المغرب: إشعاع ثقافي متصاعد وتحديات تمثيل صورته في السينما الأجنبية    على بعد مسافة…من حلم    يا ويلي من اسمي.. حين يخاصمني    المغرب يسجل 49.2° بالعيون وفوارق حرارة قياسية تصل إلى +17° خلال "الصمايم"    مستجدات النيران بشفشاون وتطوان    صحيفة "ABC" الإسبانية تُبرز أسباب تفوق ميناء طنجة المتوسط    الناشط أسيدون يلازم العناية المركزة        رواج ينعش استعمال "كتابة النساء" في الصين    مصر تفقد أحد أعمدة الأدب العربي.. صنع الله إبراهيم في ذمة الله            الدكتور بوحاجب: غياب مراقبة الجودة أحيانا يفتح المجال أمام التلاعب بصحة الناس..!!    زلزال بقوة 5 درجات يضرب إقليم مالوكو في إندونيسيا    الناظور.. الجمارك تحبط تسويق أطنان من مواد غذائية فاسدة في أزغنغان    نائب يميني متطرف يستفز المغرب برفع العلم الإسباني على صخرة محتلة قبالة الحسيمة    أول تعليق للقوات المسلحة الملكية بخصوص واقعة فيديو "تعنيف مهاجر" قرب سبتة    أول تقرير عن حالة حقوق الإنسان في العالم صادر عن إدارة ترامب يصف مجازر إسرائيل في غزة بأنها "حوادث فردية"    ذكرى استرجاع وادي الذهب.. المشاريع الملكية تحوّل الصحراء المغربية إلى قطب اقتصادي وتنموي متكامل        وزراء خارجية 24 دولة يطالبون بتحرك عاجل لمواجهة "المجاعة" في غزة    السكتيوي يرحب بالانتقادات بعد خسارة المغرب أمام كينيا ويكشف أسباب تراجع الأداء        تيزنيت..."النجاحات" المعلّبة لمخطط المغرب الأخضر. 150 مليار في مهب الريح        السكتيوي يطمئن المنتقدين ويؤكد جاهزية "الأسود المحلية" لمواجهة زامبيا    تفشي بكتيريا مرتبطة بالجبن في فرنسا يودي بحياة شخصين ويصيب 21 آخرين    في ‬اللقاء ‬الذي ‬جمع ‬الوزير ‬برادة ‬وقيادات ‬النقابات ‬التعليمية :‬    إطلاق الصاروخ الأوروبي أريان 6 إلى الفضاء    راشفورد ينتقد يونايتد: "يفتقر إلى الخطط"    مدريد ‬تتصدى ‬لقرار ‬يميني ‬يمنع ‬الشعائر ‬الدينية ‬ويستهدف ‬الجالية ‬المغربية ‬في ‬مورسيا    أسعار الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء تسجل تفاوتاً كبيراً بين المنتجات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    مؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة تجري بنجاح أول عملية زراعة كلية مع عدم توافق فصائل الدم ABO على المستوى القاري    هل ‬دخلنا ‬المرحلة ‬ما ‬قبل ‬الأخيرة ‬لتطبيق ‬مقترح ‬الحكم ‬الذاتي ‬؟ ‬    ملفات ساخنة في دورة استثنائية بسلا.. العدالة والتنمية بسلا ينتقد التسيير ويتهم المجلس الجماعي بالتفريط في صلاحياته    تراجع الدولار مع ترقب خفض أسعار الفائدة الأمريكية في شتنبر    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء شبه مستقر    دول أوروبية تتوعد النظام الإيراني بإعادة تفعيل آلية العقوبات    فرنسا.. توقيف مراقب جوي بعد قوله "فلسطين حرة" لطاقم طائرة إسرائيلية    بوتين يشيد بالقوات الكورية الشمالية    تسكت تتألق في أمسية "رابافريكا"    اعتقال شخص بعد إطلاق نار داخل مطار سيدني    أربع مدن مغربية على رأس قائمة أكثر مناطق العالم حرارة        دورة سينسيناتي لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل لثمن النهاية    منير القادري يتخلى عن مشيخة الزاوية البودشيشية لفائدة أخيه معاذ القادري    غزة: صندوق الثروة السيادية النرويجي يسحب استثماراته من 11 شركة إسرائيلية        حملة أمنية بوزان تطيح بمروجي مخدرات وتوقف مطلوبين للعدالة    شركة الإذاعة والتلفزة تختتم أبوابها المفتوحة للجالية بلقاء حول إذاعة "شين آنتر"    عوامل تزيد التعب لدى المتعافين من السرطان    دراسة: استعمال الشاشات لوقت طويل قد يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأطفال والمراهقين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العروي في «السنة والإصلاح» و«من ديوان السياسة»
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 29 - 06 - 2015

عبد الله العروي مثقف فد جسور. ليس فقط ، لأنه مثقف جدير بصفة الموسوعية: مؤرخ وفيلسوف التاريخ وباحث وروائي.. بل لأنه « وفي لمنهج «..» يعي ضرورة القطيعة ويقدم عليها..». ولأن القطيعة من عمل التاريخ، أو من التاريخ العامل، فإنه لا يصح ولا يجوز مقارنة قيمته الثقافية بالقدماء من مفكرينا، أو من مفكري الحضارات الأخرى. لكن بالمقارنة بالحاضر، أستطيع القول، دون أن أخشى المبالغة، أنه بخطابه التاريخي المنطقي والواقعي ? وبعموم خطابه الفكري والأدبي ? المتكامل والشامل، يكاد يمثل ظاهرة ثقافية فريدة في حاضرنا الثقافي : فريدة برصانتها وصرامتها المعرفية.. بجرأتها النقدية الصّريحة.. بحسها التاريخي الثاقب.. بانطلاقها دوما وأبدا من معطيات التاريخ وعناصر الواقع قبل المفهمة والتأويل والحسم.. بتحررها من السلط الاجتماعية والأخلاقية والسياسية التي يمكن أن ترهن أو توجه أو تؤدلج اختياره المنهجي..وقبل كل هذا وبعده، بحرقتها العميقة الصّادقة بالهمّ الإصلاحي . ولأنها تعي جيدا (في حالتنا المغربية على الأقل)الشروط المجتمعية والسياسية والجغرافية والثقافية المعيقة للإصلاح ( المغرب جزيرة مطوقة، لا يمكن في نطاقها السماح للنفس بالمغامرة بعدم الاستقرار..كما يقول .. )
في الغرفة الأولى يتكلم النائب كفرد مقيد بانتماءاته الأصلية مع غياب ديمقراطية محلية . إن ناخب مجلس النواب (وإن كان هو نفس ناخب المجلس المحلي)هو، أو يجب أن يكون هو المواطن الخارج عن فطرته وأميته. وإلا تحول البرلمان إلى مجلس قروي. فإذا اتسع أفق الناخب إلى حدود الوطن لم يعد من مبرر لأي تسامح مع الأمية بكل مظاهرها (لا عند الناخب ولا عند النائب) التي قد تعتبر خرقا لحقوق المواطنة (ص137 ).
في هذا الإطار تعالج مشكلات المقاطعة والعزوف، سوق الأصوات، تغيب النواب، ضعف وقلة المبادرة، العي والعجمة، وكل أسباب الريبة التي تحوم حوله.. فيرتقي مجلس النواب ويعرف حدود اختصاصاته التي هي مصالح الناس ( المعاش) وتنظيم ?المعاملات ? بما هي مصالح مادية. فما يقوم به البرلمان يتسم حتما بالعمومية والنفعية. فما ليس عاما ومشتركا بين الجهات، وما ليس مصلحيا يهم الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والتأهيل والترقية، يكون خارج اختصاصاته.
فكلما تحسنت مؤهلات الناخب والنائب عرف البرلمان حدّه.
باقي الهيئات الوطنية الأخرى وظيفها مختلف. يجب، إذن، تخصيص مهام البرلمان، وتخصيص مهام الهيئات الأخرى. في التحديد والتخصيص ضمان لبقاء وفاعلية جميع الهيئات. إن الجهاز التنفيذي، أي الحكومة، ومجلس النواب والمواطن مفاهيم مترابطة. فالحكومة تكون غير متجانسة، بل ومفروضة على البرلمان إذا ما انعدمت أو ضعفت صفة المواطنة، لأن الأمية هي بالذات مجموع العوائق التي تمنع بلورة الوعي بالمواطنة عند الفرد (ص140 ). القضاء هو مرآة المجتمع، استقلاليته ونزاهته في عدالته. القضاء دائما مشروط. قضاء مجزء متنوع، متخصص لا يمكن أن يكون مستقلا بالمعنى الحرفي. المطلوب، إذن، هو التأهيل والنزاهة. إن مشاكل القضاء لا تعالج أبدا بمعزل عن السياسة.
إن ما يضمن نزاهة القضاء هو الحسبة بالمعنى العام. الحسبة من المحاسبة ومن الاحتساب. أي اتهام النفس والاحتراس من نوازعها وغرائزها. الحسبة هي الوسائل التي يلجأ إليها المجتمع ( مثل لجان التقصي، الصحافة الحرة، المجتمع المدني..) في تنظيمه السياسي لمحاسبة نفسه من تأثير الطموح والطمع والخوف والثقة العمياء..وغيرها من النوازع الطبيعية. إن التحدي الأساسي، لكي يستوي التأويل الديمقراطي للدستور الملكي المغربي ،ويستقل الفرد بذاته، ويتحرر مجال السياسة من منطق السنة، ويثمر عمل الإعلام والأحزاب والنقابات والمقاولات، هو التربية المدنية.
إن الكل لا يعمل سوى إعادة إنتاج الموروث (تربية ثقافة الأم ). مالعمل ؟ كيف يتحقق الفطام؟ بل وما جدوى التأويل الديمقراطي نفسه؟ إن السلفي، في هذه الظروف، هو الأقوى لأنه يملك في ذاته وسائل ? التجديد ?، مادام الأخير عنده هو إحياء القديم. وهذا ليس سهلا، وإلا لما تعثرت كل المشاريع الأصولية، وأرغمت على استعمال القوة.
لقد تحطمت الأوهام الإصلاحية الطليعية، وهذا بالديالكتيك يخدم القديم ويحييه. ومع ذلك، يخلص عبد الله العروي إلى أن الأمل مزال معقودا على : - الديمقراطية المحلية - وآثار التعرض للمنافسة الدولية في إطار عولمة الاقتصاد- وتحرر الأحزاب السياسية من الإرادة المسلوبة والسير دون وعيها ومنطق المبايعة والتبعية لنفوذ البطانة - ثم دينامية المجتمع المدني. وبالجملة ،فالأمل معقود على فاعلية منطق المنفعة. أي منطق النفع الآني العيني. إن الطفرة من مجتمع أمي إلى مجتمع مدني هي دليل المروءة والرشد والهمة . مع هذا الأمل، الإخفاق وارد بحيث قد تخفق حضارتنا بالتمام والكمال. والنجاح وارد، وإلا لما فكر في الأمر أحد، ولما كان الأمل. الأمل في الفكرة والإرادة معا.
ولا يفوت عبد الله العروي في تصوراته الإصلاحية ، الانتباه إلى السياسة الخارجية التي يرتاح الجميع في المغرب، تركها كاملة للملك. مما يطرح الأسئلة عن صك التفويض، وعن مجموع التأويل الديمقراطي للدستور الملكي ؟؟ مؤكدا أن الأجدى للجميع هو استبعاد مسائل? القيم ? من النقاش السيا سي والاقتصار على المصالح. إذ أن مطمح كل دولة ديمقراطية خارج نطاقها هو الحد من المصاريف. لهذا تكون الدول الديمقراطية عاجزة في الغالب عن رسم سياسة خارجية ناجحة. أما بصدد العلاقات القومية، فيلاحظ العروي أن ? التضامن السلبي ?أفشل كل إصلاح. إن الجميع في الوطن القومي يرفع راية اللحمة والقرابة والثرات المشترك. وهي بالضبط ما تدور حوله تربية الأم. إن الأخيرة لا تكون ايجابية إلا إذا حدت في إطارها المحلي ..ومحلي المحلي. إن التعبير السياسي القومي المشترك يكاد يكون ممتنعا، لأن وتائر الإصلاح متفاوتة، وكل جماعة تظن أنها الأقرب إلى الأصل، والأحفظ لسنة الأولين، وهذا بالضبط هو عمل منطق السنة، ومنطق الأمية. إن أكبر معيقات الإصلاح عندنا هي الأمية. إذ الفطام الضروري من الغريزة إلى العقل، من الإتباع إلى الاستقلال، من التوكل إلى الهمة، من المبايعة إلى المواطنة ..لم يحصل عندنا بعد. لذا يتورم ويتضخم الحديث عن السياسة عندنا، بينما نمارسها قليلا، على عكس الدول الديمقراطية. إن شمولية السياسة عندنا هي بالذات سبب بؤسها، إذ لم تتكون عندنا نخبة سياسية واسعة مؤهلة متجددة، السياسة عندها عبىء مرحلي ضمن تجربة أغنى وأوسع حيث يستطيع المرء أن يقول: هناك حياة قبل وبعد السياسة (ص153 ).
إن التأويل الديمقراطي للدستور الملكي هو بالأساس تحرير السياسة وإنقاذها من كل ما ليس منها، بحيث تتحرر المجالات الأخرى من هم السياسة ونتجه إلى الهمم والنبوغ في الرياضة والفنون والفلسفة والعلم...فإذا طغت السياسة صارت، وجرت الكل معها إلى الحضيض. فالكل سياسة، أو شمولية السياسة دعوة صادقة وخادعة، قائمة في كل الأحوال لكن بنتائج متناقضة: في ظل الأمية السياسة طاغية ومنحطة. وفي ظل النظام الديمقراطي ، مجالها ضيق وقيمتها عالية (ص 154 ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.