بريطانيا تجدد التأكيد على دعمها لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية    إقبال متزايد على برنامج دعم السكن..    ميسي يلمّح إلى إمكانية مشاركته في مونديال 2026 بشرط جاهزيته البدنية    المغرب يتوفر على إمكانات "مهمة" للنهوض بفلاحة مستدامة (ممثل الفاو)    طقس الثلاثاء: أجواء غائمة جزئيا بعدد من الجهات    اعتقال ثلاثة مشتبه فيهم تسببوا في حادث سير مع شرطي دراج وحاولوا سرقة دراجته    تقرير أممي يتهم أكثر من 60 دولة بينها المغرب بالمشاركة أو التواطؤ في إبادة غزة    طنجة وتطوان تدخلان عصر النقل الذكي بعد استقبال 56 حافلة عصرية ضمن المرحلة الأولى    المغرب وإسبانيا يعززان تعاونهما لمواجهة آثار التغير المناخي    أمن طنجة يوقف سائق عربة لنقل العمال دهس سائق دراجة نارية ولاذ بالفرار    الدوري التركي.. النصيري يتألق بثنائية، وفنربخشة يكتسح غازي عنتاب برباعية نظيفة    الكاميرون: بول بيا يفوز بولاية رئاسية ثامنة في عمر 92 عاما    المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 سنة يواجه كوريا الشمالية في اختبار حاسم بمونديال الناشئات    إعادة انتخاب الحسن وتارا رئيسا لساحل العاج لولاية رابعة بغالبية ساحقة    ولد الرشيد يستقبل سفراء آسيا والمحيط الهادي ويؤكد انخراط المغرب في تعزيز التعاون البرلماني جنوب–جنوب    قافلة طبية جراحية لساكنة حد الغربية بضواحي طنجة    مسعد بولس يصفع من جديد النظام الجزائري: تفاؤل أمريكي بحل نهائي لقضية الصحراء المغربية قبل جلسة مجلس الأمن    71 ألف و114 مستفيدا من دعم السكن    سيدات الجيش في مجموعة متوازنة    بولس يتفاءل بحل نهائي لنزاع الصحراء    الانخفاض ينهي تداولات بورصة البيضاء    الجمعية المغربية للباحثين في الرحلة وجمعية نظرة للثقافة والإعلام تنظمان:مصر في مرآة رحلات مغربية معاصرة    البرنامج الجديد للنقل الحضري العمومي.. إستلام 257 حافلة جديدة بميناء الدار البيضاء    الأمين العام الأممي يدين انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف    زمن النسيان العام    محمد البارودي يقود الديربي بين الوداد والرجاء    مجلس الحكومة يستعد الخميس المقبل لمنح ثلاث شركات للاتصالات تراخيص الجيل الخامس    الكاتب المغربي سعيد بوكرامي مرشحا لنيل جائزة ابن خلدون – سنغور للترجمة 2025    البلاوي: "حماية المال العام تعد من المهام الجسيمة التي تستلزم تعبئة تشريعية وقضائية ومؤسساتية متكاملة"    المانوزي: التمديد للشكر تم في منتصف الليل بشكل غير ديمقراطي وقد ألجأ للطعن إنقاذا للحزب    تحرّك قانوني مغربي ضد توكل كرمان بعد إساءتها للمغرب    المدافع باعوف ضمن اللائحة الأولية لأسود الأطلس    أهداف حاسمة ومساهمات قوية ل "أسود الأطلس" في صدارة المشهد الأوروبي    اقتراب منخفض جوي يحمل أمطاراً ورياحاً قوية نحو الريف والواجهة المتوسطية    شبكة لغسل أموال المخدرات عبر "منتجعات صحية" تُطيح بمسؤولين بنكيين    في قلب بنسليمان..مهرجان عيطة الشاوية يرى النور في مدينة المونديال    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    يضم نقوشا صخرية وقبورا جنائزية.. مطالب بحماية موقع أثري بكلميم من التخريب    تصريحات لامين جمال تُشعل الكلاسيكو    تتويج المغرب في جائزة اللغة العربية    إقبال كبير من المهنيين وعشاق السينما على مهرجان الفيلم بطنجة    فاطمة عاطف.. تكريم بطعم المواويل    عودة الاحتجاج على تعطيل التكرير في مصفاة "سامير" وضياع حقوق الأجراء والمتقاعدين    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    دراسة حديثة: الاحتباس الحراري يؤثر في توزيع الأمطار والثلوج    ترامب يرغب في لقاء كيم جونغ أون    النفط يرتفع بعد توصل أمريكا والصين إلى إطار عمل لاتفاق تجاري    هامبورغ تتصدر مجددا قائمة الولايات الأكثر سعادة في ألمانيا    دونالد ترامب يبدأ زيارة رسمية لليابان    الصين: ارتفاع أرباح الشركات الصناعية الكبرى بنسبة 3,2 بالمائة عند متم شتنبر    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغربي مرهف الحس، في عباءة ثوري خالد
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 11 - 12 - 2010

«باستثناء لطخة دم، أحتفظ بذكريات طفولة سعيدة. في الدار البيضاء، عشت أنا وإيفلين، يغمرنا دفء حنان الوالدين» أبراهام السرفاتي أو «ديدي» كما ينعته المقربون، و «الشيباني» مثلما يلقبه رفاق المحنة بالسجن المركزي بالقنيطرة، حيث كنت واحدا منهم بين سنوات 1975 و 1989، لم ينس أبدا سعادة سنوات طفولته.
بقلم : جواد مديديش
(معتقل سياسي سابق)
«باستثناء لطخة دم، أحتفظ بذكريات طفولة سعيدة. في الدار البيضاء، عشت أنا وإيفلين، يغمرنا دفء حنان الوالدين» أبراهام السرفاتي أو «ديدي» كما ينعته المقربون، و «الشيباني» مثلما يلقبه رفاق المحنة بالسجن المركزي بالقنيطرة، حيث كنت واحدا منهم بين سنوات 1975 و 1989، لم ينس أبدا سعادة سنوات طفولته.
في أواخر أيام حياته، وعلى الرغم من حالات فقدان الذاكرة، التي بدأت تنتابه بشكل مستمر جراء مرض الزهايمر، عاش السرفاتي بمنزله بحي أسيف بمراكش يخطو الخطى بواسطة كرسي متحرك، على إيقاع ذكرى ذاك الطفل اليهودي المغربي غير المكترث، يطوي بدراجته الهوائية أزقة حي المعاريف ودرب غلف.
بالتأكيد أيضا، وحتى آخر همسة له عن سن الرابعة والثمانين، بقي يعاني جرحا، نتيجة سوء فهم تحسسه واقعيا، داخل الجسم المغربي بين اليهود والمسلمين. طائفتان، مع ذلك : «مرتبطان بصداقة تمتد لعشرات القرون»، كما تعلّم من أبيه. لم ينس، أبراهام قط، شعوره بالانهيار ذات يوم من شهر يناير 1967 (بعد حرب الستة أيام) حين اكتشف، بأن مقالته التي أرسلها إلى جريدة مغربية، صدرت دون ذكر اسمه، لأنه يهودي، يقول بتحسر : «لم يكن ذلك، في سياق جيد بالنسبة لجريدة وطنية مغربية». أيضا، لم يستطع محو صورة أخته إيفلين التي ماتت شهر أكتوبر سنة 1974، بعد سنتين من التعذيب في ضيافة الشرطة، كي تشي بالمكان الذي يختبئ فيه أخيها الذي ابتدأ وقتها مرحلة العمل السري : «تكلمي أو نقتلك. لقد قتلوك إيفلين، ولم تتكلمي»، هكذا، خلدتها إحدى قصائد عبد اللطيف اللعبي.
كان بوسع مسار أبراهام، أن ينعم كفاية بالسعادة على غرار أهل ديانته كأندري أزولاي، سيرج بيرديغو وروبير الصراف. فالطائفة اليهودية، اتصفت دائما بكونها ملكية حتى النخاع، لو لم يحدث التزامه السياسي الثوري، انقلابا غيّر كل حياته. تعود نقطة البداية، إلى خريف 1968 : جراء الإضراب الكبير الذي قام به 7000 منجمي بخريبكة، لم يتردد السرفاتي في التضامن معهم، حيث شغل منذ 1960 مديرا تقنيا للمكتب الشريف للفوسفاط (بعد دراسات لامعة بمدرسة المعادن بباريس)، لكنه أزال وزرة التقنوقراطي، كي يرتدي أخرى لمناضل أقصى اليسار. يوم 30 غشت 1970، اعتبر لحظة قطيعة نهائية مع حزب التقدم والاشتراكية، وريث الحزب الشيوعي المغربي، وتأسيس منظمة إلى الأمام التي كان أحد رموزها الأساسيين.
هيمنت الدعوة إلى ثورة البروليتاريا، والحلم بالأمسية الكبيرة، على أفكار سنوات 1970. عقائد، حكمت شباب أوروبا الغربية وكثير من البلدان العربية. بيد، أن الضريبة التي دفعها السرفاتي ورفاقه في المغرب، كانت ثقيلة : الحكم غيابيا بالمؤبد سنة 1973. اعتقال، شهر نوفمبر 1974 ثم تعذيب طيلة أربعة عشر شهرا في دهاليز درب مولاي الشريف، وهو معصوب العينين والأصفاد تشد معصميه. الحكم عليه بالسجن المؤبد خلال المحاكمة الشهيرة ل «الجبهويين» سنة 1977، وتُوّج المسلسل ب 17 سنة سجنا. الجملة التي فاه بها قاضي التحقيق حينما مثل أمامه السرفاتي بعد
احتجاز جحيم درب مولاي الشريف، بقيت مشهورة في حوليات القضاء المغربي : «أنتم محظوظون، لأننا نعيش أجواء الديمقراطية».
كان هذا القاضي محقا، لأن آخرين أقل حظا، تعفنوا في جوف تازمامارت. عمل أبراهام ورفاقه في السجن المركزي، على تحريض الرأي العام الدولي، حتى ينصت إلى صوتهم، بالتالي يتمتعوا بوضعية معتقلي الرأي. شهر مارس 1986، فإن الرفيقة الفرنسية «كريستين دور» والتي تحلت بالشجاعة حين آوت عندها السرفاتي سنوات ملاحقته، ستقوم بزيارته في ردهة السجن بوساطة من دانييل ميتران، صاحبة الفضل في زواجهما. حالم ورقيق المشاعر، تخفيهما هيأة ثوري صلب، هكذا قضى أبراهام حقبة السجن، يلازمه حب طفولي نحو كريستين، هذه المرأة التي شكلت سنده المطلق إلى غاية إطلاق سراحه شهر شتنبر 1991. حرية، من أجل منفى مؤلم : إعادة إحياء قرار رسمي قديم يعود إلى فترة الحماية، من طرف ادريس البصري الوزير السابق للداخلية، ألصق به الجنسية البرازيلية على نحو غريب، فاضطر السرفاتي لقضاء ثماني سنوات في فرنسا. أما الشكوى التي تقدم بها محاميه عبد الرحيم برادة ضد الوزير وشطط توظيفه للسلطة، فلم يسفر عن أي شيء. رفض السرفاتي، تجرع هذا المنفى الإجباري، جعل حياته قاتمة. كان بوسعه إنهاء حياته في أوروبا بالقرب من «موريس» ابنه الوحيد وحفيده «تيو»، لكن رغبة العودة ثانية إلى وطنه الذي عشقه «عضويا» كما قال: «كي يحيا فيه أولى خيوط الحرية، حين يبزغ الفجر».
يوم 30 شتنبر 1999، وبعد تغير الحكم، تمكن السرفاتي أخيرا من العودة إلى المغرب، حرا، سعيدا ومُدلّلا. وقد «تهدّأ» أيضا : فإن شعلة ثوري سنوات 1970، وإن صارت جمرا، بقيت في العمق متوقدة : رجل مهووس بالعدالة والحرية، مفكر مثالي، حالم وعنيد أيضا. سنة 2002، كتب بيد ترتجف : «بعد مرور اثنتي وثلاثين سنة، أتأمل الطريق، والتضحيات التي بذلت والأخطاء المقترفة والنجاحات والإخفاقات. لكني، سأبقى مقتنعا، بأن مشروع صيف 1970، ترسخ بعد ذلك بعمق لدى الشعب المغربي».
فاسترح قرير العين، عزيزي ديدي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.