وصل مشروع تعديل الدستور بفرنسا من أجل إسقاط الجنسية إلى الباب المسدود، وهو المشروع الذي اقترحه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند مباشرة بعد الهجمات التي تعرضت لها فرنسا في شهر نونبر الماضي. وبعد هذا الاقتراح، احتدم الجدل في مختلف العائلات السياسية حول من هم الإرهابيون الذين يجب إسقاط الجنسية عنهم، هل مزدوجو الجنسية مثل المغاربة أم الجميع، بمن فيهم الفرنسيون؟ وهو طبعا أمر غير ممكن، لأنه سوف يؤدي إلى خلق مواطنين «بدون»، وهو وضع يمنعه القانون الفرنسي. وإسقاط الجنسية عن مزدوجي الجنسية، أي الفرنسيين الذين لهم جنسية أو جنسيات أخرى، يعني ضرب مبدأ المساواة الذي ينص عليه الدستور الفرنسي، وإعادة العقاب المزدوج بفرنسا، أي معاقبة الفرنسي الذي له جنسية أخرى مرتين: المرة الأولى بأداء العقوبة التي يدينه بها القضاء، والمرة الثانية من خلال حرمانه من الجنسية، والبحث عن بلد يقبل به.وهل هناك بلد يقبل بأشخاص مدانين بالإرهاب؟ هذا المشروع تعرض للفشل، لأنه غير عقلاني، ولا يساهم البتة في محاربة الإرهاب والجريمة، وصدر في حالة انفعال وغضب بعد الضربات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا في شهر نونبر الأخير. لكن هذا الغضب، وهذا الانفعال، سوف يكلف الرئيس الفرنسي ثمنا سياسيا غاليا. الفشل السياسي الأول، هو عدم قدرته على تحقيق الإجماع حول هذا المشروع بفرنسا، بل إن هذا المشروع قسم عائلته السياسية بين معارض ومؤيد، كما قسم خصومه في المعارضة. هذا الفشل كسر الإجماع الفرنسي حول مواجهة الإرهاب وكسر في نفس الوقت هبة الرئيس وسلطته كرمز لوحدة فرنسا.ورأينا كيف أن البرلمان صوت على مشروع يسحب الجنسية من كل من أدين بالإرهاب بمن فيهم الفرنسيون من أصل أوربي، لكن مجلس الشيوخ رفض ذلك، وتبنى مشروعا يسقط الجنسية فقط على الفرنسيين من أصل أجنبي، الذين يتوفرون على جنسية أو أكثر، وهو الأمر الذي جعل إسقاط الجنسية مستحيلا وضعه بالدستور. الخسائر التي تعرض لها الرئيس، لا تنحصر على عائلته السياسية ومعارضيه، بل تمس جزءا من الناخبين الذين صوتوا بكثافة لصالحه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أغلبية الفرنسيين من أصول مغاربية، حسب الدراسات التي تمت حول ذلك، لكن هذه الفئة الانتخابية لن تصوت عليه في الانتخابات المقبلة أي بعد سنة، وذلك لأن قانون سحب الجنسية اعتبرته هذه الأقلية المغاربية وباقي الأقليات الافريقية قانونا يستهدفها. ورغم سقوط هذا القانون ، فإن الرئيس الحالي سوف يسقط معه، ومن المؤكد انه لن ينال أصوات هذه الفئة، التي اعتبرت هذا المشروع ضدها، وهو مشروع كان يحمله اليمين المتطرف المعادي للأجانب. ولم تكن هذه الأقلية تنتظر أن يدافع عنه ويحمله رئيس من عائلة اشتراكية عرفت تاريخيا بمواجهة اليمين المتطرف وأفكاره السياسية داخل المجتمع الفرنسي. والكل-اليوم- يتساءل عما أصاب الرئيس الفرنسي وجزءا من أغلبيته التي جرت وراء هذا المشروع ووراء الأفكار المحافظة والرجعية في المجتمع الفرنسي والتي يمثلها أقصى اليمين والذي يدافع عن فرنسا المحافظة وعن أفكار فيشي الذي تعاون مع الاحتلال النازي ولم يتردد في إرسال مواطنيه من اليهود نحو المحرقة. هذا المشروع، لم يفهم مغزاه الرأي العام الفرنسي بصفة عامة، وكذلك الذين ينتمون إلى عائلة اليسار، وتبني مبدأ لا علاقة له بهذه العائلة السياسية، خاصة أن أغلب المختصين بمن فيهم الوزير الأول ذكروا أن هذا القانون ليس له أي جدوى في محاربة الإرهاب، بل إنه أدى إلى إذكاء الميز بين الفرنسيين وتشجيع الممارسات العنصرية التي ارتفعت ضد الأقلية المسلمة بين الأحداث الإرهابية. مشروع إسقاط الجنسية، كان يستهدف الأقلية المغاربية بفرنسا وباقي الأقليات الأجنبية من خلال معاقبتها مرتين، من خلال حكم القضاء ومن خلال عقوبة إضافية وهي سحب الجنسية، فقط لأن أصولهم أجنبية. طبعا سقوط مشروع فرنسوا هولند جاء في ظرفية سيئة للرئيس، قبل سنة على الانتخابات الرئاسية،وهو ما جعله يفقد جزءا من حزبه ومن اليسار وكذلك أصوات الأقليات الأجنبية بفرنسا، التي لن تصوت لصالح مرشح قدم مشروعا دستوريا يستهدفها. و رغم فشله، فقد خلف هذا المشروع جرحا، وهو تذكير جزء من الفرنسيين بأنهم من أصول أجنبية، وهو أمر لن يتم نسيانه بسهولة، فسقوط مشروع «سقوط الجنسية» سوف يسقط معه المرشح فرنسوا هولند ربما في الانتخابات الرئاسية المقبلة.