مدينة محمد السادس طنجة تك تستقطب شركتين صينيتين عملاقتين في صناعة مكونات السيارات    بعد عزل بوديقة.. مقاطعة مرس السلطان تنتخب خليفته بالأغلبية    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية الباراغواي    موسم الصيف.. الترخيص ل52 شركة طيران ستؤمن 2060 رحلة أسبوعية منتظمة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على أداء سلبي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    إضراب كتاب الضبط يؤخر قضية "مومو" إلى الأسبوع المقبل    انتخاب المكتب التنفيذي للمرصد المغربي لمكافحة التشهير والابتزاز    تطوان تستضيف الدورة 25 للمهرجان الدولي للعود    منظمة الصحة العالمية: أمراض القلب والأوعية الدموية تتسبب في وفاة 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    ب910 مليون دولار.. طنجة تيك تستقطب عملاقين صينيين في صناعة السيارات    بعد نسخة 2021.. "الفيفا" يعلن استضافة قطر لكأس العرب في النسخ الثلاث المقبلة    الفيفا يحسم موقفه من قضية اعتداء الشحات على الشيبي    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يتوقع نمو الاقتصاد المغربي ب 3 بالمائة في 2024    زنيبر: رئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان ثمرة للمنجز الذي راكمته المملكة    شباب لا يشتغلون..ليسوا بالمدرسة ولا يتابعون أي تكوين"!    طاقات وطنية مهاجرة … الهبري كنموذج    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    دراسة: صيف 2023 الأكثر سخونة منذ نحو 2000 عام    الرئيس السابق للغابون يُضرب عن الطعام احتجاجا على "التعذيب"    ضبط 11 كيلوغراما من الكوكايين في الناظور.. مقدم شرطة يقع في قبضة العدالة    زلزال قوي يضرب دولة جديدة    قصيدة: تكوين الخباثة    بوصلة السوسيولوجي المغربي الخمار العلمي تتوجه إلى "المعرفة والقيم من الفردانية إلى الفردنة" في أحدث إصداراته    أمريكا تشجع دولا عربية منها المغرب على المشاركة في قوة متعددة الجنسيات في غزة    الجديدة: حجز 20 طنا من الملابس المستعملة    معرض هواوي العالمي "XMAGE" ينطلق لأول مرة بعنوان "عالم يبعث على البهجة"    المنتخب المغربي للفتيات يقصد الجزائر    الجيش الملكي ومولودية وجدة يواجهان الدشيرة وأولمبيك خريبكة للحاق بركب المتأهلين إلى المربع الذهبي    وفاة عازف الساكسفون الأميركي ديفيد سانبورن عن 78 عاما    رجوى الساهلي توجه رسالة خاصة للطيفة رأفت    معرض الكتاب يحتفي بالملحون في ليلة شعرية بعنوان "شعر الملحون في المغرب.. ثرات إنساني من إبداع مغربي" (صور)    بلاغ جديد وهم من وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة    حصيلة حوادث السير بالمدن خلال أسبوع    عملاق الدوري الإنجليزي يرغب في ضم نجم المنتخب المغربي    تكلفة المشروع تقدر ب 25 مليار دولار.. تأجيل القرار الاستثماري النهائي بشأن أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب    رسالتي الأخيرة    احتدام المعارك في غزة وصفقة أسلحة أمريكية جديدة لإسرائيل بقيمة مليار دولار    الرئيس الروسي يزور الصين يومي 16 و17 ماي    بلينكن في كييف والمساعدات العسكرية الأمريكية "في طريقها إلى أوكرانيا"    كيف يعيش اللاجئون في مخيم نور شمس شرق طولكرم؟    لقاء تأبيني بمعرض الكتاب يستحضر أثر "صديق الكل" الراحل بهاء الدين الطود    دعوات لإلغاء ترخيص "أوبر" في مصر بعد محاولة اغتصاب جديدة    المنتخب المغربي يستقبل زامبيا في 7 يونيو    هل يتجه المغرب إلى تصميم المدن الذكية ؟    شبيبة البيجدي ترفض "استفزازات" ميراوي وتحذر تأجيج الاحتجاجات    ميراوي يجدد دعوته لطلبة الطب بالعودة إلى الدراسة والابتعاد عن ممارسة السياسة    المغرب يجدد رفضه التهجير القسري والعقاب الجماعي للفلسطينيين    الأمثال العامية بتطوان... (598)    هذا الجدل في المغرب… قوة التعيين وقوة الانتخاب    بعد القضاء.. نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح "أسترازينيكا"    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    دراسة: البكتيريا الموجودة في الهواء البحري تقوي المناعة وتعزز القدرة على مقاومة الأمراض    لماذا يجب تجنب شرب الماء من زجاجة بلاستيكية خصوصا في الصيف؟    الأمثال العامية بتطوان... (597)    نقابة تُطالب بفتح تحقيق بعد مصرع عامل في مصنع لتصبير السمك بآسفي وتُندد بظروف العمل المأساوية    الأمثال العامية بتطوان... (596)    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية «بعد بيروت» لرائدة الشلالفة: كتابة مغرقة بالشعرية وتعارك الأرواح المشروخة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 21 - 06 - 2016

الرواية هي فن سرد الأحداث والقصص ، وتضم الكثير من الشخصيات التي تختلف انفعالاتها وصفاتها ، وهي من الأشكال الراقية في فنون الأدب النثري ، وتعتبر الأكثر حداثة في الشكل والمضمون ، وتحتوي الرواية على قواعد فنية تعرف عليها العرب في بداية القرن الماضي لتشكل حقلاً متميزا في حدائق وواحات الأدب العربي والثقافة العربية الحديثة .
وبدون شك فان الرواية أكثر صعوبة وتعقيداً من القصص، لها تأثير كبير في المجتمع حيث تتحدث عن المواقف وتجارب البشرية في زمان ومكان معين، وتعطينا عبرة ونصيحة أو قصة ودرس نستفيد منه في المواضيع العاطفية والتاريخية والسياسية والاجتماعية والنفسية.
وعندما حاول النقاد والباحثين تعريف الرواية اعتبروا أن الرواية هي تلك التي تتجاوز الأطر الواقعية والتقليدية المألوفة إلى أطر رمزية وإيحائية ودلالية، وتتضح هذه الأطر من خلال الرمز التراثي أو التوليدي، أو الحلم أو تيار الوعي. ورغم أن إرهاصات الرواية التجديدية قد ظهرت في فترة مبكرة مع الواقعية ، إلا أنها شكلت مرحلة بارزة منذ أواخر الستينات وحتى نهاية هذا القرن، وقد اتسمت الرواية في هذه الفترة الزمنية بمجموعة من السمات، منها استلهام التراث وتوظيفه فنياً في نسيج الرواية بحيث يحمل أبعادا رمزية وإيحائية ودلالية ، والتشكيلات المستخدمة للأبنية الزمانية والمكانية.
إن المبدع الحقيقي لا يقيم طويلا على ضفاف الواقع الموضوعي أو في مختبره الاجتماعي فسرعان ما يتحول إلى عالمه الداخلي خصوصاً بعد انكساره المروع في هزيمة يونيو حزيران وبعد الخروج من بيروت والمتغيرات الكبرى التي شهدتها المنطقة العربية وأفول القضية الفلسطينية وانشطاراتها بعد أن كانت القضية المركزية للأمة العربية ، مناجياً ذاته المأزومة وكاشفاً أسراره ومعلنا آثامه في أتون الحالة الإبداعية المتجددة. وقد أصبح دور الكاتب/الروائي بان يحيل نصه الخارجي إلى صرخة إدانة ضد المحيط الخارجي القاتل للحلم والملوث لحياة الانسان ، ولعل السمة الأبرز في حركة الإبداع الروائي العربي هي التحول ورصد التحولات سواء في الأشكال والتقنيات أو في المضامين وقد لاحظت خلال متابعاتي للرواية العربية كيف ينصّب المبدع من نفسه شاهداً ومؤرخاً لرصد الحركة الاجتماعية التاريخية بمجملها وكذلك الشهادة على ذاته المفردة ولكن من خلال تشابكها بالجماعة أو اشتباكها معها.
وبعد استعرضنا لماهية الرواية وخصائصها، سنحاول أن ندلف على رواية جديدة من الروايات العربية، فقد قرأت باهتمام ومصاحبة رواية «بعد بيروت» (1) للكتابة الروائية رائدة الشلالفة، وهي باكورة أعمالها الروائية، وتتناول الرواية بخطابها الروائي السياسي مرحلة حساسة ومهمة من تاريخ النضال الفلسطيني في لبنان، حيث الصفحات البيروتية وما فيها من حكايات وقصص ووقائع ومشاهد متباينة ، وفي فصلها الأول تكشف الرواية مرحلة خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت وتكشف تفاصيل المجزرة التي طالت نحو ثلاثة الآف فلسطيني ولبناني في مخيم شاتيلا وحي صبرا منتصف أيلول 1982وتعري الأدوار القذرة التي قامت بها مليشيات الموت اليمينية الانعزالية خدمةً لشارون وسياساته الدموية ، مروراً بعودة شخصية الرواية المركزية «زياد» إلى عمان وما أعقب ذلك من تناول الرواية والروائية لتجربة «أدب السجون» حيث يقضي «زياد» فترة زمنية قصيرة في السجن كمعتقل سياسي. وتأتي الرواية التي قدم لها الناقد والشاعر الفلسطيني محمد دلة في 155 صفحة من القطع المتوسط، وقد حمل الغلاف صورة للمصورة الإيرانية جوهر دتشي. الرواية تحفل بالوقائع والتجارب التي عكست قدرة الكاتبة على تقديم نصٍ جديد ٍ برؤية نقدية متجذرة بمفاهيم ومنطلقات تأويلية، نصوص مغرقة بالشعرية، ففي شعرية النص يكمن سبر غور النفس الأمّارة بالأمل، الأمارة بالهزيمة، وبها تكمن أيضاً مجاهيل النفس الأمارة بسوء الأخوة، والأمارة بسوء كونٍ أدمن فينا، وكأننا منذورون لأمكنةٍ نتّم فيها سور العشق، لتصفعنا بانتماء ناقص، أو تدلق الأرز على خطانا التي تنزف هزائمنا وتولمنا في البعد عشاءً كما كتب صديقنا الشاعر محمد دلة في تقديمه للرواية. في العادة يكون السيناريو المألوف الحب في ظل الحرب أما في رواية «بعد بيروت» فالحرب هي الذاكرة الرئيسية الممتلئة بالحب، تقف الحرب معترضة طريق السلام الإنساني، تعارك الأرواح المشروخة في اختزال الصور الحية للاغتراب والمسافة الزمنية للنسيان، حيث تتراوح أزمنة السرد بين أحداث العدوان الإسرائيلي الثاني على لبنان في 1982م وبين ما بعد الحرب بسنوات كثيرة انتهت المجزرة وعلقت كل أحداثها في ذاكرة الناجين يخبروننا بهول الكارثة الإنسانية والخذلان والتواطؤ على الدم الفلسطيني كي تكون الوثائق شاهدة على الحقيقة التي لن يمحوها الزمن وهي عدم احترام حرمة الدم العربي.
تتكاثف الغيوم بين الحب والحرب ، مسلمة بطوفان من المد والجزر وحالة الغربة التي تجمد من عاش الحرب وما بعدها.. بين الحب والحرب أشلاء طفولةٍ وأمومةٍ مغتصبة وقتل وتشريد وإبادة بشرية ولما تبقى من مظاهر الحياة بين جنبات المجزرة وأعمال تعذيب وتنكيل تثقل كاهل الذاكرة ، بين الحب والحرب صوت الضمير يغفو حيناً ويبكي حيناً ويتألم حيناً ليفرح في نهاية المطاف!
«بعد بيروت» رواية مدهشة تحاكي الواقع العربي وغوغائية الألم وتسلط الضوء على الجدار المشروخ وحالة الاغتراب التي تؤدي إلى مفارقات في الأنساق القيمية والصراعات الناتجة والآثار النفسية من عزلة وعصاب الصدمة ومرحلة الكمون والتكرار والتذكر الدائم للمجزرة وإعادة تنظيم الشخصية من تغيير عادات النوم والتفكير والتقوقع على فكرة الدائرة المنغلقة على سبيل المثال وذلك لعدم تكرار الفشل في صنع قرار تُبنى عليه حالة من الاستقرار الدائم فيما بعد..«بعد بيروت» تحاسب الضمير العربي على تبني الفكرة النازية في استنزاف ما تبقى من الكرامة والانسياق نحو جدلية :ما هو الإنسان ؟!
وجاءت «بيروت» بطلة الرواية وجسدها لموقعها ومكانتها في الوجدان العربي والفلسطيني وأيضا موقعها الاستراتيجي واحتوائها التوأمة والمؤاخاة في الدم العربي فإن تدميرها كوحدة أساسية تقوم عليها محاور السياسة والتاريخ والإعلام العربي سيكون مطمع دائم كبير للدول الناهبة للقضاء على الفلسطيني أينما وُجد.
تجلت هيكلية السرد ما بين الأسلوب التقريري في سرد أحداث مجزرة صبرا وشاتيلا والسرد التصويري والبنية المجزأة «حكائياً» طغت الجماليات الفنية مستندة على الوصف الأدبي الذي يخضع لسياق الرواية، كما في المقاطع التي تتحدث عن «كمال وفاطمة ونجلاء» بصفتهم أبطال الرواية والشخصيات الرئيسية التي تخاطب الأنا الوجداني والعقلي للقارئ دون أن يتغلغلها مؤثرات تشتت انتباه القارئ أو تخرجه من حقيقة المشهد الموصوف .
هناك حس عالٍ بالمسؤولية اتجاه القضية العامة التي تنقل وقائعها الروائية والبنية السردية للفعل الكلامي الذي تسيطر عليه وتخضعه لمعايير النجاح في الجمل الخبرية الطويلة لحال العاشق. وبدون شك فان الرواية لدى رائدة الشلالفة هجين من الوعي الحسي والإدراكي من جهة والانشطار الذاتي وا-لتمرد على منظومة السجن العقلي الذي يخضع له الإنسان بالمطلق.
فضاء روايتها منفتح بحدود التأويل حيث يفرض المنطق الداخلي للرواية التماسك ثنائي الدلالة يجانس الموروث الثقافي للكاتبة والجانب المنطوق والمسكوت عنه في ثقافة القارئ. نجحت رائدة الشلالفة في تكثيف أفكارها وتوظيف تقنياتها القادرة على إنتاج روايتها وسرديتها بلغة ذات حمولةٍ دلاليةٍ تتكئ على الرمز والغموض الشفيفين أحياناً وعلى الصورة الفنية حيناً آخر، حيث تمتلك الرواية مقوماتها الفنية وقدرتها على الحضور بالإمكانات التعبيرية والجمالية الخاصة بها، فضلاً عن قدرتها على إثارة الأسئلة الثاوية في الأعماق وتشخيص محدداتها واستنطاق كوامنها.
هناك مهارة طاغية للغة الشعرية بصفحات الرواية والتي تجلت في اعتلاء المساحات الجاذبة التي يدور في فلكها القارئ، لغة بكر تطل علينا مفعمة بحركاتها ودهشتها ولم تفسدها محدودية المعنى ولا قصور الدلالة، لغة ممشوقة القوام، يتشكل في محيطها خطاب روائي/شعري يستل من غمد القلب حرارة اللحظة، وينسج في فضائه رؤية لا تذعن للحبس في قواقع الألفاظ المحدود التي تستنزف العقل وتجهد التفكير، بل تأتي سخيةً رخيةً على مهاد من إيقاع ينساب ناعماً حميمياً يحترف الهمس ونبذ الصراخ. رواية استطاعت أن تكسر قواعد اللغة وان تقوم بتهجين النصوص الأدبية السابقة التي غرقت في رتابة أشكالها باتجاه نص متحول يعبر صيرورة الفن وصيرورة المعرفة التي أصبحت أهم صفاتها، تتمرد على الشكل التقليدي للرواية لتقدم رؤية جديدة من «حطام الأشكال القديمة» فهي أحيانا تتمادى في لغتها على «لغة الشعر» وكأنها القصيدة/الرواية أو الرواية القصيدة وتقدم لغة شعرية مغرقة بالمفارقات الاستعارية والكنايات تأخنا إلى ذلك الولع باشتقاق العلاقات الجديدة للكلمات دون أن تأخذ شكلها النهائي كونها حالة فيضٍ تطرح أسئلتها وتعانق حلمها وأوجاعها وتمضي .
ختاماً فان رواية «بعد بيروت» لرائدة الشلالفة رواية صادمة بحيثياتها وبما تضمنته من فصولٍ مأساويةٍ ونستطيع أن نقول أنها اليوميات الأكثر طزاجةً ووضوحاً وصدقاً في ملحمة صبرا وشاتيلا.
(*) شاعر وناقد فلسطيني
- صدرت الرواية عن " فضاءات للنشر والتوزيع " عمّان 2014


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.