فقد المغرب، في وفاة الأستاذ محمد العربي المساري، رجلا كبيرا، بكل المقاييس، قدم عطاءات في كل المواقع والواجهات التي اشتغل فيها، بميزة خاصة، تضع في أولوياتها الالتزام الأخلاقي. لذلك، كان الصدق والنبل ودماثة الأخلاق، من صفاته البارزة. خلف هذه الشخصية المفعمة بالطيبوبة، كان هناك رجل يتحرك بصفات متعددة، كسياسي وكاتب وديبلوماسي ووزير ومسؤول على رأس منظمات مهنية... لكن «الهوية» التي كانت تعلو فوق كل «الهويات» الأخرى، التي اشتغل بها، هي «الصحافي». هذه الهوية الأصلية، هي التي كان يفتخر بها، أكثر من أية مهمة أخرى تولاها، وكان يقول دائما، لمخاطبيه، إنه يحتفظ دائما بمهنة الصحافة، في وثائق هويته، حتى عند توليه لمهام رسمية. لكن ما هي مهنة الصحافة، بالنسبة للفقيد؟ الجواب، يأتينا من مسار حياته. فقد كانت تجربته في جريدة «العلم» متميزة، طبعها الانفتاح، على مختلف الآراء والتوجهات، ليجعل منها أكثر من لسان حزب الاستقلال، في ظروف كانت فيها الجرائد الحزبية، تتمترس بقوة خلف حواجزها التنظيمية. بالإضافة إلى هذه الرؤية التي كانت تسبق كثيرا، الشروط الموضوعية، المتوفرة آنذاك، أعطى الأستاذ المساري، للكتابة الصحافية، نكهة خاصة، تجمع بين العمق في التحليل، و الانسجام في الأفكار والبساطة الأنيقة في الأسلوب، وهي صفات من الصعب الجمع بينها، غير أن تمكنه من الموضوعات التي كان يتناولها، جعلته قادرا على عرضها بالسلاسة الضرورية في الكتابة الصحافية. بموازاة العمل الصحافي، كان الفقيد يمارس مهامه النضالية، في واجهات الدفاع عن حرية الفكر والتعبير والإعلام، في اتحاد كتاب المغرب والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، بالإضافة إلى التزاماته السياسية في حزب الاستقلال. ولم تكن هذه الواجهات بالنسبة له سوى صيرورة متواصلة، يجمعها هاجس البحث عن الحقيقة، خدمة للوطنية والديمقراطية. في كل الموانئ التي رسا فيها قارب حياته، كان الأستاذ المساري، يعتبر أنها ليست سوى محطة، في رحلة النضال من أجل استعادة المبادرة من طرف الشعب المغربي، لإدراك واقعه وتاريخه ورموزه، لذلك واصل العمل من خلال الكتب التي ألفها، حول الملك الوطني الراحل محمد الخامس، أو حول البطل عبد الكريم الخطابي... وكذلك من خلال كتاباته المتعددة حول قضية الصحراء المغربية، والعلاقات المغربية الإسبانية... هكذا فهم أستاذنا الفقيد مهنة الصحافة: صدق في الكلام، إخلاص للوطن، التزام مع الشعب، انتصار للديمقراطية، شموخ في الرؤية، وتواضع الكبار.