عقب التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بخصوص استعداد بلاده ل "دعم أي وساطة" بين المغرب والبوليساريو، سجل المتابعون في المغرب جملة ملاحظات اعتبروا أنها تعكس في العمق تحولا في لغة الدبلوماسية الجزائرية، لكنه تحول محكوم بحدود سياسية واضحة. وجاءت تصريحات عطاف بعد صدور قرار مجلس الأمن 2797 الذي أعاد التأكيد على الواقعية والبراغماتية كمرجعيتين للحل، وهو ما اعتبره العديد من الفاعلين المغاربة مكسبا دبلوماسيا واضحا للمغرب.
فقد رأى مراقبون في حديث عطاف عن "الوساطة" أنه لا يتجاوز كونه محاولة سياسية لتخفيف وقع القرار الأممي، الذي أكد من جديد مركزية الحل السياسي الواقعي والمبني على التوافق، وهي اللغة التي تعزز المقاربة المغربية للحكم الذاتي. التصريحات فهمت في الرباط باعتبارها محاولة لإظهار أن الجزائر لم تفقد سيطرتها على الملف رغم التحولات التي يعرفها مجلس الأمن، خصوصا مع تزايد وزن الدول التي تدعم المبادرة المغربية بشكل صريح.
أما على المستوى الدبلوماسي، فتثير لغة عطاف انتباه المتابعين بسبب تناقضها الواضح. فمن جهة يعلن استعداد بلاده ل "دعم الوساطة الأممية"، ومن جهة أخرى يتهم المغرب ب "التفسير غير الدقيق" للقرار الأخير. هذا التناقض قرئ في المغرب باعتباره دليلا على لجوء الوزير الجزائري إلى خطابين. الأول موجه للخارج يحاول الظهور بمنطق دولة داعمة للحوار، وخطاب داخلي مسكون بالرغبة في مواجهة التحركات الدبلوماسية المغربية التي حققت اختراقات في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وأوروبا.
وربط محللون مغاربة تصريحات عطاف بمحاولة الجزائر استعادة حضورها الإقليمي في الساحل، خاصة مع تراجع نفوذها في مالي والنيجر بعد التحولات الأخيرة، وصعود أدوار جديدة مرتبطة بالفاعلين العسكريين الجدد. الحديث عن الوساطة يقرأ هنا كجزء من سعي الجزائر لإظهار دور دبلوماسي واسع يتجاوز الملف الصحراوي، ولو أن هذا الدور يصطدم بحدود موضوعية مرتبطة بضعف الثقة الإقليمية.
من جهة أخرى بدا أن تصريحات عطاف موجهة أيضا للرأي العام الجزائري أكثر من كونها رسالة حقيقية للمغرب أو للأمم المتحدة. فبعد سلسلة قرارات أممية لا تخدم أطروحة الانفصال، تبدو القيادة الجزائرية بحاجة إلى إظهار أنها لم تخسر الجولة، وأنها ما زالت فاعلا مقررا في مسار النزاع.
في النهاية، يتعامل المغاربة مع تصريحات عطاف باعتبارها رد فعل على توازنات جديدة فرضها القرار 2797، أكثر من كونها مبادرة سياسية مستقلة. وهي في نظرهم محاولة لترويض خطاب دبلوماسي فقد الكثير من أوراقه، في وقت تتجه فيه الأممالمتحدة نحو تثبيت المرجعية الواقعية التي تمثل المبادرة المغربية صيغتها الأكثر جدية ومصداقية، كما يكرر ذلك المجتمع الدولي منذ 2007.