1. الرئيسية 2. تقارير "آيت بوكماز" تسير على الأقدام نحو المركز.. مُحاكمة عفوية لسياسات مجالية همَّشت "المغرب العميق" وحرمت أهله من المستشفى والطريق والهاتف الصحيفة من الرباط الخميس 10 يوليوز 2025 - 19:06 خرجت ساكنة آيت بوكماز، صباح أمس الأربعاء، في مسيرة احتجاجية سلمية وغير مسبوقة انطلقت من دواوير الهضبة الجبلية الواقعة بإقليم أزيلال، نحو مقر ولاية جهة بني ملالخنيفرة، في خطوة لفتت الأنظار إلى معاناة ممتدة لسنوات طويلة من التهميش والإقصاء، في واحدة من أكثر مناطق المغرب معاناة من الفوارق المجالية والاجتماعية. وشارك في هذه المسيرة المئات من السكان مشيا على الأقدام وعلى متن عشرات السيارات، حاملين الأعلام الوطنية ولافتات تعبّر عن مطالبهم العالقة، ومنادين بشعارات نقلت صوت "المغرب العميق" إلى أبواب مقر الولاية. وتقدمت المسيرة لافتة مركزية تختزل مطالب الساكنة، من ضمنها تعيين طبيب رئيسي بشكل دائم في المركز الصحي المحلي، وتوسيع وتأهيل الطريق الرابطة بين آيت بوكماز ومدينة أزيلال، وتعزيز التغطية الهاتفية والربط بشبكة الأنترنيت لفائدة الدواوير المعزولة، إضافة إلى بناء ملعب رياضي يليق بطموحات شباب المنطقة، وإحداث مركز للتكوين المهني يستجيب لخصوصيات المهن الجبلية، وتشييد مدرسة جماعاتية وسدود تلية لحماية الأراضي من خطر الفيضانات الموسمية. الحضور الكثيف لسكان المنطقة في هذه المسيرة لم يكن فقط تعبيرا عن الغضب، بل أيضا عن التمسك بالسلمية والحضارية في الدفاع عن الحق في التنمية، فالمنطقة التي توصف بكونها من بين أكثر مناطق المغرب عزلة، تعيش واقعا صعبا يتسم بضعف البنيات التحتية وانعدام الخدمات الأساسية، وهي أوضاع تؤكدها شهادات متكررة من هيئات مدنية وحقوقية تشتغل على قضايا الجبل. المطالب التي رفعتها ساكنة آيت بوكماز لم تكن جديدة، لكنها هذه المرة جاءت في سياق اجتماعي ملتهب تعرفه مناطق الهامش، حيث يتجدد سؤال العدالة المجالية كلما خرجت مظاهرات أو تحركات احتجاجية من أعماق المغرب نحو مراكزه الإدارية، وقد حرص المحتجون على التأكيد في شعاراتهم وخطاباتهم أن هذه الخطوة لا تستهدف التصعيد أو التسييس، بل تسعى فقط إلى لفت الانتباه إلى واقع مرير يستوجب تدخلا عاجلا من الدولة، سواء على المستوى الجهوي أو المركزي. وتتركز انتقادات الساكنة حول غياب رؤية تنموية شاملة تراعي الخصوصيات الجغرافية والاجتماعية للمناطق الجبلية، حيث يضطر السكان إلى قطع مسافات طويلة من أجل الوصول إلى أقرب مستشفى أو مركز إداري، في غياب وسائل نقل عمومي فعالة وبنية طرقية مؤهلة. الطريق الجهوية رقم 302 عبر "تيزي نترغيست"، والطريق رقم 317 المؤدية إلى آيت عباس، تشكلان الشريانين الوحيدين للمنطقة، وهما في وضعية كارثية تؤثر على حركة السكان والسياحة والاقتصاد المحلي. أما المركز الصحي، الذي يعد ملاذا وحيدا للسكان في الحالات المستعجلة، فيعاني من غياب الطبيب القار ونقص حاد في التجهيزات والموارد البشرية، ما يجعل السكان يعيشون وضعا صحيا مأزوما ومفتوحا على المخاطر، وفي زمن الرقمنة والتعليم عن بعد، لا تزال الدواوير معزولة رقميا بسبب غياب تغطية شبكة الهاتف والإنترنت، ما يفاقم عزلة الأطفال والشباب ويحرمهم من فرص متكافئة للتعلم والتطور. احتجاجات آيت بوكماز سلّطت الضوء أيضا على غياب المرافق الرياضية والمهنية، حيث دعا المحتجون إلى بناء ملعب يستجيب لطموحات شباب المنطقة، وإنشاء مركز للتكوين في المهن الجبلية، باعتبارها مداخل حيوية لإدماج الشباب في الدورة الاقتصادية وتعزيز استقرارهم الاجتماعي. ورغم البرامج التنموية التي تم الإعلان عنها في السنوات الأخيرة، فإن وتيرة التنفيذ وصعوبة الوصول إلى المناطق الجبلية يجعل أثر هذه البرامج محدودا، وهو ما يزيد من الشعور بالتهميش ويكرس الهوة بين الجهات والمناطق. وفي هذا السياق، جددت ساكنة آيت بوكماز مطالبتها الدولة بالوفاء بالتزاماتها الدولية تجاه المناطق الجبلية، خاصة ما يتعلق بتنزيل "قانون الجبل" الذي ظل حبرا على ورق، رغم ما يحمله من وعود بخصوص العدالة المجالية وتكافؤ الفرص. وتشكل مسيرة آيت بوكماز نداء مفتوحا لتدارك الاختلالات، وتحفيز الدولة على إعادة ترتيب أولوياتها التنموية، بما يضمن انخراطا فعليا وعادلا في تأهيل المناطق المهمشة وربطها بباقي التراب الوطني. فبدون إنصاف حقيقي لهذا المغرب العميق، سيبقى المشروع التنموي في البلاد محكوما بالنقص واللاتوازن، وهو ما لم يعد مقبولا في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب.