الرباط.. افتتاح أشغال ندوة حول موضوع "البرلمان المغربي وقضية الصحراء المغربية: من أجل دبلوماسية موازية ناجعة وترافع مؤسساتي فعال"    الرابطة المغربية لمهنيي تعليم السياقة تطالب بإحداث رخصة خاصة للسيارات الأوتوماتيكية    المتصرفون التربويون يلوحون بالإضراب والجامعة الوطنية تتهم الوزارة ب"اللامبالاة"    التقنيون يواصلون الإضراب الشهري احتجاجا على تجاهل حكومة أخنوش    ارتفاع طفيف في معدلات النشاط والشغل وإحداث 282 ألف منصب شغل خلال سنة (مندوبية التخطيط)    الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    محمد وهبي: نتيجة التعادل مع نيجيريا منطقية    عودة تير شتيغن إلى برشلونة تسعد الألمان    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة…المغرب يتعادل مع نيجيريا    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    بعد فتح الجمارك.. مواد البناء المغربية تغزو سبتة المحتلة    رحلة كروية تنتهي بمأساة في ميراللفت: مصرع شخص وإصابة آخرين في انقلاب سيارة قرب شاطئ الشيخ    ترامب يأمر بإعادة فتح سجن الكاتراز بعد 60 عاما على إغلاقه    العثور على جثث 13 عاملا بعد اختطافهم من منجم ذهب في بيرو    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    إسرائيل توافق على توزيع المساعدات    مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي يقرر توسيع العمليات العسكرية في غزة    شغب الملاعب يقود أشخاصا للاعتقال بالدار البيضاء    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو المهرجان الدولي للسجاد بأذربيجان    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    ولاية أمن طنجة توضح حقيقة "اختطاف الأطفال" وتوقف ناشرة الفيديو الزائف    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    فيديوهات خلقت جوًّا من الهلع وسط المواطنين.. أمن طنجة يوقف سيدة نشرت ادعاءات كاذبة عن اختطاف الأطفال    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    المغرب التطواني يحقق فوزًا ثمينًا على نهضة الزمامرة ويبتعد عن منطقة الخطر    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة: تعادل سلبي بين المغرب ونيجيريا في قمة حذرة يحسم صدارة المجموعة الثانية مؤقتًا    طنجة تحتضن اللقاء الإقليمي التأسيسي لمنظمة النساء الاتحاديات    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين في محطات الوقود    وزيرة تكشف عن مستجدات بشأن الانقطاع الكهربائي الذي عرفته إسبانيا    شركة بريطانية تطالب المغرب بتعويض ضخم بقيمة 2.2 مليار دولار    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    الفن التشكلي يجمع طلاب بجامعة مولاي إسماعيل في رحلة إبداعية بمكناس    الطالبي العلمي يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب بريس كلوتير أوليغي نغيما رئيسا لجمهورية الغابون (صورة)    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    المغرب يجذب الاستثمارات الصينية: "سنتوري تاير" تتخلى عن إسبانيا وتضاعف رهانها على طنجة    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    العداء الجزائري للإمارات تصعيد غير محسوب في زمن التحولات الجيوسياسية    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    معهد الموسيقى بتمارة يطلق الدورة السادسة لملتقى "أوتار"    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين يعبر عن دعمه للوحدة الترابية للمغرب    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموسيقار أحمد البيضاوي : الأب الروحي للأغنية العصرية بالمغرب
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 05 - 01 - 2016

مسيرته في النشأة والتدرج، لا تشد عن قاعدة مسيرة شيوخ الطرب الكبار في الشرق، من حيث تعلم الفقه والتفاسير وما يرتبط بعلوم الدين.
ولد سنة 1918 أو- 14 حسب البعض - بالدار البيضاء، اسمه الحقيقي أحمد شهبون من أب ينتمي إلى منطقة سوس. مكنته بديهيته في الحفظ السريع وقوة ذكائه في الاستيعاب، من الجمع بين الدراسة وتعلم العزف والغناء. كان عليه الاختيار بين إتمام تعليمه التقليدي أو شق طريق الفن الذي شغف به. فجمع بينهما، بإصرار من أستاذه الشيخ عبد الرحمن النتيفي في التعليم، وهو شيء لم يتح للكثير من غيره.
لما بدأت موهبته تنمو وهو الصبي العاشق للطرب، وجد تشجيعا من طرف بعض أفراد عائلته، على عكس ما جبلت عليه عادة الأسر في المنع. فأجروا له آلة موسيقية يعشقها. وتأجير الآلات الوترية والفونوغراف، كانت عملية متواترة معمول بها في المدينة القديمة بالبيضاء (درب الطاليان - درب الأسبان - كارتيي Cartierكوبا ...). منطقة الفنون وبيع وتأجير الآلات الموسيقية، والقلب النابض لشتى أنواع الغناء وفي مقدمته العيطة والشكوري اليهودي بألوانه المتميزة. كان لهذه الأجواء الأثر الكبير في تأجيج مشاعر الطفل وتنمية حاسته الفنية. فتشبع بما كان يصل من الشرق، من قديم الأدوار والطقاطيق والقصائد والموشحات، عن طريق السماع (ومسألة التعلم بالسماع، خاصية يشترك فيها مع الموسيقار السنباطي).
فور تعلمه العزف على العود، شكل وهو يافع في بداية الثلاثينيات مع فنانين يهود " تختا " (جوقا) يقدم أغان شرقية وموشحات. فأصبحوا يحيون الحفلات، حتى التي كانت تشتهر بها العائلات المغربية من مسلمين ويهود في بعض المناسبات.
لما سمع به السلطان محمد الخامس، استدعاه للقصر وضمه للجوق الملكي الذي كان يشرف عليه المايسترو المصري " مرسي بركات ". على يد هذا الأخير تعلم المقامات والسلالم الموسيقية.
أدى أغانيه الأولى بالعود فقط بحكم إتقانه العزف عليه. ومن هنا انطلق مساره في اللحن والأداء والذي ستنطلق معه الملامح الأولى للأغنية العصرية. كلفه محمد الخامس مع فنانين مغاربة بتأسيس الجوق لعصري سنة 1954 الذي أصبح تابعا (لراديو ماروك) أي الإذاعة آنذاك. هذا الأخير الذي سيدمج مع جوق الاتحاد الرباطي الذي كان قد أسسه الأستاذ عبد النبي الجراري سنة 1947 وأجواق أخرى، وفق مباراة لاختيار أجود العناصر أشرف عليها مدير الإذاعة آنذاك الدكتور المهدي المنجرة سنة 1959، وهو تاريخ التأسيس الفعلي للجوق الوطني بالمواصفات الحديثة، الذي تولى الموسيقار أحمد البيضاوي مهمة رئاسته.
لم ينقطع تثقيفه الذاتي ومطالعاته المسترسلة في أصول اللغة ومشتقاتها من نحو وصرف. من هنا نفهم سر اقتحامه لتلحين القصائد الشعرية، ولوضعه قواعد صارمة في قبول الإنتاجات الفنية والغنائية للسمو بالأغنية وبالذوق العام. لما سيرأس قسم الموسيقى بالإذاعة الوطنية.
لحن قصائد شعراء كبار من أزمنة مختلفة على مستويات متعددة :
المستوى الأول : تلحينه للشعر الأندلسي في قالب موسيقي أصيل، بقدرة أثبتت كفاءة استثنائية، في تطويع الصعب من أشعار ابن زيدون ك : (أضحى الثنائي - يا غزالا - إليك من الأنام - باعدت بالإعراض غير مباعد ...) وهو شيء يعتبر من رواده ليس مغربيا بل وعربيا أيضا.
المستوى الثاني : اتجاهه نحو الشرق حيث أثبت نفس الكفاءة، في هذا السياق كان اختياره تلحين قصائد لشعراء كبار كرائعة : (انتظار- لعلي طه محمود صاحب قصيدتي : الجندول وكليوباترا لعبد الوهاب) (صداح - لبشارة الخوري) (يا حبيبي أفق - للشاعر السوري أنوار العطار) (منك يا هاجر دائي - لأمير الشعراء شوقي) و(حبيبي تعالى - لألياس فرحات ) وغيرها.
المستوى الثالث : لحن لشعراء مغاربة من عيار ثقيل قصائد (يا حبيبا أنا أهواه - لمحمد حكم سنة 57 و بسمة الأمل - لمحمد العراقي 57 أيضا و أنشودة الحب - للزعيم علال الفاسي 58 و رائعة قل من صد وخان للشاعر الغنائي الكبير محمد بلحسين 59) وغيرهم. ولعل هذه القصائد من الخالدات المغربية الصرفة. لحن أيضا للكثير من المطربين والمطربات من المغاربة عبد الوهاب الدكالي (يا فاس حي الله أرضك ... للشاعر القاضي أبو عبد الله المغيلي وليس للأستاذ علال الفاسي كما هو شائع، و" هجران " لبهيجة ادريس من شعر محمد بلحسين). ولعبد الهادي بلخياط (ذكرى أرق من الربيع) وعزيزة جلال، وسميرة بنسعيد وغيرهم. ومن المشارقة، لهدى سلطان (رائعة الفرحة الكبرى) ولماهر العطار (تحية النيل) وللتونسية الكبيرة " علية " (موكب الذكرى) ولفايزة أحمد ...
المستوى الرابع : جدد تلحين قصائد مغناة بأسلوبه الشخصي ك : (أفديه إن حفظ الهوى - للشيخ أبو العلا محمد وأم كلثوم - أضحى الثنائي - لزكرياء أحمد وغناء فتحية أحمد و - منك يا هاجر دائي - لأحمد شوقي التي غناها عبد الوهاب في أواخر العشرينات. ويمكن القول بدون مبالغة في هذا المقام إن البيضاوي تفوق على كل من ألحان الشيخ زكرياء وعبد الوهاب نفسه في القصيدتين الأخيرتين. بل إن عبد الوهاب أعاد تلحين (منك يا هاجر دائي) وأعطاها لمطربة مغربية اعتزلت هي سمية قيصر. ومع ذلك لا اللحن الأول ولا الثاني لم يبلغا شأو لحن البيضاوي لهذه القصيدة. إنها من زاوية نظر تأملية، تتقاطع أو تدخل في " تناص" مع رائعة أم كلثوم في أحد مقاطع (عودت عيني على رؤياك).
ليس من عمري يوم لا ترى فيه لقائي
للبيضاوي
(تماثلها)
إن مر يوم من غير لقياك
ما ينحسبش من عمري
كوكب الشرق
أعاد غناء عدد من الموشحات والأدوار القديمة مع تشديب في المواصفات اللحنية حيث جعل العزف على العود فقط مهيمنا، بأداء صوتي متميز، أثبت من خلاله أنه لم يضاه شيوخ الطرب فحسب، بل تعتبره واحدا منهم وأنت تستمع إليه. وهنا تستدعي الذاكرة (كم بعثنا مع النسيم سلاما) لأم كلثوم التي لحنها الدكتور صبري النجريدي. وكذلك دور (فؤادي أمره عجيب - للشيخ يوسف المنيلاوي) الذي يعد من أصعب الأدوار، أبدع فيه بشكل أجمل مما أداه صاحبه، عن طريق العود وثلة من المرددين أي (الصهبجية) كما كان يطلق عليهم قديما في مصر. وهنا تكمن قيمة البيضاوي كموسيقار كبير لا تقل كفاءته الفنية عن كفاءة العمالقة في مصر.
لماذا إذن، لا تعاد روائع البيضاوي بتوزيع جديد رفقة فرقة أركسترالية، كما هو الشأن في مصر مع الفرقة القومية للموسيقى العربية التي أعادت إحياء تراث أدوار محمد عثمان وقصائد أبو العلا امحمد و زكرياء أحمد والقصبجي إلى أم كلثوم وعبد الوهاب. ونفس الأمر في لبنان مع فرقة فلارمونيا أعادت جماعيا حتى أغان فيروز الحداثية. في المغرب كفاءات فنية مقتدرة على مستوى التوزيع الموسيقي وجوق ملكي بأمهر العازفين، تستطيع أن تقوم بهذا الإنجاز الفني الكبير (مع البيضاوي أو غيره مع الرواد). أم أننا اخترنا أن نظل وطنا بلا ذاكرة فنية !!.
مع أن البيضاوي غنى نشيدا للوطن :
يا موطني نلت المراد فاسلم
فأنت مني في الحشا وفي الدم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.