هل بإمكاننا أن نستخلص الدروس من أحداث تجري أمام أعيننا؟ بالتأكيد لا إذا كان الأمر يتعلق بقياس نجاحها أو فشلها وانعكاساتها غير المباشرة، نعم إذا ما اعتبرنا مثل كانط بالنسبة للثورة الفرنسية، أنه كيفما كانت التطورات، وقع شيء لا رجعة فيه بالنسبة لنظرتنا للانسان وللتاريخ. نفس الظاهرة وقعت سنة 1848 و1968 و1989 عدوى بارود تنتشر من بلد إلى آخر: شعوب اعتقدنا أنها خانعة تستيقظ تعبر أو تنتفض في وقت واحد أو بتتابع سريع. وبشكل متناقض فهذه الثورة التي تنتشر في منطقة بأكملها، غالبا ما تكون لها مطالب مختلفة من بلد إلى بلد، كما حدث في أوربا سنة 1948، كانت الثورة وطنية بالأساس هنا، اجتماعية هناك، أو موجهة قبل كل شيء ضد السلطة الفردية. والمسارات يمكن أن تختلف حسب الثقافات وبنيات مختلف الدول، وبالأخص حسب ردود فعل الأنظمة القائمة. فتونس ومصر اللتان توجد بهما مؤسسة عسكرية مستقلة نسبيا وشبيبة متعلمة وطبقة متوسطة تختلفان عن الآخرين. ومن المحتمل جدا أن ينتصر القمع والفوضى في بلدان أخرى. وحتى إن كان الأمر كذلك وحتى إن كانت تونس أو حتى مصر قد تعرفان أياما محبطة، فإن»ارحل» التونسية وساحة التحرير المصرية والمظاهرات التي تتحدى الرصاص في سوريا، أسقطت بشكل صارخ ثلاث صور نمطية مهيمنة: صورة العالم العربي المحروم من السياسة وصورة الاستقرار الاساسي للأنظمة الاستبدادية والتطرف الديني أو الهوياتي لم يعد يبدو الوحيد الذي يلهب العواطف القوية والديمقراطية التي تعيش أزمة في كل مكان تقريبا. وعقيدة حقوق الانسان التي تنادي بها العقول القوية، استعادت شبابا جديدا عندما تخاطر الحشود السلمية بحياتها حول شعارات من قبيل «حرية، مساواة، كرامة» « والعولمة والهجرات ووسائل الاعلام الجديدة خلقت رفضا وقطائع متعددة سهلت التواصل بين شباب غير عنيف ينحدر من ثقافات مختلفة. من جهة أخرى كشفت الدكتاتوريات الابوية والرأسماليات المستبدة التي تمجدها الشركات الصناعية الغربية باسم النظام والاستقرار، كشفت عن هشاشتها. وتؤكد ذلك بشكل واضح ردود الفعل الخائفة والمعادية أمام الثورات العربية. على مستوى السياسة والاقتصاد العالميين، فالحصيلة المؤقتة غير مشجعة. فالديمقراطيات أكثر استقرارا على المدى البعيد ولكنها غير متوقعة على المدى القصير. والجغرافيا السياسية لمنطقة الشرق الاوسط ولاسيما الصراع الاسرائيلي الفلسطيني دخلت منطقة من عدم اليقين وانفراط الثقة بين العربية السعودية والولاياتالمتحدة قد يؤدي إلى عواقب بالنسبة لسوق النفط ستكون أوربا أول من يعاني منه. وهناك خطران في الأفق، خطر أزمة اقتصادية محتدة أكثر في مصر وتونس بسبب فوضى المرحلة الانتقالية وخطر العواقب الكارثية للصراع الليبي. وفي الحالتين تجد أوربا نفسها في الصفوف الأولى، هل ستكون لها القدرة والرغبة لاستعادة الاتحاد من أجل المتوسط من أجل مساعدة هذه الدول على بناء ديمقراطيتها؟ وأخيرا، وكيفما كان مصير التدخل في ليبيا، فإن دعم الدول العربية المحتشم ونصف انسحاب الولاياتالمتحدة والالتزام الهش لفرنسا وبريطانيا، وبالأخص التناقض بين الاكراهات الأممية، قد تعطي الانطباع بتدخل غربي جديد ضد بلد مسلم متوج مرة أخرى بفشل أو بنصر صعب، أضف إلى كل هذا أعداد اللاجئين التي تحاول الوصول إلى السواحل الايطالية وردود فعل المواطنين الأوربيين التي تشجعها في رفضها اللعبة الخطيرة للشعبويين اليمنيين والحكومات الاوربية التي تسايرها. هناك الكثير من الأشياء التي يتعين فعلها، منعها وتداركها، حتى لا يقوض الوضع السياسي الراهن الآمال التي أنعشتها الثورات العربية. عن ليبراسيون