دموع الأم ووفاء الوطن.. لحظات استثنائية في حفل كزينة بالرباط    توقيف سيارة رباعية الدفع محملة بكمية كبيرة من المعسل المهرب ضواحي طنجة    وثيقة l من حصار بيروت 1982 إلى إبادة غزة 2025: رسالة السرفاتي وأسيدون إلى ياسر عرفات تتحدى الزمن وتفضح جٌبن النٌخب    تيزنيت: محاولة فاشلة لعصابة تسرق أسلاك الكهرباء و أنابيب السباكة النحاسية من منازل في طور البناء ( صور )    البقالي يكتفي بالمرتبة 12 في سباق 1500 متر    المنتخب المغربي للمحليين يلعب آخر أوراقه أمام "فهود الكونغو" في "الشان"    بطولة كأس أمم إفريقيا للمحليين (الجولة5/المجموعة2) .. مدغشقر تتأهل لربع النهائي بفوزها على بوركينا فاسو (2-1)    شكوك تحوم حول مستقبل نايف أكرد مع ويستهام    الطالبي يتألق في أول ظهور بالبريميرليغ ويقود سندرلاند لانتصار هام على وست هام    وقفات ومسيرات تضامنية مع غزة بعدد من المدن المغربية    رحلات طيران أرخص: جوجل تطلق أداة ذكاء اصطناعي للعثور على أفضل العروض    اكتشاف جيولوجي مذهل.. المغرب يكشف عن أقدم ديناصور من فصيلة "التورياسورات" بإفريقيا    لقاء بين ترامب وزيلينسكي الاثنين المقبل بالبيت الأبيض    السباح المغربي حسن بركة يحقق إنجاز السباحة حول محيط جزيرة مانهاتن في نيويورك    الجزائر تعلن سحب الحافلات القديمة    بركة .. أول مغربي يسبح حول مانهاتن    "حق تقرير المصير" في السويداء .. شعار يُغري إسرائيل ويمزق سوريا    أطباء القطاع الحر يطالبون الصيادلة بإثبات مزاعم التواطؤ مع شركات الأدوية    استقرار أسعار المحروقات في المغرب    هل يقود لفتيت حكومة 2026؟‬    وكالة الغابات تصدر خرائط للمناطق الحساسة المعرضة لخطر اندلاع الحرائق    معركة غزة تدخل مرحلة جديدة .. "القسّام" تواجه أشرس هجوم إسرائيلي    أغلب الأمريكيين يعتبرون الكحول مضرا بالصحة    دراسة: عشاق القهوة في مزاج أفضل بعد الفنجان الأول بالصباح    فتح الله ولعلو: المغرب والصين تقاسما شرف المساهمة في انتصار الحلفاء        بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات الأسبوع        مريدو "البودشيشية" يؤكدون استمرار منير القادري على رأس الزاوية    اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    الحرارة المفرطة تفاقم أزمة المياه بالمغرب.. حوض ملوية في وضع حرج    صفقتان لتأهيل مطاري تطوان والحسيمة استعدادًا لكأس العالم 2030    تغيرات متوقعة في طقس السبت بعدد من مناطق المملكة    بوليف: التحويلات المالية لمغاربة العالم ينبغي ترشيد استثمارها ويجب إشراك الجالية في الانتخابات التشريعية    حموني: سنة 2026 ستكون "بيضاء" على مستوى إصلاح أنظمة التقاعد والمقاصة    برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يناقش تحديات الدخول السياسي والاجتماعي المقبل    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    ملتقى الثقافة والفنون والرياضة يكرم أبناء الجالية المغربية بمسرح محمد الخامس بالرباط    في بلاغة الغياب وحضور التزييف: تأملات في بيان حزب الأصالة والمعاصرة بالعرائش !    كيف أنسى ذلك اليوم وأنا السبعيني الذي عايش ثلاثة ملوك    غاب عن جل الأحزاب    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    سفارة الصين بالرباط تحتفي بالذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء بعرض وثائقي صيني    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    دورة سينسيناتي لكرة المضرب: الكازاخستانية ريباكينا تتأهل لنصف النهاية على حساب بسابالينكا    القصر الكبير: التنسيقية الجمعوية المحلية تدق ناقوس الخطر حول الوضع البيئي المقلق بالمدينة    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف أجهض المغرب أطماع بومدين في الصحراء

جاءت أحداث العيون الخطيرة لتهيب بعدد كبير من الصحفيين والكتاب إلى الإدلاء بآرائهم ومواقفهم لمعالجة أسبابها ودوافعها ومضاعفاتها. ويمكن القول إنه بقدر ما نددت بمدبري تلك الأحداث وفضحت أمرهم، توجهت بالنقد الذاتي لكل من له صلة بالأحداث من قريب أو بعيد ولم يتدارك الأمر قبل أن تتخذ البعد الذي وصلت إليه.
ومرة أخرى أبان الجانب الجزائري من صحفيين وسياسيين عن مدى العداء الذي يكنونه للمغرب مستهدفين الطعن في وحدته الترابية والوطنية، وذهبوا إلى حد التطاول على قيمه ومقدساته بشكل يجرح العواطف ويدمي القلب ويسيء إلى المستقبل، علما بأن ذلك لا يمكن أن يرجع عقارب الساعة إلى الوارء، ولا يمكن لأي كان أن يغير من الأمر الواقع مهما تعددت وتنوعت الوسائل.
لكننا وكما عبر عن ذلك بعض الكتاب ورجال الفكر من المغاربة وغيرهم، فإننا لم نفقد الأمل في أن تدفع الآراء والأفكار التي عبروا عنها من أجل تحكيم العقل والمنطق السليم إلى استنهاض الضمائر الحية لتعيد الرشد لمن غابت عنهم الحكمة وأعمت بصائرهم الأطماع الشريرة ولدفعهم الى مراعاة حسن الجوار وإحياء وشائج الأخوة العربية والإسلامية بين الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري.
الخطأ التاريخي الذي
أوقعنا في النزاع
يعرف الجزائريون قبل غيرهم أن المغرب خرج مهضوم الحقوق في التقسيم الجغرافي الذي أقدمت عليه فرنسا في المنطقة والذي أقرته وهي على وشك الرحيل من المغرب. ومن ينظر إلى خريطة المنطقة، ويشهد الامتداد والمنتشر غربا وجنوبا للقطر الجزائري يدرك بالحدس الغبن الكبير الذي أنزلته فرنسا بالمغرب.
لقد أدرك المسؤولون عندنا بعد فوات الأوان الأمر الواقع المر وأدركوا أن من الصعب تدراكه، بعد أن تراجع أولئك الذين استولوا على الحكم بالسلاح الذي أشهروه في وجه رفقائهم في الكفاح المسلح سنة 1962 عن تنفيذ الوعد الذي قطعه قادة الثورة الجزائرية، وتنكروا للاتفاقية التي أبرمها المغرب مع الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية، والتي تقضي بمراجعة تخطيط الحدود الاستعمارية فور حصول الجزائر على استقلالها.
أدرك المغاربة قبل غيرهم أن التفريط في رسم الحدود مع فرنسا عندما نال المغرب استقلاله كان خطأ تاريخيا فادحا ارتكب عن حسن نية،بوضعهم الثقة في قاده الثورة الجزائرية. والاعتراف بهذا الواقع سيظل يحز في النفس. لكن لم يعد المجال يسمح الآن بالخوض في ما حدث وما فرضه علينا القدر، وعلينا أن نطوي هذه الصفحة.
واليوم يجب علينا أن نتذكر ذلك الموقف الشجاع والحكيم الذي اتخذه جلالة المغفور له الحسن الثاني بإقدامه سنة 1972 على إبرام اتفاقية الحدود مع الحكومة الجزائرية في الظروف العصيبة التي كان يهيأ فيها لخوض المعركة السياسية والحقوقية لاسترجاع أقاليمنا الجنوبية الصحراوية، ظنا منه رحمه الله أن تسوية نزاع الحدود المغربية - الجزائرية سيصرف حكام الجزائر عما كان بدأ يظهر في الأفق من مطامع توسعية وهيمنية من خلال تحركاتهم الخفية.
ففي ندوة صحفية مشهودة عقدها جلالته غداة مؤتمر لمنظمة الوحدة الافريقية بالرباط سنة 1972، لم يتردد في القول بأن القرار التاريخي الذي اتخذه لإنهاء نزاع الحدود مع الجزائر لم يكن بالقرار السهل، ولا ما يتمتع به من صلاحيات دستورية وما يملكه من شرعية تاريخية و نضالية تؤهله لاتخاذ هذه الخطوة، ادراكا منه بأن ما عرفه العالم من تطورات، وكان أهمها ما تقرر في منظمة الوحدة الافريقية من اعتبار الحدود التي تركها الاستعمار الأجنبي في افريقيا أساسا للتعامل بين الدول الأعضاء رغم التحفظات التي أبداها المغرب آنذاك، أصبح أمرا واقعا مادام الجزائريون يرفضون أي تنازل عما اقتطع من المغرب وألحق بالجزائر.
صحيح أن اتفاقية الحدود لسنة 1972 ظلت معلقة لأسباب موضوعية، لكن المغرب لم يتنكر لها، بدليل أنه عندما أثيرت من جديد للتفاهم والتصالح بين المغرب والجزائر وكان ذلك في أواخر الثمانينات على عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، عندما نجح أشقاؤنا قادة المملكة العربية السعودية من أجل أن يتجنب البلدان العواقب الوخيمة لصراعهما، استجاب المغرب لشرط قدمته الجزائر بأن تنشر الصحف الرسمية المغربية نصوص اتفاقيات الحدود والتعاون.
ويحق لنا أن نتساءل اليوم هل الطغمة الحاكمة اليوم في الجزائر قانعة بما اعترفنا به من حدود كان الاستعمار قد رسمها لنا معا بإرادته لا حبا في الجزائريين، لكن تمهيد المخطط الذي كان يعتزم تطبيقه حتى يظل مسيطرا على الثروة البترولية التي اكتشفها في الصحراء الجنوبية وعلى مناجم الحديد الغنية المكتشفة في كارات جبيلات بمنطقة تندوف.
إننا نشك في ذلك لسببين على الأقل:
أولهما اصرار من يحتمون اليوم في مقدرات الشعب الجزائري علي تطبيق ما يسمونه بتقرير مصير سكان صحرائنا الجنوبية، ولا يرون ما يمكن أن ينتج عن ممارسة هذا الحق سوى خلق كيان يمهد لم تحقيق حلم التوسع والهيمنة في منطقتنا ومد أرجلهم الى المحيط الأطلسي لوضع المغرب في كماشة تخنقه.
- وثانيهما، لأنهم لم يخفوا ذلك فتجرأوا على تقديم اقتراح للأمم المتحدة قبل فترة وجيزة يقضي بضم جزء من أقاليمنا الصحراوية إلى الجزائر، وكأن الأرض الوطنية المغربية ليس لها رب يحميها من غوائل الزمن وأطماع التوسعيين.
من التفكير بحقوق المغرب
إلى التفكير في التوسع
في خضم الأزمة الناشئة عن تفكيك مخيم »أكديم ايزيك« وما تخللها من أحداث خطيرة في العيون، استضافت إحدى قنوات التلفزة الفرنسية سيدة متخصصة في شؤون المغرب العربي، فلم تتردد هذه السيدة في القول صراحة وبعبارات واضحة »إن الجزائر تبحث لها عن مخرج الى المحيط الأطلسي«.
هذه هي الحقيقة التي كانت بادية منذ اندلاع نزاع الصحراء، ويعرفها كل من سبر غور النزاع القائم في منطقتنا. وماعدا ذلك لا يعدو ان يكون مبررات لا تستند إلى أي أساس. وهذا هو ما يسعى حكام الجزائر إلى تحقيقه منذ سنة 1965.
فما الذي حدا بي إلى ارجاع الأمر إلى هذه السنة بالضبط؟
ترجع بي الذاكرة إلى هذه السنة بالضبط يوم كنت أشتغل بجريدة »المحرر« تحت رئاسة استاذي الجليل الذي كنت ولا أزال أقدر فيه وطنيته واخلاصه وبعد نظره، وأتذكر مواقفه إزاء الثورة التحريرية الجزائرية المجيدة التي ظل وفيا لمبادئها ولرجالها الصادقين في اخلاصهم لوحدة ومصير المغرب العربي. ولمدة خمس سنوات تعاقبت علينا في جريدة » « »الرأي العام ««ف »»التحرير»« لم أره يوما في حالة من القلق والانزعاج، مثلما رأيته في ذلك اليوم المشؤوم.
يوم 19 يونيو 1965 الذي تلقينا فيه نبأ الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس أحمد بنبلة الذي كان رفيقه في الكفاح المسلح، يوم كان قادة الثورة الجزائرية والثورة المغربية يتقاسمان الحلو والمر في الكفاح من أجل تحرير الأوطان. وبحكم هذه الرفقة النضالية، تم بحكم تحمل الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي مهمة الدفاع عن الرئيس بنبلة عندما كان معتقلا بفرنسا وأخيرا بحكم كونه كان أحد مستشاريه يوم تولى رئاسة الجزائر، كان أستاذنا عرف بآرائه وتوجهاته.
وأعتقد أن قلقه وانزعاجه لم يكن فقط مقتصرا على مصير الرئيس بنبلة، ولكن أيضا على مستقبل العلاقات المغربية الجزائرية ومستقبل المغرب العربي.
ومما كان يدور من أحاديث عن ذلك الانقلاب العسكري، استنتجت بأن الرئيس أحمد بنبلة كان يعارض التسليح المكثف للجيش الجزائري بحكم أنه لا يوجد عدو متربص بالجزائر، على خلاف العقيد هواري بومدين. غير أن أحداث حرب الرمال في »حاسي بيضا« أتاحت لهذا الأخير فرصة تحقيق ما كان يصبو إليه تمهيدا للسطو على الحكم، وذلك لمواجهة أية حركة مناهضة للإطاحة بالرئيس بنبلة المنتخب.
وغداة الانقلاب العسكري في الجزائر تلقينا في جريدة »المحرر« كالعادة إحدى النشرات الدورية تحمل اسم» »سري« «وتوزع على نطاق ضيق جاء في إحدى فقراتها »أن قادة الانقلاب سيحاكمون الرئيس أحمد بنبلة بتهمة الخيانة العظمى«.
والظاهر أن ليس هناك ما يفسر هذه التهمة الخطيرة سوى ما يمكن أن يكون الرئيس بنبلة قد عبر عنه من استعداد للتفاهم حول الحدود المغربية الجزائرية خلال اللقاءات التي تكررت بعد أحداث حاسي بيضا بين جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني والرئيس أحمد بنبلة بحضور العقيد هواري بومدين الذي كان يتولى منصب نائب رئيس الجمهورية ووزير الدفاع. ويمكن القول بأن تلك اللقاءات لو استمرت لكانت ستتمخض عنها تسوية لنزاع الحدود بأي شكل من الأشكال لما كان يعرف عن بنبلة من إخلاص لفكرة وحدة المغرب العربي، ولما كان يعرف عن الملك الحسن من أفكار خلاقة وجريئة.
ويمكن للمرء أن يتساءل: لماذا تم السكوت عن محاكمة بنبلة ووضعه في سجن منعزل لا يمكن أن يراه أي أحد مهما كانت صفته ومكانته، ولا تزوره إلا والدته التي كانت من أصل مغربي رحمها الله؟
ألم يكن التراجع عن المحاكمة يستهدف الحيلولة دون ظهور الحقيقة، أي حقيقة ما كان يصبو إليه الحسن الثاني وأحمد بنبلة، وتسفيه تهمة الخيانة العظمى التي حاول بومدين توجيهها إليه؟
هذا هو الافتراض الغالب في مثل تلك الظروف. إذ بالرجوع إلى الاتفاقيات التي تم التوصل إليها سنة 1972، ثم بالعودة الى إحيائها على عهد الرئيس الشاذلي بنجديد في أواخر الثمانينات نجد أن أهم فقراتها تتناول التعاون المشترك لاستغلال الثروات المعدنية بمنطقة تيندوف. وإذا كانت فكرة هذا التعاون المشترك قد تغلبت في الفترتين السابقتين أي في سنة 1972 وأواخر الثمانينات، فإن التفكير في المخطط الذي أقره حكام الجزائر بعيد الإطاحة بالرئيس أحمد بنبلة لم يختلف ولم يتم التخلي عنه، ألا وهو إحياء منطقة تيندوف واستغلال خيراتها عن طريق التوسع، الكفيل في نظرهم بإحياء منطقة تيندوف التي تبدو منطقة معزولة وشبه ميتة لكل من ينظر الى الخريطة بإمعان، لكونها تبعد عن باقي حواضر الجزائر وآخرها وهران التي تفصلها عنها مسافة حوالي 1400 كيلومتر.
وإذن فإن مخطط التوسع الجزائري، وضع سنة 1965 فور التخلي عن محاكمة الرئيس أحمد بنبلة وإغلاق باب الحوار مع المغرب لتطبيع العلاقات.
بعد خيانة العهد الذي لم يعرف به، خسر بومدين رهان موريتانيا
ستبقى الفترة التي تمتد ما بين سنة 1965 و سنة 1970 تلفها الغيوم ويخيم عليها التوجس في ما يتصل بالعلاقات بين المغرب والجزائر. لكن ما كان يميزها من الجانب المغربي هو أولا ترصد تحركات الجزائريين وتوغل مخابراتهم في أقاليمنا الجنوبية، ثم الاستمرار في السعي الحثيث لتصفية الاستعمار الاسباني في جنوب المغرب جريا على ما دأبت عليه بالطرق السلمية على غرار ما حدث بالتدريج بتحرير منطقة إيفني وإقليم طرفاية.
لقد ظل المغرب يطرح كل سنة قضية تصفية الاستعمار من مناطقه المحتلة على اللجنة الرابعة للأمم المتحدة أملا في أن تستجيب لباقي مطالبه في تحرير ثغوره. ولم يكن الجزائريون يعارضون ذلك حتى لا يكشفوا عن مخططهم ولا أن يعلنوا أنهم طرف معني بصفة مباشرة.
وحينما حز الأمر وبدا من الواجب تبديد تلك الغيوم التي كانت تخفي تحركات المخابرات الجزائرية، تحرك المغرب ليطرح بكل صراحة على القادة الجزائريين التفكير في مستقبل أقاليمنا الجنوبية الصحراوية بمساهمة موريتانيا التي لها امتداد جغرافي وإنساني في المنطقة.
من هنا طرحت فكرة عقد لقاء قمة ثلاثي في مدينة نواديبو الموريتانية جمع الملك الحسن الثاني والرئيس المختار ولد داده والرئيس هواري بومدين ويبدو مؤكدا أن هذا اللقاء تم بإلحاح من العاهل المغربي رحمه الله بجس النبض في ما يعتمل في ذهن الجزائريين لما كان يتوصل به من تقارير عن تحركاتهم.
لم نكن نحن الصحفيين الذين حضرنا اللقاء نتوقع أن ينفض بالسرعة التي تم بها، إذ لم يستمر أكثر من ساعات قليلة تخللتها مأدبة عشاء عاد بعدها الملك الحسن الثاني إلى المغرب بالليل. ولم يتسرب أي شيء عن المحادثات ولكن كانت قضية تحرير أقاليمنا الجنوبية محورها.
لقد حضرت شخصيا هذا اللقاء مندوبا عن جريدة الأنباء وسجلت عدة ملاحظات كان من بينها مجيء وفود من أقاليمنا الجنوبية للاتصال بمسؤولين مغاربة رافقونا الى نواديبو قبل عدة أيام من لقاء القمة الثلاثي، مما يدل على أن الاتصال بإخواننا الصحراويين لم ينقطع أبدا.
والملاحظة الثانية أن الاستقبال الذي خصص للمغفور له الحسن الثاني كان استقبالا حارا وحماسيا وكانت الجماهير التي حجت إلى شوارع نواديبو ليس فقط من موريتانيا وإنما من الصحراء المغربية تستقبل زعيمها.
والملاحظة الثالثة تتمثل في ما ألقي من قصائد باللغة العربية وباللهجة الحسانية في مأدبة العشاء التي اختتم بها اللقاء ترحيبا بالملك الحسن. ولقد جمعها مؤرخ المملكة المرحوم عبد الوهاب بنمنصور وضمنها إلى جانب ما سجله عن الرحلة الملكية من ملاحظات في ما اعتاد أن ينشره عن تنقلات الملك الراحل.
تحدد لقاء القمة الثلاثي مرة أخرى في اكادير، واعتقد أنه كان في السنة الموالية. وفي هذا اللقاء تجاوز الامر جس النبض، اذ تخللته مكاشفة صريحة يبدو انها أدت في النهاية الى قطيعة. بيد ان الملك الحسن الثاني رحمه الله بدهائه وحنكته ، انتزع من الرئيس هواري بومدين تعهدا بأن لادخل للجزائر في قضية الصحراء، مصرحا بأن على المغرب وموريتانيا ان يدبرا أمر تحرير الصحراء ومستقبلها.
فهل وفى القادة الجزائريون بهذا التعهد؟ يبدو أن الرئيس هواري بومدين كان يراهن على صعوبة، بل وعلى استحالة توصل المغرب وموريتانيا الى تفاهم حول مصير الصحراء في نظره اعتمادا على ما ظل يطبع العلاقات المغربية الموريتانية من قطيعة، أنهاها الملك الحسن الثاني باستدعاء الرئيس المختار ولد داده لمؤتمر القمة الاسلامي سنة 1969 لمواجهة مخاطر تهديد القدس الشريف، ولقد كان حضور زيارة الرئيس الموريتاني بمثباة الاعتراف بموريتانيا بعد ان ظل المغرب يطالب بها كجزء من ترابه الوطني، وبداية لعهد جديد من التعاون والتفاهم الذي تفرضه الاخوة والجوار. وكان ذلك بمثابة خسران القادة الجزائريين لذلك الرهان الذي اعتمده الرئيس بومدين في توقعاته.
الجزائر تكشف عن وجهها وتدخل في صراع مفتوح ضد المغرب
إن ما حدث قبل سنة 1975 يوحي لمن لم يكن لهم علم ببوادر المخطط الجزائري بأن قادة الجزائر ذهبوا الى الحد الذي جعل البلدين الشقيقين يقفان على حافة المواجهة المسلحة. اذ كانوا قبل ذلك يوهمون الرأي العام سواء على صعيد المنطقة او على الصعيد الدولي بان مصير أقاليمنا الجنوبية الصحراوية لايهمهم إلا لكونهم جيرانا وان لا مطامع لهم فيها. والحقيقة انهم جادون في تنفيذ مخططهم التوسعي، ولم يشكفوا عن وجوههم الا عندما حز الامر وتقدم المغرب بطلب التحكيم الى الامم المتحدة بعرض القضية على محكمة العدل الدولية لإثبات الروابط السيادية المتمثلة في البيعة التي كانت في عنق اخواننا الصحراويين لملوك المغرب، اذ سرعان ما نصبوا أنفسهم ليس طرفا معنيا أو بصفتهم جيرانا فقط، ولكن بوصفهم خصوما واعداء من أجل إجهاض مساعي المغرب لاسترجاع أقاليمه الجنوبية بالطرق القانونية طبقا لما ستتخذه محكمة العدل الدولية من قرارات.
وباللجوء الى التحكيم الدولي أجهض المغرب مخطط اسبانيا الذي كان يرمي الى تنظيم استفتاء يستهدف خلق كيان تحافظ بواسطته على مصالحها التي كانت تتمثل آنذاك في الصيد البحري وفي استغلال مناجم الفوسفاط.
وابتداء من سنة 1976 هبوا للتدخل عسكريا بتقدم جيشهم نحو أمغالا ثم بإعلانهم مدينة في تيندوف وقيام جمهورية وهمية وجندوا كل امكانيات الدولة الجزائرية السياسية والديبلوماسية والعسكرية لا فقط لتدعيم ذلك الكيان، ولكن لشن حرب ضروس ضد المغرب وموريتانيا، ووجدوا في ليبيا السند الذي اعتمدوا عليه في التمويل والتسليح، وهو ا لسند الذي توقف، بعد ان أدركت ليبيا أنها كانت ضحية المخطط التوسعي الجزائري، بدليل ان زعيم الثورة الليبية العقيد معمر القدافي لم يتردد في الاستجابة لمبادرة الملك الحسن الثاني رحمه الله في إقامة اتحاد بين المغرب وليبيا حمل اسم »الاتحاد الافريقي«. وبهذه الاستجابة يكون قد أظهر لحكام الجزائر أنه يعارض مواقفهم المعادية للمغرب.
قدرة المغرب على مواجهة التحديات
لقد واجه المغرب خلال هذا الصراع المرير الذي عمر طويلا عدة تحديات خطيرة استطاع ان يخرج منها منتصرا رغم ما سجله اعداؤنا وخصومنا من نقط ظنوا أنها ستخدم مخططهم. لقد استطاعوا ان يقحموا ذلك الكيان الوهمي الذي أقاموه بتيندوف في منظمة الوحدة الافريقية لكنهم فشلوا في المساس بعلاقاتنا مع إخواننا في مختلف الدول الافريقية التي تراجعت أغلبيتها الساحقة عن اعترافها بذلك الكيان الوهمي.
واستطعنا بفضل وفاء اخواننا الصحراويين بإقليم الداخلة إحباط ذلك المخطط الذي ساهمت في تدبيره تلك الشرذمة التي استولت على الحكم في موريتانيا الشقيقة بقيادة ولد هيدالة بتخليهم عما كان يسمى آنذاك بتيرس الغربية، ظانين أنهم سيفتحون المجال لعملاء النظام الجزائري لكي يجدوا موطىء قدر لهم في أقاليمنا الجنوبية، فمنيوا بهزيمة شنعاء يوم 14 غشت 1989، وهو اليوم الذي رفع فيه علم المغرب على يد اخواننا الصحراويين فوق عمالة الداخلة بعد تجديدهم للبيعة لملك المغرب اقتداء بأجدادهم. وستبقى معركة بئر انزران بالقرب من مدينة الداخلة شاهدا على اندحار المخطط التوسعي الجزائري.
إن قدرتنا على حماية وصيانة التراب الوطني في أقاليمنا الصحراوية التي نستمدها من الله ومن ايماننا بوحدتنا الترابية ، لاتتمثل فقط في مجهودنا العسكري وفي شجاعة وتضحيات رجال قواتنا المسلحة، ولكنها تتمثل ايضا في المجهود التنموي الشامل الذي تطلب تضحيات مالية وقدرات خلاقة من رجال اداراتنا المختلفة. وانها لمجهودات يجسدها اليوم العمران الذي أصبح منتشرا في كل جهات أقالمينا الصحراوية الجنوبية، إسوة بما يبذل في أقاليمنا الشمالية. اذ من كان يتخيل أن منارة بحرية لتوجيه السفن على أحد شواطىء اقليم العيون سيتحول محيطها الى مدينة مترامية الاطراف تعج بالحركة والنشاط الانساني، ومن كان يتصور أن مدينة العيون ستتحول الى إحدى أكبر حواضر المغرب تفتخر بها البلاد وتتوفر على ميناء يضاهي موانئنا في كثير من المدن. ومن كان يتصور أن تصبح شبكة الطرق المعبدة منتشرة في كل جهات اقاليمنا الجنوبية تسهل حياة المواطنين في الاتصال والتواصل.
ان ما أنفقته الدولة لكي تجعل اقاليمنا الصحراوية تتدارك التأخر الفظيع الذي تركه الاستعمار الاسباني، لم يكن ليعطي ثماره لو لم تتعبأ له كل القوى الحية في الوطن، شماله وجنوبه. وكما كانت معبأة للبناء والتشييد فستبقى معبأة لحماية مكتسبات الوحدة الترابية والوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.