نتنياهو يقدم اعتذارًا لرئيس وزراء قطر    لليوم الثالث.. منع الاحتجاجات وتوقيف العشرات من الشباب ومدن جديدة تنضم لحركة "جيل زد"    خبير أمني: تدخل القوات العمومية لمنع تجمهرات دعت إليها جهات مجهولة تم وفق مقاربة متوازنة تحفظ النظام العام وسلامة المتجمهرين    تأجيل مباراة فالنسيا وريال أوفييدو بسبب سوء الأحوال الجوية    ناشط مغربي ب"أسطول الصمود": ننتظر الوصول إلى غزة بفارغ الصبر    بعد بيع 30 ألف تذكرة.. المنظمون يدعون الجماهير للالتزام بالتوجيهات خلال مباراة المغرب    احتجاجات "جيل زد".. نحو 40 شابا رهن الحراسة النظرية بالرباط والدار البيضاء في انتظار قرار النيابة العامة    النيابة العامة: متابعة شخص بالبيضاء بسبب فيديوهات مفبركة للتحريض على الاحتجاج    الحسيمة.. شاب يفارق الحياة في ظروف غامضة قرب حانة "كانتينا"    توقيف شقيق بارون "دولي" للمخدرات بطنجة    جبهة القوى الديمقراطية تدعو إلى مناظرة وطنية شاملة حول قطاع الصحة    بورصة البيضاء تُغلق على أداء سلبي    الركراكي يلتقي بالصحافيين في سلا    صحافة الشيلي: فوز المغرب على إسبانيا يفجر أولى مفاجآت "مونديال U20"    أمطار رعدية قوية مرتقبة في المغرب    النصب بالعملات الرقمية يوقف شابيْن    دي كابريو يتصدر شباك السينما بأمريكا الشمالية    الصندوق المغربي للتقاعد يعلن صرف معاشات المتقاعدين الجدد التابعين لقطاع التربية والتعليم    القانون 272 يدفع المصابين بألأمراض المزمنة إلى الهشاشة الاجتماعية    علماء روس يبتكرون أدوية "ذكية" يتحول شكلها داخل الجسم    الخارجية الأمريكية تبرز مؤهلات المغرب ك'قطب استراتيجي' للأعمال والصناعة    برامج شيقة تمزج بين الإبداع والتجديد في الموسم التلفزي الجديد لقناة الأولى        فرع أولاد صالح بإقليم النواصر يُشعِل شعلة العمل الحزبي الحداثي    عام أخير لحكومة "أخنوش".. تحديات وتطلعات وأجندة انتخابية (تحليل)        نشرة إنذارية: زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بتساقط للبرد مرتقبة اليوم الاثنين بعدد من مناطق المملكة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تستنكر منع احتجاجات "جيل Z" وتدعو إلى حوار جاد مع الشباب    كأس العالم تحت 20 سنة.. المنتخب المغربي يتصدر المجموعة بعد تعادل البرازيل والمكسيك    وجدة تحتفي بالسينما المغاربية والدولية في الدورة 14 للمهرجان الدولي المغاربي للفيلم    المعهد المتخصص في الفندقة و السياحة بالحوزية ضمن المتوجين في الدورة 11 للمعرض الدولي ''كريماي'' للضيافة وفنون الطبخ    باريس سان جيرمان: ديمبلي يسافر إلى قطر لاستكمال تعافيه    تقديم 21 موقوفا من "جيل Z" بالرباط أمام النيابة العامة غدا الثلاثاء    بنسعيد: الراحل سعيد الجديدي أغنى المكتبة الوطنية بإنتاجات أدبية وصحفية قيمة    الذهب يتجاوز عتبة 3800 دولار للأوقية وسط تزايد توقعات خفض الفائدة            الباييس: إسبانيا فرضت رقابة على القواعد الأمريكية على أرضها لمنع نقل شحنات أسلحة إلى إسرائيل    "طريقة الكنغر" تعزز نمو أدمغة الأطفال المبتسرين    اقتراع سوريا يستبعد "مؤيدي الأسد"    الأردن يحرك ملفات الإخوان المسلمين        تراجع طفيف لأثمان الإنتاج الصناعي    البرلمان البرتغالي يناقش مقترح الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء    الصين تهدف تحقيق نمو يزيد عن 5 في المائة في صناعة البتروكيماويات خلال 2025-2026        إلياس فيفا يتوج في مدينة البيضاء    عرض "نشرب إذن" ينافس في بغداد    محمدي يجمع الرواية والسيرة والمخطوط في "رحلة الحج على خطى الجد"    التضليل الإلكتروني بمؤامرة جزائرية لخلط الأوراق: مشاهد قديمة تُقدَّم كأحداث راهنة بالمغرب    دراسة: الموسيقيون يتحملون الألم بشكل أفضل من غيرهم            بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقد التكاملي في «البرق وحلم المطر» للناقدة نادية الأزمي


1
لم تلزم الناقدة نادية الأزمي نفسها بمنهج نقدي معين، حتى لا تقع في حيرة من أمرها وهي تطبق هذا المنهج أو ذاك، ومن هنا كان تناولها فيما يخص النقد الفني متناثرا في ثنايا دراستها، فلم تقم بتبويب نقدي، وإنما درست كل ما أنتجه القصاصون على حدة، تحلل وتقول الرأي ما لزم الأمر.
وعلى كل فإن الحديث عن المسارات السردية والأسلوبية والفنية الأخرى (الشخصية والمكان) جاء محدودا مقتضبا، وذلك لأنها ? كما بيّنا ? أولت اهتماما كبيرا إلى المحتوى الذي حملته القصص.
ولم تعمد الناقدة إلى مصطلح بعينه تقيم عليه دراستها وإنما كانت تستخدم المصطلح في محله من الدراسة.
ولأن العمل الأدبي أيا كان نوعه هو لغة خاصة في بنائها، فمن الطبيعي ان يكون حديث الناقدة عن لغة القص حاضرا، وحين تناولت قصص الفاخري تقول: (اختار لغة مكثفة موحية تنقل الفكرة البليغة عبر أقل عدد من الكلمات، وإن كانت الرؤية تبدو في قصص قليلة غامضة) [ص23-24]. وهنا إشارة جيدة إلى وقع اللغة وتأثيرها الخاص، وكذلك الربط بين لغة القص ورؤية القاص، وهذا الكشف عن عدم إيفاء اللغة لتحقيق الرؤية يعد نقدا موضوعيا.
وقد سبق للناقدة أن أشارت إلى شيء من الخلل في" خبيصة" أحمد جاسم الحسين ، وهو ينهي قصصه ب (يا..) فتقول : ( وربما كان من الأجدى ان يتم الاستغناء عن هذا التكرار، ذي الوظيفة الصوتية ، لأن التكرارات تحتمل مثنى وثلاث ورباع، وليس فوق ذلك). [ص17].
ومعنى ذلك أن الوعي بالعمل القصصي كان يصاحب الناقدة في تحليلها النقدي، مما يوفر جوا نقديا حسنا لمن يقرأ الكتاب بعد ذلك .
وتؤكد الناقدة على أهمية الوعي اللغوي في العمل القصصي لارتباطه بالفكر فاللغة حاملة للأفكار، فمن دلالة " شجرة الخوف" عند المزروعي، تنبع دلالات جديدة " من القلب الوظيفي لدلالة الشجرة التي ألفنا أن تكون شجرة خير وبركة ، وها هو ذا يقرع آذاننا ، ويعيد تشكيل وعينا الفكري من خلال وعيه اللغوي" [42]، وهذا الربط له أهميته في إعادة القراءة لاكتشاف مزيد من مسارات الوعي وتلفت أنظارنا إلى تأثير لغوي آخر عند المزروعي فتقول : " كما أحسن الكاتب الانتقال من التعقيد نحو الحل بصيغ لغوية متعددة. من أبرزها استثمار دلالة ( لكن ) الاستدراكية من أجل ترسيخ وضع جديد بعد تصوير الأزمة الحكائية وتعقيدها" [ص43] وهذا كشف آخر يبين أهمية الانتقاء اللغوي في تحديد الموقف وتعميق الرؤية.
وفي مكان آخر وهي تحلل قصص طاهر الزارعي في مجموعته "حفاة" ، تقول : " تمتاز بأنساق لغوية جميلة وبحكاية واضحة المعالم ، تفيد من إمكانيات اللغة التي يتيحها نظام السرد" [ص61].
وهي تأخذ عليه في الوقف نفسه ما جاء به من " ألفاظ تكسر حاجز المألوف اللغوي وتخدش حياء الجملة العربية الكريمة" [ص62]. وذلك لأن هذا السلوك الفني يؤثر سلبا على القارئ الذي يجب أن نقدم له أعمالا أدبية رفيعة المستوى ترفع من قيمة أدبنا ، وإذا كانت اللغة لا تناسب القارئ فإن أثرها ينحرف عن مساره الصحيح ، وكما تقول: " لأن اللغة المستخدمة في القصة تنفر عددا لابأس به من القراء الذين يبحثون عن جمال لا يشوهه الإسفاف "[ص62] والذي يلحق الاذى بالعمل الأدبي نفسه ويقلل من قيمة آثاره الايجابية .
ولا تخفي الناقدة إعجابها باللغة المكثفة الغنية بإيحاءاتها ، ففي حديثها عن حميد الراتي في مجموعته " ضمير مؤنث" ، تقول: " ففي قصصه التي تميزت بالكثافة والايجاز، يستمتع القارئ بلغة غنية تنتقل به من فكرة لأخرى دون أن نلحظ ، في معظم الأحيان أي تعثر" [ص29] واحتراز الناقدة بقولها في معظم الأحيان فيه ذكاء واضح بعدم التعميم المبالغ فيه.
2
وهناك نقد أسلوبي بثته الناقدة في ثنايا الكتاب ، وإن كان يظهر على استحياء مرة بعد أخرى وللنقد الأسلوبي أهميته البالغة في الكشف عن أبعاد الدلالة والمرامي التي يهدف القاص إلى إيصالها.
نجد أنها أحيانا تبدأ بالعنوان الذي تحيله إلى مفهوم أسلوبي، وهذا ما حدث عندما عنونت دراستها لمجموعة "ضمير مؤنث": " بين شعرية الاستفهام وهلامية الحكاية". [ص25] فهنا ربط بين الأسلوبي والمضمون، فهل هو مأخذ من الناقدة على المجموعة حيث سيطرت الشعرية على الحكاية وكادت تذيبها، أم هو انتصار لهذا النوع من الكتاب ؟ . والأمر الدلالي ينفتح من غير أن نضع عليه قيودنا .
وتوزع حديثها عن السرد أحيانا في أماكن متباعدة في الكتاب ، فمثلا في حديثها عن " سحابة مسك" لجمعة الفاخري ، تقول : " وليبني من خلال مدينة السرد الفاضلة عالما خالصا يحلم به كل المبدعين " [ص20] ولا يخفي ما في هذا التقديم من مبالغة لا تترك للقارئ فرصة التجلي المطلوبة، وكأنها تصادر على قراءته من الوهلة الأولى .
وفي رصد مظاهر الخوف من مجموعة " سيرة الخوف" تلجأ الناقدة إلى توظيف المصطلح السردي للكشف عن هذه المظاهر، وذلك لأن طريقة السرد هنا كانت هي المصباح الذي أنار طريق الفهم ، كما تقول الناقدة : " من خلال حالات سردية تجدف في بحر الشذرات اللغوية" [ص40] وفي قصة حالة تتكشف أمور أودعها القاص سرديته التي مثلت نوعية القص ، وتؤكد الناقدة بقولها: " هي حالة فعلا تفسح المجال للشعرية التي تتسلل عبر خيوط اللغة إلى الحكاية" [ص40].
ومن هنا كان للغة الشعرية حضورها في السرد المكثف حتى تفي بتوصيل الفكرة أو الموقف من خلال سطور معدودة ، تقل ولا تكثر ، حتى إن سيطرة هذه اللغة الشعرية " تكاد تخرج بعض النصوص من هويتها السردية " [ص32] ولعل هذا يرجع إلى المساحة المحدودة جدا للقص وكان يمكن للناقدة أن تشير إلى طبيعة القصة من هذا النوع القصير جدا.
وللضمائر مكانتها في توجيه السرد ، وفرق بين أن يمسك القاص بزمام ضمير المتكلم أو يترك لضمير الغائب توجيه لغة السرد، وهنا نشير إلى أن الناقدة تنبهت عن وعي نقدي بأهمية استخدام نوعية خاصة من الضمائر، ألا وهو ضمير الغائب ، فتقول أثناء تحليلها لمجموعة " ظلال العزلة " لعزيزة الطائي، : " وتميزت أغلب القصص بسرد صيغة الغائب، فغاب ضمير المتكلم تقريبا إلا في قصص قليلة .. وكأنها ? أي القاصة ? تريد أن تضع مسافة بين المؤلفة والبطلات اللاتي يدور حولهن السرد" [ص98].
وأخذ النقد بمصطلحاته العديدة طريقه إلى القراءة النقدية ، وإن كان ذلك يحدث بحذر من الناقدة لأنها لم تبتعد في التحليل النقدي الفني كثيرا ، فحين تناولت مجموعة " انعتاق "، تقول: " لقد حاول القاص عبد الرحمن سعد أن يستخدم أساليب متنوعة في إيصال فكرته عبر قصص عنونها بالقصيرة جدا ، فاعتمد المفارقة والتكثيف والرمز وغيرها من الأساليب " [ص77].
كما تمرر مجموعة من المصطلحات النقدية الأخرى على عجل ، كأن تقول في نقدها لمجموعة " ذكريات عصفورة أنها " تجعل القارئ في مواجهة مجموعة عرفت ثراء في الاقتناص والتناص والمفارقة والسخرية والتضاد " [ص33] .فذكرت المصطلحات من غير أن تتوقف عندها لتعطي شيئا من الايضاح .
وذكرت الناقدة مصطلح الرسائل بوصفها وسيلة من وسائل السرد وكان ذلك لمرة واحدة فتقول في تحليلها لمجموعة " في ضلال العزلة " : " استخدمت القاصة الرسائل في قصصها لتؤكد لنا من طرف خفي أن هذه الوسيلة تعد بديلا عن انعدام التواصل الطبيعي بين أطراف المجتمع وبين الذكر والأنثى خصوصا ، وعن ميل اللغة في اتجاه واحد وعن غياب فكرة الإنسجام في ظل التبعية المطلقة " [ص98- 99] . وهذا تحليل محوري جيد يضع القارئ في مواجهة مع النص ، ويثير لديه إعادة القراءة من جديد ليتم كشف المزيد من محتويات النص .
وتواصلا مع الوعي النقدي كان حديثها عن القاص طاهر الزارعي في تناوله لدوائر إنسانية تمثلت في حرية الجسد وحرية الفكر، وبالهم القومي العربي : " ولكن أفكاره تبدو مكررة في أكتر من قصة، إذ ثمة أكثر من مثال على قصص تتناول الأمر نفسه" [ص60] . وهذا نقد يدل على الوعي القرائي حيث أن الناقدة تشير إلى شيء من الخلل والاضطراب في العمل الأدبي ، لأن الأديب عندما يكرر نفسه تختل صورة أدبه أمام القارئ ، ويهدف النقد هنا إلى تبنية الأديب ليتلافى الفراغات التي أحدثها ، ومن ثم فإنه يجب القول بأن الأديب المثقف الواعي بحقيقة عمله الأدبي يكون أكثر إدراكا لما يكتبه ويحس به قبل غيره، فيجدد أدبه ولا يكرر نفسه، ويتيح من ثمة للنقد أن يكتشف الأبعاد الثقافية في الأدب وعلى المنوال نفسه تقول في مجموعة" انعتاق" : " ورغم اجتهاد القاص في المحافظة على الملامح العامة لهذا الفن ? القصة القصيرة جدا- إلا أنه أخفق مرا ت متعددة على ما نجد في قصة "افتقار" التي لم تنجح في امتحان التكثيف [ص77] والتكثيف الميزة الأولى التي تخص هذا النوع القصصي، وفي المجموعة نفسها تقول " كما نجد حكايات متعددة تفتقر حبكتها إلى الإقناع " [ص78].
ونجد مثل هذا النقد على مسافات متباعدة من الكتاب، وحول افتقار بعض القصص إلى حركة الشخصيات، تقول عن ذكريات عصفورة "فإن أهم ما يفتقده هو عنصر الحكاية، حيث لا شخصيات تنتقل من وضع إلى وضع آخر، ولا مواقف تتطور" [ص30] مما يجعل القصة فاقدة لشرط أساسي في حركة السرد، ومثل هذا النقد نريده أن يتطور حتى يضع اليد على الفراغات الفنية التي تشكو منها القصة القصيرة جدا.
أستاذ النقد الأدبي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.