تسعى مكونات وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة في جهة طنجةتطوانالحسيمة إلى تحويل المجال القروي من مجرد ظهير خلفي للمدن إلى صمام أمان استراتيجي لامتصاص الضغط الديموغرافية المتزايد على الحواضر، وذلك عبر تفعيل "قافلة للقرب" تستهدف تبسيط مساطر التعمير في المناطق النائية، في خطوة تهدف لإعادة رسم الخارطة السكانية وتخفيف الاختناق العمراني الذي بات يهدد كبريات مدن الشمال. وتواجه مدينة طنجة، القطب الاقتصادي الثاني للمملكة، تحديات هيكلية مع تجاوز عدد سكانها 1,3 مليون نسمة وتسجيل نمو ديموغرافي سنوي يناهز 3,4 بالمئة. وتشير بيانات الوكالة الحضرية لطنجة إلى تقلص الأراضي الصالحة للبناء داخل المدار الحضري بنسبة تجاوزت 40 بالمئة خلال عقد واحد، ما أدى إلى قفزة في أسعار العقار بالأحياء الشمالية والشرقية التي تشهد ضغطا كبيرا، بنسب تراوحت بين 25 و60 بالمئة منذ عام 2018. وأمام ندرة الوعاء العقاري والارتفاع القياسي للأسعار داخل المراكز الحضرية، تحولت الأنظار صوب الضواحي، حيث تضاعفت أسعار الأراضي في جماعات قروية مثل "سبت الزينات" و"المنزلة" و"العوامة" بين مرتين وثلاث مرات في غضون خمس سنوات. وبحسب معطيات رسمية، يسجل محيط طنجة سنوياً أكثر من 7 آلاف طلب ترخيص، نصفها تقريبا يهم مناطق قروية تشهد تحولات عمرانية متسارعة، مدفوعة بطلب متزايد من الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل الباحثة عن سكن بتكلفة معقولة. وفي محاولة لتنظيم هذا الزحف وتأطيره قانونيا بدل تركه للعشوائية، تجوب القافلة الجهوية للتعمير 17 جماعة قروية، مستهدفة ساكنة تقدر بنحو 323 ألف نسمة موزعين على 132 دوارا. وتهدف هذه التحركات الميدانية إلى تقريب الخدمات الإدارية للحد من البناء غير القانوني، الذي شكل ما بين 30 و40 بالمئة من البناءات الجديدة في بعض المناطق المحيطة بطنجةوتطوان، نتيجة تعقيد المساطر وبطء عملية تحيين وثائق التعمير التي يوجد نحو 60 بالمئة منها في طور المراجعة أو التحضير. وتراهن السلطات على هذه المقاربة لخلق "مراكز جذب" جديدة خارج الحواضر، تخفف العبء عن مدينة طنجة التي استقبلت وحدها ربع مليون وافد داخلي خلال السنوات العشر الماضية. ويرى خبراء في مجال التهيئة أن تثمين المجال القروي عبر تبسيط مساطر البناء لم يعد خياراً إدارياً فحسب، بل ضرورة ملحة لضمان توازن ترابي يمنع تشكل أحزمة عشوائية تفتقر للبنية التحتية، ويحول القرى إلى مجالات استيعاب منظمة قادرة على تخفيف الضغط عن الشبكات الطرقية والخدمات الاجتماعية المنهكة في المدن الكبرى.