ركز الخطاب الملكي في الثامن عشر من ماي سنة 2005 على ثلاثة محاور أساسية شكلت جوهر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. أولا مجابهة الفقر في الأحياء الحضرية. ثانيا دعم الجماعات القروية المعدمة والأكثر احتياجا وعزلة و أخيرا توسيع مجال الاستفادة من المؤسسات الاجتماعية والخدمات كالتعليم والصحة والماء والكهرباء والسكن اللائق والربط الطرقي والمساجد والبنيات التحتية الثقافية والرياضية و غيرها. بني هذا المشروع الضخم آنذاك على خمسة مبادئ شكلت القاعدة الأخلاقية الملزمة لكل الفاعلين لملامسة أهداف المبادرة الوطنية وهي: تحقيق الكرامة، تعزيز الثقة في المستقبل، المشاركة الإيجابية، الحكامة الجيدة والاستمرارية. في حين أن الإطار العام للتفعيل هذه الأسس والمبادئ المتوخاة من هذه المبادرة انبنت على مقاربة تهدف إلى التجديد وإعطاء دور الريادة للإدارة الترابية الممثلة في الولاة والعمال والقياد ورؤساء الجماعات ومختلف الفاعلين وتبني التدبير المرتبط بالنتائج وتليين الإجراءات مع التأكيد على الرقابة وتفعيل دورها. وعموما ودون الدخول في المعطيات والأرقام الدقيقة والمسطرة في دليل المبادرة الوطنية وتقارير المجلس الأعلى للحسابات والتقارير الدولية التي رصدت المغرب كبلد تشغل أحياءه وقراه المقصية والمهمشة حيزا هاما من خارطة البؤس، تبقى الوثيرة جد ضعيفة بعد مرور عشر سنوات من "الإصلاح" لا يرقى صراحة إلى الطموحات والأهداف التي رفعها رهان التنمية البشرية، فلا ضرورة للتوصيف، والجميع يعلم، القاصي والداني منا يعاين الوضعية المزرية التي تعيش عليها الأحياء الهامشية و خصوصا في المدن الكبرى للمملكة، أما القرى فقد أطبقت على بعضها الجبال جبروت النسيان وذابت ثلوجها على حرارة السيقان العارية للأطفال. لكن الطامة الفعلية أن يستمر الوضع بعد عقد من الزمن مدة كانت كفيلة أن تجعل من ألمانيا بلد المعجزة بعد أن دكتها الحرب دكا وأن تدخل تركيا في مصاف الإقتصاديات الكبرى في العالم. ما يجب إدراكه أساسا في ظل نظام الحكامة مع كل ما تحمله من دلالات هو الاعتراف بالدور الدقيق الذي يجب أن يلعبه الفرقاء الثلاثة: الإدارة العمومية، القطاع الخاص والمجتمع المدني. هذه العوامل الثلاثة ضرورية ومتكاملة ومن المفروض أن تنخرط في علاقات تحقق التوازن بينها من أجل بلوغ الشراكة كمبدأ أساسي لأي نوع من التنمية. وهكذا فإن دعم مجموعة ما من الفاعلين لابد أن يوازيه دعم مماثل لمجموعات أخرى دونما تحيز. ومن البديهي أيضا أن المجتمع المدني لا يمكنه أن يحل محل الدولة لكنه مطالب بالانخراط في تنمية مجال يمتلك فيه الخبرة و المعرفة للمشاكل التي تعترضه محليا ووضعها في سياقها جهويا ووطنيا. من هذا المنطلق فالمسؤولية تقع على الجميع، دولة وأحزابا ومجتمعا مدنيا. الدولة الممثلة بأجهزتها و مؤسساتها لها دور محوري في تدبير الشأن المحلي، ومراقبة البرامج والمشاريع التنموية، ودعم المقترحات البديلة والقمينة بتحسين وضعية المواطن، مع ضرورة نشر التوعية والتحسيس بين الشرائح المختلفة للمجتمع بضرورة الإنخراط الفعلي و الإيجابي وتعزيز الثقة، وهو دور يستدعي أولا وقبل كل شيء إرادة سياسية حقيقية وذكاءا في التعامل مع مختلف التناقضات والعمل على التوفيق بين الأطياف السياسية المتنافرة والضرب بقوة على الأيادي التي تستغل هذا الفضاء المعتل في تحقيق مآربها النرجسية. ومطلوب من الأحزاب سواء أكانت في المعارضة أم في الحكومة أن تعي أهمية التخليق السياسي وترفع من مستوى خطابها مع وجوب تقديم تنازلات حقيقية لإزالة العراقيل التي تعترض طرح برامجها. على الأحزاب أن تخرج من قوقعة الصراع ضد الحزب الأغلبي وأن لا تنجر وراء الغوغائية التي يمارسها في ضل عجزه عن التنزيل الديموقراطي للدستور والتسلط الشعبوي الذي يسيء لروح هذا القانون المرتكز أساسا على المبدأ التشاركي كقاعدة لتطوير المشهد السياسي وتفعيل دور الأحزاب في تناغم كل حسب موقعه. أما المواطن البسيط والمثقف، الفقير والميسور فعليه أن يضع نصب أعينه الآية الكريمة التي تقول: "أن الله لا يغيرما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، دوره لا يقل أهمية وهو المسؤول الأول عن تحسين وضعيته، ليس عليه أن يستسلم ويتموقع في خانة الضحية التي لا حول لها ولا قوة في ضل ما يعانيه من تهميش وجهل و ضنك عيش، بل عليه أن ينخرط في التنمية التي تستهدفه بإطلاعه على حقوقه و واجباته الأولية، أن يرفض جملة و تفصيلا الانتهازيين الجهلة أعداء الوطن ويلفظهم من قائمة من يمثلونه و أن يفضح خطاباتهم الدورية والنمطية المستهلكة والمخزية، وأن يجابه التخلف في من يمارسه عن وعي أو جهل من خروقات واستغلال للهياكل والنفود دونما حق أو مشروعية. فلا شيء أكثر إساءة للوطن وعرقلة لمفهوم التنمية وجهلا بحساسية المرحلة التي يعيشها المغرب من سلوكات وممارسات كتلك التي جرت أحداثها في انتخابات الغرف المهنية ضاربة عرض الحائط كل المجهودات و التراكمات التي حققها المغرب في ظل الأزمة الإقتصادية العالمية و ما تعيشه الدول العربية من انفلات أمني و غياب الاستقرار و تصاعد وثيرة التطرف. فاستمرار هذه العقليات البائدة و"اللا وطنية" يؤشر على عجز الدولة الممثلة في الحكومة الحالية وعن قصر أداء وظيفتها في تحصين هذا الاستحقاق، وهو خير دليل على حصيلة لازالت إلى يومنا هذا هزيلة و تفتح الباب على مصراعيه لكل التوقعات..