غادرت كريستين توبيرا وزيرة العدل الفرنسية حكومة مانييل فالس، بفعل تراكم الخلافات السياسية كان أهمها قرار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند تغيير الدستور من أجل إدخال بند إسقاط الجنسية على المواطنين الفرنسيين مزدوجي الجنسية، هو ما يعتبر ميزا وعدم مساواة بين مواطني الجمهورية الفرنسية، بين ذوي الأصول الفرنسية الذي يطبق عليهم القانون في حالة اتهامهم بالإرهاب وبين الفرنسيين ذوي الأصول الأجنبية الذي يطبق عليهم القانون في حالة اتهامهم بالإرهاب. لكن بالإضافة إلى ذلك، يتم سحب الجنسية الفرنسية منهم، وهو ما يعني أن عقوبة الفرنسيين من أصول أجنبية هي مزدوجة، وهو ما يضرب أحد أهم مبادئ الجمهورية الفرنسية وهي المساواة في التعامل بغض النظر عن الأصول. طبعا وزيرة العدل التي عانت من العنصرية حتى وهي وزيرة تعرف هذا «المرض الفرنسي « المزمن بفرنسا وهو العنصرية، حيث إن فرنسا بعد عدة عقود على نهاية الحقبة الاستعمارية مازالت تعامل جزءا من مواطنيها حسب أصولهم. هذا التمييز بين المواطنيين حسب أصولهم يعبر عليه اليمين المتطرف لمارين لوبين بصراحة ووضوح. لكن بعد العمليات الإرهابية الشنيعة التي ضربت باريس وخلفت عددا كبيرا من الضحايا، اقترح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند، في حالة غضب، قانونا كان يطالب به اليمين المتطرف وجزء من اليمين الفرنسي، وذلك بسحب الجنسية من ذوي الجنسية المزدوجة، وذلك أمام البرلمان بغرفتيه. هذا القرار الرمزي والذي ليس له أي فعالية في محاربة الإرهاب حسب رئيس الحكومة الفرنسية نفسه، لكنه يستهدف جزءا من الفرنسيين أي مزدوجي الجنسية والذي يقدرون بأكثر من 3 ملايين حسب الإحصاءات الرسمية. رغم أن هذا الاستهداف هو رمزي، لكن هذه الرمزية تمس أحد أهم أسس الجمهورية الفرنسية وهي المساواة. لهذا فإن مشروع القانون هذا الذي يوجد حاليا بالبرلمان وخلق نوعا من الانزعاج حتى داخل الأغلبية الحاكمة، خاصة داخل الحزب الاشتراكي الذي ينتمي إليه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند، وذلك بعد أن رفضه عدد كبير من أعضاء الحزب، وكذلك حلفائه من حزب الخضر. طبعا تشبت الحكومة الفرنسية بهذا الإصلاح جعل وزيرة العدل في وضعية جد حرجة، خاصة انها صرحت أمام العموم انها ضد هذا الإصلاح الذي أعلن عنه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند، وهو ما جعل العديد من أعضاء المعارضة يطالبون باستقالة كريستين توبيرا، بسبب هذا التناقض في موقفها مع الرئيس الفرنسي، وخاصة رئيس الحكومة مانييل فالس المدافع الشرس عن هذا الإصلاح من أجل اسقاط الجنسية. ويبدو أن استقالة وزيرة العدل كانت فوق مكتب الرئيس الفرنسي مند شهر تقريبا،وتأخرت بعد وعود الرئيس بإيجاد مخرج من هذا المأزق أي قانون سحب الجنسية عن المواطنين الفرنسيين ذوي الجنسية المزدوجة. وهو ميز ولا مساواة اعتبرتها وزيرة العدل، تتناقض مع مبادئها، خاصة أنها تعرضت للعنصرية وهي وزيرة من طرف المتظاهرين المحسوبين على اليمين أثناء التظاهرة ضد قانون الزواج للجميع، والذي يتيح بفرنسا للمثليين من النساء والرجال الزواج فيما بينهم. كما أنها تعرضت لهجوم من مجلة «فالور اكتيال» وهي مقربة من اليمين المتطرف. ورغم التعديل الذي أدخل على قانون سحب الجنسية، فإن ذلك لم يكن كافيا، حيث أنه سحب من التعديل عبارة «مزدوجي الجنسية» من اجل الوصول إلى الاجماع خاصة داخل صفوف اليسار. كما انه تم إضافة سحب الجنسية إلى عدد من الجرائم الكبرى بالإضافة الى الإرهاب كما اشترطت المعارضة بزعامة نيكولا ساركوزي من أجل التصويت بالإيجاب على هذا التعديل الدستوري. لكن رغم تعديل شكل هذا القانون وسحب كلمة مزدوجي الجنسية لكنه ظل يستهدفهم دون غيرهم. لذلك قررت وزيرة العدل المغادرة، وقالت عبر تويتير»المقاومة تكون بالصمود أحيانا وبالرحيل أحيانا أخرى لتكون الكلمة الفصل للاخلاقيات والحق». طبعا دافع رئيس الحكومة مانييل فالس أمام لجنة القوانين بالجمعية الوطنية الفرنسية عن القانون الجديد، وحتى إذا تمكن الرئيس الفرنسي من الحصول على التعديل الدستوري وإقناع مختلف مكونات حزبه، فإن هذا التعديل كان ثمنه باهظا على المستوى السياسي، حيث فقد وزيرة العدل التي كانت ترمز إلى اليسار. وبخروجها يطلق الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند يساره، ولم يعد بحكومته في شكلها الحالي أي ممثل ليسار حزبه بعد خروج بونوا حامو وزير التربية الوطنية وارنو مونتبورغ وزير إعادة تأهيل الاقتصاد في وقت سابق. فهل اختار الرئيس من أجل بدء حملته الانتخابية في أفق السنة المقبلة الطلاق مع اليسار والتقرب من الجناح الليبرالي بالحزب الاشتراكي والوسط بالمجتمع الفرنسي من أجل الفوز في الانتخابات المقبلة؟