محكمة الحسيمة تُصدر حكمًا في حق المتهم بجريمة القتل بشاطئ السواني                        التساقطات المطرية تساهم في خفض أسعار زيت الزيتون بشمال المغرب    آلاف التونسيين يصعدون احتجاجاتهم ضد سعيد ويطالبون بعودة الديمقراطية    عصبة الأبطال الإفريقية (دور المجموعات -الجولة 1).. فريق بيراميدز المصري يفوز على نظيره ريفرز يونايتد النيجيري (3-0)    المغرب ضمن طليعة الدول الأكثر التزاماً بالمناخ    أوزين يصف التسريبات ب"الفاجعة الأخلاقية" ويدعو إلى تحقيق عاجل وإعادة بناء منظومة المجلس الوطني للصحافة    أسعار السكن تعاود الارتفاع في المدن الكبرى    نهضة بركان يستهل "الأبطال" بفوز ثمين        أحمد الشناوي يعلق على استبعاده من جائزة الكاف    21 شهيدا في غزة في انتهاكات إسرائيلية للهدنة    النبهان ينتقد "الولوج المطلق" لصناع المحتوى إلى مجال التمثيل الفني        وضع سيدة مولودها داخل إحدى عربات "الترامواي".. مستشفى مولاي عبد الله بسلا لم يسجل أي ولوج للمعنية بالأمر إلى مصالحه (بلاغ)        الأميرة للا مريم تترأس حفل الاختتام الرسمي للمنتدى الإفريقي الأول لبرلمان الطفل    نهاية مشرفة في مشوار فتيان الأطلس بمونديال قطر... والتحكيم تحت المجهر من جديد            جلالة الملك يهنئ الجيش الملكي النسوي عقب تتويجه بدوري أبطال إفريقيا للسيدات    الداخلة .. تنظيم لقاء علمي حول الذكاء الاصطناعي في أبعاده الاجتماعية والسيادية    اليماني: مجلس المنافسة يتهرب من مواجهة الاحتكار في سوق المحروقات    موسيقى كناوة المغربية تلهب حماس الجمهور في مهرجان فني بالكويت    مجلس المستشارين يعقد الثلاثاء المقبل جلسة عمومية مخصصة للأسئلة الشفوية الموجهة لرئيس الحكومة حول السياسة العامة    البرازيل.. إيداع الرئيس السابق جايير بولسونارو رهن الاعتقال الاحتياطي    لجنة الأفلام تُطلِق برنامج قطر لحوافز الإنتاج السينمائي والتلفزيوني (QSPI)    تنظيم مهرجان فاس السينمائي العربي الإفريقي    أكبر جمعية حقوقية بالمغرب تدين تواتر الأحكام القضائية القاسية في حق محتجي "جيل زيد"    جلالة الملك يهنئ الرئيس اللبناني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    لجنة الأفلام في قطر تحصل على حقوق قصة "قيصر"    هل يصيب الذكاء الاصطناعي بعض الناس بالتوهم؟    الطالبي العلمي بمؤتمر الاتحاد البرلماني الإفريقي: التنمية الحقيقية رهينة بتعزيز سيادة الدول الإفريقية على مواردها الطبيعية    أفراد طاقم فيلم "صوت هند رجب" وأبطال القصة الحقيقيين في مهرجان الدوحة السينمائي: صوت هند هو صوت غزة وكلّ الفلسطينيين    ساركوزي يكتب عن السجن: كما هو الحال في الصحراء.. تتقوّى الحياة الداخلية في السجن    القاهرة تستعجل تشكيل "قوة غزة"    الأمم المتحدة: الإمدادات الغذائية لغزة تتحسن منذ وقف إطلاق النار    أرسنال يفقد مدافعه غابرييل لأسابيع    طقس مستقر في توقعات اليوم السبت بالمغرب    وفاة ثلاثيني وإصابة شاب آخر في حادثَيْ دراجة نارية متتاليَيْن داخل نفق "مركز الحليب" بطنجة    بوعرعار "كبير المترجمين".. سفير لغوي متجول بارع ودبلوماسي "فوق العادة"    الداخلية تلزم الجماعات بتحديد تسعيرة الضريبة على الأراضي غير المبنية لتشمل الدواوير... تغازوت نموذجا (فيديو)    بن هنية: "صوت هند رجب" يتخلّد حين يصل نفس الشعور إلى كافة الناس    "الأول يكشف تفاصيل استنطاق "بوز فلو".. الرابور أمام القضاء بسبب اتهامات مرتبطة بمضامين أغانيه    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع الأستاذة نجاة المريني في عوالمها الإنسانية ..

إذا كان الحديث عن إسهامات الدكتورة نجاة المريني في مجالات البحث الأكاديمي المتخصص في تشريح البيبليوغرافيات الأدبية المغربية المعاصرة والمخطوطات الغميسة، قد استقطب اهتمام قطاعات واسعة من باحثي المغرب الثقافي والفكري الراهن، فإن الحديث عن البعد الإنساني في مبادرات الأستاذة المريني في مجال احتضانها ? علميا ? لطلبتها ولمريديها ولقاصديها يظل من الأمور التي لم يسلط عليها الكثير من الضوء ومن عناصر التوثيق والتدوين. فرغم أن الأستاذة المريني قد حظيت بعدة لقاءات تكريمية في مناسبات ثقافية أو جمعوية أو رسمية مختلفة، فإن جل الشهادات والاستحضارات ظلت تركز على إبراز معالم القوة في الشخصية العلمية للأستاذة المريني، من موقعها كباحثة صارمة وكمنقبة دقيقة وكأكاديمية رفيعة. وخلف كل هذه الصفات الاعتبارية التي جعلت الأستاذة المريني تتحول إلى قيمة معرفية في مجال الدراسات الأدبية المغربية المعاصرة وإلى مرجع لا يمكن تجاوزه ? على الإطلاق ? عند محاولة التوثيق لإبدالات التراث الأدبي الوطني، شعرا ونثرا، وخاصة خلال مطلع العصر الحديث المرتبط بتاريخ الدولتين السعدية والعلوية، كانت قامة الأستاذة المريني تنتصب سامقة بعطائها الإنساني الموازي لدرسها الجامعي ولعطائها الإبداعي ولإسهاماتها الرفيعة في المنتديات العلمية المتخصصة داخل المغرب وخارجه، ثم في سلسلة إصداراتها المتخصصة في الدراسات الأدبية المغربية الحديثة والمعاصرة. ولا شك أن نبوغ الأستاذة المريني يظل شديد الارتباط بمعالم قوة شخصيتها وبأشكال تعاطيها مع محيطها، سواء على المستوى العلمي أم الإنساني. هي صفات الباحثة الصارمة التي لا تجاري المواقف الانطباعية، ولا تستسهل القراءات النقدية، ولا تجامل مقروءاتها، ولا تتمايل مع أهوائها، ثم ? أساسا ? لا تبخس من قيمة ما تراه متميزا ومجددا وإضافة لرصيد العطاء العلمي والثقافي والإبداعي. وإذا كنت ? في هذا المقام ? أستحضر القيمة العلمية الرفيعة لرصيد المنجز العلمي للأستاذة المريني، فإن الأمر يجعلني أطرح تساؤلات مدخلية لاقتحام عوالم الكتابة لدى الأستاذة المريني، معالم تعد حجر الأساس لإعادة ربط حصيلتها العلمية بسياقاتها العلمية / الجامعية الوطنية من جهة، ثم الإنسانية الواسعة من جهة ثانية. فمن، غير الأستاذة المريني، يمكن أن يتحدث عن شعر عبد العزيز الفشتالي، مؤرخ السلطان السعدي أحمد المنصور، على سبيل المثال لا الحصر ؟ ومن، غير الأستاذة المريني، يمتلك الأدوات المجهرية الدقيقة لاستكناه عوالم الثقافة المغربية خلال مطلع العصر الحديث، وتحديدا خلال القرون 15، 16، 17 ميلادية ؟ ومن، غيرها، يمتلك ناصية اقتحام مجاهل المخطوطات الدفينة والأعمال الغميسة للمرحلة التاريخية المعنية ؟ لا شك أن القلة القليلة من باحثي مغرب القرن الماضي والقرن الحالي تمتلك شروط مجاراة مثل هذه التساؤلات التقييمية لأوجه « النبوغ المغربي « الذي جسدته الأستاذة المريني في سلسلة أعمالها الأكاديمية المتواترة. هي أعمال تضعها وتصنفها إلى جانب رواد هذا المجال، ممن اهتموا بالبحث في إبدالات التراث الثقافي والفكري والإبداعي المغربي الماضي، من أمثال العلامة عبد الله كنون، والفقيه محمد المنوني، والمؤرخ محمد حجي،...
وإذا كنت قد تعرفت على الأستاذة نجاة المريني، بشكل غير مباشر، عندما كنت طالبا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط عند بداية تسعينيات القرن الماضي، فإن معرفتي المباشرة بها قد تعززت وترسخت بواسطة صديقنا المشترك المرحوم الشاعر أحمد عبد السلام البقالي. فعندما كنت متفرغا لإنجاز كتاب توثيقي للسيرة الذهنية لشاعرنا الكبير، لاحظت كيف أنه كان يحيل ? باستمرار - إلى علمين اثنين من أعلام الثقافة المغربية المعاصرة، يتعلق الأمر بالشاعر مولاي علي الصقلي وبالأستاذة نجاة المريني. وازداد يقيني بالاحترام الكبير الذي كان يحمله المرحوم البقالي تجاه شخصية الأستاذة المريني، عندما كان يستحضر ? في محطات مختلفة ? عناصر عطائها وريادتها في مجمل المجالات التي كانت تهتم بها، أكاديميا وجمعويا وإعلاميا وثقافيا. وعندما صدر الكتاب سنة 2010، تحت عنوان « أحمد عبد السلام البقالي : حوار السيرة والذاكرة «، بادرت الأستاذة المريني بالاتصال هاتفيا مهنئة ومنوهة بالجهد الذي بذلناه في إخراج العمل. لم أعرف كيف حصلت الأستاذة على رقم هاتفي ولا كيف استطاعت ربط الاتصال معي، لكني وجدت نفسي منبهرا بعظمة اللحظة، إذ لم أصدق أن تكون الأستاذة المريني متصلة ومتحدثة على الطرف الثاني من خط الهاتف. فقد كنت أحمل عنها، ومنذ سنوات الدراسة بكلية الآداب بالرباط، صورة الباحثة المهابة الجانب، والتي لم أكن ? كما هو حال عموم طلبتها ? أنظر إليها أو أخاطبها إلا بكل مظاهر التبجيل والتقدير، وهي المظاهر التي ظلت ترتقي بها إلى مصاف عظماء الفكر والإبداع والمعرفة. لقد فتحت الأستاذة المريني ? باتصالها هذا ? عيني على معالم تواضعها اللامحدود، تواضع العلماء الكبار الذين صنعوا / ويصنعون معظم معالم البهاء الحضاري في مغربنا الثقافي، بالأمس واليوم.
لم تنقطع صلتي بالأستاذة المريني منذ ذاك التاريخ، بل ازدادت ترسخا مع الأيام. فقد كنت / ولازلت حريصا على استشارتها في كل اهتماماتي الثقافية والعلمية المتواضعة. وإذا كان ثمة من أمر يجب أن أفتخر به في هذا المقام، فإنه لن يكون إلا تتلمذي المتواصل عليها. فعندما كنت بصدد تجميع النصوص الشعرية للمرحوم أحمد عبد السلام البقالي، والتي شكلت مواد ديوان « بعد الرحيل « الذي أصدرناه سنة 2014، كانت الأستاذة المريني حريصة على مواكبة عملية الإعداد من بدايتها إلى نهايتها، قارئة فاحصة، ومصححة صارمة، وشاعرة موهوبة. وعندما أردت إدراج اسمها على غلاف الديوان بالنظر لدورها الكبير في المساعدة على إخراج العمل، كان موقفها بالرفض القاطع، تحت مبرر أن إسهامها لم يكن إلا جزءا من واجباتها تجاه شخصية المرحوم البقالي أولا، ثم تجاه كل الذوات الفاعلة في مجال تلقي المعارف والآداب من طلاب الفكر والثقافة من جهة ثانية.
هذه هي الأستاذة نجاة المريني كما عرفتها، سمو في الأخلاق وغزارة في العطاء وريادة في احتضان الأسماء والتجارب. باختصار، هي مظهر من «مظاهر يقظة المغرب الحديث « ? وأستسمح المرحوم المؤرخ محمد المنوني على اقتباس أحد عناوينه ? ووجه مشرق للهوية الثقافية الوطنية المعاصرة، وأيقونة مجال الدراسات الأدبية التي تصنع معالم النبوغ والتميز للثقافة المغربية المعاصرة.
( * ) ألقيت هذه الكلمة ضمن فعاليات الحفل التكريمي الذي نظمته الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية لفائدة الأستاذة نجاة المريني، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، يوم 27 مارس 2015.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.