واصلت غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، اليوم الجمعة، جلساتها المخصصة للنظر في ملف الوزير السابق ورئيس جماعة الفقيه بن صالح محمد مبديع، المتابع على خلفية ما وُصف بالاختلالات المالية والتسييرية التي عرفتها المدينة، حيث قدم دفاع المستشار الجماعي "صالح. م"، عضو لجنة فتح الأظرفة، مرافعة مطولة ركز فيها على تفكيك الأساس القانوني للمتابعة واعتبرها مبنية على "التلفيق والشطط".
وأكد المحامي محمد الباكير أن التقرير الذي استندت إليه المتابعة جاء، حسب تعبيره، "مليئًا بالتلفيقات"، مشيرًا إلى أنه اكتفى بنقل الأفعال المنسوبة أصالة إلى محمد مبديع، مع تعميمها على باقي المتابعين فقط عبر تغيير الأسماء، متسائلًا بنبرة استنكارية: "أهكذا أصبحت حقوق الناس؟ وأين دور أجهزة الدولة المكلفة بحماية المواطنين؟".
وسجل الدفاع أن موكله تعرض، في إطار ما وصفه ب"حملة إعلامية هوجاء" طالت 16 شخصًا، لإجراءات وصفها بالتعسفية، من بينها الحجز على حسابه البنكي الذي لا يتلقى منه سوى معاشه التقاعدي، وحجز سيارته المقتناة بقرض بنكي، إضافة إلى حجز عقارات آلت إليه عن طريق الإرث، دون أن تثبت في حقه أية أفعال جرمية شخصية.
وفي معرض حديثه عن الأساس القانوني للمتابعة، أوضح الدفاع أن الوكيل العام للملك صرح صراحة بأن ما نُسب من أفعال موجه أساسًا إلى محمد مبديع، وأن باقي المتابعين جرى إدخالهم في الملف من باب "المشاركة"، دون توجيه أية تهمة شخصية ومباشرة لموكله.
وتوقف الدفاع مطولًا عند الفصل 242 مكرر من القانون الجنائي، متسائلًا عن كيفية تطبيقه في نازلة الحال، مبرزًا أن المشرع ربط هذه الجريمة ب"الإهمال الخطير" الصادر عن قاضٍ أو موظف عمومي، شريطة أن يترتب عنه اختلاس أو تبديد أموال عمومية، وأن تكون قيمة هذه الأموال محددة بدقة.
وأوضح ذات المتحدث، أن الأمر يتعلق بجنحة مقرونة بظرف تشديد، مشددًا على أن الإهمال الخطير ليس جريمة عمدية، وأن عنصرها المعنوي يفترض تحقق فعل اختلاس أو تبديد نتيجة مباشرة لذلك الإهمال، مع وجود علاقة سببية واضحة بين الفعل والنتيجة، وهو ما اعتبره الدفاع غير متوفر نهائيًا في حق موكله.
وأضاف الباكير أن المسؤولية الجنائية في هذا الإطار لا تقوم إلا إذا كان الموظف العمومي يشرف مباشرة على مصلحة معينة، ويهمل واجبات المراقبة والاحتياط، وكان بوسعه منع وقوع الاختلاس، وهو ما لا ينطبق على موكله، الذي لا صفة له كآمر بالصرف، ولا علاقة له بالخزينة، ولا يتولى مراقبة الفواتير أو الأشغال أو التسليم المؤقت، ولا تربطه أية علاقة بالمقاولين.
وفي هذا السياق، تساءل الدفاع: "أي صورة من صور الإهمال الخطير يمكن نسبها لموكلي؟"، ليجيب بالنفي القاطع، مؤكدًا أن موكله لم يقم بأي فعل يستوجب العقاب.
وسرد الدفاع الوقائع التي بُنيت عليها المتابعة، موضحًا أن الأمر يتعلق بثلاث نقاط أساسية وهي واقعة فتح الاظرفة والواقعة الثانية المرتبطة بإقصاء مكتب دراسات بكيفية وُصفت بالمشبوهة، والواقعة الثالثة المتعلقة بإدراج أشغال ضمن عقد ثانٍ داخل نفس الصفقة، خلافًا لما تنص عليه الصفقات العموميةمشددا أن موكله لم يكن له أي دور في إعداد الصفقات، ولا علاقة له بهذه الأفعال،
واعتبر الدفاع أن مساءلة موكله على أساس "اليقظة" فقط لا يستقيم قانونًا ما دامت المتابعة لم تُبنَ على فعل منسوب إليه مباشرة، منتقدا ما أسماه "المنحى العجيب" الذي سلكه قاضي التحقيق، معتبرًا أن المفتشية العامة لوزارة الداخلية والمجلس الجهوي للحسابات وقعا في التعسف والخطأ وعدم التحقق الكافي قبل ترتيب المسؤوليات.
وفيما يخص صفقة 7/2014 وصفقة 2/ 2015، أوضح الدفاع أن الحديث عن اختلاس بقيمة خمسة ملايين درهم يخص محمد مبديع، متسائلًا عن الجزء الذي يمكن ربطه بأفعال موكله، ومؤكدًا أن الاتهامات الموجهة إليه في هذا الإطار جزافية وغير مؤسسة، خاصة في غياب أي علاقة سببية بينه وبين ما يُزعم من اختلاس أو تبديد.
وأضاف الدفاع أن سوء التدبير، إن ثبت، قد يستوجب المساءلة الإدارية، لكنه لا يرقى إلى مستوى جريمة اختلاس، مشددًا على أن موكله لا يراقب الأشغال ولا الفواتير ولا التسليمات، ولا يتدخل في مساطر التنفيذ.
وختم المحامي محمد الباكير مرافعته بالتأكيد على أن عناصر جريمة الإهمال الخطير غير متوفرة، ملتمسًا، في الدعوى العمومية، التصريح بسقوطها بالتقادم، واحتياطيًا ، الحكم ببراءة موكله لانتفاء العناصر التكوينية للجنحة، والتصريح بعدم الاختصاص في مواجهته.