في خضم النقاش الدائر حول ضوء مشاريع القوانين الجديدة التي همت الأحزاب ومجلس النواب واللوائح الانتخابية العامة، أقدمت الحكومة على إدراج شروط صارمة وغير مسبوقة لضبط أهلية الترشح للانتخابات التشريعية المقبلة. وفي هذا السياق، يؤكد كريم القرقوري الباحث في القانون العام والعلوم السياسية، في هذا الحوار، أن التعديلات المقترحة تمثل خطوة جريئة نحو تخليق الحياة السياسية ووضع حد لعودة الوجوه المَطعون في نزاهتها، معتبرا أن هذه الإجراءات ستسهم في تجديد النخب وتعزيز ثقة المواطن في المؤسسات التمثيلية. كما يوضح القرقوري أن نجاح هذه الإصلاحات يظل رهينا بقدرة الأحزاب السياسية على احترام المعايير الجديدة واعتماد ميثاق أخلاقي لتزكية المرشحين، بما يضمن انتخابات شفافة تعكس تطلعات المرحلة المقبلة. وفي ما يلي نص الحوار كاملا: 1- كيف ترون أهمية مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، للمساهمة في تخليق الحياة السياسية، بعد الشروط الصارمة التي جاء بها، لمن يرغب في الترشح للانتخابات التشريعية المقبلة؟
بداية لا بد من القول أن مشروع القانون التنظيمي رقم 53.25، الذي يعدل ويتمم القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، والذي تضمن مجموعة من الشروط الصارمة، والآليات الواضحة التي تروم الحد من الشبهات التي قد تمس العملية الديمقراطية أو صورة المؤسسة التشريعية، سيمثل الحائط الأول أمام كل من أراد استغلال مواقع النفوذ أو الثغرات القانونية، خاصة المرشحين الذين تثار حول نزاهتهم شكوك باتت تفرض منعهم من الترشح.
فالمشروع الجديد يتضمن شروطا صارمة، تنص على منع الترشح لكل من توبع قضائيا، أو صدرت في حقه أحكام ابتدائية أو استئنافية بالإدانة في جرائم تمس الأهلية الانتخابية، ومنع كل المرشحين الذين أُدينوا ابتدائيا بجناية من الترشح بشكل نهائي، مع تعليق البت في ملفات المترشحين الذين لم تصدر ضدهم أحكام نهائية إلى حين صدور الحكم الفاصل.
وكما تمنع المادة 57 من هذا المشروع، كل من صدر في حقه حكم نهائي بالإدانة من الترشح في الانتخابات الموالية ما لم يسترجع أهليته القانونية.
كما يقترح المشروع تمديد فترة المنع من الترشح للمنتخبين الذين عزلوا من مسؤوليات انتخابية بسبب مخالفات جسيمة إلى مدتين انتخابيتين كاملتين، مع استثناء من ثبتت نزاهتهم وحسن تدبيرهم.
هل يمكن أن تحول هذه التعديلات، دون إعادة تدوير النخب والوجوه السياسية المألوفة، ومنع المشبوهة منها من الوصول إلى المؤسسة التشريعية؟ – هذا مما لا شك فيه، ذلك أن التعديلات التي جاءت بها مشاريع القوانين، تشكل آخر سد أمام المرشحين المشكوك في نزاهتهم، في خطوة أراها جريئة في زمن سياسي خاص وحساس في تاريخ المملكة المغربية، وسياق وطني متسم بالكثير من التحولات، التي باتت تفرض إصلاحات عميقة، قد تكون كفيلة بإفراز نخب سياسية جديدة، قادرة على تدبير المرحلة المقبلة بنفس جديد، يتناغم مع ما تطمح إليه البلاد، المقبلة على استحقاقات مهمة وغير مسبوقة، تروم تخليق الحياة السياسية وضمان نزاهة الانتخابات المقبلة.
كما يأتي هذا القانون الجديد، في سياق عام يشهد تصاعد المطالب المجتمعية بربط المسؤولية بالمحاسبة، وتجديد النخب التمثيلية بما يتماشى مع تطلعات المواطن المغربي إلى مؤسسات تمثيلية "برلمان، جماعات وجهات" نزيهة وفعالة، فالمشروع ينص بشكل صريح على استبعاد كل شخص صدرت في حقه أحكام قضائية نهائية تتعلق بالفساد، أو الإخلال بسلامة العمليات الانتخابية، من الترشح للانتخابات التشريعية، والأمر سيكون كذلك بالنسبة للانتخابات التي ستعقبها "الانتخابات الجماعية والجهوية"، باعتبار أن مثل هذه الأفعال تضعف الأهلية السياسية والأخلاقية للمترشحين، كما شدد العقوبات المرتبطة بالمخالفات الانتخابية، سواء خلال فترة الحملات أو أثناء عمليات التصويت والفرز، في محاولة واضحة لضمان نزاهة العملية وتعزيز ثقة المواطنين في من يمثلهم داخل البرلمان.
2- هل يمكن لهذه المستجدات القانونية أن تساهم في تجديد الدماء والنخب السياسية بعد العمليات الانتخابية المرتقبة؟ – أكيد أن هذا القانون الجديد الذي ينتظر أن يرى النور مع مطلع السنة المقبلة، سيكون له تأثير نوعي في المشهد الانتخابي، من خلال إعادة ضبط معايير الترشح للانتخابات التشريعية أولا، وبعدها الجماعية والجهوية، بما يعكس إرادة الدولة في تخليق الحياة السياسية، ومواجهة ظاهرة العود في ارتكاب المخالفات الانتخابية.
فإلى جانب منع الأشخاص المدانين في قضايا تمس بنزاهة الانتخابات من الترشح، يتيح المشروع للسلطات المشرفة على العملية الانتخابية، بالتنسيق مع القضاء، آليات أكثر صرامة للتدقيق في ملفات الترشيح، ما سيعزز من شفافية المسار الانتخابي منذ بدايته، وبطبيعة الحال هذا مع ضمان حقوق الأشخاص الذين منعوا من الترشح، في اللجوء إلى القضاء المختص للحصول على البراءة أو رد الاعتبار، وهو ما يعيد لهم الحق في الترشح.
وينتظر كل الخبراء و المهتمين والباحثين في القانون العام والعلوم السياسية، الصيغة النهائية لهذا القانون، بغرض دراسته وتقييمه بشكل كامل، وإذا كان وضع معايير صارمة لشروط أهلية الترشح، يمثّل خطوة مهمة في مسار تخليق الحياة السياسية، إلا أنه يبقى في حاجة إلى ضمانات عملية، ونصوص واضحة تمنع أي تأويلات قد تفقد القانون فعاليته على أرض الواقع. وبالمقابل فإن المشروع يسعى من جهة أخرى إلى توسيع المشاركة عبر السماح لكفاءات من خارج الأحزاب السياسية بالترشح لعضوية مجلس النواب، شريطة جمع 300 توقيع في الدوائر الكبرى و100 توقيع في الدوائر المحلية، تعزيزا لتعددية التمثيل ودمقرطة الولوج إلى المؤسسة التشريعية.
3- طيب، أمام كل هذه المستجدات القانونية، والنقاش الوطني الدائر حول تخليق الحياة السياسية، ما هو المنتظر من الأحزاب السياسية، لإنجاح المحطات الانتخابية الكقبلة؟ – فعلا، فكل هذه المجهودات المبذولة من طرف كل الفاعلين وفي مقدمتهم وزارة الداخلية، لن تكون لها أي فائدة في ظل غياب دور حقيقي للأحزاب السياسية التي تبقى عليها المسؤولية الاكبر لمحاربة الفساد، وانتقاء النخب السياسية المناسبة لتدبير المرحلة القادمة، التي تأتي في سياق وطني ودولي خاص.
على الأحزاب السياسية الالتزام بميثاق أخلاقيات وشرف منح التزكيات، ذلك أن هذا التشريع يتوقع أن يدفع هذه الأحزاب إلى مراجعة معايير اختيار مرشحيها، تفاديا لأي تبعات قانونية أو سياسية، وهو ما قد يسهم في بروز نخب سياسية جديدة تتمتع بحد أدنى من المصداقية والانضباط القانوني.
وبفضل هذه التعديلات، سيساهم القانون الجديد بشكل كبير في ترسيخ الشفافية، وتخليق الممارسة السياسية، وفتح المجال أمام كفاءات جديدة، مع إحكام الرقابة على المترشحين والمنتخبين لضمان نزاهة الحياة البرلمانية، لكن المسؤولية الأكبر تبقى على عاتق الأحزاب السياسية، فالجدل الدائر حول شروط الأهلية للترشح، لا ينفصل عن سؤال أعمق يتعلق بطبيعة الممارسة السياسية نفسها، في ظل فقدان عدد من المفاهيم السياسية معناها الحقيقي، وهو ما أفقد هذه الأحزاب السياسية القدرة على التخليق الذاتي وتنظيف بيتها الداخلي، وهي العملية التي أراها اليوم محورا أساسيا لتحصين العملية الانتخابية المقبلة، وتنزيه البرلمانيين من كل ما يثار، لإعادة هيبة المؤسسة التشريعية، وهو الوضع الذي تحاول القوانين الجديدة الحالية تجاوزه، من خلال تشديد شروط أهلية الترشيح.