لمواجهة الكوارث.. الملك يعطي انطلاقة إحداث منصة للمخزون والاحتياطات الأولية    جلالة الملك يعطي انطلاقة إحداث منصة المخزون والاحتياطات الأولية لجهة الرباط- سلا- القنيطرة    شراكة مبتكرة لدفع التحول الرقمي في الصناعة التقليدية المغربية    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة.. المغرب يتأهل لربع النهائي متصدرا مجموعته بفوزه على تونس (3-1)    المصطفى الرميد: لا تعارض بين الانحياز لقضايا المغرب ونصرة غزة    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو المؤسسة التعليمية "المجمع التربوي 132–134" في إطار مشروع التوأمة التربوية بين الرباط والعاصمة الأذربيجانية    رئيس الحكومة الإسبانية يثني على مساهمة المغرب في تجاوز أزمة انقطاع التيار الكهربائي    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    المغرب يتجاوز تونس بثلاثية ويتأهل لربع نهائي كأس إفريقيا للشباب    العصبة تكشف برنامج الجولة الأخيرة من البطولة الاحترافية    بلقشور يكشف موعد نهاية البطولة    عبد النباوي: التشريع المغربي يلتحق بنظام العقوبات البديلة    مجلس أوربا: قانون العقوبات البديلة "منعطف تاريخي" في المنظومة القضائية المغربية    صحيفة أجنبية: المغرب يعد الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا    وزير الدفاع الباكستاني: التوتر مع الهند قد يؤدي إلى حرب نووية    تُهرّب الحشيش من شمال المغرب.. إسبانيا تُطيح بشبكة إجرامية في الجنوب    الجزائر تواصل مطاردة المثقفين.. فرنسا تتلقى مذكرتي توقيف دوليتين ضد كمال داود    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    توقيف مواطنين فرنسيين من أصول مغربية يشتبه تورطهما في قضية تتعلق بالسكر العلني وارتكاب حادثة سير بدنية مع جنحة الفرار    الأطرالصحية ونقابة الجامعة الوطنية للصحة بعمالة المضيق الفنيدق تضع يدها على ملف ساخن وتستنكر تعطيل خدمات تقويم البصر بمصحة النهاري بمرتيل    تعليمات جديدة من لفتيت للأمن والولاة: لا تساهل مع السياقة الاستعراضية والدراجات المعدلة    "العفو الدولية": تهجير إسرائيل فلسطينيي غزة "جريمة ضد الإنسانية"    ملاحظة نقدية من طرف ألفونس ويلهانز حول جان بول سارتر والعقل الجدلي    ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    أبو الأسود الدؤلي    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    إسبانيا تمول محطة تحلية عملاقة بالمغرب ب340 مليون يورو    "قانون بنعيسى" يُقصي الصحافيين من تغطية دورة جماعة أصيلة ويثير الجدل    ديزي دروس يكتسح "الطوندونس" المغربي بآخر أعماله الفنية    من إنتاج شركة "Monafrique": المخرجة فاطمة بوبكدي تحصد جائزة وطنية عن مسلسل "إيليس ن ووشن"    الخطوط الملكية المغربية و"المبنى رقم 1 الجديد" في مطار JFK بنيويورك يبرمان شراكة استراتيجية لتعزيز تجربة المسافرين    من هي النقابة التي اتهمها وزير العدل بالكذب وقرر عدم استقبالها؟    لأول مرة في مليلية.. فيلم ناطق بالريفية يُعرض في مهرجان سينمائي رسمي    بركة: نعيش سنة الحسم النهائي للوحدة الترابية للمملكة    "التقدم والاشتراكية": الحكومة فشلت على كافة المستويات.. وخطابها "مستفز" ومخالف للواقع    من المليار إلى المليون .. لمجرد يتراجع    الزمالك المصري يقيل المدرب بيسيرو    اختتام الدورة الأولى للمنتدى الدولي للصناعة والخدمات بجهة أكادير    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    بركة: إحداث 52 ألف فرصة شغل بقطاع البناء والأشغال العمومية    500 مليون دولار خسائر مطار صنعاء    رحلة تهريب فاشلة تنتهي بسجن إسباني في الحسيمة ل8 سنوات    "كوكا كولا" تغيّر ملصقات عبواتها بعد اتهامها بتضليل المستهلكين    بايدن يتهم ترامب باسترضاء روسيا    صيحة قوية للفاعل الجمعوي افرير عبد العزيز عن وضعية ملاعب القرب بحي العامرية بعين الشق لالدارالبيضاء    فليك يتهم الحكم بإقصاء برشلونة ويُخاطب لاعبيه قبل الكلاسيكو    دافيد فراتيزي: اقتربت من فقدان الوعي بعد هدفي في شباك برشلونة    المغرب يستقبل 5.7 ملايين سائح خلال 4 أشهر    القوات المسلحة الملكية: ندوة بالرباط تسلط الضوء على المساهمة الاستراتيجية للمغرب خلال الحرب العالمية الثانية    السياحة الريفية في الصين... هروب من صخب المدن نحو سحر القرى الهادئة    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التغيرات الجنسانية بالمجتمع المغربي

تشكّل المسألة الجنسانيّة قضيّة جوهريّة ضمن نسق العلوم الاجتماعيّة، السّوسيولوجيا خاصّة،
والأنثروبولوجيا، والتّاريخ الاجتماعيّ أيضًا، نظرًا إلى كونها تدخل ضمن دراسة سجل النّشاطات الفرديّة
الخاصّة، وبالعودة إلى مجتمعاتنا العربيّة – الإسلاميّة، نجد أنّ الجنسانيّة قد احتلّت مكانة مركزيّة في تاريخ
الإسلام؛ حيث كانت هناك مناقشات كثيرة، في البداية، حول الحريم، وتعدّد الزّوجات، وشروط النّكاح،
وكانت كتب أبو نواس والشّيخ النفزاوي تعرف رواجًا كبيرًا داخل المجتمعات، والبلدان العربيّة
.
اليوم، أضحت القضايا المرتبطة بالجنس والجنسانيّة في قلب النّقاشات الاجتماعيّة والسّياسيّة )العموميّة(، في سياق التّحولات القيميّة الّتي تعرفها معظم المجتمعات العربيّة؛ حيث تتعايش النّماذج الأوروبيّة، والأمريكيّة، والإسلاميّة، في سياق بيئة ثقافيّة متحوّلة، مع ذلك، لا يجب أن نعدّ كون المسألة الجنسيّة مقترنة في جوهرها بطبيعيّة المواجهة والصّراع الثّقافيّ والإيديولوجيّ – وأحيانًا الدّينيّ والقيميّ أيضًا – بين الشّرق والغرب ؛ بل تتجاوز رمزيّة الحجاب والعفّة نحو العلاقة التّصادميّة بين الخطاب الجنسيّ، والممارسة الجنسيّة في سياق مجتمعات متحوّلة.
في المجال العلميّ، خاصّة ضمن حقل العلوم الاجتماعيّة، ظلّت الظّاهرة الجنسيّة مستبعدة – إلى حدّ
بعيد – من المجال التداولي والنّقاش العامّ العربيّ، على الرّغم من التّاريخ الغنيّ للأدبيّات الجنسانيّة العربيّة،
وقد نُظر إلى الجنس، من منظور سياسيّ بالضّرورة، كحجر زاوية الاستقرار المجتمعيّ والسّياسيّ، وظلّت
الأنظمة الشّموليّة العربيّة تتعامل – بكثير من الحيطة والحذر – مع المسألة الجنسيّة، في سياق البحث عن
صيغة توافقيّة تجمع بين المرجعيّة الإسلاميّة ومتطلّبات الحداثة والعولمة، بالشّكل الّذي ساهم – بشكل كبير
– في تعميق الهوّة بين الخطاب الفرديّ والجماعيّ، حول الجنس والممارسة الجنسانيّة الفعليّة.
أضحت المجتمعات العربيّة – من بينها المغرب – تعيش تحوّ حقيقيًّا في مجال الجنسانيّة، من منظور
طبيعة التّناقضات الحاصلة بين الفردانيّة والأخلاق الجمعاتيّة والمجتمعيّة، والمنظومة المحليانيّة والمنظومة
الوطنيّة، وثقافة الشّرق وثقافة الغرب، وحيث الصّراع بين المنظور الاستشراقي )حياة جنسيّة خاصّة
بالشّخصيّة العربيّة – الإسلاميّة، تُفسَّر انطلاقًا من النّصوص المقدّسة(، والمنظور الثّقافويّ )حالة علاقات
جنسيّة خاصّة بالمغرب العربيّ(، والمنظور الأخلاقيّ )مجتمعات خاضعة لعنف الإسلام المتشدّد أو أُفسدت عن طريق الغرب(، ومنظور النّضال المدنيّ )الدّفاع عن الحرّيّات الشّخصيّة، حقوق المرأة، الإرشاد الإسلاميّ(، بالشّكل الّذي يجوز الحديث معه عن "انفجار " جنسانيّ على المستوى الخطابيّ، كما الممارساتيّ.
من خلال هذه العناصر والمؤشّرات السّالفة الذّكر، تهدف هذه الورقة إلى إبراز طبيعة الشّروط
الموضوعيّة المؤطّرة للتّحوّلات الجنسانيّة في المغرب المعاصر، وتنظر الورقة – في سبيل ذلك – تنظر
الورقة إلى كون النّساء "فاعل اجتماعيّ " أساسيّ في تحقيق الانتقال الجنسانيّ في المجتمع المغربيّ؛ أي
أنهنّ نسق جوهريّ ضمن معادلة الانتقال الجنسيّ الذاتي، تحدّث عنها د. عبد الصّمد الدّيالمي، وتقترح
الورقة ضرورة التّركيز على البنيات الموضوعيّة للمجتمع المغربيّ، في تفاعلها مع الشّروط الاجتماعيّة
لإنتاج وإعادة إنتاج الفعل الجنسانيّ، بعدّها محفّزًا أساسيًّا لعمليات صوغ الانتقال الجنسانيّ في الفضاء العامّ
)الجامعة، الأسرة، …إلخ(، وهي شواهد تستعرضها الورقة، وتوضّح أنّ المغرب، كغيره من الدّول العربيّة،
قد انخرط في المرحلة الثّانية من الانتقال الجنسيّ، وتقترح أنّ المرحلة الثّالثة ستشهد "دهرنة " اجتماعيّة
للمعايير، كما السّلوكيات الجنسيّة.
التّحوّلات الجنسانيّة "الكونيّة ": بين التّعدديّات الخطابيّة والخصوصيّات المحلّيّانيّة
تنامت النّقاشات العلميّة داخل الدّول العربيّة وباقي دول المعمورة – في الآونة الأخيرة – حول موضوع
"التّحوّلات الجنسانيّة الكونيّة "، نظرًا إلى ما تشهده الإنسانيّة في الفترة المعاصرة من "طفرة " نوعيّة في
بنية الظّاهرة الجنسانيّة؛ حيث لم يعد ينظر للجنس أنّه عمليّة طبيعيّة ميكانيكيّة، هدفها التّكاثر والإنجاب،
بقدر ما أصحبت )الجنسانيّة( نمطًا جديدًا للمتعة الإنسانيّة بفعل العولمة الكونيّة للجنس.
منذ الثّورة العلميّة الّتي أحدثها التّحليل النّفسيّ في مسار البحث النّفسيّ عامّة، والبحث الجنسانيّ خاصّة،
أصبح العالم الاجتماعيّ فضاءً لإنتاج مختلف التّصوّرات والتّمثّلات، والصّور، والمخيالات الاجتماعيّة
والثّقافيّة والعلميّة، والسياسيّة والاقتصاديّة حول الجنس، وتطويرها، ويمكن رصد مختلف هذه التّحوّلات
الّتي طرأت على الجنسانيّة العالميّة، ومن ضمنها الجنسانيّة المغربيّة، في التّركيز على "صورة الجنس
داخل المجتمع "، أو "أثر الجنس في المجتمع " ، لنستمع إلى صوت ميشيل فوكو:
"بدلًا من الاهتمام المنتظم بإخفاء الجنس، بدلًا من الاحتشام العامّ المفرط للّغة، فإنّ ما يميّز هذه
القرون الثّلاثة الأخيرة؛ هو التّنوّع، الانتشار الواضح للحيل الّتي تمّ اختراعها من أجل الكلام عنه، من أجل
جعله معلنًا، من أجل حثّه على الكلام عن نفسه، من أجل الإصغاء إلى ..، وتسجيل، وتدوين وإعادة توزيع
ما يقال عنه حول الجنس، ثمّة شبكة كاملة من التّحولات المتنوّعة، المحدّدة والقسريّ للخطاب، بدلًا من
الرّقابة الهائلة، بدءًا بالخصائص اللّفظيّة المفروضة من قبل عصر العقل، فإنّ ما ينطوي عليه الأمر، إنّما
كان تحريضًا منظّمًا ومتعدّد الأشكال على الخطاب " .
يظهر بجلاء أنّ سلطة الخطاب، الاجتماعيّ والثّقافيّ، حول الجنس، دائمًا ما تفشل في تحقيق غاياتها
السّلطويّة والضّبطيّة، نظرًا إلى سيطرة، ما يسميه فوكو "بالفرضيّة الكبتيّة "، على جلّ الخطابات السّلطويّة
حول الجنس، وفعاليّة قاعدة الرّغبة في الممنوع، استنادًا إلى ما توفّره لنا الذّات والتّاريخ والمحيط، من
أشكال مختلفة لإنتاج "الجنسانيّة الخاصّة "، وإعادة إنتاجها.
تسعفنا هذه العلاقة، السّابقة الذّكر، في فهم الإنتاج العلميّ للجنس كجنسانيّة براكسيولوجيّة، وإرادة
معرفيّة، ميّزت تاريخ التّفاعل الأوروبيّ الطّويل مع الظّاهرة، في مقابل التّفاعل الأدبيّ العربيّ مع الجنس
كفنٍّ إيروتكيّ، وليس نسقًا علميًّا واختباريًّا موضوعيًّا من جهة، ومن جهة أخرى؛ حصر الجنس في التّكاثر
والإنجاب أكثر منه متعةً ولذّة.
وجب التّنبيه إلى أنّه رغم الوظيفة الإنجابيّة الّتي توصم بها المرأة داخل الثّقافة البطريكيّة العربيّة
عمومًا، والمغربيّة على وجه الخصوص، فإنّ شرط الطّاقة الجنسانيّة الكامنة يظلّ الصّورة الشّعوريّة المسيطرة على العقليّات الذّكوريّة، بشكل يهدّد معه الموقع الجنسانيّ للرّجل– الفحل – باستمرار، وضمن هذا السّياق، وفي إطار المسلسل الكونيّ المستمرّ للعولمة الكوسموبوليانيّة، تثير الصّورة السّابقة العديد من الشّكوك في مدى استمراريّة فعاليّتها، في ظلّ مجتمع متحوّل ومتغيّر، يعرف ما يمكن وصفه ب "الانفجار الجنسانيّ " )حسب تعبير عبد الصّمد الدّيالمي( المرتبط – أساسًا – بانفلات اجتماعيّ وعلائقيّ، ليس فقط للمرأة وحتى للرّجل، ما يمكن تسميّته ب "سلطة الجنسانيّة الثّقافيّة الشّعوريّة ."
انطلاقًا من هذه الإشارات العامّة، يمكننا أن نتساءل: ما هي أهمّ التّحوّلات الجنسانيّة الّتي تعيشها المرأة
المغربيّة؟ وهل يتعلّق الأمر بثورة جنسانيّة نسائيّة ؟ أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون تحولاّ طبيعيًّا يساير البنية الثّقافيّة والاجتماعيّة المغربيّة عمومًا؟ وما هي تحديّات هذه التّحوّلات الجنسانيّة النّسويّة وأفقها بالنّسبة لموقع المرأة داخل المجتمعات المعاصرة؟
علاء عسلي / عبد اللطيف حاجي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.