سعيد حجي .. اهتمامٌ متزايد يبعث فكر "رائد الصحافة الوطنية المغربية"    باحثون يوصون بمناقشة "الحق في الموت" والمساعدة الطبية على الإنجاب    أشنكلي: سوس ماسة "قلعة تجمّعية" .. والحزب يواجه "الأعداء" بالعمل    عمور تستعرض "إنجازات وزارة السياحة".. برادة ينتشي بنتائج مدارس "الريادة"    بلمعطي: أستمر في إدارة "أنابيك"    ترامب في أول ظهور له بعد الهجوم: المنشآت النووية الإيرانية دمرت بشكل تام وكامل    عقيلة رئيس ألمانيا تحضر فعالية ببرلين    الرجاء يواجه ناديين أوروبيين بالصيف    تكريم الركراكي في مؤتمر بمدريد    أولمبيك آسفي إلى نهائي كأس العرش    وحدة لتحلية مياه البحر في اشتوكة    الفوتوغرافيا المغربية تقتحم ملتقيات آرل    "ها وليدي" تقود جايلان إلى الصدارة    حملة دولية تعارض قتل الكلاب الضالة بالمغرب.. و"محتج فيلادلفيا" في سراح    تل أبيب تبارك القصف الأمريكي لإيران وتؤكد ان التنسيق كان على أعلى مستوى    نتنياهو بعد ضرب إيران: ترامب غيّر مجرى التاريخ    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية بعدد من المناطق حتى الأربعاء المقبل    توتر عالمي بعد قصف أميركي .. كيف سترد إيران؟    الولايات الأمركية تدخل الحرب.. ترمب يعلن ضرب مواقع نووية في إيران ويصف الهجوم ب"الناجح جدا"    عاجل: ترامب يعلن عن ضربات جوية أمريكية "ناجحة جداً" ضد منشآت نووية إيرانية    لحسن السعدي: الشباب يحتلون مكانة مهمة في حزب "التجمع" وأخنوش نموذج ملهم    تأمين إمدادات مياه الشرب لتطوان وساحلها من سد الشريف الإدريسي    عملية "مرحبا 2025" تُسجل عبورا سلسا للجالية عبر طنجة وسبتة في انتظار أيام الذروة    الحكم على الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي !!    نشرة خاصة: زخات رعدية وطقس حار من السبت إلى الأربعاء بعدد من مناطق المغرب    زخات رعدية اليوم السبت وطقس حار من السبت إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    انطلاق تشغيل مشروع مهم لنقل الماء الصالح للشرب بين مدينة تطوان ومنطقتها الساحلية    عارضة أزياء : لامين يامال أرسل لي 1000 رسالة يدعوني لزيارة منزله    عضة كلب شرس ترسل فتاة في مقتبل العمر إلى قسم المستعجلات بالعرائش وسط غياب مقلق لمصل السعار        المدير العام لنادي مالقة الإسباني لكرة القدم: أكاديمية محمد السادس حاضنة للتميز في خدمة الكرة المغربية    عرض أوبرا صينية يُبهر جمهور مكناس في أمسية ثقافية مميزة    صحافية إسبانية استقصائية تفضح انتهاكات البوليساريو وسرقة المساعدات في تندوف    مهرجان كناوة .. منصة مولاي الحسن على إيقاع حوار الكمبري والعود والأفروبيتس    مونديال الأندية.. الوداد ينهي تحضيراته لمواجهة يوفنتوس غدا الأحد    من العيون.. ولد الرشيد: الأقاليم الجنوبية، منذ المسيرة الخضراء، عرفت تحولات كبرى على كافة المستويات    روبي تشعل منصة موازين بالرباط بأغانيها الشبابية    هزة أرضية جديدة ببحر البوران قبالة سواحل الريف    إعلامي مكسيكي بارز : الأقاليم الجنوبية تتعرض لحملات تضليل ممنهجة.. والواقع بالداخلة يكشف زيفها    حفل "روبي" بموازين يثير الانتقادات    العاصمة الرباط تطلق مشروع مراحيض عمومية ذكية ب 20 مليون درهم    اتصالات المغرب تستثمر 370 مليار لتطوير الأنترنت في مالي وتشاد        اعتقال 10 متورطين في شبكة مخدرات بالناظور    وفاة سائحة أجنبية تعيد جدل الكلاب الضالة والسعار إلى الواجهة    الترجي يسجل أول فوز عربي وتشيلسي ينحني أمام فلامينغو وبايرن يعبر بشق الأنفس    الوداد يعلن تعاقده رسميا مع السوري عمر السومة    البنك الأوروبي يقرض 25 مليون دولار لتطوير منجم بومدين جنوب المغرب    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    تراجع أسعار الفائدة قصيرة المدى في سوق السندات الأولية وفق مركز أبحاث    حرب الماء آتية    توظيف مالي لمبلغ 1,72 مليار درهم من فائض الخزينة    باحثون إسبان يطورون علاجا واعدا للصلع    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظرية ما بعد الاستعمارية أو الكولونيالية

يعتبر مصطلح ما بعد الاستعمارية أو ما بعد الكولونيالية من المصطلحات الجديدة في حقل الدراسات الأدبية وتحليل الخطاب، لا سيما ما ارتبط منه بمرحلة تاريخية من مراحل توسع الإمبراطوريات الأوروبية العظمى وبداية تراجعها مع مطلع أربعينيات القرن العشرين وحتى حدود ستينياته، وما خلفته هذه الظاهرة من نظم في التفكير والسلوك، ما زالت آثارها بادية بدرجات متفاوتة.
وإذا كان هذا النوع من الدراسات يطمح إلى تحليل بنية الخطاب الاستعماري والوقوف على آثاره في الحياة اليومية للشعوب التي كانت ضحية التوسعات الإمبريالية، فإن البحث في الظاهرة قد أخذ منحى مغايرا حين حاول الوقوف على فرضية كون الاستعمار التقليدي قد انتهى وأن مرحلة الهيمنة قد حلت محله وخلفت ظروفا مختلفة من المظاهر ما بعد الاستعمارية، والتي تستوجب تحليلا أكثر دقة ومنهجية، تنفي فرضية ما يسميه بعض الدارسين ب « المابعدية «.
أصل الدراسة ما بعد الاستعمارية
في تعريفهما للتيارات والمصطلحات النقدية المعاصرة، يؤكد الباحثان ميجان الرويلي وسعد البازعي في كتابهما « دليل الناقد الأدبي « أن إدوارد سعيد يأتي في طليعة محللي الخطاب الاستعماري، بل يعده بعض الدارسين رائد هذا الحقل ( ميجان الرويلي وسعد البازعي « دليل الناقد الأدبي « ط 4 – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء 2005 . ص: 158 ). ففي كتابه « الاستشراق « الصادر في سنة 1978 ، ساهم سعيد في فتح حقل من البحث الأكاديمي هو الخطاب الاستعماري ( نفسه ) وهو الخطاب الذي حاول المزج فيه بين امتدادات الخطاب السياسي وانصهاره في مختلف أشكال الإنتاجين المعرفي والثقافي، مستفيدا في ذلك من مما سبق أن تناوله كل من ميشيل فوكو وأنطونيو غرامشي، ممن وضعوا أسس البحث في الخطاب الاستعماري، بالإضافة إلى بعض فلاسفة مدرسة فرانكفورت مثل ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر.. ووالتر بنجامين وهاناه أريندت ( نفسه ).
ويعتبر بعض الدارسين أن حقل الدراسة ما بعد الاستعمارية يشكل جزءا من حقل النظرية الثقافية أو الدراسات الثقافية متعددة الفروع، الذي يعتمد على الانثروبولوجيا وعلم الاجتماع ودراسات الجنوسة والدراسات الإثنية والنقد الأدبي والتاريخ والتحليل النفسي وعلم السياسة والفلسفة... في تفحصه للنصوص والممارسات الثقافية المختلفة ( دوغلاس روبنسون « الترجمة والإمبراطورية: الدراسات ما بعد الكولونيالية، دراسة الترجمة « ت: ثائر ديب – مجلة نزوى العدد 45 – ص: 41 ).
وعلى هذا الأساس، فإن اعتماد المنظرين والدارسين والمشتغلين في مثل هذا النوع من الدراسات الثقافية على فكرة « الهيمنة «، كما حددها الباحث الإيطالي غرامشي في وصفه البنى السياسية والاجتماعية والثقافية والإيديولوجية والفكرية السائدة في المجتمع، كان يتم من خلال استخدامهم – في العادة – لمصطلح « مناهضة الهيمنة « في وصف أنفسهم وما يقدمونه من أعمال ( نفسه ).
من هنا تأتي بعض الدراسات، التي أعادت طرح السؤال حول أنساق فكرية سابقة اتصفت بكونها رائدة في خلخلة الأنساق الفكرية والإيديولوجية التي قبلها، والتي كانت تتسم بغير قليل من اللبس في شرح الظاهرة الاستعمارية. ففي كتابه « ميثولوجيا بيضاء: كتابة التاريخ والغرب « الصادر في سنة 1990 ، يعمد الباحث الإنجليزي روبرت يونغ إلى تحليل بعض جوانب الفكر الماركسي، في محاولة منه لتأكيد الطابع التبريري الذي انحاز إليه ماركس في قراءة الظاهرة الاستعمارية الإنجليزية خاصة في الهند، حيث اعتبر ماركس – حسب يونغ – أن للاستعمار البريطاني للهند نتيجة إيجابية تتمثل في إدخال الهند في سياق التاريخ الغربي المتطور، وهو ما يعتبره الكاتب استمرارا لمقولة هيغل الشهيرة « إن إفريقيا بلا تاريخ « (ميجان الرويلي وسعد البازعي، ص: 159 ).
نشوء النظرية ما بعد الاستعمارية
يمكن إرجاء تحول الدراسات ما بعد الاستعمارية إلى نظرية قائمة الذات إلى ثلاث مراحل أساسية (دوغلاس روبنسون، نفسه، ص: 41)، أولها الإسهام البارز الذي قام به عدد من المفكرين الغربيين الراديكاليين، من أمثال فريدريك نيتشه، لوي ألتوسير، فريدريك جيمس، جاك دريدا، ميشيل فوكو، أنطونيو غرامشي، إدوارد سعيد...، ممن اعتبروا أصحاب فكر انقلابي اتجاه الافتراضات التقليدية المتعلقة بتاريخ المعرفة، وذلك على خلفية مراجعة الدراسات الاستشراقية، التي أنجزها كتاب وباحثون أوروبيون، في محاولة منهم للإحاطة بالآخر غير الأوروبي. وقد اعتبرت هذه الخطوة محاولة أولى لفك شفرات الخطاب الاستشراقي ووضعه ضمن سياقه التاريخي كخطاب مهد الطريق أمام الآلة العسكرية لاجتياح أماكن كثيرة نعتت في أوقات سابقة بأنها « فاقدة للقدرة على التقدم « كما هو الشأن بالنسبة للتصور الإنجليزي حيال الهند.
أما المرحلة الثانية - حسب روبنسون دائما - فهي التي اهتمت بالتأريخ للقومي، والذي جاء كرد فعل على تلك النظرة الغربية الاستشراقية، التي لم تكن ترى في الهند، مثلا، سوى مرتع غامض لديانة حسية طفولية. وإذا كان البعض يعتبر هذا الانكباب على إعادة تشكيل الصورة القومية وإحياء مظاهرها في وجه كل القراءات الغربية الإمبريالية قد ساهم في بعث وتأجيج الإحساس القومي للمستعمرات السابقة، إلا أن ذلك – في نظر البعض الآخر - قد ساهم، بشكل سلبي، في إعادة إنتاج طوق من الأفكار ذات البعد العرقي أو الأسطوري القديم، مما يمكن اعتباره بداية مسلسل جديد من الانكفاء عن الذات في جانبها المنغلق.
وبخصوص المرحلة الثالثة، والتي يصفها روبنسون بمرحلة التأريخ لما بعد الكولونيالية، فقد اعتبرت محاولة لتجاوز مآزق المرحلتين السابقتين، أي التأريخ للاستشراق والتأريخ للقومية، من أجل تحديد زاوية النظر، سواء للآخر ( الأوربي ) كوافد غريب، أو ما خلفه هذا الآخر من أفكار وخطابات وسلوكات لم تكف عن التناسخ، وبأشكال متعددة، في فترة ما بعد الاستقلال. وهنا يبرز اتجاهان دراسيان آخران حاولا الخوض في هذه المرحلة.
فمن جهة، هناك وجهة النظر الماركسية، التي يؤكد روبنسون على أنها تتيح للباحث ما بعد الكولونيالي تحديد بنى القوة التي تواجه التابع، بل تتيح له أيضا صياغة « سياسات هوية « متماسكة في معارضة الأنظمة السياسية والإيديولوجية الظالمة.
ومن جهة أخرى، هناك المقاربات ما بعد البنيوية، التي تمنح للباحثين إمكانية النظر للطرائق واللحظات التي تتصلب فيها رؤى الهوية والتحرر المتماسكة هذه، وتتحول إلى أساطير مترعة بالحنين وتوقع التابع مرة أخرى في شراك ماض ثابت ( دوغلاس روبنسون، ص: 41 ).
المستعمَر وقراءة الظاهرة
إذا كانت الدراسة وبعدها النظرية ما بعد الاستعمارية قد وجدت في المفكرين الأوروبيين الراديكاليين، ممن كانوا مناهضين للفكر الاستعماري الغربي، المؤسس لهذا التفكير الجديد، وفق ما أفرزته الإمبراطوريات الأوروبية المتأخرة من مظاهر الاستيلاب والهيمنة ومحو خصوصية الآخر، فإنها – في المقابل – أفرزت مجموعة من الباحثين من داخل المناطق التي كانت مستعمَرة، والذين ساهموا، كل من زاوية نظره، في وضع تصورات ليست فقط داعمة للدراسة ما بعد الاستعمارية، ولكن أيضا مؤسسة على منوالها مجالات أخرى للبحث والقراءة والدرس. ويكفي هنا أن نشير إلى الحركة الإفريقية المعروفة ب « الزنجية «، التي ساهم الشاعر والرئيس السينغالي الراحل ليوبولد سيدار سنغور في وضع ملامحها، حيث اعتبرت هذه الحركة منعطفا لتجميع القيم الثقافية للعالم الأسود، في أفق بناء إنسانية جديدة ( ميجان الرويلي وسعد البازعي، ص: 160 ).
نفس المنحى سلكه بعض الباحثين العرب، ونخص هنا بالذكر كلا من حسن حنفي وعبد الوهاب المسيري ثم أنور كمال، الذين اهتموا بدرس الاستشراق وحاولوا تطويره وتجاوزه من خلال نحث مفهوم مناقض وهو الاستغراب. فحسن حنفي يعتبر الاستغراب الوجه الآخر المقابل بل النقيض للاستشراق...، حيث يحدد مهمته في فك عقدة النقص التاريخية وعلاقة الأنا بالآخر، ومن ثم القضاء على مركب العظمة لدى الغربي، بتحويله من ذات دارسة إلى موضوع مدروس، والقضاء على الإحساس بالنقص لدى الأنا، بتحويله من ذات مدروسة إلى ذات دارسة ( ميجان الرويلي وسعد البازعي، ص: 40 ).
خلاصة القول، إذا كانت النظرية ما بعد الاستعمارية قد أسهمت في خلخلة جملة من التصورات والأفكار التي بنت عليها الإمبراطوريات الغربية مشروعها الإمبريالي، والتي بقيت سائدة في فترة « الما بعد «، فإنها بادرت، باعتبارها محطة تجميع والتقاء لمختلق حقول العلم والمعرفة الحديثة، إلى إنتاج خطابات أخرى مغايرة، بلورت هي الأخرى أسئلتها وإشكالاتها عن الآخر، لتحوله من ذات دارسة إلى ذات موضوع درس، الأمر الذي أعطى لدرس النقد الثقافي زخما إضافيا، بات أمر تحديد مجالاته غاية في التعقيد والتشعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.