة؛ عبد الرحمن يبني حضوره رقمياً خطوة بخطوة، وبيسان تعيد انطلاقتها في زمن لا ينتظر أحداً.
برامج المواهب: تحت اختبار السياسة
Getty Imagesشوارع غزة عاشت فرحة عارمة في صيف 2013 بعد فوز الغزّي محمد عسّاف في برنامج "أرب أيدول"
رغم استمرار برامج المواهب في المشهد الترفيهي العربي، فإن وهجها الجماهيري خفت بشكل ملحوظ بعد عام 2019، متأثرة بجائحة كورونا وتداعيات الحروب والثورات، التي فرضت واقعاً جديداً على القنوات التلفزيونية.
ومع تزايد التوترات السياسية والاجتماعية، أصبحت برمجة هذه البرامج خاضعة لحسابات دقيقة، لا تقتصر على الترفيه فقط، بل تتقاطع مع مزاج الجمهور والسياق العام. فكيف تتعامل القنوات مع هذه المعادلة الحساسة؟
المخرج والناقد السينمائي اللبناني شربل الغاوي يرى أن قرار عرض برامج المواهب في أوقات الأزمات ليس قراراً فنياً فحسب، بل هو "قرار سياسي وسوقي وجماهيري في آن واحد".
ويؤكد في حديثه مع بي بي سي أن القنوات لا تُقدِم على بثّ هذا النوع من البرامج "إلا بعد دراسة شاملة للسوق، ومدى استعداد الجمهور للمشاهدة، والتأثير المتوقع للجنة التحكيم على جذب شرائح إضافية".
ويضيف: "عند اندلاع الثورات أو اندفاع الحروب، تجد القنوات التلفزيونية نفسها أمام قرارات حساسة. ليس فقط على صعيد التوقيت أو المحتوى، إنما من ناحية حسابات دقيقة مرتبطة بجمهورها".
وبحسب الغاوي، تلجأ كل شركة تلفزيونية أو مجموعة إعلامية إلى تحليل بيانات دقيقة قبل اتخاذ قرار البث، تشمل نسب المشاهدة، وتوزيع الشرائح العمرية، وأوقات الذروة.
ويشير إلى أن بعض القنوات تعتبر وجود لجنة تحكيم ذات جماهيرية قوية عاملاً حاسماً في حسم قرار البث، نظراً لقدرتها على "شدّ الجمهور حتى في ظل التوتر السياسي".
وبعيداً عن جانب الاستعراض الفني، يرى الغاوي أن برامج المواهب تتحول أحياناً إلى "منصة تعبّر عن وجدان الجمهور"، خاصة خلال فترات الأزمات. فالمتسابقون، كما يقول، يستغلون الفرصة لإرسال رسائل تتجاوز الأداء الفني: "أغنية وطنية، إهداء لضحايا حرب، أو حتى كلمة عابرة تصِفُ وجع الناس".
وفي هذه اللحظات، يتجاوز البرنامج الدور الترفيهي ليصبح، وفق وصفه، "مساحة للهوية الجماعية" و"صوت الشارع"، وربما أيضاً "وسيلة مقاومة رمزية".
أما عن التحدي الأكبر، فيكمن في كيفية الموازنة بين الترفيه ومراعاة المزاج العام، خصوصاً في بيئة سياسية حساسة، فالمعادلة الأصعب لدى المنتجين، كما يراها الغاوي، تتلخص بسؤال واحد: "كيف نحافظ على عامل الجذب بدون استفزاز أي جمهور موجوع أو سياسي حساس؟".
ويقترح الغاوي استراتيجيتين غالباً ما تعتمد عليهما فرق الإنتاج؛ الأولى: إدخال لمسة وجدانية إلى سياق البرنامج، مثل تخصيص حلقة لذكرى وطنية أو تقديم افتتاح غنائي يحمل رسالة تضامن، والثانية: الرقابة الدقيقة على محتوى النكات والتعليقات، لتجنّب أي تلميحات سياسية قد يُساء فهمها.
* برامج اكتشاف المواهب الغنائية..دبلوماسية ناعمة أم اذكاء لمشاعر التعصب؟
* محمد عساف: كيف رد على المنع الإسرائيلي وما حقيقة حذف أغنية "علّي الكوفية"؟
تحاول برامج المواهب، بالذكاء والتجديد، أن تواكب العصر: تكنولوجيا، ومواهب متنوعة، وتفاعل حي يخطف الأنظار. لكن هل تكفي كل هذه الحيل لاستعادة جمهور اعتاد أن يغيّر القناة بمجرد ظهور إعلان؟ أم أن زمن النجوم الجدد بات يُصنع في غرفة النوم وعلى صوت تنبيهات الإعجاب؟
وحدها الأيام كفيلة بأن تجيبنا بوضوح.
* لماذا يُقّدر الناس الموهبة الفطرية أكثر من العمل الجاد؟
* كيف تجتذب فنلندا المواهب والخبرات من جميع أنحاء العالم؟
* هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت "أم الشاشات"؟ وهل يمكن أن نستغني عنها؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.