عشية انطلاق الحملة الانتخابية، كنت واقفا بمقر العمالة بالمحمدية، ككل المرشحين وكلاء اللوائح في الأحزاب المشاركة. كنا ننتظر خروج المسؤولين الحزبيين في الإقليم من اجتماع جمعهم مع العامل لكي يبدأ اجتماع موسع يحضره الجميع. بعد السلام الذي يحصل دائما بين المتنافسين، اقتربت من الحسن عواد، الصحافي الصديق، والأمين الإقليمي لحزب الأصالة والمعاصرة. قال: «إن الشمس اليوم حارقة».. قلت له، بصراحة، بما أن المحترم مصطفى الباكوري مرشحكم في المدينة والجهة، الأمين العام للحزب يتولى مسؤولية الطاقة الشمسية في إطار مهمة (مازن)، فقد كنت أتوقع أن الشمس هي وكيلة اللائحة للنساء.. تلقاها بقهقهة كبيرة، ووعدني أنه سيخبر الباكوري بمقترحي وما زلت أنتظر جوابه. دخلنا القاعة، وتحدث عامل الإقليم علي سالم الشكاف، عن ظروف إجراء الاستحقاقات الحالية، ومن بين المراجع التي ذكرها، خطاب الملك في 20 غشت، والذي دعا فيه إلى الثورة الجهوية. شيطان التفاصيل، وكان هذه المرة لي بالمرصاد، ووسوس لي أن أتبادل فكرة طارئة مع رفاقي في اليسار. استفردت بالرفيق العزيز والصديق «الفن» عبد اللطيف بلحسن وهمست له في أذنه: «واش حتى ولا النظام يدعو إلى الثورة عاد اليسار الراديكالي عجبو يدخل الانتخابات البرجوازية والإصلاحية»، وعلق عبد الغني الراقي: «هوما ولاو يقولوها وحنا نخاف من هاذ الكلمة». كانت فرصة للفكاهة والانطلاقة المرحة لحملة تصاعدت حرارتها وشراستها من بعد. لن أتذكر النتائج العامة وحدها، وسأتذكر تفاصيل، هي عادة ما يقرفص فيها الشيطان، لكنها في حالة الحملة الانتخابية التي جربتها، تفاصيل شخصية، مرحة أحيانا وقاسية أخرى. وبالرغم من أنني أؤمن، بأن نقاش التفاصيل يكون أحيانا مضللا، فإنها أحيانا تقودنا إلى الصحيح. التفاصيل تصنع المسيرة في الحملة الانتخابية. في أمسية من أمسيات الحملة، قررنا أن نجوب منطقة درب مراكش الخالدة... والأحياء المجاورة لها. كانت مفاجأتي غاية في السرور، لما لمحت الفنان المسرحي والسينمائي والمبدع شفيق السحيمي، صديقي العتيق واقفا إلى جنب رموز الاتحاد بالمدينة. تعانقنا، وقلت لمن حولي «لقد جاء ليتولي اللائحة» وقلدناه وكالة لائحة الوردة .. الرمزية الذي سيختاره الناس. اخترت مناسبة كان فيها وكيل اللائحة مهدي المزواري، أو بالتدقيق أحمد مهدي المزواري ومصطفى عبلال وآخرون من الحزب لأروي لهم قصة مع عبد الرحيم تافنوت والسحيمي وعبدو ربه. تقول القصة إنني كنت أترجم كتابات الانقلابيين اللذين وقعا في المغرب في 1971 و1972 على صفحات جريدتنا. بعد قصة تازمامارت جاء... كتاب أوفقير العائلة والدم، عن الانقلابات والحياة في القصور والقبور. ما إن دخلنا إحدى قاعات الدارالبيضاء، التي كان المخرج شفيق السحيمي يهيء فيها مسرحية من مسرحياته حتى صاح به تافنوت «شفيق، معك تافنوت وجماهري..» فأجابه ببداهة الفنان الممتنعة «هي كاين شي انقلاب..»!!! وكان رائعا كعادته وعفويا كعادته.. مشينا طويلا، كان نجم المسيرة وبطلها، ولم تكن تغفله أعين الناس، نساء ورجالا، الجميع تسابق لالتقاط الصور معه..ومحادثته، وهو يرد بعفويته «انا هاكا داير..»،أشبههم! نبهني في المسيرة أننا أغفلنا التزود بالماء: «راحنا كلنا سكر و...طاسيون».قدمناه، كما قدمنا الفنان محمد خيي في الحملة الخاصة بانتخابات 25 نونبر 2011 كوكيل اللائحة الفعلي هذه المرة!. بلغني من بعد أن حضر نقاشا ليليا مع السكان وأنه قال لهم «انا ما جيتش نتضامن مع الاتحاد، جيت باش نضامن معاكم». رائع في بلاغته في حب الناس. في المسيرة لم نجد الرفض أو النفور، وعندما نقترب من الناس لا نشعر أنهم ينبذوننا كمرشحين تائهين وسط غابات الأوراق والمناشير وضمن الآخرين متشابهيمن معهم كالرمل. لم أجد ذلك الشخص الذي طرقت ذات يوم بابه، فأطل علي من نافذة بيته. رفعت رأسي باتجاهه، طلبت منه بأدب جم إن كان من الممكن أن ينزل لكي نتحدث إليه:فأجابني بجواب .. فريد«واش بغيتيني ننزل باش تطلع انتا» الله يعاونك. انفجرت ضاحكا.. انتصر فيَّ الشاعر المحب للمفارقات اللغوية على المرشح. وجدنا أناسا آخرين، في عز الورد .. في لحظة من اللحظات ذكرني المختار النايم، الذي كان رئيس كتيبة درب مراكش «الناس كايسولو عل الجورنال..». وكان يقصد جريدة الحملة التي ألف المواطنون والمواطنات في المحمدية منا إصدارها، وتوزع ضمن مواد الحملة كما يقول القاموس الحزبي. وكانت الفكرة قد بدأت تخبو بفعل الضغط الزمني، ..: فعدنا إليها من جديد، فتحدثنا، المهدي عبلال والسي أحمد وهوب عن تنفيذها في ضيق من الزمن.وكانت تلك نقطة تميز أخرى لدى الاتحاد في المحمدية، الاقليم والمدينة على حد سواء!